“مهما نظرت، أرى أن هذا السلاح وأسلوب القتال لا يناسبانك على الإطلاق، عليكِ أن تجربي شيئًا آخر.”
سألته بارتباك.
“وهل هذا ممكن؟”
ابتسم قليلًا وأجاب.
“هناك بعض الأولاد يملكون أسلحة احتياطية، سأستعير لك واحدًا.”
بدأت ريتا تجرب واحدًا تلو الآخر من أسلحة الآخرين الاحتياطية، حتى استوقفتها البندقية السحرية.
وبعد أن تعلّمت بصعوبة بالغة أساسيات إطلاق النار، دخلت إلى قاعة التدريب، وهناك اصطادت أول وحش سحري في حياتها.
ذلك الشعور بالفخر الجارف والانتصار ما زال حيًا في قلبها حتى الآن.
بعدها طلبت من باسكال أن تستبدل سلاحها. نظر إليها بدهشة، كأن الأمر نادر الحدوث، لكنه في النهاية سلّمها بندقية سحرية.
ومنذ ذلك اليوم، تغيّرت المعلومات التي تُغرس في عقلها أثناء النوم، وصارت مرتبطة بفنون الرماية والبنادق السحرية.
وبفضل تلك البندقية، تحوّلت ريتا من تلميذة على حافة الرسوب إلى متفوقة مذهلة.
أما جيد، فقد بدّل سيفه إلى اليد اليسرى، وبذلك ارتفعت كفاءته هو الآخر بشكل ملحوظ.
وهكذا مضت سنتان.
ثم قال باسكال.
“الآن… وقت امتحان التخرج.”
قادهم إلى أطلال قديمة تحيط بها منحدرات صخرية شاهقة، وفي قاعها وادٍ غريب.
“في وسط الخراب هناك مستعمرة من الفطر الأزرق، عليكم أن تجلبوا زهرة واحدة لكلٍ منكم، أول خمسة يصلون بها… يتخرجون.”
لكنهم لم يعلموا في تلك اللحظة أن ذلك المكان كان يقع خارج الخط الدفاعي الأخير.
حيث تلوثت الأرض بقوة السحر الفاسد، حتى إن الإنسان العادي لا يمكنه أن يتنفس فيه بلا حماية.
وحدهم الملتزمون بـ العهد وقادرون على استخدام الأود يمكنهم الصمود هناك.
الغريب أن جميع الأطفال كانوا يعرفون كيف يقاومون ذلك التلوث عبر الأود، وكأن التعليمات قد زُرعت في عقولهم مسبقًا أثناء “زمن النوم”.
إلا أن ريتا وحدها لم تكن تعلم، فالمعلومات التي حُشرت في رأسها لم تتضمن شيئًا عن مقاومة التلوث السحري.
وما إن خطت داخل الخراب حتى بدأت السموم تنفذ إلى جسدها.
سقطت على الأرض وهي ترتجف في نوبة اختناق، فاندفعت غريزتها لتختبئ في زاوية مظلمة لئلا تثير انتباه الوحوش.
وكان جيد هو من عثر عليها في النهاية.
رفعت رأسها بصعوبة، والدموع في عينيها من الألم، فرأت وجه الصبي متوترًا وهو ينحني نحوها قائلًا..
“ريتا… اجمعي الأود في يديك، ثم غطّي به أنفك وفمك، هكذا… نعم، تمامًا… والآن اعتادي عليه شيئًا فشيئًا، ثم حرري يديك.”
بفضل مساعدته، نجحت في السيطرة على الأود ومقاومة التلوث، فأخذت تتنفس بعمق وهي تلهث، ثم نظرت إليه وقالت بصوت مبحوح..
“لكن… الامتحان للخمس الاوائل فقط ألا تضيع وقتك معي؟”
ابتسم وقال ببرود ساخر.
“فليكن… إن لم أتخرج الآن فلن أموت.”
بينما كان الآخرون قد اندفعوا مسرعين نحو الفطر الأزرق، وصل الاثنان متأخرين إلى مركز الخراب.
وهناك واجها المشهد المفزع ، وحوش رهيبة كانت تلتهم زملاءهم واحدًا تلو الآخر، في المكان نفسه حيث نبتت مستعمرة الفطر الأزرق.
اندلعت معركة شرسة.
قاتلا بكل ما يملكان، وبمعجزة نجا الاثنان بعد أن ظفرا بزهرة فطر واحدة لكل منهما، وخرجا من الخراب.
كان باسكال بانتظارهما عند المخرج.
نظر إلى جاي دون أدنى دهشة، كأن الأمر كان متوقعًا، لم يتفاجأ حتى حين رأى أن بقية الأطفال لم ينجُ منهم أحد، لكن حين وقعت عيناه على ريتا، ارتسمت في وجهه لمحة استغراب خافتة.
وبعد لحظة صمت قال. “لقد تخرجتما.”
ثم أرسلهما إلى الخط الدفاعي الأخير، مرددًا بصوت مهيب كلمات العهد.
“لا تخافوا الموت، فموتكم سيكون بذرة أمل، تذكّروا… سيأتي يوم تنقذكم فيه هذه الكلمات.”
كان عمرهما حينها اثني عشر عامًا.
منذ تلك اللحظة، صارا جنديين في الخط الأخير، وفي الفصيل نفسه، كانت المرة الأولى التي يلتقيان فيها بأشخاص غير باسكال أو زملائهم القدامى.
لكن الترحيب لم يكن ودودًا.
“يقولون إن أولاد باسكال انضموا إلى فصيلنا؟”
“أليسوا مجرد وحوش متنكرة؟”
كان الجو غريبًا ومشحونًا بالعداء.
لكن لحسن الحظ، لم يكونا وحيدين؛ كل ليلة بعد العشاء، كانا يجلسان معًا، يتحدثان طويلًا حتى يغلبهما النعاس.
قال جاي ذات مرة وهو يحاول أن يهدئها.
“قد يبدون متوجسين منا، لكنهم ليسوا سيئين حقًا، إن تحدثتِ إليهم فرادى ستكتشفين ذلك، إنهم فقط لا يعرفوننا… لا يكرهوننا بصدق.”
شيئًا فشيئًا، اندمجت ريتا مع الفصيل.
كانوا جميعًا أكبر سنًا، لكنهم عاملوا الفتاة الصغيرة بعفوية، لا كـ”ابنة باسكال”، بل كطفلة عادية.
أما جاي، فقد لفت نظر قائد الفصيل بسرعة، عبر ذكائه ومهارته الفائقة، وأتقن فن التملق الصامت، سرعان ما رآه القائد مفيدًا وذو قيمة.
لكن القائد كان فاسدًا، ضعيف الكفاءة، وطماعًا.
وحين نال كل من ريتا وجاي شرفًا عسكريًا عظيمًا بإنجازاتهما، وصلا إلى مسامع القيادة العليا.
عندها، ازدادت شراهة القائد، وطالب بمزيد من أبناء باسكال لفصيله.
فانضم طفلان جديدان، أحدهما مقاتل، والآخر مختلف… فتاة ذات شعر قصير ونظارات، ساحرة تدعى أولي باسكال.
ما إن رأت بندقية ريتا حتى قالت بازدراء.
“أي خردة هذه؟ أعطني إياها.”
ثم أصلحتها وطورتها بمهارة.
ومنذ ذلك الحين، توطدت صداقتهما شيئًا فشيئًا.
كما علما أن باسكال كان يدرب في مكان آخر أطفالًا مخصصين للسحر والشفاء.
أما الطفل الآخر، فكان صبيًا يدعى ماكس، أكبر منهما بسنتين، رشيق الحركة.
سرعان ما صار صديقًا مقربًا لهما، وأخبرهما بأسرار جديدة..أن باسكال يملك مواقع تدريب عديدة، وأن تخرج فصيل ريتا بِخسائر كهذه كان نادرًا للغاية.
قال بابتسامة ودودة. “عندنا لم يمت أحد، كلنا تخرجنا سويًا، أنتما فقط نجوتما؟ لا بد أنه كان أمرًا رهيبًا.”
وهكذا أصبحوا أصدقاء.
لكن القائد تمادى في طمعه.
سعى وراء إنجازات أعظم بأسلحة جديدة، حتى قادهم إلى مواجهة وحش مجهول من أخطر الأسماء الملعونة.
كان عمر ريتا أربعة عشر عامًا حين التقت بـ الميميك لأول مرة.
في تلك المعركة، قُتل جميع رفاقها، حتى ماكس، كانت ساحة مذبحة، وحدها ريتا عادت حيّة، جثة تتحرك محطمة الجسد.
حين رآها جيد وأولي، أصابهما الهلع.
لقد فقدت وعيها من هول ما شهدت، وعادت بإصابات تكاد تودي بحياتها.
والأسوأ، أنها تعرضت لعقوبة الأود، إذ رآها الوحش ولم تستطع القضاء عليه، وبذلك خالفت عهدها “بقتل كل وحش يظهر أمامها”. فبدأ الأود يتمرد في جسدها، ينهشها من الداخل، يهاجم أعصابها، يصيبها بحمى شديدة وتشنجات.
لا تذكر من تلك الأيام إلا ومضات غائمة. فقط أنها لم تكن وحيدة، أولي وجيد كانا بالتناوب إلى جوارها، يحاولان إبقاءها على قيد الحياة.
ومع مرور الوقت، شُفي جسدها من الجروح، وانتهت عقوبة الأود.
لكن عقلها بقي أسير الصدمة.
كانت تجلس في المستشفى، تحدّق في الفراغ بعينين ميتتين.
أما القائد، فلم يبدُ عليه التعاطف.
دخل عليها يومًا وحدق بها كما لو كانت آلة معطلة.
بعد أيام قليلة، اقتحمت أولي الغرفة مذعورة.
“جيد… تحدى القائد! الوضع يتدهور، سيقتله!”
شهقت ريتا مذهولة.
“ماذا؟! لكنه لم يكن يومًا متهورًا… لماذا؟!”
ترددت أولي، ثم همست بمرارة. “على ما يبدو… القائد الحقير قال شيئًا عنكِ… شيئًا لا يُحتمل.”
اندفعت ريتا نحو خيمة القائد، وهناك رأت المشهد المروّع، القائد يغرس أداة حادة في عين جيد اليمنى، كان الصبي يصرخ ويضغط بيده على وجهه الدامي، فيما القائد يرفع الأداة مرة أخرى نحو عينه الأخرى.
يجب أن أمنعه. يجب أن أنقذه. ذلك كان كل ما فكرت فيه.
سحبت سلاحها، وأطلقت النار لأول مرة على إنسان.
لم يكن هدفها القتل… لكن الرصاصة أصابته.
صرخ القائد المحتضر بأعلى صوته،
“الوحوش! أولاد باسكال يقتلون البشر!”
ثم ضغط زرًا بجانبه، فانفجرت قنبلة.
هرع الجنود الآخرون، لكنهم لم يروا القائد الفاسد كما عرفه جيد وريتا.
كانوا قد وثقوا به، لأنه عاملهم كأشخاص، لا كأدوات مثلما فعل مع “أبناء باسكال”. وبمجرد أن رأوا الجثة، انقلبوا عليهم جميعًا.
لم يبقَ أمام ريتا خيار، صوبت فوهة البندقية. اندلعت الانفجارات واحدة تلو الأخرى، ودوي الرصاص يزلزل المكان.
وسط الجحيم، فرّت مع جيد الذي كان نصف ميت، ولحقت بهما أولي صارخة. “خذاني معكما!”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 25"