“هل هي حساسية من نوعٍ ما؟ لم تكن لديك وأنت صغيرة… هل ظهرت مؤخرًا؟ يا إلهي، لم أكن أعلم… أنا آسفة.”
بدت الدوقة وكأنها على وشك البكاء، لا تعرف ما تفعل، ثم استدارت نحو مديرة المشغل.
“مدام، هل سمعتِ؟”
“نعم، بالطبع! سأجهز ملابس لا تحتوي على رائحة الباتشولي على الإطلاق، فلا داعي للقلق!”
سارعت المدام بنداء الموظفين وأعطتهم تعليمات حازمة، الملابس التي أُحضرت بعد ذلك كانت أقل فخامة بقليل، لكن دون أي أثر لرائحة الباتشولي.
“ليلي، هل أصبحتِ بخير الآن؟ إن كنتِ لا تزالين منزعجة أو مرهقة، يمكننا العودة إلى المنزل فورًا…”
“لا، أمي… أنا بخير حقًا.”
ابتسمت ريتا ابتسامة واسعة قدر ما تستطيع.
في الحقيقة، كانت مرهقة ومتعبة، ليس من رائحة الباتشولي، بل من كل شيء آخر.
كانت تحس بتوتر مزعج بسبب الغرباء الذين يتحركون حولها باستمرار، يلمسون جسدها بذريعة أخذ القياسات، ما جعل أعصابها مشدودة.
كانت تتنبه لأي شخص يقترب، وتكبح غريزتها في رد الفعل العنيف… تكتم غضبها كي لا تعوج يد أحدهم في لحظة انفعال.
تعبت بسرعة، بطبيعة الحال.
لكنها لم تكن ترغب في إفساد هذه اللحظة لوالدتها التي تبدو في قمة السعادة، ولا إفساد هذه النزهة القصيرة، أرادت أن تُريهم أنها لا تزال ليلي المحبوبة، النقية، المشرقة.
غير أن نية ريتا لم تنعكس على وجه الدوقة، بل زاد وجهها تصلبًا.
مدت يدها، ولمست خد ابنتها بحنان، ثم همست بشفاه مرتجفة:
اتسعت عينا ريتا في دهشة، وبقيت جامدة، حتى ضمتها الدوقة إلى صدرها، بحنوٍّ عارمٍ يكاد يطوي عليها العالم.
كأنها تود أن تحميها من كل شيء.
“لماذا تدّعين أنك بخير وأنتِ لست كذلك؟ هل تظنين أن أمكِ لا يمكنها أن تلاحظ؟”
وفي ذلك الحضن، رأت ريتا أن ذراعي أمها ترتجفان.
خطر ببالها مشهد قديم، كانت تحسده من بعيد.
أمٌّ تحتضن طفلها لتحميه من رصاصة توجهت إليه.
حتى ذراعا تلك الأم كانت ترتجف، بضعف لا ينكسر، قوة الأمومة الهشة لكنها لا تنثني.
سألتها الدوقة، وهي تمسح على شعرها:
“أنتِ تتألمين الآن، أليس كذلك؟”
من دون أن تدري، تعلقت ريتا بأمها، تمسكت بثوبها بقوة.
نظرت إلى يدها… ناعمة، بلا خدوش، بيضاء نقية.
لكنها، في عين ذاكرتها، رأت يدًا مغطاة بالدماء، لزجة، مليئة بالجروح.
هل كانت أمها ستحتضنها بهذه الطريقة أيضًا لو رأت تلك اليد؟
هل كانت ستظل تراها ابنتها حتى لو لم تعد ملاكًا أو جنية صغيرة؟
“لقد… تغيرت كثيرًا.”
لم تعد تحب اللون الوردي، ولا الأرانب الصغيرة.
لم تعد ترسم، ولا تهتم بالملابس الجميلة ولا الحلي البراقة.
كانت ليلي فتاة رقيقة، تحب الناس ولا تؤذي حتى حشرة.
أما ريتا باسكال، فتستطيع تمزيق وحش شيطاني حيًّا، وتستطيع أن تطلق رصاصة في جبهة من يستجديها بالبكاء والدموع.
قتلت من الناس عددًا لا تتذكره حتى.
قالت لها الدوقة بحنان:
“أخبري أمك، صغيرتي… ما الذي يؤلمك؟”
أجابت ريتا، وهي تُخفي وجهها في حضن أمها:
“…………وجود الغرباء من حولي… يُتعبني.”
“أوه… فهمت، آسفة يا صغيرتي، كنت مُهملة توجب عليّ معرفة ذلك.”
أجابتها الدوقة بألم، وانحنت تطبع قبلة دافئة على جبينها، ثم استدارت نحو مدام المصممة:
“مدام، رجاءً… لُفِّي كل هذه الملابس وأرسليها إلى قصر البتولا وتحرِّي جيدًا أن لا تبقى فيها أي رائحة من الباتشولي.”
“أجل، بالتأكيد! لا تقلقي، سأهتم بالأمر بنفسي!”
“هيا، لنعد يا ليلي.”
قالت الدوقة وهي تنهض وهي تضمها بذراعها، فيما سارع ريهارت إلى الخارج لإحضار العربة من جديد.
ركبت ريتا مع والدتها العربة، وجلست الدوقة أمامها، تنظر إليها بوجه يفيض بالقلق والندم.
“ليلي، سنعود مباشرة إلى البيت، فلا تخافي بعد الآن.”
“لا… ليس خوفي من الناس، إنما…”
أسدلت ريتا صوتها، إذ كان وجه والدتها على وشك البكاء.
“آه… لقد فسروا الأمر على أنني مررت بتجربة مرعبة، فأصبحت أخاف الغرباء.”
أجل، كان ذلك مفهومًا… لكن سوء الفهم هذا، ماذا ستفعل به الآن؟
حاولت تمالك نفسها، لتصحح ما فُهم خطأ.
“أمي، أنا في الحقيقة—”
“كياااااااه!”
“آااااه!!”
صرخة حادة مزقت الجو، تبعتها صيحات ذعر. فتحت ريتا نافذة العربة بسرعة ونظرت إلى الخارج.
كان السائق يتريث قليلًا ليُحمل ما جلبه موظفو المشغل من هدايا قبل الانطلاق.
وفي تلك اللحظة، كان هناك جمع من الناس يقف على مسافة، يتهامسون، ويتطلعون بفضول إلى العربة التي تزينها شارة آل لاسكايل، كانوا يهمسون عن الابنة الوحيدة التي عادت بعد عشر سنوات من الغياب.
وانطلقت الصرخة من جهة أولئك المتفرجين.
“و… وحش!!”
“وايفرن! إنها وايفرن!!”
“وحش في وسط المدينة؟! مستحيل!!”
“اهربوااا!!”
ظهر فجأة من فوق سقف مبنى قريب مخلوق ذو حراشف، بجسم يشبه السحلية، وأجنحة تشبه أجنحة الخفاش بدلًا من الأذرع، كان وحشًا متوسط الحجم يُعرف باسم الوايفرن.
جلس على حافة السقف العالية، يحدق بأعينه الصفراء اللامعة إلى الناس في الأسفل.
كأنه يبحث عن فريسة.
“لماذا ظهر هذا اللعين في المدينة…؟!”
صرخ ريهارت، الذي كان في العربة الأخرى، ثم سحب سيفه وركض في اتجاه الوحش.
لكن الوايفرن كان أسرع، فرد جناحيه وقفز نحو الأرض بسرعة صاروخية.
كان هناك طفل صغير سقط أرضًا بعد أن دُفع في الزحام، وانقض الوحش نحوه بلا رحمة.
وشعر ريهارت، وهو يركض في اتجاه الطفل، بأن الأوان قد فات.
لن يصل في الوقت المناسب.
ولكن— في تلك اللحظة بالذات، دوى صوت إطلاق نار قوي، تبعه خط من الضوء الذهبي اللامع شق السماء في مسار مستقيم.
اخترق ذلك الضوء جمجمة الوحش بدقة قاتلة، وأرداه ميتًا في لحظة.
اندفعت دماء زرقاء في كل اتجاه، فيما سقط الجسد الضخم أرضًا، خالي الرأس، ككومة من اللحم المتناثر.
وكان الطفل بخير.
أسرع والداه إلى احتضانه بذعر، بينما وقف ريهارت مشدوهًا، ثم استدار ببُطء خلفه.
ما الذي… حدث لتوّه؟
رأى فوهة بندقية تنسحب ببطء من نافذة العربة، تلاها وجه هانا، التي أطلّت للحظة قبل أن تختفي من جديد داخل العربة.
“بندقية؟ هل كانت… ليلي؟!”
أدرك ريهارت فورًا أن تلك الطلقة لم تكن إلا من يد ليليتا.
غير أن شخصًا آخر، كان يراقب المشهد من فوق السطح، توصل إلى استنتاج مختلف تمامًا.
“هاه؟ ما هذا بحق الجحيم؟”
كان شابًا بشعرٍ أبيض وعيونٍ حمراء كقطرات الدم، وملامحٍ تشير بوضوح إلى إصابته بالمهق كان يرتدي قبعة سوداء تخفي ملامحه جزئيًا، ويراقب المشهد من الأعلى.
“هذا… سحر البندقية؟! ما أطلقته قبل قليل… كان سحر بندقية، أليس كذلك؟!”
وما إن لمح وجه هانا وهي تلوح من نافذة العربة، حتى اتسعت عيناه بذهول.
“ريتا باسكال؟!”
وحين اختفت هانا داخل العربة، تراجع الشاب إلى الوراء، كأن الصدمة أضعفته فجأة، جثا على ركبتيه، وسقط على السطح كأنه فقد توازنه.
“كنت فقط أمرّ لأتأكد من أن الابنة المفقودة عادت فعلًا… لكن… ريتا باسكال؟! هل هذا حقيقي؟! كيف…؟! كيف حصل هذا؟!”
تدرّج البياض في وجهه إلى احمرار شديد، رفع يديه إلى وجهه، يكرر الشتائم بعصبية، ثم تمتم وكأنه يئن:
“ريتا عادت… ريتا باسكال عادت! اللعنة… كنت قد فقدت كل أمل… كيف حصلت هذه المعجزة؟! هل عادت كليًّا؟ أم أنها في طريق العودة؟ لو كانت قد عادت تمامًا، لَكُنّا اكتشفناها… لقد بحثنا كالمجانين!”
مرر يده بعنف بين خصلات شعره الأبيض، ثم انفجر ضاحكًا بسعادة لا تُوصف.
“هاه… متى بدأت عودتها؟ قبل أيام فقط؟ كم تذكرت من ذاكرتها؟ هل ستعرفني لو رأتني؟ لا، ربما ليس بعد… لكن… وجدناها أخيرًا، اللعنة، لقد وجدناها!”
توقف فجأة، ثم اعتدل في جلسته وقال:
“آسف، قائد جاي، هذه المرة… أنا من سيلتقي بريتا أولًا.”
أطلق صفيرًا خفيفًا، ثم تبخّر من المكان، والابتسامة تعلو وجهه كمن ظفر بأغلى كنزٍ في حياته.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 22"
واخيرا نزل الفصل ممرا متحمسه للرواية هاذي يعطيك العافية ع الترجمة