الحلقة الثانية.
كانت المرأة قد انساقت في تفكيرها بسبب ملابسها، مما جعلها تنسى أمره تمامًا، لكنها انتفضت فجأة مندهشة تلاقت أعينها مع عينيه مجددًا.
وجهها كان دقيقًا كدمية، ملامح ليليتا الطفلة ما زالت واضحة في ملامحها.
أحس ليونهارت بتيار قوي من اليقين يمر عبره بشكل غريزي.
تلك المرأة هي ليليتا ديل نيسا لاسكايل، شقيقته الوحيدة التي اختفت منذ عشر سنوات.
شعر وكأن رأسه أصبح خاليًا من التفكير، كما لو أن شعره قد شاب دفعة واحدة، مد يده بسرعة نحو المرأة.
“ليلي…”
لكن قبل أن يتمكن من احتضانها، ابتعدت هي عن يده، ثم نظرت إليه بنظرة مليئة بالحذر.
“من أنت؟”
نظر ليونهارت إلى وجهها الحاد بنظرة متجمدة.
كانت هذه النظرة مختلفة تمامًا عن ليليتا التي يعرفها، كانت باردة وجافة، وبدت كأنها خالية من الحياة.
ومع ذلك، كانت هي ليليتا بلا شك، لا يمكن أن تكون شخصًا آخر، نفس الوجه، نفس الصوت، نفس الملابس.
لكن لماذا لا تتعرف على عائلتها؟
لقد مرّ عشر سنوات، ورغم مرور كل هذا الوقت، ظهرت كما كانت يوم اختفائها، متغيرة فقط في العمر، هذا كان أكثر ما جعله يشعر بالغرابة.
سألها بخوف تملك صوته:
“هل لا تذكرينني، ليلي؟”
“ليلي؟”
هزت المرأة رأسها قليلاً ثم نظرت إليه باهتمام.
ثم تنهدت.
“همم، تبدو يائسًا جدًا، وأعتذر لأنني سأخيب ظنك، لكن.”
“……….؟”
“لعلك مُخطئ، اسمي ليس ليلي، بل ريـتا.”
“ريـتا…؟”
كرر ليونهارت اسمها في ذهنه، بدا كأنه أحد الألقاب التي كانت تستخدمها ليليتا.
“هل من الممكن أنها فقدت ذكرياتها بعد اختفائها؟ ربما هي الآن لا تتذكر حتى اسمها، ولذلك أصبحت ريـتا.”
ثم، بحذر، ناداها مجددًا، ولكن هذه المرة باسمها الحقيقي.
“ليليتا.”
“لا، اسمي ريـتا فقط، لا تستخدم ذلك الاسم القديم.”
“……….والعائلة؟”
“باسكال.”
أجابت ريـتا باسكال بتذمر، ثم أمسكت بشعرها الطويل وسحبته بشدة وكأنها تحاول عصر الماء منه.
“لقد جننت، لماذا أصبح شعري طويلًا هكذا؟ وما هذه اللون؟”
نظرت المرأة بعينيها الواسعتين إلى شعرها الذي كانت ممسكة به.
كان شعرها الأشقر الرطب يتوهج تحت الضوء الخفيف للغروب، وكأنه ذهب صافٍ.
نظرت بسرعة إلى الماء تحتها، وأدركت وجهها الذي كان يعكس في سطحه.
فجأة، فتحت فمها في دهشة.
“هذا… ليس جسدي.”
تمتمت المرأة بصوت شارد وهي تنظر إلى وجهها، ثم فجأة شعرت بالدهشة ورفعت يدها لتفحصها.
كانت يدًا ناعمة وصافية، لا شائبة فيها.
“لا يمكن أن يكون هذا حقيقيًا… لمن هو هذا الجسد؟”
ظل ليونهارت يراقبها بصمت، ثم أجاب على تساؤلها.
“ليليتا ديل نيسا لاسكايل.”
نظرت إليه المرأة بتساؤل، فاستطرد ليونهارت مضيفًا بتعقيد في قلبه.
“هي أختي التي اختفت منذ عشر سنوات.”
“أختك؟”
أشارت المرأة إلى جسدها وكأنها تشير إلى شيء غير ذي قيمة، ثم عادت لتسأله بدهشة.
“هل تقول أن هذا جسد أختك؟”
أخذ ليونهارت نفسًا عميقًا وجافًا، ثم أجاب ببطء.
“لا، أقصد أنكِ أنتِ أختي.”
“…….”
صمتت المرأة للحظة، ثم أطلقت نفسًا عميقًا وكأنها تخفي شعورًا مضطربًا ينبع من أعماقها، وهمست لنفسها.
“ها، رأيت وسمعت الكثير من الأشياء الغريبة، لكن هذا أول مرة أسمع عن شيء كهذا.”
“ليلي، أعرف أنكِ مشوشة، لكن من فضلكِ هدئي من روعكِ…”
“استمع إليّ، قلتها وسأقولها مرة أخرى، أنا لست أختك! لسبب ما، جسد أختك هو ما تملكته، لكنني شخص آخر.”
“شخص آخر؟”
“نعم، جسدي الأصلي ليس هكذا، ربما تبدلت الأرواح أو… ربما أصبحت روحًا تائهة في جسد أختك بعد موتي.”
أمسكت المرأة جبهتها كما لو كانت تعاني من صداع شديد، ثم تابعت حديثها.
“إذا حاولت استرجاع الوضع قبل أن أفقد وعيي، أعتقد أنني كنت على وشك الموت… اللعنة.”
نظر ليونهارت إليها بدهشة غريبة.
لقد كانت تلعن، وتبدو في حال من الاضطراب الشديد، ملامح غريبة وسلوك غير مألوف.
لكن لماذا، رغم إصرارها على أنها ليست ليليتا، كان هناك شعور عميق في داخله يؤكد أنها هي، وأنها بالفعل شقيقته؟
“هل هو جسد ليليتا؟ أم أن هناك شيء آخر…؟”
لكن الأفكار كانت تتسارع في ذهنه، وفي النهاية، قرر أنه لا يهم إذا كانت هي ليليتا أم لا، الأهم أنه لا يمكنه تركها على هذه الحالة.
“على الأقل…”
مد ليونهارت معطفه ورفعه نحوها.
“لنعد إلى المنزل، ريـتا.”
“المنزل؟”
“الليل قد حل، ولا يمكنك البقاء هنا في هذه الحالة، دعينا نذهب إلى منزلي.”
“……….”
ترددت المرأة للحظة، ثم نظرت إلى السماء التي بدأت تغرب، ثم نظرت إلى جسدها المبتل الذي كان مغطى فقط بثياب النوم، ومدت يدها لأخذ معطفه.
“لا خيار لي، سأحتاج إلى بعض المساعدة الآن.”
حين ارتدت المعطف، اقترب ليونهارت منها، ومع اقترابه، تراجعت هي بحذر، لكنه سألها بهدوء.
“هل ستسيرين حافية القدمين؟”
“آه.”
“……”
“إذن، اصعدي على ظهري.”
استدار ليونهارت وأعرض عن وجهه، ثم مدّ ظهره نحوها، ترددت المرأة للحظة، ثم تنهدت بعمق، وأخيرًا ركبت على ظهره.
“…شكرًا.”
لم يرد ليونهارت بكلمات، بل بدأ يمشي تجاه القصر.
تذكر لحظة من طفولته، عندما كان يحمل شقيقته النائمة على ظهره في طريق العودة إلى المنزل بعد اللعب بجانب البحيرة.
كان الوزن الذي يحمله على ظهره خفيفًا كما كان في تلك الأيام.
لقد كبر هو أيضًا، تمامًا كما كبرت ليليتا. كان يشعر وكأن الزمن قد عاد به إلى تلك اللحظات.
فيما كانت المرأة التي على ظهره تلتفت إلى البحيرة البعيدة، تمتمت فجأة.
“الغروب يشبه الحرير.”
توقف ليونهارت فجأة في مكانه، نظرت المرأة عليه بدهشة وسألته.
“ماذا هناك؟”
“لا شيء، فقط أفكر في شيء.”
هز رأسه ببطء، ثم استمر في المشي، وهو يحمل في قلبه يقينًا غير مشكوك فيه.
***
كان باسكال من أعظم السحرة وأفضل المدربين العسكريين، كان مشهورًا بقدرته على تحويل الأطفال الأيتام الذين يلتقطهم من هنا وهناك إلى محاربين ممتازين.
كان الأطفال الذين يربيهم باسكال ينطلقون إلى ساحات المعركة منذ سن المراهقة، ليفاجئوا الجميع بقوتهم المذهلة، ويتأقلمون مع الحرب بسرعة غير معقولة.
مع تحقيق هؤلاء الأطفال لإنجازات عظيمة على الجبهة، كان الناس يسألون باسكال عن سر قدرته على إيجاد هؤلاء الأيتام الموهوبين في كل مرة.
كان باسكال دائمًا يجيب بأن ذلك كان نتيجة “تدريب خاص”.
وعند نهاية ذلك “التدريب الخاص”،
وعندما كان يرسل الأطفال إلى المعركة، كان دائمًا يردد نفس الأقوال لهم.
“لا تخافوا من الموت…”
” الموت… الموت…”
همس الفتى ذو الشعر البني بصوت مرتعش، متلعثمًا، وهو يردد كلمات باسكال.
ضغطت ريـتا على الزناد وأدخلت المخزن في السلاح، ثم سحبت الزناد وأعادته ليكتمل التجهيز، قبل أن تتابع كلام الفتى.
“موتك سيكون بذرة الأمل.”
نظر الفتى إليها بنظرة سريعة، ابتسمت ريـتا له محاولة تهدئته.
بلع الفتى ريقه وسأل بصوت منخفض.
“ألستِ خائفة؟”
“مما؟”
“من كل شيء، من تلك الوحوش اللعينة، من هذا المكان المعزول، من أننا قريبًا…”
من أننا سنموت جميعًا، كانت الكلمات التي لم ينطق بها.
لكن ريـتا مدّت يدها نحو رأسه ومررتها عليه بكل عناية.
“آه، ماذا؟!”
“لن أدعك تموت أبدًا، لوكا.”
“ماذا؟”
“لِما ستموت؟ هنالك الكثير من الزملاء الذين سَيحين نحبهم قبلك، لا تزال صغيرًا، لا داعي للقلق.”
“لكن…”
دفعت ريـتا برأس الفتى الذي كان يحاول أن يتكلم، وأردفت قائلة:
“أنا هنا لأحميك بحياتي، فلا تخف.”
“لكن، الحماية هي دوري أنا!”
“هل ساحة المعركة دائمًا تلتزم بالدور المحدد لكل شخص؟”
“إذا كانت الأمور متأزمة، علينا أن نتعامل معها كما هي، لا يزال الطريق طويلًا، طويلًا جدًا، يا صغير.”
“لا تعامليني كطفل! أنا أيضًا باسكال!”
“ريـتا.”
أوقف الصوت الذي ناداها حديثها مع الفتى، كانت امرأة ذات شعر أسود وقصير، ترتدي نظارات.
“أولي؟”
“أعطني مسدسك.”
“لماذا فجأة؟”
“آه، يبدو أنكِ مُرتبكة الآن؟ أعطني إياه.”
أخذت المرأة مسدس ريـتا، وبدأت بتفحصه بسرعة، ثم تنهدت بشكل واضح أمامها.
“أنتِ دومًا تبالغين، أليس كذلك؟ تعيشي حياتكِ كأنكِ على حافة الموت دومًا، يا ريـتا باسكال.”
“أوه، لماذا! طالما أنه لا يزال يعمل، فما المشكلة؟”
“هل تعتقدين أن مجرد عدم العطل يعني أنه لا يوجد مشكلة؟ إذا كان يعمل تحت ضغط زائد، فكأنكِ بذلك تسارعين بِحفر قبرك بنفسك! كما أخبرتكِ مرارًا!”
سارعت المرأة في تفكيك المسدس بسرعة، ثم أعادت تجميعه باستثناء جزء واحد من أجزائه.
“ها هو، خذي.”
“ماذا فعلتِ بـ مسدسي؟”
“أضفت جزءًا لمنع وقوع المشاكل أثناء استخدامه.”
“ماذا؟ متى فعلتِ ذلك؟”
“ذلك الجزء في الأساس أضفته حتى لا تفرطي في استخدامه والضغط عليه لكن، يبدو أنكِ أصبحتِ تفرطين في استخدامه أكثر بسبب هذا الجزء، لذا قررت أن أزيله، و لقد حررت الحد الأقصى للطاقة، لذا الآن، حاولي أن تديري مشاكل المسدس بدلًا من جسدكِ.”
“واو! حقًا؟ تم تحرير القيود على الطاقة؟ الآن أصبح غير محدود؟ هذا رائع… لحظة، لكن إذا تعرض هذا للتلف، ماذا سأفعل؟”
“إذا تعرض للتلف، سأصلحه لكِ، ستكونين أفضل حالًا إذا كسرته، بدلاً من جسدكِ الذي يصعب علاجه، هل فهمتِ؟”
“شكرًا، أولي!”
ابتسمت ريـتا بابتسامة عريضة واحتضنتها بشدة، بينما رفعت المرأة النظارات عن عينيها وتنهدت.
“أنت الوحيدة التي ستكون سعيدة بأن مسدسك أصبح أصعب وأخطر في التعامل معه، يا ريـتا.”
“ماذا؟ هل حررتِ حدود المسدس، ريـتا؟ دائما ما تفعلين اشياءً مميزة.”
خرج رأس ذو شعر بني ذهبي فجأة من الجدار المائل الذي كانوا يجلسون عليه كان رجلًا طويلًا ونحيفًا.
“دائمًا ما تُلوميني على الجنون، لكن بصراحة، أنتِ غارقة فيه اكثر مني.”
نظرت ريـتا إليه بوجه متجهم، موجهة إليه نظرة حادة.
“اصمت، إيثان.”
“لنرَ، كم أصبح السلاح مجنونًا الآن.”
حاول إيثان أن يمسك بمسدس ريـتا، في تلك اللحظة، قفزت شرارات كهربائية من يد ريـتا التي كانت تمسك بالمسدس، مما دفع يده بعيدًا.
“آه، مؤلم!”
“لا تجرؤ على لمس هذا السلاح.”
“أوه، بدلًا من اصطياد الوحوش، قررتِ أن تصيدي البشر الآن؟ يا للروعة!”
أمسك الرجل يده المتألمة وبدأ يبالغ في رد فعله، بينما رفعت ريـتا يدها التي كانت تحمل المسدس عاليًا وأزالتها، ثم ابتسمت بشكل ساخر.
“لمسته بلا إذن، وهذا خطؤك.”
لكن قبل أن تكمل كلامها، ظهر رجل آخر خلفها وأخذ المسدس منها بسهولة.
“ريـتا باسكال، ماذا فعلتِ بهذا المسدس؟”
كان رجلاً طويلًا، ذو مظهر جذاب وشعر أسود.
كان يغطي عينه اليمنى بعصابة، وكان الجرح الكبير يمتد من تحت العصابة إلى خارجها.
فحص بعناية المسدس الذي سلبه منها بعينٍ واحدة، بينما كانت عيناه الأخرى ذات لون بني فاتح، تنقلان نظرة دقيقة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 2"