الحلقة الثامنة عشر.
“ليس هذا ما أقصده، ليلي.”
أخفى ليونهارت وجهه بين يديه، وأطلق تنهيدة مكتومة، ثم تابع:
“ولدتِ هنا، يا ليلي، لم ترتكبي أي ذنب… ومع ذلك، خُطفتِ إلى مكان كالجحيم، كيف يمكن اعتبار ذلك أمرًا عاديًا؟ إطلاقًا، لا يمكن.”
“لكنني فعلاً بخير—”
“كلا، ليلي، يجب أن تغضبي، يجب أن تثوري لما حدث لك، يجب أن تشعري بالظلم، يجب أن تعبّري عما عانيتِه، وتبوحي بما في قلبك، هذا هو الطبيعي… لكنك الآن… تبدين هادئة أكثر مما ينبغي، بشكل غير مألوف.”
نظر إليها بعينين موشكتين على البكاء، أحرجت نظراته ريتا قليلاً.
“أنا… غريبة؟”
فحصت حالتها الذهنية.
لم تجد أي مشكلة.
حتى لو خرج وحش الآن، كانت تملك الثبات الكافي لتتغلب عليه.
“صحيح أن جسدي أضعف الآن، وليس معي سلاحي، لكن عوضًا عن ذلك… أصبح لدي توافق قوي مع الأود.”
أما حالتها النفسية، فهي سليمة تمامًا، لا نوبات، لا حمى أو غثيان ناتج عن التوتر، لا هلوسات، لا أصوات، مشاعرها مستقرة.
“كوني هادئة هو المشكلة؟ أنني لا أغضب؟”
لقد غضبت، وكيف لا؟
غضبت من باسكال، الذي سلبها ذكرياتها كـ ليليتا، وخلق لها هوية جديدة بالكامل.
“لكن… مجرد استعادتي لذكريات ليليتا، لا يعني أنني لم أعد ريتا باسكال.”
لم تكن تكره حياتها كـ”ريتا باسكال”.
رغم ما عانته، كانت تلك الحياة ذات معنى، مليئة بالذكريات الثمينة.
لذلك، حتى عندما كانت بلا ذكريات، كانت تبحث عن طريقة للعودة إلى عالمها السابق.
“وما زلت أرغب بذلك… إن استطعت، أود العودة.”
رؤية عائلتها مجددًا أسعدتها للغاية… لكنها لم تستطع نسيان رفاقها الذين بقوا هناك، في هذا العالم، لا أحد بحاجة إليها، أما هناك… فما زال هناك الكثير لتفعله.
“أنا ليليتا ديل نيسا لاسكايل… لكنني أيضًا ريتا باسكال.”
لهذا السبب، كان التساؤل هو ما يملأها ليس الغضب.
“أريد أن أعرف لماذا فعل باسكال هذا… كيف فعلها… ما هدفه، وأين البقية؟ هل تم خطف باسكالات آخرين مثلي؟”
وربما، لو استطاعت، لبحثت عن طريقة للعودة.
ليس الآن، بل بعد أن تمضي ما يكفي من الوقت مع عائلتها.
“هذا ما أشعر به الآن… هل هذا غير طبيعي؟”
هل عليها أن تغضب أكثر؟ أن تنكر كل ما عاشته كـ”ريتا”؟ أن تتخلى عن تلك الذكريات الآن بعد أن استعادت هويتها كـ”ليليتا”؟
لكنها لم تستطع.
“لم يكن كل شيء سيئًا، لم يكن الأمر بلا جدوى، لو كنت فقط ليليتا، لما التقيت برفاقي، ولا تعلّمت استخدام البنادق السحرية.”
صمتت للحظة، ثم شرحت بهدوء:
“أخي، السبب في أنني أبدو هادئة… هو لأنني بخير فعلاً، لم يكن كل شيء سيئًا في ذلك العالم كان عالمًا بائسًا، نعم، لكننا، أنا ورفاقي… وجدنا فيه الأمل، وعشنا حياتنا بأفضل ما نستطيع.”
…
“لا أغضب أو أشتكي… لأنني تعلمت كيف أتحكم بمشاعري، وأنا طفلة، كنت أبكي وأضحك لأتفه الأسباب… أما الآن، فأنا راشدة.”
فتح ليونهارت فمه ليرد، لكنه ما لبث أن سكت.
غطى وجهه بيده، وقال بصوت مبحوح:
“ليلي… هل تتذكرين تلك الليلة؟ كيف تم أخذك إلى ذلك العالم؟”
“نعم، لكنني لا أعرف السبب، ولا الغرض حتى الآن.”
“هل تخبرينني بما حدث تلك الليلة؟ ماذا جرى لك بالضبط؟”
“…”
ترددت ريتا.
فهي للتو وُصفت بأنها باردة أكثر من اللازم، وإن أخبرته بأنها قررت الاحتفاظ بـ هانا كخادمة رغم أنها كانت الأداة التي خُطفت بواسطتها… فكيف ستكون ردة فعله؟
خاصة إن عرف أنها لم تحتفظ بها لأنّها تثق بها، بل لأنها تخطط لمراقبتها… وربما استخدامها.
“سيظن أنني… اصبحت غريبة.”
تذكرت مصير إحدى الفتيات من فصيلة باسكال، التي عادت إلى أسرتها… لتُستغل وتُترك تموت على الخطوط الأمامية.
كان الناجون يبررون ذلك بأن أطفال باسكال خُلقوا لهذا الغرض، وأنهم ليسوا بشرًا.
حتى في عالمها، كان أبناء باسكال غرباء.
ولم يكن من السهل على البشر تقبّلهم.
والآن، أدركت فجأة كم باتت مختلفة عن ليلي التي كانت قبل عشر سنوات.
“ماذا عن عائلتي؟ ماذا إن لم يستطيعوا تقبّلي؟”
“ماذا إن قالوا إنني لستُ ابنتهم، بل مجرد وحش؟”
عندها، قد تُجرَح فعلًا.
لاحظ ليونهارت صمتها، وابتسم بلطف، وقال:
“لا بأس يا ليلي، يمكنكِ إخباري لاحقًا، كنتُ أنوي أن نستمع للقصة جميعًا، كعائلة.”
“…نعم.”
“خذي وقتكِ الآن، وارتاحي، فكري في كيف تريدين إعادة ترتيب هذه الغرفة.”
نهض ليغادر، لكنها استوقفته سريعًا:
“أخي، انتظر.”
“ما الأمر؟”
“أريد أن أطلب منك شيئًا.”
“أيّ شيء، قولي فقط.”
اختارت كلماتها بعناية:
“بخصوص خادمتي، هانا.”
“هانا؟ ظننتُها خائفة مما جرى، لكنها أصرت على البقاء بجانبك، قالت إن الخطأ كان منها.”
“…نعم، أريدك أن تحقق في أمرها، بقدر ما تستطيع، أعني، من كان والدها، هل لديها أقارب أحياء؟ من كانت تلتقي بهم كثيرًا… أريد كل ما يمكن عن علاقاتها الشخصية.”
“علاقاتها الشخصية؟ لخادمة؟”
“أجل… أريد التأكد من بعض الأمور، وبما أن لدينا الـ’أميثيست’، يمكننا استخدامهم، أليس كذلك؟”
في لاسكايل، حيث تنتشر مناجم الأحجار الكريمة، تطورت صناعة وتجارة المجوهرات.
ومن هنا، وُلد تنظيم الأميثيست، منظمة قديمة أسستها عائلة الدوق، متخفية في هيئة بائعي مجوهرات، تجمع المعلومات وتقوم بمهام خفية، وتملك قدرًا من القوة العسكرية.
ورغم أن الاسم ، أميثيست معروف فقط كوصف للمرافقين الشخصيين لأبناء العائلة، فإن وظيفتهم الحقيقية كانت أكثر خطورة وسرّية.
ورغم دهشته، وافق ليونهارت:
“حسنًا، ليس بالأمر الصعب، لكن… أنتِ لا تملكين أميثيست بعد، سأهتم بالأمر.”
عادة ما يُعيّن أميثيست خاص لأبناء العائلة في عمر ما بين 16 و18 عامًا، ليكون مرافقًا شخصيًا، ووسيلة مراقبة ضمن العائلة.
“سأتحدث إلى كبار الباعة، ليجهزوا لكِ أميثيست خاصًا، يمكنكِ إبلاغه بما تريدين.”
“شكرًا، أخي.”
“لا شكر على واجب، هل ترغبين بشيء آخر؟”
“إن كان ممكنًا…”
ترددت قليلًا، ثم قالت:
“هل يمكنك أن تحضر لي سلاحًا ناريًا؟”
“…سلاح؟”
ظهرت على وجه ليونهارت ملامح ارتباك شديد، فأسرعت لتوضح:
“لا أقصد أنني أريد إطلاق النار على أحد! فقط… أنا معتادة على العيش في ساحة المعركة، والوجود هنا دون سلاح يجعلني غير مرتاحة.”
تذكّر ليونهارت كيف كسرت ريتا مرآة وهددت بها الخادمة، بل وأصابت نفسها أثناء ذلك، وكيف كانت تلمس خصرها كما لو تبحث عن سلاح.
“…تشعرين بالأمان عندما تحملين سلاحًا؟ البنادق خطيرة… هل يمكنكِ التعامل معها؟”
كدت تنفجر ريتا ضاحكة.
“أنا؟ لا أستطيع التعامل مع البنادق؟! لم أسمع سؤالًا كهذا منذ زمن!”
“لا تقلق، أخي، لقد كان سلاحي الأساسي بندقية.”
أجابته بابتسامة، فتردد قليلًا، ثم سأل:
“لكن… هناك أنواع كثيرة من البنادق، أي نوع تحتاجين؟”
“هل لديكم… بنادق سحرية؟”
“سحرية؟ آسف، لا أعرف هذا النوع.”
“كما توقعت، إذًا، ما أنواع البنادق لديكم؟”
“لدينا الكثير في غرفة التخزين، هل ترغبين برؤيتها بنفسك؟”
“نعم!”
نهضت ريتا فجأة، بعينين تتألقان بالحماس، لم يسبق له أن رآها سعيدة إلى هذا الحد.
«حين كانت طفلة، كانت تبتسم هكذا عندما نُهديها أرنبًا محشوًا جديدًا…»
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 18"