الحلقة السابعة عشر.
“لا تقلقي، أمي، لقد كنت بخير طوال تلك الفترة، تعرفت على أصدقاء كثيرين أيضًا، أنظري، لقد كبرت بشكل جيد، أليس كذلك؟”
ابتسمت ريتا على اتساع وجهها وهي تمسك بيد والدتها، نظرت الدوقة إلى ابنتها الجميلة من رأسها حتى أخمص قدميها، وامتلأت عيناها بالدموع وهي تبتسم بعينين محمرتين.
“الشكر للإله… صغيرتي، كم أنتِ جميلة، لقد كبرتِ حقًا بجمال… شكرًا لأنكِ كبرتِ هكذا، رغم كل شيء. كان يجب أن أكون بجانبك… لكن لم أستطع…”
بدأت ملامحها الجميلة تتقلّب وهي تبتسم، ثم انفجرت بالبكاء وعانقت ريتا بشدة.
“ليلي… هيييك، أنا آسفة، كان يجب أن أحميكِ… لقد أضعتكِ، لم أتمكن من حمايتكِ…”
“لا، ليس ذنبكِ يا أمي، لا تبكي، لقد عدت بخير، أليس كذلك؟”
ظلت ريتا في حضن والدتها، حتى نامت من شدة البكاء والإرهاق.
عند باب الغرفة، حيث كان ليونهارت ينتظر بصمت، بدأ يتحدث عندما خرجت ريتا بهدوء.
“هل كنتِ جادة؟”
“بماذا؟”
“عندما قلتِ إنكِ كنتِ بخير.”
“طبعًا، لماذا؟ هل لا يبدو عليّ؟”
سألته ريتا باستغراب، فمسح ليونهارت فمه دون أن يرد، حينها تذكرت حادثة غرفة الملابس، وقالت:
“آه…”
“بسبب ما حدث عند غرفة الملابس، أليس كذلك؟”
“صحيح، لم تتح لي الفرصة حينها لأتحدث هل ترغب في التحدث عنه؟”
“إن لم يكن الحديث صعبًا، فأجل.”
“ليس بالأمر الجلل، دعنا نذهب إلى غرفتي ونتحدث، اخي ليون.”
خطت ريتا باتجاه غرف الضيوف، فأراد ليونهارت أن يمسك بها، لكنها، من دون وعي، صدّت يده بعفوية واتخذت وضعية دفاعية.
“…آه.”
حدّق ليونهارت بدهشة في يده التي أبعدتها، بينما شعرت ريتا بالحرج وحكّت خدها.
“آسفة، أخي… إنها مجرد عادة، حين يقترب مني أحد من الزاوية، أتفاعل تلقائيًا…”
“…ليلي، لماذا لا تنتقلين إلى غرفتك؟”
“غرفتي؟”
“لا يمكنكِ البقاء في غرفة الضيوف إلى الأبد عودي إلى غرفتك ، صحيح أنها ما زالت كما كانت، لكن طلبت إعادة ترتيبها هذا الصباح، يمكنكِ استخدامها مؤقتًا.”
“فكرة رائعة.”
غادر الأخوان الملحق وسلكا طريقهما إلى الغرفة الأصلية لريتا في القصر الرئيسي.
كانت الغرفة محفوظة بالسحر طيلة عشر سنوات، وتم تنظيفها بإتقان في الصباح بأمر من ليونهارت.
نظرت ريتا إلى الغرفة المألوفة بعيون جديدة. لم تعد كما كانت قبل أيام حين دخلتها فاقدة الذاكرة، الآن، كل ركن فيها يعج بالذكريات.
مرّت بين الستائر ذات الطبقات الزهرية والصفراء، وجلست على الأريكة الصفراء التي تتدلّى منها آذان أرنب.
حتى السجادة كانت بلون وردي فاتح، ابتسمت ريتا بمرارة وقالت:
“صحيح… كنت مولعة بالزهري والأصفر في ذلك الوقت.”
“وكنتِ تحبين الأرانب أيضًا.”
أشار ليونهارت برأسه إلى الأرنب الكبير الموضوع على السرير، نظرت ريتا حولها، إلى مجموعات الأرانب الصغيرة المكدسة حوله، والأذنين المعلقتين على الأريكة، وحتى منزل الدمى الذي تعيش فيه الأرانب، ثم ضحكت بخفة.
“نعم… كنت أحب الأرانب كثيرًا.”
“هل ما زلتِ تحبينها الآن؟”
“لا أعلم… أظن أنه لا يهمني كثيرًا الآن.”
على الطاولة أمام الأريكة، كانت تنتشر أقلام التلوين، نظرت إلى دفتر الرسم غير المكتمل، وتذكرت أنها كانت تحب الرسم في صغرها.
“لكنني لم أكن بارعة فيه، لا يمكنني حتى تمييز ما كنت أرسمه.”
جمعت الأقلام المبعثرة دون قصد، ووضعتها في صندوق خشبي ذهبي الزينة بجوار دفتر الرسم، وعندها، ارتبك ليونهارت فجأة.
“ما الأمر؟”
“… لا، لا شيء.”
نظرت ريتا إلى الأقلام التي كانت تضعها. وأدركت فجأة:
“لم يلمس أحد هذه الأشياء منذ غيابي…”
نظرت مجددًا إلى دفتر الرسم، وتذكرت أخيرًا ما كانت ترسمه قبل اختفائها.
“كنت أعد بطاقة تهنئة لتخرج ليونهارت.”
كانت الطفلة ليليتا ترسم بطاقة تهنئة بمناسبة تخرج أخيها، لكنها تأخرت في النوم، وتركت الدفتر مفتوحًا… وفي تلك الليلة، اختفت.
وظلت الأسرة، طوال السنوات العشر، تحتفظ بدفترها وأقلامها كما هي.
تخيل شعورهم وهم يقررون تركها على حالها، فشعرت بوجع في صدرها.
أخرجت الأقلام من العلبة مجددًا، وكتبت على الرسم:
“تهانينا على التخرج!”
مزّقت الورقة وقدّمتها إلى ليونهارت، الذي صمت طويلًا وهو ينظر إلى الورقة، يلمسها برفق.
“وماذا كنتِ سترسمين هنا في الأسفل؟”
“عائلتنا وهي ترحب بعودتك.”
“لم تتعرفي عليها لأن الرسم كان سيئًا جدًا، صحيح؟”
“بل كان جيدًا جدًا.”
“كاذبة، لم تتذكري حتى ما كنتِ ترسمينه.”
“…حسنًا، صحيح، لم أتذكر.”
مرّر إصبعه بلطف على الصورة من جديد، وتمتم بنبرة رخوة:
“كنت دائمًا أتساءل ما آخر شيء رسمتِه… والآن فقط، عرفت.”
نظرت ريتا إلى أخيها الأكبر وهو يتأمل الرسمة الطفولية، ثم التقطت قلمًا من جديد، ورسمت مخلوقًا وحشيًا غريب الشكل.
“ما هذا؟”
“وحش اسمه ميميك.”
“ميميك؟”
“نطلق اسمًا خاصًا على الوحوش القوية والمميزة، ونسميها “وحوش نيمد”.”
أخرجت قلمًا أحمر وبدأت تلوّن فم الوحش وهي تتابع:
“هذا الوحش بارع في تقمّص هيئة البشر، ولهذا سُمي “ميميك” أي “المقلّد”.”
” عند اكتشافه بلغ عدد الضحايا 172 شخصًا، واستمر طليقًا ثلاث سنوات، التهم خلالها الآلاف.”
“وحش مرعب بالفعل.”
“من بين أولئك الـ172، كان ثمانية منهم زملائي في الوحدة… أحدهم كان صديقي.”
ثم رسمت دائرة داخل فمه الواسع.
“أتذكر بوضوح كيف كان يدوّر رأس صديقي داخل فمه… كأنه يمصّ حلوى.”
شحب وجه ليونهارت، بينما وضعت ريتا القلم جانبًا وقالت:
“رائحة ذلك اليوم… كانت أول مرة أشم فيها رائحة الباتشولي.”
“الباتشولي؟ من وحش؟”
“عندما يهضم الوحش ضحيته، يُطلق طاقته، أحيانًا تكون ضعيفة، لكن الوحوش القوية تُصدر رائحة يستطيع الجميع تمييزها.”
عبست ريتا وهي تتابع:
“كانت تشبه الباتشولي… إنها رائحة خاصة بالوحوش القوية التي التهمت شخصًا للتو، إذا شممتها، فهذا يعني أن وحشًا قويًا قريب منك.”
“… ولهذا هاجمتِ الخادمة؟”
“لا يمكن الوثوق بمن يتقمص شكل إنسان، وهناك أنواع من الوحوش تتلبّس الجلود البشرية، لكن نادرًا ما يستطيع وحش إخفاء رائحة الباتشولي، ولهذا، ما إن أشمها… أهاجم فورًا، دون تردد.”
هزّت كتفيها، ومزّقت الرسم وكرمشته.
“لكن الآن… لا بأس، لقد تمكنت من استخدام الأود التي كنت أمتلكها هناك، في هذا العالم أيضًا، وبها أستطيع التمييز بين البشر والوحوش، لذا لن أؤذي أحدًا خطأ بعد الآن.”
أخذ ليونهارت الورقة المكرمشة، فتحها، وتأملها ثم قال:
“ليلي.”
“نعم؟”
“هل كنتِ تقاتلين أشياء كهذه كل يوم هناك؟”
“نعم، كانت تلك مهنتي.”
“قلتِ إنك كنتِ في مكان اسمه بيكون، هل هو جيش؟ أم مرتزقة؟”
“شيء بين الاثنين، كنا نأخذ مهامًا من المدنيين، لكننا نخضع لأوامر القيادة، أحيانًا نؤدي مهامًا خطيرة على الخطوط الخلفية أيضًا.”
“منذ متى؟ قلتِ إنكِ الآن في الثانية والعشرين… فمتى بدأتِ؟”
“بدأت التدريب في العاشرة، وبعده مباشرة أُرسلت إلى الجبهة… إذًا، منذ أن كنت في الثانية عشرة.”
صدر صوت طحن أسنان، ابتسمت ريتا بخفة وقالت:
“لا تغضب، أخي، أعلم أنه يصعب تصديق ذلك، لكن لم أكن حالة نادرة هناك، كان هناك الكثير من الأطفال في عمر الثانية عشرة، معظم أعضاء وحدتنا كانوا بين الثانية عشرة والرابعة عشرة.”
“اللعنة… إرسال أطفال لمحاربة وحوش كهذه؟ أي جحيم هذا؟!”
لم يتمالك ليونهارت نفسه، أما ريتا، فأجابت بهدوء:
“كان عالمًا فُقد فيه نور الشمس، وثلث الأرض سقطت بيد الوحوش، لا سماء صافية، ولا فصول، داخل خطوط الدفاع كان الناس يتضورون جوعًا لدرجة يأكلوا بعضهم. وخارجها… كان الجحيم نفسه.”
“ذلك العالم… لا يمكن فهمه بعقلية هذا العالم السلمي الجميل، وصدقًا، وضعي فيه كان يُعد جيدًا نسبيًا، لذا، لا داعي لغضبك بهذا الشكل.”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 17"