الحلقة ستة عشر.
“… ن-نعم، آنستي…”
“هل التقيتِ بأي شخص غريب في ذلك اليوم؟”
“كلا… لا، لم أفعل، حين توفيت أمي، أُحضرت مباشرة إلى قصر الدوق، ولم أغادر قصر البتولا مرة واحدة، لم أقابل أي أحد من خارج القصر، أرجوكِ… صدقيني…”
“إذًا، ألا تملكين أدنى فكرة عن سبب سماعك لتلك الأصوات في رأسك؟”
ترددت هانا، ووجهها غارق بالدموع، ثم أجابت بصوت مختنق بالبكاء:
“هيوو… آنسة… في الحقيقة، منذ أن استعدت ذاكرتي البارحة… ظللت أفكر طوال الليل، وحتى الآن، لم أتوقف عن التفكير في الأمر… ما الذي كان ذلك الشيء؟ لماذا حدث لي هذا؟ كيف تسلط عليّ شيء كهذا…؟”
وانهمرت الدموع من عينيها كالسيل، وهي تمسك برأسها وكأن عقلها يوشك أن ينفجر.
“لكن… مهما فكرت، لا أستطيع فهم شيء لا أملك أي دليل، لا أدنى خيط، لا شيء! أقسم… أقسم أني لا أعرف شيئًا… أنا آسفة… آسفة جدًّا يا آنسة…”
“فهمت.”
أجابت ريتا بإيجاز، ثم استدارت وعادت إلى الجلوس على الأريكة.
“الكوابيس التي رأيتها تلك الليلة، أيضًا، لم يكن لها أي تمهيد أو سبب واضح، وبما أن باسكال ساحر عظيم يمكنه التلاعب بذكريات البشر، فلا شك أنه استخدم سحرًا معقدًا يصعب على الشخص العادي إدراكه.”
لم تكن تلوم هانا كثيرًا.
ففي النهاية، كانت مجرد فتاة صغيرة في الثانية عشرة من عمرها، وقد تمت السيطرة عليها من قبل ساحر عظيم، لم يكن غضبها موجّهًا نحوها.
بل في الحقيقة، ما كانت تشعر به الآن تجاه باسكال، لم يكن الغضب أو الخيانة بقدر ما كان شكًا وتساؤلًا.
“لا أفهم… لماذا؟”
لماذا يخطف ساحر عظيم طفلة من عالمٍ آخر، لا صلة له بها، ويحوّلها إلى سلاح؟ ولماذا بطريقة معقدة وغير فعّالة إلى هذا الحد؟
كيف أمكن لهذا الأمر أن يحدث أصلًا؟
“هل من قبيل الصدفة أنني تجسدت في جسد دوروثي، تلك الطفلة التي تشبه هانا؟”
ما العلاقة بين هانا ودوروثي؟ هل هي مجرد شبيهة؟ أم أن هناك علاقة أعمق؟
حتى تتوصل للإجابة، كان لا بد من إبقاء هانا ضمن مجال رؤيتها.
“لا أعرف كيف تلبّس باسكال جسد هانا، لكن… بما أنه فعلها مرة، فيمكنه فعلها مجددًا، أليس كذلك؟”
ربما… هانا هي الرابط الوحيد المتبقي بين العالمين.
“ماذا عليّ أن أفعل بها؟”
لو انكشف ما حدث قبل عشر سنوات، فستُعدم هانا على الأقل، فهي، خادمة يتيمة من عامة الشعب، اختطفت أميرة الدوقية.
حتى لو لم تفعل ذلك بإرادتها، فإنها ارتكبت جريمة كبرى.
“من المؤكد أنها تدرك ذلك، لو كانت ترغب بالنجاة، لكان من الأفضل أن تهرب ما إن استعادت ذاكرتها.”
لكن بدلًا من الهرب، جاءت بنفسها إلى ليليتا، واعترفت بكل شيء.
لقد خنقتها بقطعة زجاج، وهددتها، ومع ذلك لم تشتكِ أو تُظهر أي تذمر أو حقد.
حتى هذه اللحظة، بدت كخادمة صادقة ومخلصة.
“…لكن، من الممكن أن يكون هذا كله تمثيلًا، ربما كانت متواطئة منذ البداية، ولما سمعت أنني استعدت ذاكرتي، بادرت بتقديم الاعتراف لتبعد الشبهة عنها.”
مع ذلك، وبالنظر إلى أنها كانت طفلة فقدت أمها وقت الحادثة، فمن غير المرجح أن تكون متورطة عمدًا.
“لكن غير المرجح لا يعني مستحيل، ربما استمر باسكال بالتلبس بها كلما احتاج، فتحولت إلى متواطئة دون أن تدري… أو ربما أقنعها، أو غسل دماغها، وجعلها فعلًا تتحول إلى شريكته.”
لقد رأت من قبل أناسًا يبدون طيبين يتحولون إلى وحوش أو خونة… فلا مجال للثقة العمياء، لا بد من وضع أسوأ الاحتمالات دائمًا.
أي الاحتمالين أقرب للحقيقة؟ وماذا عليها أن تفعل؟
وضعت ريتا يدها على فمها تفكر بعمق، ثم اتخذت قرارها بشأن مصير هانا.
“هانا.”
“هُه… نعم، آنسة…”
“سمعت كل شيء.”
“إذًا، ستُ… ستعاقبينني…؟”
“كلا ، ستواصلين العمل كخادمتي.”
“هـه؟!”
رفعت هانا رأسها بفزع، ونظرت إليها بعينين يملؤهما عدم التصديق.
وبينما تتلقى تلك النظرة، فكّرت ريتا:
لا يمكنها السماح بقتل أو نفي شخص قد يكون خيطًا مهمًا في القضية، من الأفضل إبقاؤها تحت المراقبة.
“لو كانت ضحية حقًّا، وخضعت لباسكال من دون إرادتها، واعترفت بخطئها، فيجب كسب ولائها، أما إن كانت شريكة… فستظل حلقة وصل مهمة إليه.”
قالت بهدوء:
“قلتِ إنك آسفة، أليس كذلك؟”
“ن-نعم… هيوو…”
“إذًا، قدّمي ولاءكِ لي تعويضًا عن ذلك.”
“سأصدق أنكِ لم تختطفيني بإرادتك، وأنكِ لم تتذكري ما حصل حتى البارحة.”
“تصدقينني… حقًا؟”
“نعم، أصدقكِ، هانا.”
لكنها لم تكن تصدقها فعلًا.
فالمرء لا يجب أن يثق بأحد ثقة عمياء. لكن، إظهار الشك يُفسد العلاقات حتى مع من كانوا مخلصين فعلًا.
“إنها نصيحة جيد… في أي موقف، من الأفضل أن تقول إنك تصدق، لكن لا تصدق تمامًا.”
إن كان الطرف الآخر خائنًا، سيطمئن ويكشف عن نواياه.
وإن كان صادقًا، فسيشعر بالامتنان ويصبح أكثر وفاءً.
وفي كلا الحالتين، تكون الرابح.
“هكذا قال جيد.”
كان جاي باسكال بارعًا في التعامل مع الناس.
ولهذا، حين أسّسا سويًا وحدة “بيكون”، كان هو القائد، وهي نائبته.
تمنت لو أنها تستطيع رؤيته.
تمنت لو أنها تستطيع رؤية رفاقها في بيكون أيضًا.
“لكن، ما من فرصة لذلك هنا، لا بد أنهم بخير…”
أخفت مشاعرها الطارئة بلطف، ثم نظرت إلى وجه هانا المتأثر والمرهف.
“بما أنني صدقتك، فعليكِ أن تردي الجميل بالإخلاص.”
“نعم! نعم! شكرًا لكِ، آنسة! شكرًا من أعماق قلبي! سأهب حياتي لكِ! سأخدمكِ حتى آخر نفس!”
أجهشت هانا بالبكاء وهي تنحني حتى تلامس الأرض، أطلقت ريتا زفرة قصيرة وفكرت:
“أولًا، سأبدأ بالتحقق من شظايا النعش والزجاج، وسأخضع هانا أيضًا للتحقيق.”
” عليّ أن أُوكل لها بعض المهام، طالما ادّعيت أنني أثق بها، عليّ اختبارها. “
“سأكلفها بمهمة بسيطة لجمع معلومات، على أن تكون قابلة للتدقيق والتقاطع مع مصادر أخرى.”
ثم نطقت وهي لا تزال تفكر:
“إذًا، لدي مهمة أولى لكِ.”
“نعم! قولي فقط، ما هي!”
“أريدكِ أن تجمعي لي كل ما جرى في قصر البتولا أثناء غيابي، وتقارني ذلك بما تتذكرينه منذ عشر سنوات، كيف تغير القصر؟ وماذا حدث لعائلتي؟ بما أنكِ عملت هنا طوال هذه الفترة، فأنتِ الأفضل لهذه المهمة، أليس كذلك؟”
“بالطبع! اتركي الأمر لي!”
ردّت هانا بحماس، وضمّت قبضتيها بحماسة، تبسمت ريتا لها ابتسامة خفيفة.
“مهمة بسيطة، لا أسرار فيها، ويمكن التأكد منها بسهولة، وتناسب خادمة قضت عشر سنوات في المكان، اختيار موفق كبداية.”
فوق ذلك، كانت ترغب في معرفة ما حدث لعائلتها من منظور شخص خارجي ليس فقط من أقاربها أنفسهم.
فهي كانت دائمًا الأصغر والأضعف في عائلة لاسكايل، وقد حماها أهلها كثيرًا، ومن غير المحتمل أن يخبروها بالحقيقة كاملة الآن، بعد غياب عشر سنوات.
“خصوصًا ليون… أوبا ليس من النوع الذي يقول أمورًا مزعجة للمقربين منه، لكنني بحاجة لمعرفة كل شيء.”
فكرت في ما سمعته من الخدم، ومن الحارس المخمور الذي زارها ذات ليلة، ومن دوقة القصر التي ألقت بنفسها في البحيرة.
“الجميع بحاجة إلى شفاء…”
لقد اختلّ كل شيء بسبب غيابها، وتمنت أن تعيد ترتيب الأمور، فقط حينها ستشعر أنها “عادت إلى منزلها”.
في تلك الأثناء، استيقظت دوقة القصر من نومها بعد تناول الدواء.
وما إن دخل ليونهارت وريتا إلى الغرفة، حتى قفزت الدوقة من سريرها واندفعت كالسهم.
“ليلي!”
وأمسكت بابنتها، غير مبالية بابنها الذي كان واقفًا إلى جانبها.
“لم يكن حلمًا… لم يكن حلمًا أبدًا!”
عاد الدفء إلى جسد الدوقة، الذي كان ذابلاً كشجيرة ذابلة.
وبدأت تمسح وجه ريتا بنعومة لا تتوقف.
“ليلي… لقد عدتِ إلي… عدتِ فعلاً… يا إلهي… مهما مرّ من سنوات، لا يمكن للأم ألّا تعرف ابنتها… عرفتُكِ من النظرة الأولى… صحيح؟ صغيرتي… ملاكي… جنيّتي…”
أسندت ريتا خدها إلى يد والدتها برفق، وأجابت بصوت هادئ:
“نعم، أمي. أنا، ليليتا.”
تساقطت دموع الدوقة بغزارة، وهي تهمس بصوت مرتجف:
“آه…”
“ليلي… أين كنتِ كل هذا الوقت؟”
“في مكان بعيد جدًّا… لم أستطع العودة… لم أكن أعرف كيف…”
“مكان بعيد؟! وكيف عشتِ هناك؟! هل تعذّبتِ؟ هل تألمتِ؟”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 16"