الحلقة الخامسة عشر.
جاءت هانا حتى قبل أن تُنادى.
تفاجأت ريتا قليلًا، لكنها سرعان ما رفعت صوتها لترد:
“نعم، ادخلي.”
دخلت هانا غرفة الضيوف، كانت شاحبة اللون، ترتجف بكل كيانها.
“لا توجد كدمات على عنقها… يبدو أنها تلقت علاجًا جيدًا، لحسن الحظ.”
افترضت ريتا أن هانا ارتعبت منها بسبب نوبة الذعر التي أصابتها حين استنشقت رائحة الباتشولي.
“لو كانت تتذكر شيئًا من تلك الليلة، لما بقيت تعمل هنا، في قصر البتولا طوال هذه السنوات، على الأرجح، لا تذكر شيئًا ، كما أن عائلتنا لم تكتشف مطلقًا أن لهانا علاقة باختفائي.”
لو كانت فتاة عادية، لانكشف أمرها بالتأكيد.
يبدو أن من سيطر عليها أزال كل الآثار باحتراف.
أمضت ليليتا تراقب هانا الواقفة عند الباب وهي ترتجف.
شعر كستنائي محمر، نمش خفيف، ملامح دائرية هادئة، وعينان بُنيّتان فاتحتان.
“الآن بعد أن أنعمت النظر فيها… نعم، هي تشبهها فعلًا ، الملامح تختلف، لكن الشبه موجود.”
كانت ريتا باسكال تملك شعرًا كستنائيًا محمرًا، ونمشًا خفيفًا، لكن ملامحها حادة، وعيناها بلون أحمر كستنائي قاتم.
وبما أنها قضت وقتها في ساحات القتال، فلم تكن معتادة على التمعن في وجهها، لذا لم تلحظ الفارق على الفور.
اكتفت وقتها بالقول: “تشبهني قليلًا في لون الشعر، لكن العيون والوجه مختلفان”.
“وكأنها قريبة بعيدة… من الصعب ملاحظة الشبه سريعًا، لكن إن تعمدت المقارنة، يظهر التشابه.”
بينما كانت ريتا تحدق في وجهها بصمت، ازداد شحوب وجه هانا.
“آنسة… أنا…”
“آه.”
انتبهت ليليتا لتوترها، فأشارت إلى الأريكة قائلة:
“تعالي واجلسي أولًا، هانا، كنت أريد التحدث إليكِ أيضًا.”
لكن بدلاً من الاقتراب، هوت هانا فجأة على ركبتيها، وانحنت حتى لامس رأسها الأرض، ثم صاحت:
“آنسة! أرجوكِ اقتليني!”
“ماذا؟! ما هذا الكلام الآن؟!”
سألتها ريتا بدهشة، فتابعت هانا وهي تبكي بحرقة:
“ههوو… أنا… أنا التي فعلت ذلك، آنسة، كنت أنا…”
“… لا تقولي إنك…”
شعرت ريتا أن ملامحها تتجمد تلقائيًا.
“هل تتذكرين كل شيء؟ ما حدث في تلك الليلة؟ ومع ذلك بقيت تعملين بجوار عائلتي بصمت؟!”
ضغطت كلماتها بنبرة حادة، فرفعت هانا رأسها بسرعة وهي تبكي، ثم هزته نفيًا بقوة.
“كلا… لا! أبدًا! لست بهذا القدر من الوقاحة! أنا فقط… أقصد…”
أدخلت يدها في صدرها، تبكي وتنتحب، بينما استعدت ريتا لأي هجوم مفاجئ، لكن ما أخرجته لم يكن سلاحًا.
بل كان قماشًا محروقًا، وأسفل منه قطع من الجلد بالكاد يمكن تمييز ملامحها، سوداء متفحمة.
ارتجفت يداها وهي تضع القطع على الأرض، بينما تنهمر دموعها بلا توقف.
“آنسة، هل تعرفين… ما هذا؟”
“… كلا، لا أعرف.”
“هذا… هذا هو الخف الذي كنتِ ترتدينه في تلك الليلة، آنسة…”
عادت ريتا بذاكرتها إلى تلك الليلة.
حين كانت تقاوم هانا، انشق طرف ثوب نومها، وسقط الخف عن قدميها وهي تحاول الإفلات.
لم تنتبه لقطعة القماش التي علقت بالأشجار، لكن الخف الساقط… يبدو أن من كان متلبسًا بجسد هانا قد التقطه حينذاك.
لكنها، وهي مستلقية في التابوت، كانت حافية القدمين، وكذلك حين استعادت جسدها الأصلي وغاصت خارجة من البحيرة… كانت حافية.
ظن أفراد عائلة الدوق أنها اختفت وهي ترتدي خفيها، لذا لم يثير غيابهما أي شك.
لكن الحقيقة… أن ذلك الخف بقي هناك، في مكان ما.
ويبدو أن هانا كانت تحتفظ به طيلة الوقت.
“في الليلة الماضية… عندما حدث ذلك الصوت المرتفع عند البحيرة، وسمعت أنـ… أنكِ استعدتِ ذاكرتك… في تلك اللحظة أنا أيضًا…”
انهارت هانا بالبكاء وبدأت تروي كل شيء.
رغم أن حديثها كان مشوشًا، إلا أن ريتا بدأت تستنتج ما حدث.
“حين كسرتُ التابوت المليء بنقوش السحر، لابد أن شيئًا ما أثّر على هانا أيضًا.”
في صباح اليوم التالي لاختفاء ليليتا، لم تستيقظ هانا.
أُصيبت بحمى شديدة، وعانت من آلام جسدية مريعة، غثيان، طفح جلدي، وتشنجات.
حتى طبيب العائلة لم يتمكن من تحديد السبب.
فاكتفوا بإعطائها خافضًا للحرارة… وغريبًا أنها شُفيت تلقائيًا بعد بضعة أيام.
“تلك الأعراض تشبه كثيرًا أعراض رفض الأود… من المؤكد أن الجاني استخدم سحرًا بجسد هانا رغم ضعف قابليته، فحدث هذا.”
بعد شفائها، لم تتذكر شيئًا عن تلك الليلة.
ورغم أن العائلة أطلقت حملة تفتيش هائلة، لم يجدوا ما يربط هانا بالحادثة، كانت مجرد طفلة أنهكها المرض، ولم يشكك أحد في أقوالها حين أنكرت علمها بما حدث.
حتى حين فُتشَت غرفتها، لم يُعثر على الخف.
في الممرات والغابة المحيطة لم يكن هناك أي آثار أقدام، ولا أي دليل، كل ما وُجد كان قطعة قماش عليها دم، عالقة في الشجيرات.
أما هانا… فلم تكن تشك حتى في نفسها، فقط، حزنت بشدة على اختفاء آنستها الصغيرة.
ثم… في الليلة الماضية، استيقظت فجأة على صوت مرتفع.
“فجأة تذكرت… بوضوح… أنني ذهبت إلى الجناح الرئيسي، إلى غرفة آنستي… رغم أنني لم أكن أعرف موقعها وقتها، كيف… كيف تمكنت من الذهاب مباشرة إليها؟ وطلبت منها… أن تفعل شيئًا معي…”
قالت إن هناك صوتًا كان يهمس في رأسها باستمرار، يأمرها، ولم تستطع معارضته، لم تفكر حتى في المقاومة.
تحركت وكأنها مسحورة، تتبع ذلك الصوت. وحين أخفقت، سمعت الصوت يهمهم أو يضغط على لسانه بانزعاج… ومن ثم، اختفى كل شيء.
“أتذكر أن هانا وقتها غيّرت طريقتها في الحديث فجأة، وابتسمت… يبدو أن الجاني قرر أن يتولى القيادة مباشرة حين لم تنجح في التنفيذ.”
ثم، حين استعادت وعيها، كانت واقفة مبللة تمامًا وسط الغرفة.
ظنت أنها تبوّلت على نفسها، فخافت من العقاب، وغسلت ثوب النوم سرًا، وارتدت غيره ونامت.
ثم مرضت بشدة… ونسيت كل شيء.
تمامًا كما حدث مع ليليتا.
“لكن، البارحة… استيقظت على صوت مرتفع، ورأيت ضوءًا يتسلل من تحت السرير، حين انبطحت لأتفقده، وجدت… أعرف أنه يبدو جنونيًا، لكن… وجدت خفّكِ هناك، آنسة… خف صغير…”
ذلك الخف، الذي لم تعثر عليه في عشر سنوات، رغم أنها نظفت تحت السرير مرارًا وتكرارًا.
كان يتوهج بضوء ذهبي غريب، ثم اشتعل من تلقاء نفسه.
ورغم أنها سكبَت عليه الماء مرارًا، لم ينطفئ، حتى تحول إلى قطع محروقة، واختفى اللهيب وكأنه سحر.
“وهكذا… استعدتِ ذاكرتكِ أيضًا؟”
“نعم… أعلم أنه يصعب تصديقه، قد يبدو عذرًا، لكنني أقسم… حتى البارحة فقط، لم أكن أعلم شيئًا، لم أكن أكذب، صدقيني، فقط الآن… فقط الآن تذكرت… يا إلهي… لقد… لقد اختطفتكِ، آنسة، أنا… أنا فعلت ذلك…”
انكبت هانا على الأرض، تمزّق بساط الغرفة تحت أصابعها المرتجفة المبتلة بدموعها.
“أرجوكِ… اقتليني، آنسة، أنا… لا أستحق شيئًا كيف لي أن أُجازي المعروف بالخيانة؟ أن أردّ فضل رعايتكم بالخطف؟ كيف تجرأت؟…”
تنهدت ريتا تنهيدة طويلة.
“تمامًا كما خُزّنت ذكرياتي في ذلك التابوت السحري… يبدو أن ذكريات هانا من تلك الليلة خُزّنت في ذلك الخف أيضًا.”
ربما كانت مرتبطة بالسحر نفسه، وعندما حطمت التابوت في قاع البحيرة، تحطّمت تلك التعويذة معه.
“كما لم نجد شيئًا في البحيرة رغم تفتيشها مرارًا… لا بد أن ذلك الخف كان مخفيًا بالسحر، وهذا ما جعله يختفي عن أنظار الجميع بسبب الأود…لذلك لم يتمكن أحد في هذا العالم من رؤيته.”
نهضت ريتا من الأريكة، وتقدمت نحو هانا المنكفئة على الأرض، ترتجف وتبكي، ثم التقطت قطع الخف المحترق.
رغم صعوبة التمييز، كانت هناك آثار واضحة لنقوش تعويذة، جزء من دائرة سحرية.
كما أن لون القماش وملمسه يثبتان أنه هو الخف الذي كانت ترتديه تلك الليلة.
دليل قوي على أن ما قالته هانا… حقيقي.
“كل ما حدث، لا بد أن الفاعل هو…”
الساحر العظيم باسكال.
قد يكون له شركاء، لكن من استخدم هذا النوع من السحر لا بد أن يكون هو نفسه.
هو من تسلّل إلى جسد هانا، وخطف ليليتا.
“يجب أن أحقق أكثر في هذا، خاصة هذه القطع، وكذلك شظايا التابوت.”
احتفظت ريتا بقطع الخف، ثم نظرت إلى هانا الغارقة في دموعها، وقالت أخيرًا:
“هانا…”
ترجمة الرواية هدية مقدمة لصديقتي سلمى🫶🏻
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 15"