“أفقت لأنني رأيت حلمًا مخيفًا، وأنتِ، هل استيقظتِ أيضًا، يا هانا؟”
كانت إضاءة الفانوس تتراقص بلونها الأصفر فوق وجه هانا الباهت وهي تجيب ببطء.
شعرت ليلّيتا بأن في عينيها شيئًا غريبًا. كانت تحدق في الفراغ وكأن بصرها لا يركّز.
“إن كنتِ خائفة… فلتأتي… معي…”
“معكِ؟ للنوم سويًّا؟”
ردّت ليلّيتا بلهفة وهي تمسك بطرف ثوبها. لكن هانا هزّت رأسها نفيًا.
“معًا… معًا…”
“هاه؟”
“معًا… آه… أأه…”
بدأت هانا تكرر الكلمة بشكل آلي، ثم فجأة أمسكت رأسها وأنّت بألم، ثم رفعت وجهها من جديد.
واختفت ملامح الذهول كأنها لم تكن، لتحلّ محلّها ابتسامة غريبة، في عينيها بريق غير مألوف.
“تعالي نشاهد النجوم معًا، آنسة.”
“النجوم…؟ الآن؟”
“استيقظتُ من النوم ولم أعرف ماذا أفعل، فخطرت ببالي هذه الفكرة، لا يحدث كثيرًا أن نستيقظ في مثل هذا الوقت من الليل، أليس كذلك؟ فقلت لنذهب لرؤية النجوم سيكون أجمل برفقتكِ.”
“برفقتي؟”
“لقد أخذت مسبقًا الحليب والبسكويت إلى ضفة البحيرة، هناك بطانية أيضًا، وكتاب عن النجوم.ك، لم تكوني قد تعلمتِ عن الأبراج مع المعلمة مؤخرًا؟ ألا ترغبين برؤيتها بنفسكِ؟ الحليب الدافئ والنجوم سيجعلانكِ تغطين في النوم سريعًا!”
كانت هانا تتحدث بحماس وابتسامة لا تفارق وجهها.
ولأن ليلّيتا كانت قد تعلمت عن الأبراج فعلًا، فقد أثارت الفكرة اهتمامها.
كانت خائفة من النوم بمفردها بعد الحلم، وفكرة تناول الحليب والبسكويت ليلًا مع فتاة في عمرها كانت تملأ قلبها بالبهجة.
“موافقة!”
أجابت ليلّيتا بفرح وابتسامة مشرقة.
طفلة نشأت بين أناس طيبين يحبونها، لم تعرف الشك.
لم يخطر ببالها أن تتساءل: كيف دخلت هانا التي يُفترض بها أن تقيم في القسم الخارجي مع الخدم، والتي لم تحصل بعد على إذن للدخول للقسم الرئيسي ، إلى هذا العمق من القصر؟
ولا كيف علمت فتاة لم تكمل الشهر بعد في القصر بأن ليلّيتا درست مؤخرًا الأبراج؟
ولا كيف تمكّنت خادمة صغيرة لا تملك أي صلاحيات من إعداد مشهد كامل على ضفة البحيرة، وسط غابة البتولا؟
ولا ما معنى أن تخرج فتاة في العاشرة من عمرها من القصر، في هذا الليل، متجاوزة كل التدابير الأمنية؟
كل ما كانت تراه ليلّيتا هو فرصة للعب مع فتاة في عمرها، وأمل بعدم النوم وحيدة في غرفة امتلأت برعب الحلم.
وهكذا، غادرت الصغيرة القصر وهي تمسك بيد هانا.
كان هناك حرّاس، وخدم يعملون في المناوبة، لكن الغريب أن الفتاتين لم يلتقين بأي أحد أثناء الخروج.
حين دخلتا إلى غابة البتولا، شعرت ليلّيتا لأول مرة بأن شيئًا ما ليس على ما يرام.
“هانا، انتظري… خطواتكِ سريعة جدًا…”
كانت هانا، بعمر الثانية عشرة وبصحة جيدة، أطول منها ببضعة سنتيمترات.
لكنها كانت تجرّها بالقوة، دون أن تلتفت، ودون أن تتحدث.
شعرت ليلّيتا بالقلق، وحاولت أن تتوقّف، لكنها فوجئت بهانا تلتفت إليها.
وجهٌ بلا أي تعبير، كدمية.
“…هانا؟”
“نعم، آنسة؟”
أجابت بابتسامة ترتسم فقط على فمها، دون أن يصل أي دفء لعينيها، شيءٌ فيها كان مخيفًا.
تراجعت ليلّيتا خطوة إلى الوراء، والقلق في عينيها.
“إلى أين تذهبين؟ ضفة البحيرة من هنا.”
قالتها هانا وهي تشد يدها بقوة.
حاولت ليلّيتا أن تفلت منها وتقاوم.
“لا، لا أريد الذهاب.”
“هاه؟”
“غيّرت رأيي آسفة يا هانا ، سأعود للنوم.”
“هذا لا يجوز.”
اختفى ما تبقّى من الابتسامة المصطنعة. وتحوّل وجه هانا إلى كتلة من الجمود.
ثم شدّت على يدها بعنف.
“تعالي.”
كان صوتها ونبرة حديثها… أشبه بما سمعته في كابوسها.
ارتعد قلب ليلّيتا وصرخت محاولة الفرار.
“آه، لا! مـ…”
لكن هانا كانت أسرع، وغطّت فمها. ضمّتها بجسدها، وضغطت عليها بقوة وهي تتمتم بشيء غريب بصوت غير بشري.
“أنا أريد…”
لم تفهم ليلّيتا الكلمات.
بل لم تكن قادرة على التفكير أصلًا، كل ما كانت تفعله هو المقاومة بجنون، تحاول أن تهرب من بين ذراعي هانا.
وخلال الصراع، علق طرف من قميص نومها في غصن.
وخدش الغصن فخذها، فسال الدم، وقطع القماش، بقي طرف القماش الملطخ بالدم عالقًا في الأغصان.
ثم… توقّف صوت هانا الغريب.
وفي اللحظة نفسها، شعرت ليلّيتا بأن جسدها فقد كل قوته.
انهارت كدمية مقطوعة الخيط.
حملت هانا جسدها المرتخي، وانحنت لالتقاط شبشبها الذي سقط، ثم أكملت السير في الممر.
ليلّيتا، غير قادرة على الحركة، لم تستطع إلا أن تحدّق في البحيرة التي باتت تقترب منها.
لكن…
لم يكن هناك حليب، ولا بسكويت، ولا بطانية.
ولا كتاب نجوم.
كان هناك تابوت فارغ فقط.
وضعَت هانا جسدها العاري القدمين داخله.
ونظرت ليلّيتا إلى الداخل، فرأت أن التابوت مليء بنقوش غريبة ومرعبة. أرادت أن تصرخ، أن تستغيث، لكن حتى شفتيها لم تكن تتحركان.
أُغلق الغطاء فوقها.
وقبل أن يُغلق تمامًا، رأت هانا تحدّق بها بتعبير حزين، بالغ الكِبر… لا يشبه ملامح طفلة.
ثم أظلم كل شيء.
سمعت صوت التابوت يُسحب، وصوت الماء يتمايل.
“هل… ستُغرقني في البحيرة؟”
هل سأموت هكذا؟
اجتاحها رعب لا يوصف، أرادت أن تصرخ، أن تغلق عينيها.
لكنها… ظلت مستلقية كدمية، بعينين نصف مفتوحتين.
ولحسن الحظ… أو لسوئه، لم يدخل الماء التابوت.
ومضى الوقت…
كم من الزمن مرّ؟ لم تعرف، لكن فجأة، بدأت ترى ضوءًا غريبًا يسري على النقوش داخل التابوت.
ثم ، ألم حاد ، طاعن في الرأس.
آلمها لدرجة أنها لم تستطع التفكير، ورؤيتها تلاشت.
أرادت أن تصرخ، وصرخت فعلاً.
لكن هذه المرة، سمعت صراخها بأذنيها.
كانت تتلوّى داخل التابوت، شخصٌ ما كان يمسك بها بقوة، ويد كبيرة تضغط على رأسها.
تدفقت ذكريات مشوشة داخل رأسها.
ثم، اختفى الألم فجأة.
فتحت عينيها المغرورقتين، فرأت رجلاً يرتدي رداءً مع غطاء رأس.
مد يده، ومسح دموعها، ثم جعلها تقف أمام مرآة كبيرة.
انعكس فيها وجه فتاة بشعر كستنائي ونمش.
شبيهة قليلًا بهانا.
“مَن…؟ هل هذه أنا؟”
هل كنت أبدو هكذا دائمًا؟
بينما كانت تحدق بدهشة، قال الرجل:
“أنتِ… ريتا.”
ولم تُشكّك بكلمته.
فذاكرتها كانت بيضاء فارغة، وكلماته انغرست فيها كالنقش.
“أنا من تبنّاكِ، لا أهل لكِ، لا أم، لا أب.”
رفعت رأسها تنظر إليه.
مد يده فوق رأسها، شعرت وكأن فراغًا في داخلها امتلأ.
“والآن، ستتذكّرين تمامًا كم كنتِ جائعة وبائسة.”
وفجأة… تدفقت صور جديدة.
تفتّش عن طعام في القمامة، الرائحة الكريهة، يدٌ امتدت نحوها في اللحظة الأخيرة…
“إن أصبحتِ طفلتي، فلن تجوعي مجددًا.”
أمسكت بتلك اليد، وأُعطيت قطعة خبز، ثم نُقلت إلى تابوت مليء برسوم غريبة…
ثم… رأسها…!
“لا، لا، لا حاجة لتلك التفاصيل، لا يجب أن تُصبحي دوروثي اخرى.
حتى إن كان جسدكِ جسد تلك اليتيمة التافهة، فروحكِ… فريدة.
حالة استثنائية… لكن قدرات غير مسبوقة…”
تلاشت كلماته.
وعندما استعادت وعيها، كانت تحدّق فيه، بلا أي شك.
“…اشكريني، أنا الذي تبنّيتكِ.”
الساحر العظيم باسكال… منقذها من الجوع والموت.
***
استيقظت ليلّيتا.
داخل الغرفة التي باتت مألوفة خلال الأيام الماضية.
هذه المرة لم تقفز، ولم تتلفّت بخوف.
نهضت بهدوء، ونظرت من نافذتها.
رغم مرور عشر سنوات، كان المشهد مألوفًا.
حديقة مشذبة، ورود لم تتفتح بعد، أسوار مغطاة بشجيرات، ومن بعيد… غابة البتولا وأوراقها المتجددة.
هنا… في هذه الحديقة، كانت تركض وتضحك.
تلاحق البستاني، تسأله عن أسماء الزهور، تتشاجر مع ليونهارت، وتبحث عن ريهارت المنعزل.
وهناك، على طرقات الغابة، كانت تخرج للتنزه، ممسكة بيد والديها… أو إخوتها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"