الحلقة الثانية عشر.
«نقش سحري…؟»
لقد كان نقشًا سحريًا يستجيب لطاقة الأود.
بمجرد أن رأته، تغيّر وجه ريتا.
“هذا… من نمط عالمنا.”
أثناء تجوالها في قصر البتولا، شاهدت العديد من النقوش السحرية المنتشرة في أرجاء القصر بعضها خُصص لتسهيل الحياة اليومية، وبعضها الآخر لأغراض الحماية من التسلل.
ورغم أنها كانت ماهرة في السحر مقارنةً بمعظم الفرسان، بفضل صديقتها، إلا أن جميع تلك النقوش بدت غريبة عنها.
لأنها كانت تفتقر لعنصر أساسي ومعتاد في كل نقوش عالمها:
آلية الحماية من تلوّث الطاقة السحرية.
“على الأرجح، في هذا العالم، لا وجود للوحوش السحرية، لذا لا حاجة لهم للقلق من التلوث، لكن هذا النقش بالتحديد…”
كان يحتوي على آلية لمنع التلوث السحري، كان مألوفًا للغاية.
“كما إنني أستطيع فهم الغرض وطريقة التفعيل أيضًا.”
كان نقشًا صُمّم لحفظ كائن حي لفترة طويلة.
ورغم احتوائه على العديد من الميزات الإضافية المعقدة التي يصعب عليها فهمها، إلا أن جوهره كان واضحًا:
إدخال كائن حي إلى داخل النقش، ثم إدخاله في حالة سُبات طويلة، بهدف الحفاظ عليه حيًا لأطول مدة ممكنة.
في عالمها، كانوا يستخدمون هذا النقش عادةً للحالات التي لا يمكن علاجها فورًا، فيبقى الجسد محفوظًا حتى تتوفر طريقة للعلاج.
أو، في الحالات النادرة… عندما يُفقد الروح من الجسد، ويُراد الاحتفاظ بالجسد حيًا إلى حين إيجاد حل.
“لا يعقل…”
ارتجف قلب ريتا وهي تمد يدها نحو النقش السحري.
دفعت بطاقة الأود خاصتها داخل حلقة دائرية بدت وكأنها آلية أمان ، كانت آلية الدخول تتطلب رمزًا معيّنًا، لكن ما إن دخلت الأود حتى…
“مفتوح بالفعل…؟”
انفتح النقش على الفور، توهج، ثم انشق وسط الضوء، ومن داخل الفتحة التي ظهرت، اندفع شيء إلى الخارج.
تابوت، بحجم جسد بشري.
كان محاطًا بنقوش تعويذية تشير إلى ختم، لكن غطاءه كان مفتوحًا جزئيًا، كأن أحدهم عبث به سابقًا.
فتحت ريتا الغطاء بالكامل تحت الماء.
الداخل… كان فارغًا.
الشخص الذي كان في الداخل، رحل بالفعل.
ما بقي فقط… نقش معقد للغاية، يغطي الجدار الداخلي للتابوت من كل زاوية.
حدّقت ريتا بدهشة، تملأها الريبة، ثم بدأت تمسح بأصابعها عبر النقوش الضاربة في التعقيد، المحفورة بكثافة.
“لا أستطيع فهم هذا الجزء… أعرف أنه من نمط عالمنا، لكن…”
لو كانت أولي هنا، كانت ستفهمه على الفور، فكرت بحسرة، ومدّت يدها لتلمس الخطوط غير المتناسقة.
وفجأة…
دقّ قلبها بعنف.
ارتجّ جسدها، كل خلية فيها، ووعيها، وعمق روحها صرخ بنداء لا يُوصف:
هذا هو.
هنا بداخله.
كل ما سُلب مني… موجود هنا.
استعيديه، أعيديه إليكِ، “أنا”…
حرّريه، أخرجيه!
تحركت ريتا دون تفكير، كما يندفع العطشان إلى قطرة ماء تمس شفتيه، وكما تخترق النبتة التربة لتصل إلى النور، كذلك تحركت.
تجمّع الأود في أطراف أصابعها، فكوّنت رصاصة ذهبية.
أمسكت بها بقبضتها.
تشكل خط ذهبي امتد على طول سبابتها كفوهة بندقية، وضعت الرصاصة بأطراف إبهامها داخل ذلك الخط.
وجهت إصبعها نحو قلب النقش، صوبت نحو مركز التابوت، بعينين نصف مغمضتين… وأطلقت.
اهتز الماء من حولها، انشقّت تياراته، رسمت الرصاصة خطًا أشبه بذيل نجمٍ ساقط.
ثم ضربت الهدف.
انفجار من الذهب، تحطّم التابوت.
تهشّم النقش المحفور، وتفتّت النقش الأكبر الذي كان يحفظ التابوت ذاته.
بوووم!
ارتفعت سارية من الماء والضوء، شقّت البحيرة نصفين، أضاءت السماء الليلية.
انفجرت سطح البحيرة، ارتجّت كأنها ثائرة. مئات من الأسماك قذفت إلى الهواء، ثم سقطت واحدة تلو الأخرى.
وتحوّل عمود الماء إلى أمطار من قطرات لا تحصى.
“لِيلي!”
صرخت الدوقة وهي تضرب جدار الطين الذي كان يحيط بها.
في لحظة، انهار ذلك الجدار كقلعة رملية. تساقطت كتل الطين حولها، فتجاوزتها راكضة بجنون.
“لِيلي! لِيلي!”
نسيَت تمامًا أنها قبل قليل كادت تموت غرقًا لم يبقَ في ذهنها سوى همٍّ واحد: أن تجد ابنتها التي ظهرت ثم اختفت أمامها.
ركضت نحو البحيرة.
كادت تغوص مجددًا في عمق الماء، حين خرجت من سطحه امرأة ذات شعر ذهبي، تقف كحورية بحر وسط الدوامات المتناثرة.
رفعت يدها ومسحت شعرها الذي التصق بوجهها، ترمش بذهول، وقطرات الماء ما تزال على رموشها.
الدوقة روزيتا دل نيسا لاسكايل ، مدّت ذراعيها نحوها وصرخت:
“ليلّيتا!”
نظرت إليها الفتاة، وجهها الذي كان متجمّدًا شاحبًا، بدأ بالانهيار.
تجمّعت الدموع على رموشها المرتجفة. رمشت وكأنها لا تصدق، ثم نطقت بصوت هامس، خافت كأن الريح ستحمله:
“امي…”
واندفع جسد روزيتا نحوها ، احتضنتها بشدة، قلبها يخفق بجنون، جسدها يرتعش.
في تلك اللحظة، أدركت ليلّيتا ، أو بالأحرى، ريتا ، أنها اشتاقت لهذا الحضن منذ زمن بعيد.
اشتاقت له إلى حد نسيان أنها اشتاقت.
قبل أن تكون ريتا… كانت ليليتا.
الذكريات التي كانت مفقودة عادت فجأة.
ضحكات، بكاء، كلمات، مغفرة، غضب، فرح… أيام لا تُقدّر بثمن.
كلها تجمّعت، ساطعة، تنهمر على رأسها.
ثم تلك الليلة… التي سُلب فيها كل شيء. حُبست في التابوت، وغرقت إلى أعماق البحيرة، في برودة وظلمة لا نهاية لها.
كان ذلك مرعبًا.
كان ذلك موجعًا.
لكنها اشتاقت…
“لقد كان لدي عائلة، كانت لدي أمي… وقد نسيت ذلك، حتى الشوق إليها نُزع مني.”
انهارت باكية، كطفلة صغيرة.
احتضنت والدتها، وبكت حتى انكسر صوتها:
“أمّي…”
لم تستطع قول أكثر من ذلك، اختنق صوتها في البكاء.
“أمي… أمّي، أنا…”
ومع ذلك، روزيتا هزّت رأسها بحنان، وكأنها تفهم كل شيء دون كلمات.
“أعرف… أعرف يا صغيرتي.”
مررت يدها على خد ابنتها المرتجف، وهمست بصوت متقطّع بالبكاء:
“وأنا أيضًا… اشتقت إليك.”
بشدة، بكل ما فيها.
بكت ليلّيتا بين ذراعيها، وبكت روزيتا وهي تحتضنها.
الضوء الذي انفجر من البحيرة جذب أهل القصر، فتدافعوا بالخوف نحو المكان.
لكن حتى لحظة وصولهم…
لم تنفصل الأم عن ابنتها.
لقد عادت ليلّيتا.
بعد عشر سنوات من الغياب، وفقًا لزمن هذا العالم.
وبعد اثني عشر عامًا، في زمنها الخاص.
1. التعافي
“اوبا…ريهارت اوبا.”
“نعم…؟
ليليتا ذات العشر سنوات هزت ريهارت الذي كان مستلقي في ساحة التدريب بعد ان تدرب اليوم بطوله.
اخي…يبدو متعبًا جدًا…
تراجعت ليليتا للخلف وعادت ، خلف الباب الذي فتحته كان هناك ظالم دامس.
لقد كان لديها وهم بأن هناك ظلًا يقف هناك، يتأرجح في الظلام.
تعالي الى هنا.
تعالي الى هنا.
في حلمي، قال الرجل الذي يرتدي غطاء الرأس الأسود ذلك ، لقد كان صوتًا مخيفًا جدًا، استيقظت ليليتا وهي تبكي وتركض بعيدًا قبل أن يمسكها الرجل.
إذا بقيت وحدي هكذا، أشعر وكأنني سأقع في فخه
‘اوبا.’
ارتجفت الفتاة وهزت أخاها مرة أخرى.
أوبا، أوبا ، من فضلك…”
“آه، حقًا… ماذا…”
بالكاد فتح ريهارت عينيه ونظر إلى الجانب بعيون نعسانة.
كانت اخته الصغيرة ، ولكن من شدة ارهاقه لم يميز ان وجهها كان شاحبًا إن لم يكن ابيض.
“…ليلي؟”
“أخي، لقد حلمت بحلم غريب.”
قالت ليليتا بإلحاح عندما رأته يفتح عينيه.
“هل يمكنك البقاء بجانبي حتى أنام؟
“كان هناك شخص غريب في حلمي…”
“حلم؟”
تثاءب ريهارت ولوح بيده.
“الأحلام… مجرد أحلام يا لكِ من بلهاء، ما المشكلة؟… همم.”
“ها، لكنني خائفة جدًا…”
“لا بأس، فقط عودي إلى غرفتك، ليلي.”
“لن يحدث شيء…… “
تحدث ريهارت ببطء وبنعاس، ثم نام مرة أخرى على الفور.
وقفت ليليتا بجانب السرير بوجه حزين.
ثم قبضت يدها الصغيرة بإحكام.
قال أخي أنه لا بأس، هذا صحيح، الأحلام هي مجرد أحلام، لن يحدث شيء، أنا طفلة ذكية ولا أخاف من أشياء مثل الكوابيس.
غادرت الفتاة غرفة أخيها وسارت في الممر المظلم وهي تكرر تلك الكلمات لنفسها.
كان هناك ضوء مرئي في المسافة.
كان هناك شخص يقف أمام غرفة نومها ويحمل فانوسًا، شعرت ليليتا بالارتياح عندما رأت وجهًا مألوفًا يظهر في الضوء، بعد أن كانت في حالة من الذعر.
“هانا!”
“آنسة ليليتا.”
كانت الفتاة الشابة ذات الشعر الأحمر تبلغ من العمر اثني عشر عامًا، أي أكبر من ليليتا بعامين.
لقد تم تربيتها على يد خادمة كانت تقوم بأعمال غريبة في القصر.
توفيت الخادمة مؤخرًا بسبب المرض، تاركة تربية الطفلة وحدها على يد الدوق والدوقة، اللذين أشفقا عليها.
إنها لا تزال لا تعرف أي شيء، لذا فهي تتعلم هذا وذاك من الخدم، ولكن بمجرد أن تدرس إلى حد ما وتعتاد على العمل، تخطط لأن تصبح وصيفة ليليتا.
بالطبع، لأنها صغيرة السن، فهي لا تستطيع أن تفعل كل شيء بمفردها، وفي الواقع، تم تكليفها بدور رفيقة اللعب ليليتا، التي هي ضعيفة ولا تستطيع الخروج كثيرًا.
‘صديقة ستلعب معي اخيرا!’
كانت ليليتا سعيدة برؤية هانا منذ البداية.
كان من الصعب العثور على فتاة بنفس عمر ليليتا لتكون رفيقة لها ، دائمًا ما حاولت انهاء دراستها بسرعة حتى تلعب معها.
كانت هانا نفسها تقف أمام غرفة ليليتا بتعبير فارغ على وجهها.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"