1
—
# ✨ **الفصل الأول: نور لا يشبه أحدًا**
كانت قرية **ميروال** تستيقظ ببطء كل صباح، تمامًا كما تفعل منذ مئات السنين…
تتثاءب المداخن الحجرية، وتتنفّس الحقول، وتنكسر خيوط الضوء الأولى فوق أسطح الأكواخ الخشبية، فتلونها بصفرة ناعمة تشبه لون العسل.
في ذلك المكان البعيد الذي لا يقصده الغرباء، لا يتغيّر شيء إلا الفصول… ولا يتذكر الناس شيئًا إلا ما يهمّ البقاء.
لكن وسط ذلك الثبات، وُلد شيء لم يعرفه أحد من قبل.
وُلد **نور** داخل جسد صغير لفتاة ستغيّر العالم… دون أن تكون لها رغبة في تغييره.
**
كانت **ليليا** في العاشرة من عمرها عندما بدأت القرية تلاحظ اختلافها.
لم يكن اختلافًا قاسيًا، ولا مخيفًا، لكنه لم يكن مألوفًا.
فالطفلة التي تجلس قرب النهر كانت تتحدث بهدوء يشبه همس الماء، وتضحك كأنها تعرف سرًا لا يعرفه أحد، وتلمس الوردة الذابلة… فتستعيد الوردة عافيتها وكأن الزمن عاد بها خطوة إلى الوراء.
أما هي، فكانت تظن أن هذا أمر طبيعي.
فهي لم تعرف يومًا أن النور الذي يخرج من يديها ليس جزءًا من العالم… بل هدية نادرة، أو لعنة، بحسب من يراها.
**
والدتها كانت المرأة الوحيدة التي تعرف الحقيقة كاملة.
كانت تستيقظ قبل ليليا بدقائق، لا لتعدّ الخبز أو تحضر الماء، بل لتتأكد من أن العلامة على كتف ابنتها مخفية جيدًا تحت الثوب.
علامة صغيرة بلون الذهب، تشبه دوائر الضوء المتشابكة.
كانت تمرر أصابعها فوقها بخوف، ثم تغطيها بعناية.
قالت لها مرة، بنبرة لم تفهمها الطفلة:
**”لا تدعي أحدًا يرى النور يا ليليا… بعض القلوب لا تحتمله.”**
ولأن ليليا كانت مطيعة، هزّت رأسها بابتسامة وصدقت أمّها كما كانت تصدق كل شيء.
فهي لا تعرف أن العالم قاسٍ… ولا تعرف أن الطيبة لا تحمي أحدًا.
**
كانت القرية، رغم بساطتها، تحمل شيئًا من القسوة غير المقصودة.
فالناس الذين عاشوا في ظل الغابة السوداء يخشون الأساطير، ويهربون من كل ما لا يفهمونه.
ولهذا كانوا يراقبون الطفلة ذات الشعر الذهبي بقلق غامض…
تارة يقولون إنها مباركة، وتارة يهمسون بأنها مختلفة أكثر مما يجب.
ومع ذلك، لم يؤذها أحد.
ليس بعد على الأقل.
**
في أحد الأيام، عندما كانت ليليا في العاشرة، حدث أول لقاء سيغيّر مصيرها.
خرجت إلى أطراف الغابة لتجمع نباتات طبية لوالدتها، مستمتعة بصوت الريح وهي تمشط أعشاب الأرض.
لكن الضوء الذي يسكن داخلها شعر بشيء… ضعف، ألم، حياة تتحطم.
كانت خطواتها خفيفة وهي تقترب من مصدر الصوت.
وهناك، تحت جذع شجرة كبيرة، رأت **ولدًا صغيرًا**، أكبر منها بقليل، مستلقيًا على الأرض، يده تنزف وقد احاطت به آثار مخالب حادة.
لم تتردد، لم تخف، لم تفكر.
النور داخلها يتحرك تلقائيًا عندما يرى الألم.
جلست قربه ولمست يده بحنان طفلة لم تعرف الخطر يومًا.
وبين أصابعها، انبثقت خيوط ضوء دافئ…
ارتعشت الأوراق من حولها، وتحولت أنفاس الغابة الثقيلة إلى نسمة لطيفة.
توقفت الدماء، التحم الجرح، واختفى الألم عن وجهه.
فتح الصبي عينيه ببطء، كمن يعود من حافة الموت…
نظر إليها وكأنه يرى شيئًا لم يره في حياته.
قال بصوت مرتجف:
**”أ… أنتِ من أنقذني؟”**
ابتسمت، وكأن ما فعلته شيء عادي تمامًا:
**”كنت تتألم… النور لا يحب الألم.”**
كان اسمه **أرين**.
ولم تعرف ليليا في تلك اللحظة…
أن هذا الولد سيكون أعظم هبات القدر لها،
وأعظم خياناته أيضًا.
**
منذ ذلك اليوم، بدأ أرين يظهر في حياتها أكثر فأكثر.
يساعدها، يرافقها، يضحك معها، يختبئ خلف صمته الهادئ حين تحرجها كلمات الصبية الآخرين.
وفي كل مرة تراه، كانت تشعر بأن النور في صدرها يزداد دفئًا.
ولأول مرة…
تتعلق ليليا بشخص.
لم تكن تعرف اسم الشعور.
لكنها كانت تعرف أنه جميل.
**
ومع مرور السنوات، كبر الاثنان…
وكبر النور…
وكبرت الظلال التي كانت تختبئ وراءه، تنتظر لحظة مناسبة.
ولم يكن أحد يعلم، لا ليليا ولا القرية ولا حتى الغابة نفسها،
أن هذا النور الذي يجري في صدرها…
لن يضيء العالم إلا عندما ينطفئ إلى
الأبد.
—
Chapters
Comments
- 1 - الفصل الأول منذ يومين
التعليقات لهذا الفصل " 1"