ومع تحديقي له، توقّف هذا الكلب المتوحش عن التذمّر، وردّ النظر إليّ.
نظراته التي بدت كأنها تحاول سبر أفكاري أشعرتني بشيءٍ من الارتياح… لقد ذكّرتني كم هو “كلب” بحق.
وبعد لحظة قصيرة، قال آيدن بصوت أكثر هدوءًا هذه المرة:
«أنتِ أجرأ مما توقّعت.»
«هل تتحدث عني؟»
«نعم، معظم الناس لا يجرؤون على التحديق في عينيّ هكذا.»
الجراءة في نظره تعني مجرد التحديق في عينيه. يا له من كلب يملك تقديرًا مفرطًا لذاته.
حاولت أن أبدو أكثر جرأة، فابتسمت برقة وأنا أقول:
«النظر في العين أساس أي حوار.»
«صحيح. لستِ سيئة.»
تمتم آيدن وهو يربت على ذقنه.
كان لديه موهبة نادرة في أن يبدو وقحًا مهما فعل.
«أعلم أن جلالتكِ تشكّين في وحوش الإمبراطورية، لكنني لستُ المذنب.»
«لو كنتُ أثق بكلامك، لكنتُ مطمئنة. لكنك أيضًا تطمع في العرش، ولا أراك تختلف عن الدوقين الآخرين.»
«السبب الوحيد لمشاركتي في هذه المهزلة، هو أنه إن اتخذتِ جلالة الإمبراطورة قرارًا أحمق، قد أجد نفسي مجبرًا على خدمة أحد هذين اللعينين كإمبراطور. لا طمع لي في العرش.»
كنت قد سمعت أن العلاقات بينهم سيئة، لكن ردّ فعله أظهر لي أنها أسوأ مما توقّعت.
لماذا تحول أولئك الذين خدموا سيدًا واحدًا لقرون إلى خصوم متصارعين؟ لا أدري. لكن امتعاض آيدن بدا حقيقيًّا.
لمجرد ألا يصبح أحدهما إمبراطورًا، وافق على خوض هذا الصراع بنفسه… تصرّف يجمع بين الحكمة والحماقة.
تنهدتُ بخفة وقلت:
«يبدو أن علاقاتكم متوترة لدرجة تدفعك للزواج رغم إرادتك.»
«هذا الزواج لا يُرضينا نحن الاثنين، أليس كذلك؟ دعيني أسألك بالمقابل، جلالتك… هل اغتلتِ جلالة الإمبراطور؟»
«أهذا سؤال جاد؟»
«نعم. لديّ شكوكي. لكن لو كان أحد هذين اللعينين من قتله، لكنتُ علمت بذلك. كنتِ أنتِ الأقرب للإمبراطور قبل وفاته.»
«وماذا تعني بقولك إنك كنت ستعلم؟»
تصلّبت ملامح آيدن، وانحنى قليلًا للأمام، صوته بات أقرب للزئير المنخفض.
«شبكة الظلال البيضاء، جهاز استخباراتي، يراقب كل بيتٍ نبيل. ولو حدث أي تحرّك غريب، خصوصًا وقت وفاة الإمبراطور، لبلغني. عدم وجود بلاغات يعني أن الفاعل كان مقرّبًا منه… شخصًا نال ثقته.»
اتهامه كان معلّقًا في الهواء، ثقيلًا بالتلميح. نظرت إليه بثبات، رافضةً إظهار أي خوف أو شعور بالذنب.
«أفهم منطقك يا دوق تيلندر، لكن استنتاجك ناقص. الثقة قد تُخفي الخيانة، نعم، لكنها لا تعني أنني كنتُ من طعن. هناك دوافع وأفعال تتجاوز رقابة شبكتك.»
توهّجت عيناه بلونٍ يصعب فهمه، ثم ارتخى قليلًا وهو يعود إلى الخلف.
«ربما. لكنني لن أهدأ حتى أعرف الحقيقة.»
«وأنا كذلك.»
أجبت بحزم.
رغم التوتر الذي خلفه الحوار، كان هناك أيضًا تفاهم ضمني. كلانا يسعى وراء الحقيقة، وإن اختلفت دوافعنا.
«أجيبي أولًا.»
قال آيدن، ونظراته جادّة.
لم أكن أتوقع سؤاله ذاك، ووجدته وقحًا ومُزعجًا.
«لم أقتل جلالة الإمبراطور، ولا أنوي إيذاء لوتانيا. ليست لديّ أسباب لذلك.»
«لهذا السبب لا أحد يشكّ بك.»
«دورك الآن في الإجابة.»
«…حين يفكر أحدنا، نحن الوحوش الثلاثة، في خيانة السيّد، نشعر برغبة قاتلة تجاهه. هذا من آثار العهد الذي يُقيّدنا. في اليوم الذي مات فيه الإمبراطور… لم أشعر بشيء.»
تفكّرتُ… يا له من طوقٍ معقّد.
لكن هذا لا يعني أنهم بريئون. لا شيء يمنعهم من التحايل على العهد، أو من التعاون مع طرفٍ خارجي.
ولهذا، يظن الجميع أن القاتل أحدهم.
واصل آيدن حديثه بنبرةٍ ساخرة:
«لهذا… بدأنا نكره بعضنا. لسنا الوحيدين الذين يرغبون في كسر الطوق الذي يُقيّدنا منذ أكثر من 300 عام. مجرد الرغبة بالخلاص تُعد خيانة. والآن… أصبحنا خصومًا، كلٌ منا يريد القضاء على الآخر لأجل العرش.»
«خصوم يجب أن يُقصوا…»
رغم صلافته، كان شرحه واضحًا.
رددت كلماته، فقال آيدن متمتمًا:
«ظننت أنني تحررت أخيرًا من الطوق.»
«أليس هناك سبيل لوحدة بين بيوت الدوقات الثلاثة لأجل الإمبراطورية؟»
«حتى لو أخذتنا جلالتك أزواجًا معًا، فلن ينجح الأمر. بل سيزيد الطين بلة. فكرة كهذه تُغضبني.»
التعليقات لهذا الفصل " 4"