3
الفصل الثالث:
لقاء مع الوحوش الثلاثة – النسر والذئب
بعد أربعة أيام، التقيتُ بدوق فيترين كيدميلان في نفس المكان.
كان يُعرف بنسر بيلفاتور، القائد الأعلى للجيش الإمبراطوري، وحامي أسوار الإمبراطورية الخارجية.
رجل عملاق، بعضلات فولاذية، اضطررت لرفع رأسي لأنظر في وجهه.
كان في السادسة والعشرين من عمره، بشعر فضي وعيون زرقاء عميقة تشبه بحر الليل. كان نقيض ليان تمامًا، وكان معروفًا بعدم الابتسام أبدًا.
بحسب ما قاله تيتو، فقد كان قليل الكلام لدرجة أن تشبيهه بتمثال خشبي يُعتبر مجاملة. ومع أنه كان حاسمًا ومباشرًا في أفعاله، قيل إنه يُخفي في قلبه اثني عشر أفعى.
وفوق ذلك، كان يغيّر عشيقاته مع تغيّر الفصول.
كنت أستغرب ما الذي قد تراه النساء في رجلٍ مثله؟ أنا أحتقر الأشخاص الذين يوزّعون مشاعرهم دون ولاء.
«سمعتُ أن لديك عشيقة يا دوق كيدميلان. أليس عرضك للزواج مني إهانة لي ولها؟»
«إن رغبتِ جلالتكِ، سأنهي الأمر على الفور.»
«لا. الأمر لا يتعلّق برغبتي. كان عليك إنهاؤه قبل أن تتقدّم بخطبة.»
«…لم أظنه أمرًا مهمًّا، بما أنه ليس ارتباطًا عاطفيًّا.»
رده الخالي من أي انفعال جعلني أشعر بالسوء أكثر.
لم يكن مخطئًا. حتى لو تزوجتُ فيترين، أو أحد الدوقين الآخرين، فلن يكون بدافع الحب.
ثم إنني لا أنوي الزواج بأيٍّ منهم، لذا مسألة العشيقة ليست جوهرية.
لكن طريقته في التعامل مع الناس، وبالأخص النساء، لم تعجبني.
قد لا يُشكل الأمر مشكلة بالنسبة له، لكنه بالتأكيد يختلف من وجهة نظر عشيقته.
«يبدو أنك مخطئ، يا دوق. زواجي الأول كان سياسيًا، ورغم أنني كنت محظوظة بشريكٍ جيد، إلا أنه لم يكن اختياري. وإن كنت سأتزوج مرة أخرى، أريد أن يكون مع شخصٍ أنجذب إليه بحق.»
لأول مرة، ظهرت تعابير على وجه فيترين.
ضاقت عيناه قليلًا، وأمال رأسه وهو يتأملني.
لم أستطع أن أميّز إن كانت عيناه الزرقاوان تحملان إعجابًا أم سخرية.
بعد عشرين عامًا قضيتها في قصر ديرمايل، كنت أظن أنني أملك بصيرة حادة، لكن هؤلاء الوحوش يصعب قراءتهم.
تجاهلت نظرته، ورفعتُ فنجان الشاي وأخذت رشفةً من الشاي الفاتر، ثم استعددت لطرح نفس السؤال الذي وجهته لليان.
«دوق كيدميلان.»
«نعم، جلالتكِ.»
أجاب على الفور، عائدًا إلى ملامح الاحترام.
«هل قتلتَ جلالة الإمبراطور؟»
«لم أفعل.»
أجاب أسرع من ليان، وعيناه الزرقاوان لم تترددا.
«وهل تنوي قتل ولية العهد، لوتانيا؟»
«أبدًا.»
ولأنه أجاب بسرعة مرة أخرى، التقطتُ أنفاسي وطرحت السؤال الأهم.
«إذًا، لماذا تطمع بالعرش، رغم أنه يجب التخلي عنه خلال بضع سنوات؟»
صمت لوهلة، ثم أجاب بهدوء.
«لأن صاحبة السمو ولية العهد قد لا تستيقظ.»
«ماذا؟»
«سبق أن تخطّت قوة الوحوش جيلًا. ربما لا تستيقظ ولية العهد، بل طفلها.»
«هذا يعني أنك قد تحكم لعقود، لا لسنوات. لكنك ستتخلى عن العرش في النهاية، أليس كذلك؟»
«ربما لا يستيقظ طفلها أيضًا. هذه أول مرة يموت فيها سيد الوحوش قبل أن يستيقظ وريثه، لذا من الصعب توقّع المستقبل.»
عادةً ما يستيقظ ورثة لومينيل لقوتهم في سن الخامسة عشرة تقريبًا.
ولا تستطيع الوحوش إيذاء الوريث أو عصيانه، ما لم تتعارض أوامره مع أوامر الإمبراطور.
لكن هذه هي أول مرة في تاريخ الإمبراطورية يموت فيها سيد القوة قبل أن يستيقظ وريثه.
كان يشير إلى احتمال انقطاع سلالة العهد.
إن فشلت لوتانيا في الاستيقاظ، فقد يتغير النسب الإمبراطوري في بيلفاتور.
جددتُ قراري بألا أتزوج، مهما كلّف الأمر.
وعندما صمتُّ، صمت فيترين أيضًا.
طال الصمت، لكنه لم يحاول فتح الحديث.
وبما أنني لم أكن كثيرة الكلام أيضًا، لم أعرف كيف أتابع الحديث مع شخص لا ينطق.
ومع ضيقي من طول السكون، سألته:
«يقال إنك محاط بنساءٍ مناسبين، كيف تقضي وقتك معهن؟»
«هنّ يتحدثن، وأنا أُصغي.»
«وماذا لو لم يتحدثن؟»
«غالبًا… نقوم بأشياء أخرى.»
كدتُ أسأله عن هذه “الأشياء”، لكنني أغلقت فمي بسرعة وحدّقت فيه بحدة.
أما هو، فاستمر بالتحديق بي بتعبيره الخالي من المشاعر.
أشياء أخرى في صمت؟ هل يسخر مني؟
أدرتُ رأسي عنه، متجاهلةً نظرته، مركزّة على الطاولة.
الغرفة خانقة، بلا نسمة هواء، والشاي بعد الغداء زاد من شعوري بالنعاس.
أجبرت نفسي على البقاء يقظة، بينما وقف فيترين بهدوء.
توجه نحو النافذة، ووقف وظهره لي، ويداه خلف ظهره، دون أن ينبس بكلمة.
نظرتُ إلى ظهره العريض، ثم بدأ النعاس يتسلل إليّ…
استيقظت على ضوء الغروب الذهبي وقد تسلّل إلى الغرفة.
لا بد أنني نمت لفترة. كنت متكئة على أريكة الاستقبال، بينما كان فيترين لا يزال واقفًا في مكانه، ظهره نحوي.
جلست باستقامة بسرعة، وعدّلت مظهري، فاستدار فيترين واقترب.
مع كل خطوة، كان يحجب عني أشعة الشمس المزعجة.
ضاق بصري من شدة الضوء، فوقف أمامي يحجب عني الشمس، وقال:
«لنختم هنا يا جلالتكِ.»
«حسنًا.»
«لقد كان وقتًا مثمرًا.»
وضع يده اليمنى على صدره، وانحنى، ثم غادر الجناح.
تنهدت وأنا أرفع يدي لأحجب الضوء عن وجهي.
لا بد أنني نمت ساعتين على الأقل. وخلال كل ذلك، بقي واقفًا، يحجب عني الشمس.
كيف سمحت لنفسي أن أنام… بوجود رجل خطير مثله؟
وجوده الصامت خدر حذري… كما أن السهر الطويل في دراسة تاريخ بيلفاتور أرهقني.
قررت تأجيل دروسي الليليّة في العلوم السياسية، وأنهيت بذلك أول “موعد” لي مع دوق النسر.
بعد خمسة أيام، جاء دوري للقاء دوق الكلاب، آيدن تيلندر.
تذكّرتُ تصرفاته الوقحة، وعدم إخفائه لاستيائه، وأنا أتوجه إلى الجناح بتردّد.
على عكس ليان وفيترين اللذين كانا بانتظاري داخل غرفة الاستقبال، كان آيدن واقفًا خارج الجناح.
طويل، ذو شعر أسود قاتم وعيون حمراء كالنار، مدّ لي يده وهو يرمقني بنفس النظرة الساخطة.
نظراته الحادة الحذرة… رجل كالكلب البري، بل ذئب نَبَذ الترويض.
آيدن تيلندر.
في الرابعة والعشرين فقط، تولى قيادة الحرس الإمبراطوري، وحماية النظام داخل إمبراطورية بيلفاتور.
كما ترأس وكالة الاستخبارات الإمبراطورية “الظلال البيضاء”، التي ترصد كل العائلات النبيلة، مما جعله أكثر شخصية يُخشى منها بين الأرستقراطيين.
بحسب تيتو، فقد كان «يشبه الكلب حرفيًّا.»
عدوانيًا تجاه الجميع ما عدا سيّده، ويعضّ أولًا إن شعر بالخطر، كان غير متوقَّع. ومع ذلك، فهو أقل الثلاثة اشتباهًا في اغتيال الإمبراطور نيريان.
والسبب؟ بسيط كالكلب ذاته:
“الكلب المدرّب لا يعضّ سيّده.”
وإن كان هذا صحيحًا، فهذه راحة. لكن كيف نروّض كلبًا فقد سيده، وتحول إلى وحش؟
نظرت في عينيه الحمراوين الوقحتين، تجاهلت يده الممدودة، ودخلتُ وحدي إلى الجناح.
في غرفة الطعام، حيث كانت المائدة جاهزة، جلستُ وأشرت إلى الكرسي المقابل:
«اجلس، دوق تيلندر. لنتناول الطعام أولًا.»
جلس آيدن وبدأ في الأكل بصمت.
خلال تلك الوجبة الصامتة، كوّنت انطباعًا بسيطًا: شهيّته كانت قوية.
مقارنةً بليان الذي كان يأكل بتردّد، وفيترين ذو الوجه الخالي من أي تعبير، بدا آيدن أفضلهم.
وبعد أن أنهيت وجبة مُرضية نسبيًا مع هذا الكلب النَهِم، انتقلتُ إلى غرفة الاستقبال.
طرحت عليه نفس الأسئلة التي طرحتها على الدوقين السابقين:
«دوق تيلندر، هل قتلتَ جلالة الإمبراطور؟»
رمقني بنظرة حمراء حادة وكأنه سيفترسني، ثم زمجر قائلاً:
«لا.»
بصراحة، شعرتُ ببعض الخوف.
أسلوبه الوقح جعلني أتردد في طرح سؤالي التالي، لكنني تمسّكتُ به.
«هل تنوي اغتيال ولية العهد لوتانيا؟»
«كلا!!!»
أجاب بصوتٍ عالٍ، يكاد يكون صراخًا، ثم مسح وجهه وكأنه يحاول تهدئة أعصابه.
رمقني بنظراته المقلقة من جديد.
خفضت بصري نحو فنجان الشاي، وتظاهرت بعدم الارتباك، مردّدة في داخلي:
إنه مجرد كلب. كلب يأكل جيدًا، ذو عيون مفترسة… لكنه يبقى كلبًا.
أنا أحب الحيوانات… والثقة بالنفس تفيد كثيرًا.
الترجہمه : غــيـو…𖤐
التلـي: https://t.me/gu_novel
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 4 - ,,,, دموع الوريثه 2025-07-01
- 3 - - اللقاء مع الوحوش الثلاث 2025-07-01
- 2 - كيف تروض الافاعي ب ابتسامه 2025-06-30
- 1 - - كيف تتعاملين مع عروض الوحوش 2025-06-30
- 0 2025-06-30
التعليقات لهذا الفصل " 3"