لاحظت لونا أنّي أتطلّع إلى الخارج ، فنظرت بنفسها و قالت دون أن أسأل.
“بحسب ما أراه من لباسهم ، فهم عمّالٌ مُرسَلون من نقابة البناء”
“نقابة البناء …”
“يقولون إنّ الساحة الكبرى ستُعاد تهيئتها. و الآن فقط يبدو الأمر واقعيًّا”
تهيئة؟ عندها فقط رأيتُ ما حولي بوضوح.
كانت المواد الإنشائيّة مكدّسة حول الساحة ، ونُصبت خيمٌ بيضاء تُشبه مكاتب مؤقّتة.
رفعتُ حاجبيّ إشارةً لها بأن تُكمل الكلام.
“تعلمين أنّهم يخطّطون لإعادة تهيئة الساحة الكبرى احتفالًا بالذكرى السادسة و الخمسين لجلالة الإمبراطور ، صحيح؟”
كيف لي ألا أعرف.
لقد خاطرتُ بحياتي لمنع خطّتهم الجنونية التي أرادوا فيها وضع تمثالٍ ذهبيّ لي في وسط الساحة.
“يبدو أنهم سيبدؤون العمل قريبًا. و حتى إن لم تُجهّز الأحجار الكريمة ، فسيعملون على الأجزاء الأخرى أوّلًا ، هكذا سمعت”
“أحجار كريمة؟”
“القصر الإمبراطوري اشترى كلّ الأحجار من الدرجة الممتازة التي ضُخّت إلى السوق بغرض الأعمال ، و مع ذلك يبدو أنها لا تكفي. حتى محالّ الخياطة تشتكي مؤخرًا من صعوبة الحصول على الأحجار”
لِمَ قد يحتاجون إلى كلّ هذه الأحجار في مشروع كهذا؟
شعرتُ بقشعريرةٍ تسري عبر مؤخرة رقبتي.
و كأنّ لونا قرأت أفكاري فأضافت: “آه ، سمعتُ أنّ تلك الأحجار ستُستخدم في صناعة تمثال البطلة أديلا هيلسنغتون. و يُقال إنّ مجلس النبلاء صوّت بالإجماع على ذلك”
“……!”
تغيّر وجهي بالكامل.
اتُّخذ القرار بصنع التمثال؟
نظرتُ عبر النافذة إلى السماء الصافية.
‘غريب. لقد حضرتُ مجلس النبلاء و صوّتُّ ضدّ القرار بنفسي …’
لماذا تختلف النتيجة عمّا أعرفه؟ أين اختفت معارضتي؟
ظنّت لونا أنّ اهتمامي ازداد بالحكاية ، فأكملت الشرح بهدوء.
“لكن المشكلة الأكبر ليست الأحجار ، بل صهر الذهب. فالعاملون قليلون ، و لذلك تنتشر شائعات عن قيامهم بتجنيد سحرة من فئة النار لمساعدتهم”
“…….”
“كمية الذهب المطلوبة هائلة لدرجة أنّهم سيستخدمون السحر. الجميع متحمّس. يقولون إنّ التمثال سيكون مشهدًا ساحرًا عندما يُرفع”
ليس مشهدًا ساحرًا بل مشهدًا سخيفًا.
فتمثال ذهبيّ بطول 10 أمتار لا يحمل قيمة فنية سوى أنه كتلة من الذهب.
و سيكون قبيحًا لدرجة أنّ انعكاس الضوء سيجعل النظر إليه مؤلمًا.
و هم يريدون وضع شيء كهذا في وسط الساحة؟ هل النبلاء في هذا البلد عاجزون عن التفكير لهذه الدرجة؟
‘انتظري … التوقيت لا يُعقل’
لقد عُقد مجلس النبلاء فقط قبل بضعة أيام.
فكيف بدأوا الاستعداد لصهر الذهب بالفعل؟
هذا غير منطقي. من الواضح أنهم كانوا يستعدّون مسبقًا.
‘كان مجلس النبلاء مجرد واجهة. صناعة التمثال كانت محسومة مهما كانت نتيجة التصويت’
“و رغم أنّ العمل لم يبدأ رسميًّا ، فإن العمال يظهرون هنا باستمرار و المواد تتوافد ، لذا يبدو أن إعادة التهيئة حقيقية”
صحيح.
و كنتُ أنا الغبية التي أصرّت على التصويت بالرفض وحدي ثم كادت تُخنق على يد ريونهايت.
و في تلك اللحظة ، خرج عدد من الرجال من إحدى الخيم المُقامة في الساحة.
مظهرهم الباذخ يوحي بأنهم نبلاء.
> أوه؟ هل ترين ريونهايت بين هؤلاء؟ ما الذي يفعله هنا؟
لقد كنتُ أحدّق في ريونهايت حتى قبل أن ترسل أونديني رسالة تخاطر.
فهو أطول من البقية برأسٍ كامل ، ولا يمكن تجاهله.
كنتُ أتجنّب ريونهايت قدر ما أستطيع. و لم أرد أن يلاحظني.
لأني أفهم مدى الكراهية التي يُكنّها لأدريان.
و بصراحة ، لم أرغب في أن يقتلني.
‘و لكن إن ظهرتَ فجأة أمامي هكذا فكيف سأبقى بعيدةً عنك؟! تحبّون الإجماع؟ مجلس النبلاء أصبح لعبة لديكم؟!’
التعليقات لهذا الفصل " 18"