قال أوزوالد بدلًا من لوسفيل و هو يمسح عرقه بغزارة محاولةً منه للتبرير ، “ذا ، ذلك … أظنّ أنّ الأستاذ لو—لوسفيل كان منشغلًا جدًّا هذه الأيّام فلم يجد وقتًا لترتيب المكان”
“أكان مشغولًا بإجراء التّجارب؟”
“آه ، على الأغلب نعم. فهو ساحر …”
“كنتُ أظنّ أنّ بيئة التّجارب السحريّة يجب أن تكون نظيفة. يبدو أنّني كنتُ مخطئة”
“…….”
ارتعش كتفا أوزوالد فورًا بعد أن انكشف كذبه في لحظة.
لم تكن لديّ نيّة لتوبيخه.
فالناس العاديّون يفترضون عادةً أنّني لا أعرف شيئًا عن السّحر.
“يا عميد ، منذ متى بدأ الأستاذ لوسفيل التدريس؟”
“منذ سنة و بضعة أشهر”
“و هل نجح لوسفيل في تجربة واحدة خلال تلك الفترة؟ لا ، هل كان يُجري أيّ بحث أصلًا؟”
“…….”
أطبق أوزوالد شفتيه.
طبعًا لم يكن يفعل.
فلا يوجد ساحرٌ عاقل يخاطر بإجراء تجارب في مكان كهذا ما لم يكن قد فقد رغبة العيش.
بل يبدو أنّ لوسفيل قد توقّف عن التّجارب أصلًا.
<لماذا تواصل البحث بهذا الشّغف؟ أما زلت ترى نفسك غير كافٍ؟>
<ليست مسألة قناعة. لحظة يتوقّف فيها الساحر عن البحث يبدأ بالتّراجع. و السّاحر الّذي لا يتطوّر … يُعدّ ميّتًا>
مع أنّه هو من قال ذلك بنفسه …
“لا أفهم لماذا جعلتَ المختبر بهذا الظّلام. ألا ترى الشّمس؟ الجثة تبدو أكثر حيويّة من الأستاذ”
“لو ، لوسفيل لا يكون هكذا عادةً ، إنّه فقط اليوم …”
“متى استحمّ؟ هل يأكل؟ هل ينام أصلًا؟”
“هو ، هو يأكل و ينام أيضًا …”
“لا يبدو قادرًا حتى على الوقوف. كيف يدرّس الطلّاب؟”
“آه! لا تقلقي بشأن ذلك. الأستاذ لوسفيل حين يدرّس يكون أداؤه جيّدًا”
“هل العميد هو المتحدّث الرّسمي باسم لوسفيل؟”
“ذا ، ذلك لأن الأستاذ قليل الكلام … أعتذر”
قليل الكلام؟ هو؟ من يستيقظ من الصّباح حتّى يغمض عينيه ليلًا و هو يتذمّر بلا توقف؟
لو كان هذا قد حدث في الماضي ، لكان لوسفيل قد شرع منذ زمن بإطلاق السّحر يمينًا و يسارًا.
“نسبة نجاح التّعاويذ و وقت تأخّر تفعيل السّحر في المواقف التي تكون فيها الحياة على المحك”
“…….”
“هذا … ما كنتُ أُجرّبه”
“أه … هكذا إذًا؟”
“إلى أن قاطعتني الدوقة”
حتى في هذه الحالة ، ما زال قادرًا على ابتكار أعذار لا يصدّقها حتّى كلب.
و رغم تغيّر الأجواء ، فإنّ ذكاءه ما زال يعمل ببراعة.
زفرتُ عامدةً.
“يا عميد ، إلى متى سأستمع إلى هذه السّخافات؟ بدأتُ أشعر بالانزعاج”
تردّد أوزوالد قليلًا قبل أن يتصنّع الجدية قائلًا: “أستاذ لوسفيل ، هذا آخر تحذير. قدّم اعتذارًا لائقًا للدوقة. و إلا … حسنًا ، ستحدث أشياء … ليست جيّدة”
لم يبدُ لوسفيل مهتمًّا.
و بدلًا من ذلك ، وجّه إليّ نظرةً من داخل شعره الكثيف.
“هل … سبق أن التقينا؟”
[المرحلة الأولى: (تقهقه بسخرية و كأنّها غير مصدّقة) “هه! أتجرؤ على إلقاء الحيل عليّ؟ على الأقل لديك عينان ترى بهما”]
… يا أيّها الكاتب الفاشل ، ليس هذا وقتها.
كيف تكتب دون أن تفهم الجوّ؟
توقّف الآن ، لو انتهى الفصل عند حافّة جرفٍ لكان أفضل.
تجاهلتُ الجملة المكتوبة.
“ألم تقل بنفسك قبل قليل أنّك تراني لأوّل مرّة اليوم؟”
“قلت ذلك. فأنا لا أنسى وجهًا رأيته مرّة واحدة. لكن …”
أمال لوسفيل رأسه و يتمتم: “لماذا ناديتِني بذلك الاسم؟”
ذلك الاسم؟ ألم أكن أناديه بالأستاذ لوسفيل طول الوقت؟
لم أفهم فصمتُّ.
عندها انغرست نظراته الحادّة في وجهي.
“لقد ناديتني بـ ‘فـيل'”
“……!”
أنا؟ هل فعلتُ ذلك حقًّا؟ مستحيل.
لم أتذكّر شيئًا كهذا ، و لم يكن منطقيًّا أصلًا.
ففي البعثة ، كنّا القلائل الّذين يملكون الجرأة لمناداته بـ”فيل” … و أنا كنتُ الوحيدة الّتي تفعل ذلك.
الآخرون كانوا يهربون من مزاجه القاتل.
فكيف أناديه الآن بهذا الاسم؟
‘إلّا لو أردتُ أن يشتبه بي كأديلا …’
هل جنّ لوسفيل ليسمع هلاوس؟
لكن حينها—
> كلام لوسفيل صحيح. لقد سمعتكِ تنادينه بـفيل.
… المجنونة كانت أنا.
قلتُ بشفاه يابسة: “لا أفهم ما تعنيه”
“لا تنكري …”
“و هل ستصدّق لو أنكرت؟ يبدو أنّك واثق بالفعل”
“ليست ثقة ، بل حقيقة. سمعتها بوضوح”
“إذًا لا فائدة من الرد. فكّر ما شئت. لا يخصّني هذا”
توهّجت عيناه الداكنتان بحدّة ، و وضِح أنّه لا يصدّقني.
‘لماذا يتذكّر حتّى ما يسمعه و هو شبه ميّت!؟’
ظننت أنّ اللامبالاة أفضل من النّفي ، لكن لوسفيل لم يتأثّر.
كان قلبي يضرب بقوّة.
كلّما طال الحديث معه ، أصبحتُ في موقف أضعف.
لوسفيل قادر على جمع الحقيقة من أسخف خيط … أمّا أنا فأرتكب أخطاء فادحة عند أوّل توتّر!
ضرب لوسفيل حتّى لا يُكرّر الأمر؟ فكرة ممتازة … لكن لاحقًا.
فهو على وشك الإغماء أصلًا.
‘يجب أن أغادر فورًا’
عدتُ إلى هدوئي.
“يا عميد ، سنكتفي بهذا اليوم”
“أمتأكّدة يا دوقة؟ ما زال هناك دروس أخرى …”
“كنتُ أتوقّع الكثير لكن خاب أملي. مستوى الأكاديمية التي تُوكِل التدريس لشخص كهذا … مفهوم. لن أتبرّع”
“يا ، يا دوقة! هذا الرجل لا يمثّل الأكاديمية …”
“حقًا؟”
“بل ، بل يمثّل— أعني ، لهذا أحاول الاعتذار نيابةً عنه! هاهاها … فقط فرصة واحدة يا دوقة! دو ، دوقة!”
غادرتُ دون أدنى مبالاة.
لم أعرف إن كان العرق البارد يجري على ظهري من الألم أم من نظرة لوسفيل الّتي التهمتني كأنّه سيكشف سرّي في أيّ لحظة.
***
ساد صمت خانق داخل العربة.
و لم يكن ذلك غريبًا ، فأنا لم أتفوّه بكلمة.
كانت لونا ترغب بشدّة في الحديث عن ما جرى في قاعة الدرس ، لكنّ هدوئي أجبرها على التزام الصّمت.
‘هل كان موتي صدمة كبيرة على لوسفيل؟’
أنا نفسي لم أشعر بأيّ أسف على موتي.
فقد اتبعتُ المسار المحدّد فحسب.
لم يكن مخيفًا أو مؤلمًا.
بل شعرتُ بفرحٍ حقيقي عندما اعتقدتُ أنّني سأعود لعالمي السابق.
و لأنّني تعاملت مع موتي بخفّة ، ظننت أنّ الآخرين كذلك.
حتى أونديني ، رغم بكائها عندما رأتني مجددًا ، عادت لطبيعتها بسرعة.
لكن يبدو أنّ الأرواح لا تتأثّر بموت البشر كثيرًا.
أمّا لوسفيل … فموتي سحقه.
سحقه لدرجةٍ جعلته يترك حياته.
انبثق في رأسي وجه ريونهايت الّذي صار قاسيًا فجأة.
‘هل تغيّر هو أيضًا بسببي؟ و ماذا عن أوين؟ هل هو بخير؟’
“يا ، يا دوقة …”
نادَتني فياشير بصوتها الطفوليّ الّذي يذيب القلب.
‘آسفة يا فياشير ، لستُ في مزاج جيّد اليوم …’
“لقد ، لقد حصـ ، حصلت على صديـ ، صديقة”
… ماذا!؟ هل حصلتِ على صديقة بالفعل؟
كم واحدة؟ هل انسجمتِ مع الأطفال؟ هل ضايقكِ أحد؟
“را ، رايان ، و تا ، تان ، و زا ، زانا … زاناكييل”
أضافت لونا بخفوت: “و جميعهم صبية”
آه ، فياشير الصغيرة … بطلة حقيقيّة كما توقّعت.
فتاة واحدة و ثلاثة فتيان. يا له من مشهد مألوف.
منذ رأيت عنوان الفصل الأول “أحلام أربعة: ثلاثة رجال و امرأة” كان ينبغي أن أعرف …
‘لكن كيف لا يوجد أيّ تقدّم عن الجزء الأوّل؟’
تابعت فياشير بحماس: “را ، رايان طويل جدًّا و جميـ ، جميل. يحلم أن يصير سيّد السّيف”
إذًا رايان = دور المحارب.
“تا ، تان لطيف جدًّا. ظننته ملاكًا حين رأيته. أشعر بالرّاحة عند الاقتراب منه … لذا أشعر بقليل من النّعاس”
تان = دور الكاهن. طاقة القداسة واضحة.
“زا ، زاناكييل … لا يتكلّم كثيرًا. لكـ ، لكنّه أعطاني مقعده أوّل ما رآني. و قال إنّ لديه … ما ، ما … مارًا؟ ما ، ماردًا؟ لا ، ما ، ما … أظنّها قوّة مانا”
أي أنّ زاناكييل = ساحر موهوب مبكرًا.
‘حتى الوظائف مطابقة للجزء الأوّل. يا للكارثة’
الفارق الوحيد أنّ البطلة الآن هي فياشير … لا غير.
‘ليس لديه ما ينسخه سوى الجزء الأوّل الفاشل؟ يا للروعة حقًّا’
التعليقات لهذا الفصل " 17"