بعد أن تأكّدتُ من أنّ أونديني لا تُرَى ، خرجتُ من غرفة النّوم.
خلفي ، ستّ من الخادمات و رئيسُ الخَدَم تبعوني باندفاعٍ و أنا أعبر الرّدهة.
صدى أصوات خُطانا كان يرتدّ على الأرضيّة الرُّخاميّة بشكلٍ مُضطربٍ.
“أيّها الخادم ، جهّز جميع وثائق التّسجيل في الأكاديميّة و الأغراض الّتي تحتاجها فياشير”
“هل قرّرتِ تسجيلها بالفعل؟ هذا قبل حتّى أن تحضري حصّة مُراقَبة”
“سوف تذهب في النّهاية”
“… هل قالت الآنسة إنّها تُريد الذّهاب إلى الأكاديميّة؟”
“كلا”
‘لأنّ القصّة يجب أن تستمرّ هكذا’
رئيسُ الخَدَم ، الّذي أخطأ الظّنّ بأنّني اتّخذتُ القرار بمُفردي ، لم يسأل المزيد.
“سيّدتي ، تفضّلي”
ناولَتني خادمةٌ كانت تسير خلفي حقيبة يد صغيرة. كان لونها ذهبيًّا مثل الفستان.
أخذتُ حقيبة اليد و وضعتُها بلا مُبالاةٍ تحت يدي.
“هل قدّمتَ طلبًا لمُراقبة الدّرس بشكلٍ صحيح؟”
“نعم ، لم يكن هناك نظامٌ للسّماح بالمُراقبة ، لذلك أوصيتُ بإنشائه”
“… و ماذا بعد؟”
“تمّ إنشاؤه”
كانت نبرة رئيس الخَدَم مُحايدةً جدًّا لدرجة أنّني سمعتُها للحظة كـ “سقيتُ النّباتات”
لكنّ إنشاء نظامٍ غير موجودٍ في بضعة أيّام لم يكن أمرًا سهلًا.
خاصّةً في مكانٍ مُحافظٍ مثل الأكاديميّة.
“سيتمكّن أولياء الأمور من الآن فصاعدًا من مُراقبة الدّروس مرّةً واحدةً في السّنة”
“أنا لستُ وليّ أمر”
“يمكنكِ يا سيّدي المُراقبة في أيّ وقتٍ”
[المستوى 2: (تلمس قرط الأذن بلامُبالاةٍ) ما الّذي وعدنا بإعطائه؟]
“همم؟ هل وعدنا الأكاديميّة بشيءٍ؟ لماذا؟”
بينما كنتُ أتبع التّعليمات ، أجاب رئيسُ الخَدَم بلا مبالاةٍ.
“اتّفقنا على التّبرّع بكامل تكاليف بناء ميدان الفروسيّة و خمسين حصانًا”
“……”
في الواقع كما في الرّوايات ، لا يوجد شيءٌ لا يمكن للمال أن يفعله.
كان شعورًا غريبًا أن أتحوّل من شخصٍ يُراقب تبذير الأموال إلى شخصٍ يتبذّرها.
“عندما نلتقي بهم اليوم ، سيحاولون الحصول على تأكيدٍ نهائيٍّ”
“من المُحتمل ذلك”
عندما خرجتُ من القصر ، كانت فياشير تنتظر أمام العربة.
“أيّتها الدّوقة ، أوه ، مرحبًا ، مرحبًا”
أمسكت الطّفلة بطرف فستانها و ثنَت ركبتيها قليلًا في انحناءةٍ.
كان الفستان ذو اللّون الورديّ الفاتح و تسريحة الشّعر المُجعّدة و المُثبّتة على جانبيّ رأسها كـ ‘كعكتين’ مُتناسقين بشكلٍ رائعٍ.
كان الشّريط الأبيض المُربوط حول عنقها و الشّريط المُربوط به شعرها مُتطابقين.
كانت تلك قطعةً زادت من جاذبيّة الطّفلة درجةً أخرى.
[المستوى 1: (تُقلّب نظرها في فياشير من الأعلى للأسفل ، ثمّ تهمس باستهزاءٍ) يا له من مستوىً … غيّر مسؤول تجميل فياشير]
“امنح مُوظّف تجميل فياشير مكافأةً”
“… نعم؟”
عندما نظرتُ إليه ببرودٍ ، سرعان ما أخفى رئيسُ الخَدَم ارتباكه.
“سـ سأفعل كما أمرتِ. كم عدد المُرافقين الّذين تُريديهم؟”
“واحد”
“… نظرًا للحادثة المُؤسفة الّتي وقعت في القصر الإمبراطوريّ مُؤخّرًا ، دعينا نجعلهم خمسةً”
“واحد”
“ماذا عن ثلاثة؟ ثلاثةٌ على الأقلّ من أجل السّلامة …”
استدرتُ و صعدتُ إلى العربة قبل أن أستمع إلى بقيّة كلام رئيس الخَدَم.
“لونا ، تعالي”
“نعم يا سيّدتي!”
بينما كان رئيس الخَدَم يتوقّف مُتردّدًا ، رفعت لونا فياشير و صعدت بها إلى العربة ، ثمّ صعدت هي تاليًا.
انطلقت العربة—
كانت الأكاديميّة تقع داخل أراضي القصر الإمبراطوريّ.
قيل إنّه لا يمكن التّسجيل فيها إلّا لأبناء النُّبلاء المُقيمين في العاصمة ، و لذلك فإنّ العديد من النُّبلاء الإقليميّين كانوا يتركون إقطاعيّاتهم في عُهدة وكيلٍ و يأتون إلى العاصمة.
كان المبنى بأكمله مُكوّنًا من طابقٍ واحدٍ.
لكنّه لم يكن مُتواضعًا على الإطلاق. بل على العكس ، شعرتُ و كأنّني مغلوبٌ على أمري بعظمة المبنى.
أبراجٌ مُدبّبةٌ تقف على جوانبه الأربعة ، تتوسّطها ساعةٌ ضخمةٌ. و سقفٌ مُقبّبٌ و أنيقٌ.
كان البناء الحجريّ الّذي يُشكّل الجدران الخارجيّة مُفصّلًا بشكلٍ لا يُصدّق.
حتّى التّماثيل الّتي تُزيّن حماية الطّنف جعلت فمي ينفتحُ ذهولًا.
في أيّ مكانٍ تنظر إليه في المبنى ، يمكنك أن تختبر ذروة الفخامة و العظمة المُطلقة.
‘أشعرُ و كأنّني في إحدى الكاتدرائيّات الكبرى في أوروبا’
نظرتُ خلسةً إلى الوراء.
كانت لونا و فياشير تُشاهدان المبنى بأعينٍ مُنغمسةٍ في الذّهول.
بينما كنتُ أبتسم في سرّي على مظهرهما اللّطيف ، تحدّث إليّ شخصٌ ما.
“أليس جميلًا؟ أنا أتأثّرُ به في كلّ مرّة أراه”
كان عجوزًا كبيرًا في السّنّ.
ذكّرني مظهره بشعره الأبيض المُتطاير بحُرّيّة بعالمٍ مشهورٍ.
“مضى عامان منذ أن رأيتُك آخر مرّة. كيف حالك مُنذ ذلك الحين؟”
ابتسم العجوز في وجهي ابتسامةً عريضةً. ظهرت أسنانه الأماميّة المفقودة بوضوحٍ من بين شفتيه.
بينما كنتُ أحدّق في أسنانه الأماميّة بصمتٍ ، قام بحكّ رأسه.
“وقعت لي حادثةٌ أثناء إجراء التّجارب ، و … كحم! أهلًا بكِ في الأكاديميّة ، أيّتها الدّوقة إيفرانتي”
بدا العجوز يعرفني جيّدًا ، بينما أنا أراه لأوّل مرّة في حياتي.
كما هو مُتوقّعٌ ، لم يُخبرني الكاتب الفاشل بأيّ معلوماتٍ عن العجوز.
لكنّ ذلك لم يكن مُشكلةً.
‘توقّعتُ هذا و عرفتُ كلّ شيءٍ مُسبقًا’
اسم العجوز هو أوزوالد فرانكلين ، ساحرٌ من درجة “خبير” و عميد الأكاديميّة.
“مضى وقتٌ طويل ، أيّها العميد”
“سمعتُ أنّكِ اتّخذتِ قرارًا مُهمًّا من أجل الأكاديميّة. باسم الأكاديميّة ، أتقدّم لكِ بالشّكر”
توقّعتُ أنّه سيرغب في الحصول على تأكيدٍ منّي بعد تبادل الآراء مع رئيس الخَدَم.
لكنّني لم أتوقّع أن يسألني بشكلٍ مُباشرٍ بمجرّد رؤيتي.
‘يُذكّرني بلوسفيل’
بالطّبع ، هذا العجوز أكثر اتّزانًا مُقارنةً بلوسفيل.
في الواقع ، لو تصرّف مثل لوسفيل ، لم يكن ليُصبح عميدًا أبدًا.
“سمعتُ ما قاله الخادم ، و لكنّني أشكّ فيما إذا كان خيارًا مُناسبًا”
“كما تعلمين ، تُعلّم أكاديميّتنا نخبةً قليلةً فقط بأفضل المُنشآت و أفضل طاقمٍ تدريسيٍّ. لن تندمي أبدًا على التّبرّع”
“أنت تقول شيئًا بديهيًّا. هذا ليس ما يُثير فضولي”
“إذًا هل لديك أيّ شيءٍ مُعيّنٍ يُثير فضولكِ؟”
“هل سيتمّ بناء ميدان الفروسيّة بنفس الطّراز المعماريّ للمبنى الرّئيسيّ؟”
“بالتّأكيد. تمّ وضع الخطّة مُنذ فترة ، لكنّها تأجّلت بسبب مشاكل التّمويل”
“جيّدٌ ، سأتبرّع”
“أوه ، أيّتها الدّوقة ، أنتِ نشِطة جدًّا”
ابتسمتُ لأوزوالد بإيجازٍ و أشرتُ بعينيّ إلى الطّفلة.
“فياشير إيفرانتي. إنّها الطّفلة الّتي أرعاها”
“يا لها من آنسةٍ لطيفةٍ حقًّا! لم أرَ قطّ آنسةً يناسبها الفستان الورديّ و تسريحة الشّعر هذه بهذا الشّكل! أليس كذلك؟ عقد العنق و الشّريط الشّعريّ مُتطابقان! إنّهما مُتكاملان حقًّا!”
‘… أشعرُ أنّ هذا العجوز يتشارك معي بعض الذّوق’
تردّدت فياشير ، ثمّ رفعت طرف فستانها و انحنَت بلُطفٍ.
“أوه ، مرحبًا. عـ، عمـ، عمّو …؟”
يبدو أنّها لا تعرف بماذا يجب أن تناديه.
حدّقت الطّفلة فيّ ، و هي تهمس في نهاية كلامها ، باحثةً عن ردّة فعلي. و أصابعها الصّغيرة تتحرّكُ بعفويّةٍ.
‘يا له من لُطفٍ …’
قمعتُ شفتيّ الصّاعدتين بسرعةٍ و حافظتُ على تعبيري البارد.
‘أنا الوصيّة القاسية و عديمة الإحساس. شخصٌ بارد الدّم لن يتأثّر باللّطافة أبدًا’
لكنّ المعركة الذّاتيّة لم تكن وحيدةً. فقد ذاب أوزوالد بالفعل إلى نصفين.
ركع على ركبتيه و تواصل بصريًّا مع فياشير.
لم يهتمّ لجرّ عباءته على الأرض المُتربة.
“يمكنكِ مُناداتي بالعمّ. أنا عمّكِ ، أليس كذلك؟ فياشير ، هل يمكنكِ مُناداتي بـعمّي؟ همم؟”
تردّدت فياشير و كأنّها مُرتبكةٌ ، لكنّها ابتسمت بلُطفٍ في النّهاية.
“هيهي ، عـ، عمّو”
“حسنًا ، يا ابنتي. هل نذهب لنتجوّل في الأكاديميّة مع عمّو؟”
مدّ أوزوالد يده ، فنظرت الطّفلة إليّ. كان في عينيها سؤالٌ عمّا إذا كان يُسمح لها بالإمساك بيده.
[المستوى 2: (بغرورٍ) يُمكنني أن أقرّر الدّرس ، أليس كذلك؟]
تحكّمتُ في تعابير وجهي و تابعتُ التّعليمات.
“يُمكنني أن أقرّر الدّرس ، أليس كذلك؟”
“بالتّأكيد. هناك درسٌ أساسيٌّ في السّحر و درسٌ في المُبارزة في السّاعة العاشرة ، و درسٌ في الهندسة المعماريّة في السّاعة العاشرة و الثّلاثين دقيقةً. أيّ الدّروس تُريد مُراقبته؟”
“ماذا عن اللاهوت؟”
“يا إلهي ، درس اللاهوت اليوم سيكون في فترة ما بعد الظّهيرة فقط … فياشير ، هل أنتِ مهتمّةٌ باللاهوت؟”
سأل أوزوالد بابتسامةٍ حنونةٍ.
لكنّ فياشير اكتفت بالرّمش فقط. لأنّها لا تعرف ما هو اللاهوت.
التعليقات لهذا الفصل " 13"