“م… موعد غرامي؟”
قالت دانا وهي تمسح على عجل الماء من فمها.
ولحسن الحظ، لم يتطاير شيء إلى إدوين.
وجه إدوين وهو يبتسم ابتسامة دائرية جعل من المستحيل معرفة ما في رأسه.
هل كان يمزح؟ أم جادًّا؟
لذا قررت دانا أن تعتبر كلماته مجرد مزحة.
“لا ينبغي أن تمزح بمثل هذا الكلام.”
“لم أكن أمزح.”
“……”
“لا تذهبي لرؤية عريس محتمل، سينباي.”
اتسعت عينا دانا من الدهشة.
سكب إدوين مجددًا الماء في كأسها الفارغة.
كانت شفاهه تبتسم، لكن عينيه كانتا جادتين للغاية.
قال بابتسامة بطيئة.
“أعلم أن تصرفي المفاجئ هذا قد يبدو وقحًا.”
على الأقل هو يعلم، فهزّت دانا رأسها بإيجاب.
تابع إدوين كلامه:
“لكن ألم تقولي إنك تفكرين في الابتعاد عن العائلة؟”
“……قلتُ ذلك.”
“بدلًا من الزواج من رجل لا تعرفينه، أليس من الأفضل أن تتزوجيني أنا؟”
من أين له بهذه الثقة؟
سألت دانا بدهشة.
“ولماذا؟”
عندها نقر إدوين بخفة على الزهرية الزجاجية الموضوعة في منتصف الطاولة.
اهتز الماء داخل الزهرية بخفة.
وكذلك الزهرة الصفراء المتفتحة داخلها.
“قد يبدو أن هذه الزهرة تؤدي دورها لمجرد وجودها هنا، لكنها احتاجت إلى شروط كثيرة حتى تتفتح بهذا الشكل.”
“مثل التربة والمغذّيات؟”
“هذا صحيح أيضًا. وأشياء كأشعة الشمس والرياح.”
“وماذا أيضًا؟”
أشار إدوين بعينيه إلى صاحب المطعم.
“النظرة النابعة من محبة.”
المحبة، شعور لم يسبق أن تلقّته من أحد.
واصل إدوين وهو ينظر إليها.
“ذلك أمرٌ بالغ الأهمية. الأزهار هنا قد نمت وهي لا تشعر بأي قلق، تنظر إلى الشمس فحسب، متفتحة بكامل بهائها.”
“……”
“لأن هناك من كان يراها بنظرة حانية كل يوم، يعتني بأصغر تفاصيلها.”
كان إدوين على حق.
ربما صاحب المطعم قد اعتنى بالزهور بدافع المحبة فقط.
بإصلاح ما يؤلم، وملء ما ينقص.
وبنظرة دافئة كل يوم.
فهمت دانا كلامه، فابتسمت ابتسامة شاحبة.
ربما كانت تنتظر نظرة كهذه طوال الوقت.
حينها، ناداها إدوين بصوت خافت.
“أنا أستطيع أن أكون ذلك الشخص.”
ووضع يده فوق يد دانا المستندة على الطاولة.
حرارة كبيرة أحاطت بيدها المرتجفة بلطف.
“عيشي يومكِ ناظرةً فقط إلى الشمس، بلا قلق. أما الباقي، فسأتكفله أنا.”
من عينيه، التي كانت دائمًا تضحك في هدوء، انسكبت مشاعر عميقة.
عيناه الحمراوان المتأججتان كالنار بدتا مفعمتين بالصدق.
حدّقت دانا في عينيه مسحورة بكلامه وسألت.
“..…لماذا؟”
لماذا تفعل هذا؟ ما الذي تراني عليه لتقدم كل هذا؟
ارتسم وجه إدوين في عينيها الممتلئتين بالارتباك.
ابتسم لها بلطف.
“من يدري؟”
“……”
“هذا شيء يجب أن تكتشفيه بنفسك.”
“أنا؟”
“حاولي أن تتذكّري. لماذا أفعل هذا كله؟”
لأول مرة، أدركت دانا أن التفكير الكثير يسبب فراغًا في رأسها.
اعترافه المفاجئ، وكلامه عنها، كانا مربكين للغاية.
لكن أكثر ما شغل تفكيرها…
كانت مشاعرها معقّدة على نحو لم تألفه من قبل.
كما لو أن نسيمًا دافئًا يدغدغ صدرها.
كأنها ترى لأول مرة لونًا يتسلل إلى عالمها الرمادي.
نظرت دانا أمامها بحذر.
وجه إدوين الذي كان دومًا مرتاحًا بدا الآن متوترًا على غير العادة.
نظرت إلى شفتيه المنقبضتين فأدركت.
‘إنه جاد.’
في تلك اللحظة، رفعت دانا الكأس أمامها وشربت منها دفعة واحدة.
ثم قالت بصوت مرتجف لكنه واضح.
“..…أسبوع واحد.”
استمع إدوين باهتمام لكلماتها المفاجئة.
“لنخرج في مواعيد لمدة أسبوع. أريد أن أختبر تلك النظرة التي تحدثت عنها.”
عندها ابتسم إدوين بفرح.
ابتسامة صافية كابتسامة طفل، لا تشوبها شائبة.
ونظرة عينيه، الممتلئتين بالبهجة، كانت تتوجه إلى دانا فقط.
وحين أدركت ذلك، بدأ قلبها ينبض بقوة.
‘ما خطبي اليوم؟’
تنهد إدوين كأنه أزال عن كاهله حملًا ثقيلاً.
“أنا واثق، من نفسي.”
صوته كان حلوًا كالعسل.
ابتسمت دانا بخفة وهي تنظر إلى ابتسامته المتألقة.
كانت تدرك بعقلها ما ينبغي فعله.
أن ما يجب عليها الآن هو الزواج في أسرع وقت.
وقد يتغير قلب إدوين لاحقًا.
لكنها، ورغم كل ذلك، غيّرت خططها بدافع مفاجئ…
‘نظرة نابعة من محبة.’
كانت تريد أن تشعر بها ولو ليوم واحد.
لو اختبرتها ليوم واحد فقط… فلن تندم بعدها أبدًا.
***
بعد انتهائهما من تناول الطعام، أخذ الاثنان يتجولان في الساحة بلا هدف.
لم تستطع دانا استيعاب الحيوية المتدفقة من كل مكان.
كانت هناك أشياء كثيرة تثير فضولها، وأشياء كثيرة تودّ تجربتها.
“ما ذاك المكان؟”
“يبدو كأنه محل لبيع الأشياء المتنوعة.”
“المتجر جميل، هل ندخل؟”
ابتسم إدوين موافقًا.
كان المتجر، الذي يغلب عليه اللون الأبيض، يعج بالأشرطة والدانتيل، وكأن ذوق صاحبته قد طُبع في كل زاوية منه.
في الجدران المصممة على هيئة رفوف للكتب، كانت تصطف الدمى ودبابيس الشعر والزينات.
وفي الوسط، كانت هناك أربع طاولات بيضاوية الشكل، عُرضت عليها الإكسسوارات والعطور.
أما صاحبة المتجر، وهي امرأة تبدو في منتصف العمر، فكانت تستند إلى طاولة الحساب برأسها وتغفو بخفّة.
تمتمت دانا دون أن تشعر، وبصوت خافت.
“يبدو أننا نستطيع تجربة العطور.”
وأشارت إلى لافتة ورقية كُتب عليها “التجربة ممكنة”.
“أتحبين العطور، سينباي؟”
“بدقة أكثر، أحب رائحة الأزهار، رائحة زهور الحقل الخفيفة.”
“تليق بكِ.”
احمرّ وجه دانا خجلًا من ذلك التعليق.
لم يكن إدوين يخجل من الإطراء.
قالت دانا بخجل خفي.
“العطور كانت رفاهية بالنسبة لي. الروائح لا تُرى، ولم يكن لدي وقت لأتزين بها.”
ثم اختارت عطراً بلون أصفر.
كان زجاجةً عليها رسم غير متقن لزهرة الأقحوان.
ضغطت دانا على المضخة المثبتة على العطر.
فانتشر عبق ناعم وحلو.
أعجبها العطر، فرفعت شعرها جانبًا.
ثم رشت قليلًا منه على عنقها الأبيض المكشوف.
“أعجبني حقاً.”
قررت دانا أن تشتري لنفسها هدية بعد طول غياب.
“ما رأيك، إدوين؟ هل تودّ أن تشمّه؟”
ناولته دانا زجاجة العطر.
وقد راودها شعور أن شعره الذهبي يليق بالأقحوان.
“لِمَ لا؟”
اقترب إدوين من دانا.
ثم مال بجسده قليلاً نحوها.
اقترب وجهه من كتفها.
وسرعان ما شعرت دانا بأنفاسه الدافئة على عنقها الرقيق.
تجمدت يدها التي كانت تمسك زجاجة العطر.
جسدها، الذي تيبّس فجأة، وقف ساكنًا مدركًا وجود إدوين.
“حقاً.”
همس صوته المنخفض في أذنها.
“رائحته جميلة حقًا، سينباي.”
“……”
ثم ابتعد عنها ببطء.
وأخذ العطر من يدها برفق.
“هذه هدية أول موعد.”
قالها بثقة وسار إلى طاولة الحساب.
استفاقت صاحبة المتجر منذ فترة، وكانت تراقبهما بعينين مليئتين بالرضا.
“م-مهلاً!”
أفاقت دانا فجأة، وركضت وهي تمسك بأي عطر وجدته.
“سأشتري لكَ واحداً أيضًا!”
وقدمت للعطّارة نفس عطر الأقحوان الذي اختارته.
هاه؟ أليس هذا عطراً نسائياً؟
كانت تنوي اختيار عطر رجالي، لكن إدوين أمسك بها.
“إنه نفس العطر الذي اخترتهِ لنفسكِ، أليس كذلك؟”
“هاه؟”
“هل أردتِ أن نستخدم نفس العطر؟”
ما الذي تقوله؟
نظرت دانا إليه مذهولة.
لكنه وضع العطر الآخر على طاولة الحساب دون تردد.
“لا بأس إن استخدم الأحبة العطر نفسه.”
ما هذا الهراء!
بهذا الشكل ستبدو وكأنها متلهفة لتُظهر أنهما حبيبان.
“أوقات الشباب، جميلة هي، جميلة.”
ضحكت صاحبة المتجر بخبث وهي تنظر إلى دانا.
“ليس هكذا…”
“لنذهب، سينباي.”
أمسك إدوين بيدها بعدما أنهى الدفع، وسحبها معه.
ارتبكت دانا، ولم تدرك حتى مكان يدها وهي تنقاد خلفه.
“رشي لي من فضلكِ.”
ناولها زجاجة عطر الأقحوان.
ثم انحنى ليواجه وجهها.
نظرت دانا إلى تعبيره الممتلئ بالترقب وضحكت بخفة.
ثم رشّت العطر على عنقه.
واصلا السير معًا.
نظر إدوين إلى دانا بعينين مليئتين بالرضا.
أن تصدر منهما نفس الرائحة…
كان ذلك بالفعل…
أمراً يُشعره بالسعادة.
التعليقات