بعد مغادرة بول، دخل المكتب مكتبٌ جديدٌ وكرسي.
رغم وجود أماكن شاغرة، اختار إيدوين أن يجلس بجانب دانا.
كان لايتن، بوجهه الشاحب، لا يزال يتسكع إلى جانب دانا.
‘ألهذا فقط جاء إلى هنا؟ ليعرّفنا على موظف جديد؟’
خيبَة الأمل أثارت في نفسه مزيدًا من الاستياء تجاه بول.
ثم اصطدمت فخذه بحافة المكتب.
“آي، آي!”
شعر بالإحراج، فراح يرمق دانا بنظرات غاضبة دون سبب.
“هاي، دانا هارتوين! هل أنهيتِ التقرير الذي طلبتُه منكِ في المرة السابقة؟”
“ما طلبتَه مني كثيرٌ، عن أي منها تتحدث؟”
لم يكن لايتن مهتمًّا بالعمل، فكيف له أن يعرف؟
“يجب أن تفهمي دون أن يُقال لكِ! أنتِ دائمًا… أغم!”
توقّف عن الكلام فجأة.
فقد دفعه إدوين من وجهه بيده الكبيرة.
فاندفع لايتن إلى وسط المكتب بطريقة مثيرة للشفقة.
كأنه ورقة ذابلة تتطاير في الريح.
نظر إلى الموظف الجديد بذهول لا يُصدّق.
أما إدوين فقد رمقَه بنظرة مطمئنة وكأن شيئًا لم يحدث.
“كنتَ تقف في مكاني.”
قالها إدوين بهدوء، بينما راح يحدق في دانا بلا انقطاع.
“نلتقي مجددًا.”
كان صوته يحمل نغمةً مفعمة بالحماس لسببٍ ما.
“هل تورّط مع لايتن منذ يومه الأول؟ سيكون الأمر مزعجًا…”
همست دانا بقلق تجاه إدوين.
“عليكَ أن تعتذر للايتن أولًا…”
“لم أسمع جيدًا.”
اقترب إدوين منها، مائلًا بجسده نحوها.
هل من اللائق أن يقترب بهذا الشكل…؟
عندما اقترب من أذنها، رمشت دانا بدهشة.
وانبعث من أنفاسه عطرٌ منعشٌ وذكوري.
“إذًا…”
حدّقت دانا بشرود في وجنتَيه النظيفتين.
حتى رموشه المسترسلة كانت جميلة.
“إذًا؟”
كرر إدوين كلماتها وهو يبتسم.
“أولًا، قل له إنك آسف…”
“آه، هل تهتمين لأمري؟”
هزّ كتفيه بلا مبالاة، كأن الأمر بسيط.
ثم ابتسم ابتسامة خفيفة وهو قريب بما يكفي لتشعر بأنفاسه.
“أنا سعيد.”
“…..”
هل هذا أمر يستحق الفرح؟
ظهرت علامات الاستغراب في عيني دانا الزرقاوين.
ثم دوّى صوت لايتن المرتفع.
“ما الذي تهمسان به هناك بدلًا من العمل؟”
“آسفة.”
أبعدت دانا نفسها بسرعة واقتربت من مكتبها.
تابع لايتن، مشيرًا إليها بإصبعه.
“يبدو أنكِ تتفاهمين مع الموظف الجديد؟ إذًا ستكونين مشرفته!”
“حسنًا.”
أومأت دانا برأسها.
تذكّرت كم عانت حين لم يعلّمها لايتن شيئًا عند انضمامها.
لم تكن تريد للموظف الجديد أن يعاني مثلها.
“من فضلكِ اعتني بي يا آنسة.”
ورغم توبيخ رئيسه، لم يتأثر إيدوين مطلقًا.
بل ناول دانا زجاجة عصير تفاح وهو يبتسم بلُطف.
‘هذا عصيري المفضل!’
هل هي مصادفة؟
تناولت دانا الزجاجة بسعادة.
راقبها إيدوين بنظرة راضية.
‘واو، ما هذا؟ لماذا طعمه رائع هكذا؟’
اتسعت عينا دانا بدهشة.
لقد تذوقت العديد من عصائر التفاح، لكن مثل هذه النكهة؟ لا.
“هل أعجبكِ؟ سأحضر المزيد غدًا.”
ابتسم إيدوين برضا لرؤية تعبيرها السعيد.
كان عصيرًا طازجًا عصره طاهي القصر الإمبراطوري بنفسه فجرًا.
التفاح المخصص لمائدة الإمبراطور انتهى به المطاف في فم دانا.
“شكرًا، كان لذيذًا.”
“تحدثي براحة، آنسة.”
قال إيدوين بلطافة.
ابتسمت دانا برقة أمام لطفه.
“حسنًا، إيدوين.”
“…..”
في تلك اللحظة، اهتزّت عينا إيدوين.
سماع اسمه بصوت دانا أثار مشاعر غريبة في قلبه.
شعور بالدفء والامتلاء….
“إيدوين، هل أنتَ بخير؟”
نادته دانا، فاستعاد إيدوين تركيزه.
“آه، نعم. الأمر أفضل مما توقعت….”
أفضل؟ ما الذي يقصده؟
وقفت دانا من مكانها.
“حان وقت الذهاب إلى غرفة المخزون. سأريكَ كيف نتحقق من الكميات.”
“نعم، آنسة.”
أجابها بصوت رقيق.
وأثناء سيرهما في الرواق، بدأت دانا بشرح المهام.
“أغلب عملنا يتضمن التحقق من الكميات، أو مراجعة تقارير استخدام الجرعات.”
أنصت إيدوين إلى صوتها كما لو كان مسحورًا.
رغم مرور الزمن، ظل صوتها صافيًا وواضحًا كما هو.
بدأ يُبطئ خطواته ليتماشى مع خطواتها.
لم يفعل ذلك لأحد من قبل.
‘لا بأس بذلك.’
إن كانت دانا هي الشخص الذي يراعيه، فهو على استعداد للتكيف.
عند نهاية الرواق، فتحا الباب على اليمين، فانكشفت غرفة المخزون.
كان الجو باردًا فيها مثل المخازن.
وذلك للحفاظ على استقرار الجرعات.
‘أوه، الجو بارد كالعادة.’
ارتجفت دانا وأغلقت ياقة سترتها.
عندها، لامست يد إدوين ظهرها.
“هناك شيء على ظهركِ.”
ثم مسحه بلطف.
“أه؟ شكرًا.”
وبعدما ناولته الملفات، أمالت رأسها باستغراب.
‘أشعر بالدفئ بشكل غريب؟’
تحققت من مقياس الحرارة السحري، لكنه لم يتغير.
لابد أنه مجرد وهم.
فكرت دانا بذلك، ثم تخلّت عن التفكير.
فهي الآن تُعلّم الموظف الجديد.
“إيدوين، هل ترى هذا الجدول؟ هو نفسه دائمًا، ستعتاد عليه بسرعة.”
“أفهم.”
“هنا نكتب كمية جرعات استعادة القوة، وهنا نكتب جرعات التجدد….”
كانت تشرح له المهام، لكنها شعرت بنظرات غريبة من جانبه.
“لا تنظر إليّ، انظر إلى الأوراق.”
“نعم، حاضر.”
اتجهت عينا إيدوين مجددًا نحو الأوراق.
تابعت دانا الشرح دون أي تلعثم.
كان أسلوبها يُظهر دون مواربة أنها كانت تعمل بجد طوال تلك الفترة.
“أما التي لها تاريخ صلاحية طويل، فنضعها هناك في الأعلى…”
تسلقت دانا سلّمًا صغيرًا ومدّت يدها.
‘تونِي ذاك، ألم أخبره ألّا يضع الصناديق في العمق…’
كانت يدها تتخبط في الهواء، وفي النهاية فقدت دانا توازنها.
أغمضت عينيها بإحكام استعدادًا للألم القادم.
في تلك اللحظة، دوّى صوت منخفض جدًا قرب أذنها.
“انتبهي.”
وعلى غير المتوقع، لم يكن السقوط على الأرض، بل بين ذراعين قويّتين.
رفعها إيدوين بخفة ثم أنزلها بلطف على الأرض.
كانت حركته رقيقة كأنه يتعامل مع تمثال ثمين.
“…. شكرًا لك.”
رفعت دانا رأسها لتشكره.
لكن إيدوين اكتفى بابتسامة هادئة بدلًا من الرد.
أما دانا، فمالت برأسها في حيرة من شعور غريب انتابها.
‘ماذا كان ذلك؟’
حين قال إيدوين “انتبهي”، شعرت بإحساس مألوف غريب.
‘انتبهي…’
صوت حانٍ وكأنها سمعته من قبل…
ما هذا؟ وبينما كانت شاردة في التفكير، انفتح باب غرفة المخزون فجأة.
كانت كيرا.
“دانا، حان وقت الغداء!”
“شكرًا لإخباري.”
وغادرت كيرا الودودة لتناول الطعام مع الزملاء.
فكّرت دانا في الشطيرة الرخيصة التي ستأكلها مجددًا، وفقدت شهيتها.
أخفت عبوسها بصعوبة وقالت لإدوين:
“لا بد أن الشرح كان مملًا، شكرًا على صبرك. استمتع بالغداء…”
“سينباي، لقد أحضرت صندوق غداء.”
“هم؟”
“الكميّة كثيرة بعض الشيء.”
انعطفت عينا إدوين بلطف جميل.
“هل نتناول الطعام سويًّا؟”
“… لمَ لا؟”
كانت ابتسامته لا تُقاوَم.
***
“أأنت من أعدد كل هذا بنفسك؟”
سألت دانا بدهشة.
“نعم، ألا تظنين أن الكمية قليلة بعض الشيء؟”
بدت ملامح إيدوين غير راضية حين قال ذلك.
كانا يجلسان على المقعد المعتاد لدانا أمام النافورة.
وقد بدا إيدوين أكثر تهذيبًا مما توقعت دانا.
فقد وضع منديلاً على المقعد قبل أن تجلس وسألها إن كان المكان مريحًا لها.
وحين طمأنته، فتح صندوق الغداء ليكشف عن وليمة حقيقية.
فطيرة لحم وسلطة سهلة الأكل، وحلوى من المشمش المجفف بطريقة مثالية.
بالنسبة لدانا، التي اعتادت على الشطائر الرخيصة، كان هذا طعامًا من الجنة.
بل وكانت المكونات فاخرة لدرجة أن الطعام كان يلمع لمعانًا.
قطع إيدوين فطيرة اللحم إلى أجزاء صغيرة وناولها إلى دانا.
“شكرًا، سأتناولها بامتنان.”
أخيرًا وجبة فاخرة! أكلت دانا بسعادة ظاهرة.
نظر إليها إيدْوين برضا واضح.
‘جهدي لم يذهب سدى.’
في ذلك الصباح، تسبّب وصول الأمير الثالث المفاجئ في فوضى عارمة في مطبخ القصر.
وكان كتاب الطبخ الذي أحضره قد أذهل الطهاة هناك.
ومع ذلك، أصر إيدوين على تحضير الطعام بنفسه من أجل دانا.
حتى إنه لم ينسَ إلقاء تعويذة تحفظ الطعام من التلف.
قالت دانا بإعجاب صادق.
“لذيذ جدًا. أنت ماهر في الطهي، أليس كذلك؟”
‘هذا جنون. لماذا هو لذيذ إلى هذه الدرجة؟’
حين أضاءت عيناها، قال إدوين بنعومة.
“سينباي، لدي عادة أن أُعدّ وجبتين في كل مرة أطبخ فيها.”
“حقًا؟ عادة غريبة.”
“لذا، من الآن فصاعدًا، تناولي الغداء معي فقط.”
فقط معها.
عندها، أومأت دانا برأسها وخدّاها ممتلئان بالطعام.
سواء كانت عادة غريبة أم لا، طالما أنها ستتخلّص من الشطائر الرخيصة، فهذا كافٍ.
بعد انتهاء الغداء، عادوا إلى المكتب حيث كان توني، رئيسهم، ينادي الجميع.
كان توني ذراع لايتن اليمنى، ويشتهر بلسانه السليط.
“سمعتم؟ الأمير الثالث المجنون قد عاد!”
قالها بصوت متحمّس جعل الجميع يسمعونه بوضوح.
حتى إيدوين، الذي كان قد دخل لتوّه.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"