الفصل 30
يبيعونها مقابل المال…؟
أن تُعامَل دانا الثمينة بهذه الطريقة…
تلألأت عينا إدوين ببرود قاتل.
لكن أمام دانا، كان عليه أن يكون لطيفًا بلا حدود.
أرخى ملامحه المتصلبة وسأل بصوت هادئ.
“قلتِ قنبلة، من أي نوع؟”
أجابته دانا بنبرة ثابتة.
“عائلتي كانت تستغل هويتي للاقتراض من البنوك.”
“أي أنهم استخدموكِ كضمان.”
“وأنا أنوي تغيير ذلك.”
بدأت دانا تشرح خطتها بهدوء.
“سأجعل القصر نفسه هو الضمان بدلًا من اسمي.”
“هل هذا ممكن؟”
“نعم. كما تعلم، منذ حادثة الوحوش والقانون الإمبراطوري أصبح هشًا. كل ما أحتاجه هو بطاقة هوية والدي، بصفته رب العائلة، ولن يكون الأمر صعبًا.”
‘سأرد لهم الصاع صاعين. تمامًا كما فعلوا بي.’
منذ ذلك الحين، كانت بطاقة هوية دانا تحت إدارة أخيها الأكبر جيمي.
ومن بعدها، بدأت الديون تتراكم دون أن تدري.
قررت أن تفعل الشيء ذاته معهم.
أرادت أن يعرفوا بأنفسهم كم يمكن أن تكون العواقب مرعبة، وأن يذوقوا شعور من يُخدع دون علمه.
كان الفيكونت قد أوكل جميع الوثائق المهمة إلى جيمي بصفته وريث العائلة التالي.
أول ما عليها فعله هو معرفة مكان حفظه لتلك الوثائق.
قالت دانا بوجه حازم.
“لن أسدد ديونهم بعد الآن. سواء خسروا القصر أم لا، فذلك شأنهم هم.”
أومأ إدوين وهو ينظر إليها. كانت دانا تتحرر من قفص العائلة بذكاء وإصرار.
‘إحراقهم… عليّ تأجيله قليلًا.’
قرر إدوين أن يؤجل خطته. لم يُرد أن يعيق انتقامها.
مدّ يده وأمسك بيدها.
“وإذا نجحتِ في خطتك، ماذا بعد؟”
“هاه؟”
“هل تظنين أنهم سيتركونك وشأنك؟”
هزّت رأسها نفيًا. فبمجرد أن تعبث بخزنة جيمي، ستصبح هدفًا لهم.
قال إدوين بهدوء.
“إذن تعالي إلى منزلي.”
“بهذه السرعة؟”
“لا داعي للدهشة. فقط سنبدأ العيش معًا في وقت أبكر من المتوقع.”
تأملها إدوين بنظرات حنونة.
كان يرى أن مكانها الحقيقي هو بجانبه، حيث يمكنه حمايتها.
حمايتها ومراقبتها كانت مسؤوليته وحده.
قال بصوت رقيق.
“أنتِ شخص ثمين يا سينباي.”
“…….”
“لستِ ممن يمكن معاملتهم بتلك القسوة.”
مدّ يده يمررها في شعرها.
تسللت خصلات شعرها السوداء كالليل بين أصابعه.
قالت دانا بابتسامة باهتة.
“أخبرتك من قبل، كنتُ ساذجة. كنت أظن أنني طفلة سيئة.”
“ولماذا ظننتِ ذلك؟”
“في الأوقات الصعبة، لم يكن لدينا حتى مال لاستئجار خادمة. لكن أبي رفض التخلي عن القصر.”
تصلب وجه إدوين.
رجا في نفسه أن لا تكون الفكرة التي خطرت له صحيحة.
لكن دانا أكملت ببرود مؤلم.
“لذلك كنتُ أعمل مكان الخادمة.”
“طفلة صغيرة وحدها؟”
كان حدسه صحيحًا، للأسف.
“وإلا كنت سأُضرب بعنف.يقال لي أن ما من طفلة اسوأ مني.”
ضحكت دانا بسخرية حزينة.
“حين كبرت، أدركت أن الناس لا يعيشون هكذا. ولحسن الحظ، حين تحسنت أوضاعنا، استأجرنا خدمًا.”
في ذهن إدوين اشتعلت النيران.
لهيب حارق يرتفع داخله، يوشك أن ينفجر.
كان يريد أن يسحق أولئك الذين أذوها، أن يلعنهم جميعًا. لكن لم يرد أن يرى دانا وجهه القبيح الغاضب.
أغلق عينيه وفتحهما بعمق.
اختفى البريق الوحشي من عينيه الحمراوين، وحل محله صفاء بارد.
انتقى كلماته بعناية شديدة وقال بهدوء قاتل.
“يجب أن يُعاقَبوا.”
ابتسمت دانا بمرارة.
“أليس كذلك؟”
لحسن الحظ، بدا أن دانا قد رضيت بتلك الكلمات فقط. وشعر إدوين بالفخر لأنه تمكن من كبح رغبته في تمزيق أولئك الأنذال إربًا.
“سينباي، قلتِ إن عائلتك جاءت إلى قسم السحر آخر مرة، أليس كذلك؟”
“نعم…”
تغير وجه دانا فجأة عند تذكر ذلك اليوم.
“أظن أن الوقت مناسب لتأخذي إجازة.”
“إجازة…؟”
اتسعت عيناها بدهشة لم تتوقعها.
“إجازة بلا تفكير، بلا عبء. تنامين حتى وقت متأخر، تأكلين ما تشتهينه، وتقرئين الكتب التي تحبينها.”
تزلزل قلبها بتلك الكلمات الغريبة عنها. وبينما كان يراقب عينيها المرتبكتين، قال إدوين.
“برفقتي طبعًا.”
“…….”
ابتسمت له دانا ابتسامة مشرقة.
وشعر إدوين بأن قلبه يضيق من الألم، ومن رغبة حارقة تكاد تخرج عن السيطرة.
‘يبدو أنني يجب أن آخذ سينباي للعيش معي قريبًا…’
تعمقت نظرته واشتدت حدتها.
***
حين وصلت دانا إلى المنزل، كان المساء قد بدأ للتو. تفاجأت إحدى الخادمات بعودتها المبكرة.
مع أنها لم تفعل أكثر من العودة فور انتهاء دوامها المعتاد.
“آنستي، ما الأمر؟”
“نسيت بعض الأوراق. أين والداي؟”
“خرجا مع السيد الشاب أيضًا.”
أومأت دانا برأسها.
كانت تعرف أنهم جميعًا إما في حفلة أو في نادٍ للقمار حتى وقت متأخر من الليل.
وحين يعودون، يجلس الثلاثة في غرفة الطعام يشربون حتى الفجر.
أما هي، التي تضطر للذهاب إلى العمل باكرًا، فكانت تسهر كل ليلة على أصواتهم الصاخبة.
‘يبدو أن لدي وقتًا كافيًا.’
قالت للخادمة.
“يبدو أنك تنظفين السلالم؟”
“نعم، آنستي.”
“تابعي عملك. سأشرب كوب شاي في المطبخ ثم أخرج.”
“أأحضر لكِ الشاي؟”
“لا داعي.”
على خلاف بقية أفراد عائلتها، لم تكن دانا تحتاج إلى خدمة أحد.
فعادت الخادمة إلى عملها بينما اتجهت دانا بهدوء نحو الممر.
‘يا لهذا الهدوء، لم أسعد بقلة عدد الخدم يومًا كما أفعل الآن.’
كان في المنزل خادمتان فقط، وكلتاهما منشغلتان بعملهما، مما أتاح لها التحرك بحرية.
لكن زيارتها المفاجئة لم تكن عبثًا.
‘حان الوقت للبحث عن بطاقة هوية أبي…’
دخلت إلى مكتبة الفيكونت.
لم يكن الفيكونت من محبي القراءة، ونادرًا ما يخطو إلى تلك الغرفة.
وبعد أن تخلّى عن أرضه مقابل سداد الديون، لم يعد لديه أي رغبة في العمل أصلًا.
وعلى عكس جيمي، كان مهملًا، لا يكترث لأي شيء. ولأن كل ما حوله يثير ضجره، فمن المرجح أنه ترك بطاقته في مكان ما دون تفكير.
فتحت دانا درج مكتبه. كانت الأوراق مبعثرة، وأشياء كثيرة متناثرة هنا وهناك.
‘وجدتها…!’
في زاوية الدرج، لمعت بطاقة هوية الفيكونت. مدفوعة بالفضول، بحثت دانا أيضًا عن بطاقتها الخاصة.
تذكرت كم من المتاعب سببت لها بطاقتها المسروقة. فمع أنها أصبحت الآن متزوجة رسميًا، إلا أن إصدار بطاقة جديدة يتطلب وقتًا طويلًا.
وخلال تلك المدة، يمكن لعائلتها أن ترتكب أي حماقة، لذا وجب أن تستعيدها سريعًا.
لكن مهما قلبت الأدراج، لم تجد شيئًا.
‘كما توقعت، ليست هنا.’
لابد أن جيمي، المسؤول عن إدارة الديون، يحتفظ بها بنفسه.
في تلك اللحظة، سمعت أصوات الخادمات خلف الباب.
“يمكننا تنظيف مكتبة الفيكونت بسرعة، لا يدخلها أحد على أي حال.”
“صحيح، لم تطأها قدمه منذ زمن.”
كادت الباب تُفتح حينها، فاندفعت دانا تحت المكتب.
لم تكن تعلم كيف قد يُفسَّر وجودها هناك، ولم ترد المخاطرة.
حبست أنفاسها، وأرهفت السمع.
قالت إحداهن بتذمر.
“آه، أحضرت المكنسة القديمة!”
“قلتُ لكِ تخلصي منها!”
“نسيت. سأذهب لأحضر واحدة جديدة.”
“حسنًا، سأرافقك.”
ثم بدأ صوتهما يبتعد تدريجيًا.
رفعت دانا جسدها بهدوء، وأدخلت بطاقة هوية البارون في جيبها.
كانت عضلاتها متوترة حتى التصلب.
خرجت من المكتبة دون أن يلحظها أحد. لم يكن في الممرات أحد بعد.
تسللت نحو غرفة الطعام، وأعدّت كوب شاي متعمدًا، تاركة أثرًا يدل على وجودها هناك.
ومع مرور الوقت، بدأ لون الشاي يزداد قتامة.
سمعت أصوات الخادمات تعود بالمكانس.
فأصدرت صوتًا متعمّدًا وهي تضع الكوب على الطاولة.
“آنستي، ما زلتِ هنا؟”
“نعم، كنت خارجة الآن.”
ابتسمت لهن ابتسامة هادئة، حتى يتأكدن أنها كانت في غرفة الطعام.
أومأتا برأسيهما ودخلتا إلى المكتبة.
حينها فتحت دانا خزانة الأواني وأخرجت منها كرة تسجيل سحرية صغيرة.
كان الجهاز يعمل بسلاسة، لكن الضوء الأخضر الذي يحيط به بدأ يضعف — علامة على أن سعة التسجيل توشك على النفاد.
‘ترى ما الذي سجلته حتى الآن…’
بعد أن فحصت كل شيء بدقة، غادرت القصر بخطوات ثابتة.
لقد حان الوقت لتعيد عبء الماضي كله إلى أصحابه الحقيقيين.
التعليقات لهذا الفصل " 30"