الفصل 28
“إدوين، سأطرح سؤالًا فقط للاحتياط… بما أننا زوجان الآن.”
“تفضلي، قولي ما تشائين.”
“هل أنت أيضًا… أعني… علاقتك بوالديك… ليست على ما يرام؟”
ابتسم إدوين وهو ينظر إلى دانا التي ترددت في كلامها.
“لا تقلقي، لا يوجد ما يثير القلق. فقط انشغل كلٌّ منا بحياته، وهكذا ابتعدنا عن بعضنا.”
“أها… فهمت.”
مهما حاولت إقناع نفسها، بدا كلامه وكأنه يعني أن والديه كانا غير مهتمين به.
وفجأة، انحنى إدوين قليلًا واقترب من أذنها وهمس بصوت خافت متكاسل.
“هل كنتِ قلقة عليّ؟”
كان في صوته شيء من البهجة الخفية. تنهدت دانا بخفة، ثم مدت يدها لتزيح شعره عن جبينه.
تجمّد جسده للحظة تحت لمستها الرقيقة.
ضحكت دانا بخفّة عند رؤيته على هذا الحال.
فهو دائمًا ما يفاجئها ويتصرف بثقة، لكن حين تلمسه هي، لا يعرف كيف يتصرف.
وقد احمرّ طرف أذنه دليلًا على ذلك.
“نعم، كنت قلقة عليك.”
كانت قلقة من أن يكون في داخله نفس الوحدة والظلام اللذين عاشته هي يومًا ما.
رفع إدوين جسده وعاد إلى مكانه، ثم أدار وجهه بعيدًا ليخفي احمراره.
“لا تقلقي، ليس هناك ما تتخيلينه، سينباي.”
“حقًا؟”
“لكن… أود لو شعرتِ ببعض الشفقة تجاهي.”
بدت على دانا ملامح الاستغراب.
“إن كان ما تمنحيني إياه من عاطفة مصدره الشفقة… فلا بأس عندي.”
“لا تقل كلامًا عبثيا كهذا.”
“حسنًا إذًا، دلّليني كثيرًا على الأقل.”
لم تتمالك نفسها من الضحك أمام كلماته التي تشبه جروًا صغيرًا.
“إذن، ما رأيك أن نعيش في منزلك؟”
اتسعت عينا إدوين بدهشة.
لقد سبقتْه إلى ما كان ينوي اقتراحه.
فهي بذلك ستكون بعيدة عن عائلة هارتوين، كما أنه لن يُضطر للكشف عن كونه أميرًا.
ابتسم بلطف وقال.
“موافق، فلنذهب إلى منزلي إذن.”
“جيد، وأخبرني إن احتجت مساعدة في أي شيء. سنعيش معًا بعد كل شيء.”
كانت كلماتها كافية لتجعل قلبه يخفق خفة. للحظة، تلاشى القلق الثقيل الذي كان يحمله.
وبينما يتحدثان، بدأت بوابة إدارة السحر تلوح لهما من بعيد.
“وصلنا بالفعل؟”
اتسعت عينا دانا دهشة. كان وقت الطريق دائمًا يبدو طويلًا ومملًا، لكن هذه المرة مرّ بسرعة غريبة.
لم يكن الوقت مع إدوين مملًا أبدًا. عندها أدركت مجددًا أن وجوده قد غيّر عالمها الرتيب تمامًا.
حتى السير بجانبه في الممر كان يشعرها بالسرور.
وأخيرًا وصلا إلى قسم إدارة الجرعات.
مع صوت فتح الباب، تركزت أنظار الزملاء عليهما. نظرات الفضول، والاستياء، والحسد، كلها اتجهت نحو دانا.
‘مرحبًا!’
كيرا، التي اعتادت أن تضفر شعرها على شكل ضفيرتين، أومأت لها بوجه متألق وهي تحرك شفتيها بتحية صامتة.
ابتسمت دانا لها بلطف. كانت كيرا تبدو وكأن لديها ألف سؤال تريد طرحه.
لكن قبل أن تبدأ، قال توني بسخرية.
“هاه، أنتما الاثنان، ما الذي كنتما تفعلانه البارحة؟ جعلتما المكتب في فوضى ثم اختفيتما!”
ردّت دانا بهدوء.
“سجّلنا زواجنا.”
“نعم نعم، تافه… ماذا؟!”
انهار وجه توني في لحظة.
“سجّلتما زواجكما؟ تزوّجتما فعلًا؟!”
“نعم، ذهبنا مباشرة إلى المعبد.”
أجابت دانا مرة أخرى بثقة.
أشار توني إلى إدوين بعصبية وهو يصرخ.
“منذ متى تعرفين هذا الفتى؟! كيف تتركين شخصًا مثلي كنت معك لسنوات لأجل—!”
ما زال يعيش في أوهامه إذًا.
حدّق إدوين فيه بنظرة حادة كالسيف، فتراجع توني وتجمّد في مكانه متذكرًا ما حدث سابقًا.
لكن قبل أن يتصاعد التوتر، أمسكت دانا بذراع إدوين وقالت بهدوء.
“تجاهله، ودعنا ننجز عملنا.”
“حاضر، سينباي.”
في لحظة، عاد الهدوء إلى ملامحه كأن شيئًا لم يحدث.
وبينما كان يرمق دانا بنظرة طويلة مليئة بالحنان، بدا توني مذهولًا تمامًا.
وفي تلك اللحظة، دخل لايتن المكتب.
“ما هذا الجو الغريب هنا؟”
نظر إلى توني الملقى على الكرسي وسأل باستغراب.
“يبدو أنه لم يتحمل سماع خبر زواجنا.”
أجاب إدوين بنبرة عادية وهو يميل رأسه قليلًا.
“تزوجتما فعلًا؟ سريعان أنتما الاثنان! لكن أحسنتما، عيشا بسعادة!”
“شكرًا لك.”
ابتسم إدوين بسعادة صافية على كلام لايتن.
ضغط لايتن على شفتيه وتابع.
“لكن مهما يكن، زواج بلا مراسم رسمية؟ هل لم يكن معكما مال لإقامة الحفل؟”
شعرت دانا أنه من الأفضل أن تتفرغ لعملها على أن تتعامل مع لايتن.
لكن الأخير لم يبالِ وسرعان ما تابع كلامه وهو ينظر إليها بفضول مبالغ فيه.
“ولا يبدو أن لديكما مالًا لرحلة شهر عسل أيضًا! كان عليكِ أن تبقي مع توني على الأقل…”
“لا تقلق، الحفل ورحلة شهر العسل سيجريان دون أي مشكلة.”
ابتسم إدوين بهدوء تام.
“لذا، نرجو أن تمنحنا إجازة كافية.”
كانت دانا أكثر من تفاجأ من الجميع.
‘أي حفل بالضبط الذي يجري؟’
***
طرق الخادم باب غرفة الشاي في القصر الإمبراطوري.
كان الإمبراطور يستمتع بوقت هادئ مع الإمبراطورة على فنجان شاي وبعض الحلوى.
“ما الأمر الآن! ألم أقل ألا يقاطعني أحد عندما أكون مع الإمبراطورة؟”
تجهم وجه الإمبراطور وهو يشعر بانزعاج من اللحظة التي قُطعت فيها خلوتهما.
ارتشفت الإمبراطورة الشاي برفق وقالت بهدوء.
“يبدو أن الأمر عاجل. دعه يدخل.”
“حسنًا، عزيزتي.”
أجاب الإمبراطور فورًا وكأن نوبة غضبه اختفت تمامًا.
دخل الخادم يتبعه كبير الكهنة لوهاس، ثم انحنى باحترام.
“جلالة الإمبراطور، جلالة الإمبراطورة، أرجو أن يبارككما اللبه بحمايته الدائمة—”
“دعنا من التحيات المملة، اجلس.”
“نعم، يا جلالة الإمبراطورة.”
جلس لوهاس أمامها وهو يشعر دومًا بتلك الهيبة التي تشعّ منها.
كانت نظراتها الهادئة تشبه نظرات الوحوش المفترسة،
هادئة الآن، لكن من يعلم متى قد تنفجر؟
‘كلما رأيتها، ذكّرتني بالأمير الثالث…’
ابتلع ريقه بخوف ثم قال.
“أتيت لأسأل عن موعد إقامة حفل الزفاف.”
فهو، في النهاية، المسؤول عن مراسم الزواج الملكي للأمير الثالث.
قال الإمبراطور وهو يمضغ قطعة من بسكويت المربّى البرتقالية.
“هم؟ من الذي سيتزوج؟”
“…جلالتكم لا تعلمون؟”
‘لا يمكن… هل لم يخبر حتى والديه الإمبراطورين؟!’
بدأ لوهاس يندم على قدومه،
فالغضب الذي كان يجب أن يتوجه نحو الأمير قد يقع عليه الآن.
تردد لحظة، ثم قال أخيرًا
“جلالة الإمبراطور، لقد زارني سمو الأمير الثالث بالأمس ومعه شابة، وقد أتما تسجيل الزواج رسميًا.”
سقطت قطعة البسكويت من يد الإمبراطور.
“ابني الصغير… تزوج؟”
فتح فمه غير مصدّق لما سمعه.
“لكن… لماذا لم يجلب عروسه إلى القصر؟ أليس من المفترض أن يعيشا في قصر الأمير؟”
أجابت الإمبراطورة وحدها بوجه هادئ تمامًا.
“إدوين يعيش خارج القصر منذ صغره، وهو لا يحتمل أن يُقيّد بأية قيود.”
“لكنني… أردت فقط أن أرى وجه زوجته الجميلة…”
“ربما له أسبابه، وتذكر أننا اتفقنا أن ندعمه في أي مكان يعيش فيه وأيًا كان ما يفعله.”
كان ذلك نابعًا من شعورها العميق بالذنب تجاهه، لأنها لم تستطع أن تحميه كما ينبغي في الماضي.
فقد تذكّرت الحادثة التي سببها عندما لم يتمكّن من السيطرة على طاقته الهائلة،
وكيف اضطرا في النهاية إلى إرساله بعيدًا إلى الشمال.
“ومع ذلك… ما زلت أشعر بالأسف…”
عبس الإمبراطور وأمال شفتيه بتذمّر.
فنظرت إليه الإمبراطورة بصرامة وقالت.
“تصرفك هذا غير لائق. اصمت.”
“…نعم، عزيزتي.”
“على كل حال… كيف كان مظهرهما؟”
رفع لوهاس حاجبيه بدهشة.
“عفوًا؟ ماذا تعنين، جلالتك؟”
“هل بدَيا سعيدين؟ إدوين، والفتاة التي تزوجها.”
‘سعيدين؟ بل كانا غارقين في السعادة تمامًا.’
تذكّر ملامحهما المشرقة فأجاب بصوت مؤكد.
“نعم، بدَيا في غاية السعادة.”
ابتسمت الإمبراطورة عند هذه الكلمات..
“إدوين يبدو أنه فعل أمرًا ممتعًا هذه المرة.”
وكان وجهها يوحي بأنها بالفعل تستمتع بالأمر كله.
التعليقات لهذا الفصل " 28"