الفصل 25
بعد ذلك، سلّم الكاهن الذي كان يتولى المراسم وثيقة الزواج.
كل شيء جرى بسرعة خاطفة.
“أرجو أن تعتني بالأمر جيدًا، أيها الكاهن.”
قال إدوين مبتسمًا وهو يخاطب الكاهن.
“ن-نعم… مفهوم.”
شعر الكاهن بقشعريرة غريبة وهو يتسلم الوثيقة، ثم انسحب بسرعة.
كان يشعر غريزيًا أن هذا من الأمور التي يجب أن تُنجز بأسرع ما يمكن.
رئيس الكهنة لوهاس نظر إليه بحسد، ثم تنحنح قليلًا.
“هممم، أبارك لكما زواجكما من صميم قلبي.”
“شكرًا جزيلاً.”
“نشكرك، أيها الرئيس.”
نظر كلٌّ من دانا وإدوين إلى الآخر بابتسامة راضية.
‘يا لها من مسكينة…’
تمتم لوهاس في نفسه وهو يتنهد سرًّا وهو يرمق دانا بنظره.
لكن في النهاية، كان عليه أن يُقدّم سلامته الشخصية على أي شيء آخر.
ثم قال لإدوين بلطف.
“بما أن الزواج قد تم رسميًا، يمكنكم الآن الانصراف.”
‘أرجوكما، اذهبا…’
لكن توسّله لم يصل إلى مسامع إدوين.
قال إدوين برقة وهو يلتفت إلى دانا.
“سينباي، سمعت أن المعبد بأكمله متأثر بالقوة المقدسة.”
“أه، حقًا؟”
“يُقال إن في الحديقة أزهارًا لا تذبل أبدًا، وبتلاتها تتلألأ بالذهب.”
“حقًا؟”
تذكّر إدوين أن دانا تحبّ الطبيعة حبًا جمًّا.
فنظر نحو لوهاس.
“هل يمكننا أن نُلقي نظرة؟”
“هاه؟”
“المعبد مكان مفتوح ومتساوٍ للجميع، أليس كذلك؟”
“… بلى، صحيح. استمتعا بوقتكما.”
لو رفض الآن، لشبَّت النار في شعر رأسه بعد لحيته هذه المرة.
فأرسل لوهاس الاثنين بنظرة مرهقة، ثم أشار إلى أحد الكهنة.
“الكاهن بيل، رافقهما إلى الكاهن إيان.”
“أمرك.”
قاد الكاهن بيل الاثنين، ولم ينسَ أن يُلقي نظرات حذرة إلى الخلف طيلة الطريق، خشية أن يفعل إدوين شيئًا متهورًا.
لكن على عكس مخاوفه، كان الأمير الثالث يسير مبتسمًا طوال الوقت.
“سينباي، نحن الآن زوجان حقيقيان.”
“صحيح.”
ابتسمت دانا بخجل.
ولما رآها إدوين، حكَّ مؤخرة عنقه بتوتر دون وعيٍ منه.
كانت وجنتاها تتوردان أكثر فأكثر، حتى كاد يُجنّ من رغبته في تقبيلها.
‘سيأكلها بنظراته…’
قال الكاهن في نفسه وهو يهز رأسه بعد أن رأى عيني إدوين المشتعلتين.
وقرر ألا يلتفت إليهما بعد الآن، فقد بدَت عليهما ملامح الغرق في عالمٍ يخصّهما وحدهما.
سار الثلاثة في رواقٍ مدعومٍ بأعمدة بيضاء لوقتٍ طويل، إلى أن بدأ عبير الأعشاب المنعشة يملأ الأجواء.
وكانت تغريدات العصافير تتناغم معها.
وأخيرًا، حين اجتازوا الممر المقوّس، تساقطت عليهم أشعة الشمس المشرقة.
غمغمت دانا قليلًا وهي تُغمض عينيها من وهج الضوء، ثم سرعان ما اعتادت عليه، لتبدأ بتأمل المكان من حولها.
“واو…”
خرجت منها تنهيدة إعجابٍ من دون وعي.
كانت حديقة معبد القصر الإمبراطوري في غاية الجمال.
تحيط النباتات الزاهية بالبركة في الوسط، متألقة بألوانٍ خلابة.
وكما قال إدوين، كانت الأزهار المتأثرة بالقوة المقدسة متفتحة أكثر من المعتاد، تبثّ عبيرها القوي بأناقة.
كل ما لامسته القوة المقدسة كان متلألئًا بذهبٍ خفيف.
الأشجار والأزهار كانت تتلألأ كغبارٍ ذهبي كلما داعبها النسيم،
أما البركة فكانت تعكس آثار الضوء على سطحها اللامع.
“إنها حقًا جميلة…”
ابتسم إدوين بسعادة وهو يرى كم تُعجب دانا بالمكان أكثر مما توقع.
ما دام ذلك يجعلها سعيدة، فهو راضٍ تمامًا.
في تلك اللحظة، نادى الكاهن بيل شخصًا ما.
“الكاهن إيان! لدينا زوار!”
اقترب رجل ذو شعرٍ فضيٍّ لامع، كان يعتني بالأشجار هناك.
“ما الأمر؟”
كان يختلف عن باقي كهنة القصر الإمبراطوري؛ إذ كان يحمل ملامح هادئة جعلت دانا تشعر بالراحة.
قدّم بيل الزوجين إليه قائلًا.
“هذان الزوجان قد نالا لتوّهما بركة كبير الكهنة. يرغبان في التجول بالحديقة.”
وما إن أنهى حديثه، حتى انسحب بسرعة.
بدت عليه علامات الارتباك للحظة، ثم ابتسم إيان باتجاه دانا وإدوين.
“أبارك لكما زواجكما. أنا الكاهن إيان، المسؤول عن العناية العامة بحديقة المعبد.”
أجابته دانا بابتسامة مهذبة.
“شكرًا على التهنئة. لا تقلق، سنتجول وحدنا.”
“هل أنتما واثقان؟ كنت في وسط تقليم الأشجار للتو…”
في تلك اللحظة، حلّق طائر صغير نحوهما.
كان ببغاءً ذا جسد مغطّى بريشٍ أخضر فاتح، ووجهٍ أصفر لامع.
هبط الطائر على إصبع إيان، ثم فتح منقاره قائلًا.
“الاله يحبّ الجميع~! الاله يحبّ الجميع~!”
“يا له من لطيف!”
قالت دانا بإعجابٍ صادق، فبدأ الببغاء يتمايل يمينًا ويسارًا بسعادة.
“أمنحكما البركة~!”
ابتسم إيان بفخرٍ وهو ينظر إلى الطائر.
“هذا الصغير سريع التعلم جدًا. بعد أن عاش في المعبد، بدأ بترديد هذه العبارات.”
“لابد أنه ذكي للغاية.”
“لا ينسى ما يسمعه أبدًا، ويكرر الجمل التي تعجبه لسنوات.”
حينها، طار الببغاء وقفز على كتف دانا.
أُصيب إيان بالذعر وحاول منعه.
“تعال إلى هنا، لا يصح أن تتصرف هكذا مع الضيوف.”
“لا بأس، يمكنه التجول معنا.”
وفي النهاية، قرر الثلاثة التجول معًا في الحديقة — دانا، إدوين، والببغاء الصغير.
أما إيان فعاد ليُكمل عمله في تقليم الأشجار.
“إدوين، انظر! لون بتلات الأزهار يتغير حسب زاوية النظر!”
“صحيح.”
كانت دانا في غاية السعادة أثناء سيرها في الحديقة.
وبدا أن حيويتها تنعكس على مزاج إدوين، الذي شعر بخفةٍ وسرورٍ كبيرين.
‘ربما عليّ أن أبني لها حديقة زجاجية…’
كان يتمنى أن يهديها مكانًا مليئًا بالأزهار المتفتحة على مدار الفصول الأربعة.
في تلك اللحظة، دار طائرٌ آخر حول دانا.
“سينباي، يبدو أنك محبوبة جدًا عند الطيور، أليس كذلك؟”
ابتسمت دانا عند سماع كلامه.
“كنت هكذا منذ صغري، دائمًا ما كانت الطيور تقترب مني بسهولة.”
“تبدين كجنية الغابة.”
“أنت دومًا تقول أشياء من هذا النوع…”
“لكنني جاد.”
بدت دانا خجِلة من كلماته، مما جعلها أكثر جاذبية في عينيه.
فتابع مازحًا.
“سينباي، أنتِ جميلة كجنية الغابة فعلًا.”
“أوه، كفى…!”
زاد وجهها احمرارًا، فانفجر إدوين ضاحكًا.
استمرا في السير فترةً طويلة، حتى تلامست يداهما فجأة.
تسللت أصابع إدوين ببطءٍ فوق يدها.
“…..”
“…..”
تباطأت خطوات دانا قليلًا.
“…آه.”
“هكذا يكون الأمر بين الزوجين الحقيقيين.”
“ثم، هذا يعني أني سأحزنُ لحزنكِ.”
أومأت دانا برأسها، وكانت عيناها الزرقاوان تتقوّسان على شكل هلال.
ثم فتحت ذراعيها.
ولم يكن إدوين من النوع الذي يتردد.
ضمّها إليه فورًا.
فغمره جسدها الصغير الدافئ، وشعر بحبٍ يغمر صدره.
مرّر يده برفقٍ على شعرها من الخلف، وابتسم وهو يفكر.
‘أولئك الذين جعلوها تبكي… لن أترك أحدًا منهم على قيد الحياة.’
***
بعد أن غادر الضيفان، عاد الببغاء ليجلس على كتف الكاهن إيان.
“هل قضيت وقتًا ممتعًا؟”
قالها إيان وهو يربّت برفقٍ على رأس الطائر.
فأجاب الببغاء بصوتٍ مرح.
“نحن زوجان حقيقيان~!”
“هاه؟”
أمال إيان رأسه باستغراب من العبارة المفاجئة.
“تبدين كجنية الغابة~!”
“ما الذي تقوله؟ هذا غزل فظيع!”
لكن الببغاء لم يتوقف، بل رمق إيان بنظرة عميقة وقال.
“جميلة كجنية الغابة~!”
“ببغاء!!”
احمرّ وجه إيان من الإحراج، وقد بدا وكأنه هو من يتعرض للمغازلة هذه المرة.
التعليقات