الفصل 20
تسلّقت دانا الجبل الوعر المكسو بالتراب والطحالب.
وكل ذلك فقط لأجله.
في تلك اللحظة، شعر إدوين وكأن كل شيء من حوله يسير ببطء.
الهواء من حوله، والزمن نفسه… وكأنهما توقفا جميعًا من أجل دانا.
كل حركة رقيقة منها كانت تُنقش في عينيه. كما لو أنّ كشافًا وحيدًا يضيء ممثلة على مسرح مظلم. لم يكن في عينيه سوى دانا.
‘……هل هذا حلم؟’
اندفعت دانا إلى أحضانه. بل واحتضنته بكل ما تملك من قوة.
سرعان ما لامسَ صدرَه دفءٌ ناعم. لقد كان خدها.
“إدوين، هل أنتَ بخير؟”
سألت دانا وهي تطوق خصره، ثم رفعت رأسها. عيناها الزرقاوان، المبللتان بالدموع، وقعتا عليه مباشرة.
بخير؟ أي خير تقصد؟
ذلك الدفء كان أخّاذًا لدرجة جعلته غير قادر على التفكير بوضوح.
أجاب إدوين وهو يحدق بها مسحورًا.
“……نعم، أنا بخير.”
“دعني أرى.”
يد دانا لامست وجهه. وبسبب ذلك ابتعدت قليلًا عنه، فأحس إدوين بخسارة فادحة.
فأحاطَ خصرها بذراعيه القويتين. وحين عاد يستشعر دفئها من جديد، شعر بالرضا التام.
دانا، التي كانت منشغلة بقلقها عليه، لم تنتبه حتى أنها عالقة بين ذراعيه.
صرخت وملامحها توشك على البكاء.
“ماذا لو أصابك مكروه وأنت تتبعهم إلى هنا بهذه الخطورة!”
“…….”
“سعرت أنني قد أموت من القلق! خفت أن يحصل لك شيء….”
“كنتِ قلقة عليّ؟”
“طبعًا!”
مع هذا الجواب الصادق، انقبض قلب إدوين بشدة. لم يشعر بمثل هذا الاكتفاء يومًا في حياته.
ارتسمت ابتسامة راضية على وجهه. وضمّ دانا أكثر إلى صدره. ثم أخذ يربت على مؤخرة رأسها ببطء.
وبفضل ذلك لم تتمكن من رؤية ملامحه.
“لا تقلقي. أنا بخير.”
في تلك اللحظة، نزل الفرسان الذين قاتلوا الوحش معه.
“ماذا تفعلون هناك، أيها القائد…….”
قبل أن يكملوا كلامهم، اخترقهم نظر إدوين القاتل. وما إن لمحوا دانا حتى أسكتوا أنفسهم على الفور.
رفعت دانا رأسها مجددًا وسألت.
“قيل إنه وحش من الدرجة العليا……! ألم تخف؟”
عندها ألقى إدوين بسيفه إلى الخلف. كانت آثار فراكن لا تزال عالقة على نصله. ولحسن الحظ أن دانا لم تلحظ ذلك.
وسارع أحد الفرسان الأذكياء بالتقاط السيف وإخفائه.
خفض إدوين جفونه وهو يقول.
“آه، كنت مرعوبًا.”
“…….”
“…….”
ساد الصمت في اللحظة نفسها. هل سمعوا بشكل صحيح؟
هل ما قيل الآن صدر فعلًا من القائد……؟
ذلك القائد الذي كان قبل قليل يمتطي ظهر الوحش ويهاجمه بوحشية.
القائد صاحب أفضل مهارة في المبارزة متفوقًا حتى على فرسان القصر.
“أرغغ!” كاد أحدهم يتقيأ من تظاهر إدوين.
وفوق ذلك، ما هذا التمثيل الركيك؟
ابتعدت دانا عنه غاضبة، وعلامات الاستياء بادية على وجهها.
ثم صرخت نحو فرسان الرون الواقفين خلفه.
“كيف تأخذون معكم شخصًا ضعيفًا وعاديًّا! ماذا لو حدث له مكروه؟!”
ضعيف… ماذا…؟
فتح الفرسان أفواههم وبدأوا يرمشون بذهول.
أمام جمودهم ذاك، لم تتمالك دانا نفسها من الغيظ.
“إدوين ليس مثلكم! هو لا يعرف حتى كيف يقاتل، فكيف سيتعامل مع وحش سحري؟!”
“…مختلف حقًّا، نعم.”
حك أحد الفرسان رأسه مجيبًا.
فهو كل مرة في التدريب، يواجه عشرات الفرسان وحده… الفارق بينهم كان شاسعًا.
“هذا كل ما لديكم لتقولوه؟”
سمعتْ عن أن فرسان الرون غريبو الأطوار، لكن لم تتوقع أن يصل الأمر إلى هذا الحد.
نظر الفرسان إلى بعضهم بارتباك، بينما يزداد غضب دانا.
“نحن… آسفون…؟”
“لقد أخطأنا…؟”
رمقتهم دانا بحدة.
“لو أصيب إدوين بأذى، سأقدّم احتجاجًا رسميًّا، فاعلموا هذا!”
ثم عادت بخطوات سريعة نحو إدوين. وكان هو لا يستطيع أن يبعد عينيه عنها.
أن يراها تدافع عنه بهذا الشكل، كان شيئًا يسحر قلبه.
وما إن اقتربت، حتى أسرع بإخفاء تعبيرات وجهه.
“هل تستطيع أن تمشي؟”
سألته بقلق، فأجاب بصوت واهن.
“لقد ارتعبت… ربما لو هدّأتني قليلاً سأكون بخير.”
أسرعت دانا بخلع قفازها، ثم جلست إلى جانبه، تربت على ظهره بلطف.
فاغتنم إدوين الفرصة ليضع ذراعه حول كتفيها.
وبينما تعود دانا إلى حضنه، ارتسمت ابتسامة رقيقة على وجهه.
“..…”
“..…”
الفرسان الذين شاهدوا المشهد بأكمله، شعروا بالغثيان. حتى أن أربعة منهم بدأوا يتقيؤون بالفعل.
لكن إدوين لم يعرهم أي اهتمام، والتفت إلى دانا قائلًا.
“لماذا لا ننزل من هنا؟ أريد أن أرتاح.”
“نعم، فلننزل.”
وهكذا نزل الاثنان من الجبل متلاصقين، تاركين وراءهم سيف إدوين، وخوذة دانا وقفازها ملقاة.
***
ذهبت دانا مع إدوين مباشرة إلى احد الأطباء.
“لقد واجه قبل قليل وحشًا سحريًّا من الدرجة العليا. أرجوك افحصه جيدًا.”
“ماذا؟ وكيف حدث ذلك؟”
“فرسان الرون طلبوا منه ذلك على ما يبدو.”
“أولائك الحمقى المجانين!”
حتى الطبيب لم يتمالك نفسه وهز رأسه متأففًا، شفقة على إدوين.
“أولًا، يجب أن يشرب ماءً. من المحتمل أنه أصيب بالجفاف.”
على الفور، تركت دانا الغرفة لتبحث عن ماء.
“هل أصِبتَ إصابة بالغة في أي مكان؟”
“لا.”
في الحقيقة لم يكن بحاجة إلى علاج أصلًا. لكن وجه الطبيب بدأ يتجهم وهو يفحص جسد إدوين المتماسك.
ثم سأله بحذر.
“أمم… مجرد سؤال عابر…”
“تفضل.”
“أأنت حقًا إداري في وزارة السحر؟ هيئتك وبنيتك أقرب إلى فارس…”
في الواقع، لم يكن يشبه أي فارس عادي، فجسده المتين وحده كفيل بأن يكون حارسًا شخصيًّا للإمبراطور. ابتسم إدوين وهو يضيّق عينيه قليلًا.
“أنت شخص مضحك حقًّا.”
‘لست أمزح معك…’
لكن بسبب ما كان يشع منه من رهبة خفية، لم يجد الطبيب إلا أن يبتسم بتوتر.
ثم عادت دانا وهي تحمل الماء، وفورًا اختفت تلك الهالة الضاغطة التي تحيط بإدوين.
‘هل كنت أتخيل؟’
تساءل الطبيب وهو يحرك رأسه بحيرة.
“المريض بخير. لكنه قد يكون مندهشا، لذا من الأفضل أن يستريح لفترة.”
تأكدت دانا عدة مرات من أنه بخير قبل أن يهدأ بالها.
“سمعت؟ عليكَ أن ترتاح اليوم. الأعمال بسيطة، يمكنني إنهاؤها وحدي.”
فاليوم كان لديها مهمة الحصول على تعليقات الفرسان حول الجرعات، في حال وجود أي آثار جانبية.
لكن بما أن أمان الجرعات قد ثبت بالفعل، فقلّما يأتي أحد.
كانت مهمة روتينية لا أكثر.
‘همم… لكنني لا أريد.’
إدوين لم يرغب أن يبتعد عن دانا ولو للحظة.
رفع يده إلى صدره، وكأنه يحاول تهدئة قلبه الخافق.
“سينباي… لقد صُدمت كثيرًا.”
“لهذا السبب يجب أن ترتاح.”
“لكن لو كان أحدهم بجانبي يواسيني، لكان أفضل.”
قالها بجدية لا تخلو من رجاء.
“إن بقيت وحدي، سيعود المشهد إلى ذهني مرارًا.”
“…..”
“حينما ربتِّ عليّ قبل قليل، أحسست براحة كبيرة.”
عند هذه الكلمات الأخيرة، لم تستطع دانا إلا أن تستسلم. فالأهم الآن هو أن يستعيد إدوين استقراره.
“حسنًا، اجلس بجانبي فقط. سأقوم بالعمل.”
“نعم، سأذهب لأغتسل قليلًا إذًا.”
فقد التصقت الأتربة بقمصيه الأبيض. أومأت دانا برأسها.
“اغتسل بسرعة، ثم لنتناول الطعام معًا.”
“حسنًا.”
التفت إدوين وهو يبتسم على إتساع.
وظلت دانا تراقبه. إحساسه الحاد جعله يعرف تمامًا أنها تنظر إليه.
فأخفى حماسته، وحاول أن يمشي بخطوات هادئة.
لكن مظهره بدا ضعيفًا على غير عادته، ما جعل دانا تزفر بقلق.
‘طيبته الزائدة ستؤذيه في النهاية.’
لم يعرف كيف يرفض طلب الفرسان…
ولسبب ما، شعرت دانا بالأسف على إدوين
التعليقات