ظل إيدوين يهمهم بلحن حتى دخل إلى مكتب الوزير.
طرقات خفيفة على الباب سبقت إعلان بول عن قدوم الزائر. أو على الأقل، كان ينوي أن يعلن.
لكن إيدوين فتح الباب فجأة ودخل دون أي تردد.
لم تكن هذه المرة الأولى، لذا ذهب بول بصمت لإحضار الشاي.
في هذه الأثناء، شكّ الوزير ديريك تشايلد، وزير السحر، في أذنيه.
‘هل هذا الأحمق يدندن الآن؟’
ذلك المعتوه؟ لماذا؟
سواء كان كذلك أم لا، جلس إيدوين بثقة على المقعد الرئيسي في الأريكة.
“سمو الأمير الثالث، قدومك يشرفنا.”
ابتسم ديريك ابتسامة مصطنعة وجلس في المقعد المقابل له.
وضع إيدوين الكتاب المبتل على الطاولة وبدأ يطبطب عليه بأصابعه.
نظر ديريك إلى بول بسبب الهمهمة التي لم تتوقف.
‘هل ما أراه الآن حقيقي؟’
أومأ بول برأسه بوجه شاحب وهو يحمل الشاي.
نظر ديريك إلى إدوين بوجه يدل على الانزعاج.
“سمعت أنكَ عدت سالمًا. أن تأتي إليّ قبل أن تذهب إلى جلالة الإمبراطور هو شرف عظيم لي.”
“دعك من المجاملات الفارغة.”
“كما تشاء.”
كانا صديقين منذ زمن بعيد.
كان ديريك، الابن الثاني لعائلة دوق تشايلد، في عمر الأمير الثالث، لذا أصبحا صديقين منذ الصغر.
رغم أن ذلك كان بأمر من والديهما.
وبفضل التعليم المبكر، كان ديريك هو الوحيد القادر على تحمل طبع إيدوين غير المتوقع.
لكن إيدوين نفسه لم يكن يبدو ممتنًا لذلك.
“وماذا عن هذا الكتاب؟ هل يحتوي على أسرار الاغتيال مثلًا؟”
“إنه ديوان شعر.”
ديوان شعر ومع إيدوين… لم يكن مشهدًا مألوفًا. ديريك كان قد تخلّى عن محاولة فهمه منذ زمن.
“لا يبدو أنك آسف لجعلي أراك فجأة. لقد جئت دون موعد.”
“أوه؟ كنت أفكر في قتلك.”
كفى مع التهديدات القاتلة… نظر ديريك إلى الساعة. أوشك وقت الاجتماع العام.
“ما سبب هذه الزيارة المفاجئة إذًا؟”
“أمر عاجل للغاية.”
هل هناك أمر عاجل لهذه الدرجة في وزارة السحر؟ لا يعقل…
أخفى ديريك ابتسامة غامضة وسأله.
“هل له علاقة بالآنسة دانا هارتوين؟”
في تلك اللحظة، سدد إيدوين إليه نظرة باردة كالثلج.
“كيف تعرفها؟”
كان هيبة الأمير الثالث دائمًا مذهلة.
ابتسم ديريك بتوتر وفتح فمه.
“كيف أنسى؟ أثناء مقابلة الموظفين الجدد، جئت فجأة وطرحت أسئلة على دانا وحدها.”
إيدوين الذي لا يظهر اهتمامًا بأحد… حضر خصيصًا لمقابلة الموظفين؟ كان أمرًا نادرًا.
وأثار فضولَ ديريك المظلم.
“ما هو الأمر العاجل إذًا؟”
“أبحث عن وظيفة.”
‘هل سمعتُ جيدًا؟ اليوم فقط، أذناي تتعرضان لاختبارات قاسية.’
مال ديريك رأسه باستغراب.
‘أمضى سنوات في الشمال يقاتل الوحوش، فهل جُنّ أخيرًا؟’
لا. لقد وُلد مجنونًا.
قال إيدوين، موجهًا حديثه لديريك المتفاجئ.
“أعطِ لي منصبًا في قسم إدارة الجرعات. فقط حتى نهاية الأسبوع، لا أكثر.”
ظل ديريك يحدق فيه بصمت أمام طلبه الوقح للحصول على وظيفة.
لكن إيدوين نهض وكأن الأمر لا يعنيه.
ووضع الكتاب المبلل بعناية في حضنه.
على الرغم من جنونه، كانت حركاته مرتبة ونظيفة.
“…..”
“…..”
حتى بعد مغادرته مكتب الوزير، ظل كل من ديريك وبول عاجزين عن الكلام.
كان أول من عاد إلى الواقع هو ديريك.
“بالمناسبة، مكان عمل دانا هارتوين هو…”
“نعم… قسم إدارة الجرعات.”
عندما أجاب بول، بدت ملامح التفكير ترتسم على وجه ديريك، ثم ابتسم بخفة.
‘كما توقعت، العلاقة بينهما ليست عادية.’
ابتسم ديريك ابتسامة ماكرة. عينيه كانتا تتلألآن بخبث.
“رؤية الأمير الثالث وهو يعاني، ليس بالأمر السيئ.”
“نعم…؟”
لا تقل إنك ستفعلها… لا تفعلها…! هز بول رأسه دون وعي.
لكن ديريك لم يخيّب ظنه.
“اعط له وظيفة، على مستوى المبتدئين.”
ارتفعت زوايا فمه كأن الأمر مسلٍ للغاية.
نظر بول إليه بحذر.
رغم مظهره الخفيف، كان ديريك يملك قلبًا غامضًا وثقيلًا.
‘لن يحدث شيء… صحيح؟’
كان القلق حكرًا على بول، ذلك السكرتير البسيط.
***
“دانا، هل لديكِ عمل إضافي اليوم أيضًا؟”
نظرت إليها زميلتها كيرا بقلق.
“اليوم عمل بسيط، أعتقد أنني سأنتهي سريعًا.”
رغم ابتسامة دانا المشرقة، لم تستطع كيرا المغادرة بسهولة.
“أعلم أنكِ بحاجة إلى المال، لكن صحتك أهم.”
“أعرف، أعرف! شكرًا لاهتمامكِ!”
اذهبي بسرعة! دفعتها دانا برفق على كتفها وأخرجتها.
نظرت دانا إلى ظهر زميلتها وهي تبتعد وتمتمت.
“شكرًا لكِ، كيرا.”
كلما شعرت بذلك الدفء البسيط وسط الحياة القاسية، كانت روحها تشعر بالسكينة.
‘حسنًا، لنبدأ العمل الإضافي الليلة أيضًا!’
تمطت دانا وجلست أمام مكتبها. بدا أنها الوحيدة التي تعمل في هذا الوقت.
في المكتب المظلم، أضاءت مصباحًا سحريًا وبدأت تكتب التقرير.
‘لنرَ، ما هي المهام اليوم…’
في السنوات الأخيرة، ومع تطور التكنولوجيا الطبية، أصبح استخدام الجرعات مقتصرًا على استعادة الطاقة فقط.
ونتيجة لذلك، انخفض عدد المتقدمين لقسم إدارة الجرعات، ولم يتم توظيف أحد بعد دانا.
وهذا جعل العمل أسهل، لكنه أيضًا جعلها قلقة من احتمال إلغاء القسم في أي لحظة.
‘لا توجد آثار جانبية.’
كانت الجرعات العلاجية تُرسل غالبًا إلى الفرسان. من الفرسان الملكيين إلى حراس الحدود.
وكانوا ملزمين بالإبلاغ عن تأثير الجرعات وآثارها الجانبية، وكانت مهمة القسم تنظيم تلك التقارير.
كانت دانا قد قامت بهذا العمل عشرات، بل مئات المرات. وكتبت التقارير بسلاسة.
ومرت ساعات على هذا النحو، حتى رفعت دانا جسدها المتعب.
‘آه، كم الساعة الآن؟’
السماء خارج النافذة كانت حالكة السواد. وجسدها كله كان يؤلمها من الجلوس الطويل.
أطفأت المصباح السحري وغادرت المكتب.
‘عندما أعود إلى المنزل، سأنقع جسدي في ماء دافئ… ثم أنام بعمق…’
كم ساعة ستنام؟ ابتسمت دانا بسخرية من نفسها.
رغم كونها ابنة عائلة نبيلة، لم تكن تملك عربة لتقلّها.
لحسن الحظ، كان مقر عملها قريبًا من منزل العائلة.
دفعت بجسدها المتعب وفتحت باب القصر.
“واهاهاها!”
كالعادة، ضحكات عائلتها كانت تتعالى من غرفة الطعام. كان مشهدًا مألوفًا.
“آنسة دانا، لقد عدتِ…”
اقتربت منها إحدى الخادمات بحذر وهي تراقب ملامحها.
بينما كانت تنظر إلى الورقة التي في يد الخادمة، شعرت دانا أن النوم قد طار من عينيها فجأة.
“لا تقولي إن…”
“نعم، صحيح…”
تناولت دانا أمر التحصيل بيد مرتجفة.
“كم عدد الأصفار هذه…!”
كان المبلغ كبيرًا جدًا حتى سال العرق البارد من ظهر دانا.
أسرعت نحو غرفة الطعام حيث اجتمع أفراد أسرتها.
وكالعادة، كانت الطاولة مغطاة بخمور فاخرة.
وكانت أسرتها في حالة سُكر شديد حتى إنهم لم ينتبهوا لوصولها.
قال شقيقها جيمي وهو يهز كتفيه مخاطبًا والديه، الزوجين النبيلين:
“أبي، أمي! هذه المرة أنا واثق تمامًا! الشركة التي سأستثمر فيها مذهلة لدرجة أن…”
“جيمي!”
من أوقفه كانت دانا. صرخت بصوت غاضب يكاد لا يُصدق.
“متى اقترضت مجددًا؟! هذا جنون!”
“آه، أذني تؤلمني من صراخك.”
حك جيمي أذنه متضايقًا.
كانت والدة دانا، السيدة النبيلة، قلقة على ابنها بذلك الحنان المصطنع.
“جيمي، بني، هل أنتَ بخير؟”
لكن نظرتها الدافئة سرعان ما تحولت إلى قسوة شرسة.
“بالمناسبة، لماذا أنتِ دائمًا بهذه القسوة؟ الفتيات لا يتدخلن في شؤون الرجال!”
نظرات الغضب كانت أيضًا في عيني والدها، اللورد هارتوين.
“أخوكِ الوحيد يقوم بعمل عظيم، وإن لم تساعديه، فلا تعرقلينه على الأقل…”
لقد كان الحال دائمًا كذلك.
حين يُحدث جيمي مشكلة أو تنغمس العائلة في الترف، كانت دانا وحدها من يتحمل عبء السداد.
وبسبب ذلك، اضطروا حتى إلى تسليم أراضيهم إلى الدولة.
ومع ذلك، لم يتمكنوا من التخلي عن القصر الفاخر أو الفساتين الباهظة أو الخدم.
“هذا مبلغ لا يمكنني سداده بعملي وحدي!”
صرخت دانا وقد بلغ بها الغضب منتهاه، وكان الغضب يعصف برأسها.
“صحيح، قدراتكِ لها حدود.”
قهقه جيمي ساخرًا.
“لكن وجهكِ على الأقل لا بأس به.”
غمرها شعور رهيب بالخطر. وشعرت دانا أن جسدها يبرد بالكامل بفعل الحدس.
“ولهذا السبب…”
لمع الجشع في عيني جيمي.
“يجب أن تتزوجي.”
“……”
“لقد حصلت على استثمار من اللورد هامبرن. يريدكِ زوجة ثالثة له.”
تجمد لسان دانا من وقع كلامه الذي يعني ببساطة أنهم باعوها.
وأومأ والداها برأسيهما موافقة.
“هاها…”
خرجت ضحكة بلهاء من بين شفتي دانا.
وبدأت أصوات أسرتها أمامها تتلاشى تدريجيًا.
شعرت أن كل شيء يتحرك ببطء شديد.
وفي تلك اللحظة، انقطع شيء ما داخل دانا.
كانت تعرف ذلك بالفطرة.
أن حبها وتضحياتها من أجل هذه العائلة…
انتهت اليوم.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"