الفصل 16
بعد ذلك، اجتمع الأطباء لكتابة التقارير والتحدث عن جدول الغد، حتى غربت الشمس سريعًا.
الشمال كان هادئًا ولا يوجد فيه وسائل ترفيه.
لذلك، دخل جميع الأطباء إلى غرفهم مبكرًا.
و دانا و إدوين كذلك.
“سينباي، في غرفتي بطانية سميكة، هل أجلبها لكِ؟”
“تخافُ أن أبرد؟ لا بأس.”
“إن شعرتِ بالملل، يمكنكِ زيارتي في أي وقت.”
“أنا طفلة برأيك؟”
دانا ابتسمت بخفة.
شعر إدوين فجأة بمغص لتجاهل دانا قلقه.
بدا وكأنه الوحيد الذي يرغب في أن يكون بجانبها.
“ارتَح جيدًا، ولنلتقِ غدًا.”
لوّحت دانا بيدها ودخلت الغرفة. إدوين وقف قليلًا أمام الباب، ثم نزل إلى الطابق السفلي.
عبر بهوًا خاليًا وفتح باب السكن، ليظهر له ظلام السماء.
في الشمال، تغرب الشمس بسرعة.
وجهته كانت سكن فرسان الرون. فهو يعرف أن الوقت وقت استراحة بعد التدريب.
“القائد، هل أتيت؟”
الحارس الليلي هاريوت فتح عينيه بدهشة. حين أشار إدوين برأسه، قاده بسرعة إلى الداخل.
في الداخل، الفرسان كانوا يلعبون الورق ويتحدثون.
طن!!
انفتح الباب فجأة وكاد يتحطم.
تجربة المطعم السابقة جعلت الفرسان ينهضون بسرعة.
“القائد!”
“رجاءً، لا تقل كلمة لعبة…!”
“أحسنتم.”
“……”
“واصلوا التظاهر بعدم المعرفة مستقبلًا.”
“نعم قائد!”
إدوين سار ببطء وهو يتفقد المكان، ثم وقف أمام ماكس.
“الأسبوع القادم، ستصل مؤن من العاصمة، صحيح؟”
“نعم!”
“حينها، سأرسل أحدهم لمعالجة ميريدا.”
“حقًا؟”
عينا ماكس تلألأتا.
إدوين واصل إلقاء الأسئلة لجنوده. كان يتأكد من عدم وجود أي نقص أثناء غيابه.
بعضهم بدأ يشكو.
“الخبز في طبق غيري يبدو أكبر دائمًا.”
“إذن امسك خبزك بكلتا يديك واسحبه. سيكبر.”
“كما هو متوقع من القائد!”
أخيرًا، اقترب دانتي، النائب.
“علينا الذهاب فجر الغد لصيد فراكن… هل يمكن أن ترافقنا؟”
“صحيح، إن لم يكن القائد معنا فلن ننجح!”
فراكن كان وحشًا سحريًا عالي الرتبة. ضخم وعنيف، حتى الفرسان المتمرسون لم يتمكنوا من السيطرة عليه بسهولة.
“مزعج. ليس أمرًا صعبًا.”
“بل هو صعب جدًا…”
“كل ما عليكم فعله هو دوس وجه الفراكن وطعن نواته في الجبين.”
“حتى دوس وجهه مستحيل!”
”يا لكم من عاجزين…”
إدوين نقر لسانه بضيق.
“في أي ساعة ستغادرون؟”
هتف الفرسان فرحًا. إدوين نظر إلى ساعته وتهيأ للرحيل.
الفرسان بدأوا يتثاءبون ويتجهون إلى غرفهم.
“الجو بارد، لن أودعك.”
“أنت لم تفعل من قبل أصلًا.”
عند الباب، هاريوت فتح فمه من جديد.
“هل القائد في علاقة مع تلك السيدة التي كنت معها؟”
“هل بدا لك الأمر هكذا؟”
بدا إدوين مسرورا بهذا السؤال.
“بدت إبتسامتك صادقة بجانبها.”
“أنا دائمًا صادق.”
لا، كل إبتسامته مزيفة…
ماكس ابتلع كلامه وعاد إلى مكانه.
في تلك اللحظة، سقطت ندفة ثلج على كتف إدوين.
بدا وكأن الثلج سيسقط الليلة.
***
في تلك الأثناء، ما إن أنهت دانا الاستحمام ودخلت الغرفة حتى شعرت ببرودة.
“ما الأمر، قبل قليل فقط كان الجو دافئًا……”
فتحت جهاز التحكم الحراري المعلق على الحائط. مهما ضغطت الأزرار، لم يكن هناك أي استجابة.
تأكدت مرارًا وتكرارًا، لكن الجهاز بقي معطّلًا.
من خلف النافذة، كانت ندف الثلج تتطاير مع الريح.
شعور أكثر برودة تسلل إليها.
“……”
خفضت دانا نظرها بوجه مرير. سماء معتمة، وعاصفة ثلجية…… هذا الموقف أيقظ ذكريات قديمة.
والدا دانا، الفيكونت وزوجته، بدأوا حياة البذخ منذ زمن بعيد.
وكذلك تراكمت الديون، مثل الثلج المتراكم.
في أحد الأيام، اضطرت دانا الصغيرة وأسرتها إلى الهرب ليلًا من الدائنين.
الفيلا التي وفرها قريب بعيد كانت قديمة وباردة.
‘كيف يمكن أن نعيش في مكان كهذا!’
‘ابني المسكين، اصبر قليلًا فقط. آسفة يا بني.’
بعد أن هدأت الفيكونتيسة ابنها جيمي، التفتت إلى دانا ببرود.
‘أنتِ، انزلي للنوم في القبو.’
أطاعت دانا كلمات أمها، ونامت في مكان يشبه المخزن.
لكن في منتصف الليل، استيقظت وهي ترتجف من البرد.
على أطراف أصابعها، تفقدت جهاز التحكم الحراري، لكنه كان معطّلًا.
وبما أن الممر بارد كذلك، بدا أن جميع الأجهزة في الفيلا كانت معطّلة.
احتضنت جسدها وصعدت إلى الأعلى. وهناك رأت……
‘جيمي، تعال. أمك ستحتضنك.’
‘ابني، ألست بردانًا؟’
كانت أسرتها متجمعة قرب المدفأة.
ثلاثتهم تحت بطانية كبيرة، يتبادلون الدفء والقلق على بعضهم.
“……”
أدركت دانا.
لا مكان لها بينهم.
عادت الطفلة دانا إلى القبو دون كلمة. جلست على الأرض واحتضنت ركبتيها.
المشهد الذي رأته بقي عالقًا في ذهنها. مدفأة دافئة، أسرة متآلفة……
خفضت رأسها وحركت شفتيها الصغيرة. وكان الكلام الموجه لنفسها.
‘دانا، ألستِ بردانة؟’
طمأنت نفسها بأنها بخير. حتى الآن لم تعرف، بخير من ماذا تحديدًا. هل من البرد، أم من الوحدة.
ابتسمت دانا بسخرية وهي تستعيد الماضي. ما فائدة تذكر الماضي؟
لقد كبرت الآن. وعليها الاعتناء بنفسها.
مهما يكن، ارتداء الملابس والذهاب لإيجاد المسؤول عن السكن كان أولويتها. شعرها المبلل جعلها تشعر ببرودة أكثر من قبل.
شدّت حزام رداء الحمام، وأخرجت ملابس من حقيبتها.
طَرق-طَرق
في تلك اللحظة، سُمعت طرقات. كانت طرقات مقلقة لسبب ما.
عندما لم تجب دانا، تكرر الطرق مرة أخرى.
“……من هناك؟”
“سينباي، إنه أنا.”
تجمد نفسها للحظة. رمشت بعينين مذهولتين.
“جئت لأطمئن عليكِ.”
اقتربت ببطء من الباب، وأدارت مقبضه. في تلك اللحظة، شعرت وكأن الزمن يتباطأ.
وببطء، ظهر وجه إدوين. شعر ذهبي لامع، عينان حمراوان، وأنفاس متقطعة……
غطاها بالبطانية السميكة التي كان يحملها. في لحظة، كان الدفء يغطي كتفيها.
“……أنت ترتجفين.”
بوجه متصلب على غير العادة، تحدث. كانت بالفعل ترتجف دون أن تدري.
“سمعت من المسؤول في الردهة أن بعض الغرف معطلة فيها أجهزة التحكم.”
رفعت دانا نظرها نحوه. كانت عيناه المليئتان بالقلق موجهتين إليها وحدها. حتى يديه، وهما تشدان على البطانية كي لا تتعرض للبرد.
شعور غريب غمرها.
كما لو أن غصنًا متجمدًا بدأ يزهر.
كما لو أن زهرةً سقطت في بحيرة هادئة.
شيء دافئ بدأ يفيض في صدرها.
حين التقت عيناها بعينيه، أسرع إدوين في ترتيب ملامحه الصارمة. ثم ابتسم برفق.
“هل كان الجو باردًا جدًا؟”
“……”
ذكريات طفولية مكبوتة عادت فجأة. حتى ذلك الحزن الصامت الذي كان يوقظها أحيانًا.
إدوين رفع يده بلطف، ووضعها على خدها.
ثم بصوت حنون، قال.
“الآن، كل شيء بخير.”
عند سماع كلمة بخير.
أرادت دانا أن تبكي.
التعليقات