الفصل 15
بعد أن أنهيا تناول الطعام إلى حدٍّ ما، حان وقت العمل.
ارتدت دانا من جديد زيّ وزارة السحر، ثم نزلت إلى الطابق الأول، حيث كان يوجد عدد من أطباء القصر الإمبراطوري.
تبادل كلٌّ من دانا وإدوين تحية خفيفة معهم، ثم سارا معًا نحو ساحة التدريب.
سرعان ما فُتح باب الساحة، فانكشفت المساحة الواسعة.
السبب في إجراء الفحص في ساحة التدريب كان بسيطًا.
لأنها كانت الأوسع.
في ساحة التدريب التي أُزيلت منها الأسلحة بعناية، اصطفّت أحدث الأجهزة الطبية والجرعات الغذائية التي جُلبت من القصر الإمبراطوري.
بدأ أطباء القصر يتأكدون من عمل الأجهزة الطبية.
أخذت دانا إدوين إلى الطرف الأبعد.
ثم بدأت بفتح الصناديق المكدسة بالجرعات.
“فكّر فيه كأنه فحص صحي. عملنا هو أن نوزّع الجرعات واحدًا تلو الآخر على الفرسان الذين خضعوا للفحص.”
“هل أوزّع زجاجة واحدة لكل منهم؟”
“معظم الوقت، نعم. لكن أحيانًا يكون بينهم من يعاني من نقص في التغذية، لذا تأكد جيدًا من نتائج الفحص.”
أومأ إدوين برأسه.
وفي الوقت نفسه أخذ الصندوق الذي رفعته دانا.
“سأتولى ترتيب الجرعات. سينباي، أرجو أن تتحققي من عدم وجود جرعات تالفة.”
لم يكن من الممكن أن تتلف الجرعات المحفوظة بسحر الحفظ.
بمعنى آخر، كان يقول لدانا أن تجلس وتستريح.
ولما همّت بالرفض، مرّ صوت إدوين في ذهنها.
‘من الآن فصاعدًا، اقبلي كل ما أعطيك.’
قررت دانا أن تغيّر رأيها.
بما أنها ستأخذ، فلتأخذ بثقة.
ابتسمت بوجه مشرق وقالت.
“شكرًا، سأستريح تمامًا كما تريد.”
ضحك إدوين بصوت مسموع على ملامحها المليئة بالمزاح.
بعد وقت قصير، دخل فرسان كتيبة الرون إلى الساحة.
ولعلهم بسبب خروجهم اليومي لاصطياد الوحوش، كانوا جميعًا ذوي بُنية ضخمة.
كان أطباء القصر على غير عادتهم بوجوه متوترة.
فقد سمعوا إشاعة أنهم لا يجتمع فيهم إلا مجانين الإمبراطورية.
‘لن يثوروا فجأة، أليس كذلك؟’
‘تمالكوا أنفسكم جميعًا!’
هكذا همس الأطباء على عجل.
غير أن الفرسان الذين دخلوا دفعة واحدة بدأوا فجأة يتحركون كثيرًا.
فما كان من الأطباء إلا أن حمَوا بلا وعي الأجهزة الطبية الثمينة.
لكن، بخلاف المخاوف الكبيرة، كان الفرسان فقط يصطفون في طابور.
وبينما اصطفّوا جميعًا بهدوء منتظم، شعر الأطباء بالحرج.
‘يبدو أننا قد أسأنا الفهم.’
‘على أي حال، لديهم روح الفروسية، فلا يمكن أن يتصرفوا بغرابة.’
استقبلوهم إذن مع شيء من الشعور بالذنب.
وقد خفّ توترهم كثيرًا.
لكن كلمات الفارس الأول جعلتهم يتصلّبون مجددًا.
سأل أحد الأطباء فارسًا ضخم البنية.
“أأنت الفارس ماكس؟ هل لديك أي مكان يؤلمك؟”
“لدي.”
في لحظة تغيّر وجه ماكس الجاد إلى وجه متألم.
“ذراع… ذراع مكسورة!”
“منذ الصباح؟ أرني!”
وإذ بالطبيب المندهش يرى أمام عينيه أرنبًا محشوًّا.
“لماذا تنظر إليّ هكذا! ميريدا هي التي تأذت!”
امتلأ أنف ماكس بقطرات من المخاط.
ابتسم الطبيب ابتسامة مصطنعة وهو ينظر إلى الأرنب المحشو.
كانت خياطته قد انفكت، وذراعه سقطت تمامًا.
“آه… همم… إنها دمية إذن.”
“ميريدا ليست دمية! إنها أختي الصغيرة!!”
وبينما ماكس غاضب، تقدّم الفارس الثاني ووقف أمام طبيب آخر.
كان مغطى بالشعر.
شعر رأسه ولحيته ممتدان حتى قدميه.
قال الطبيب الذي واجهه.
“…الفارس هيريوت. أعذرني، ولكن ما حالتك الآن…؟”
“وضعتُ قطرتين من جرعة إنبات الشعر في الشراب، فحدث هذا ياونغ.”
“…ولماذا فعلت ذلك؟”
“لأنه كان باهت الطعم ياونغ.”
ابتلع الطبيب ريقه.
وبعد أن اختار كلماته طويلًا، أمسك بالمقص.
ما إن قصّ الطبيب خصلة كبيرة من شعر هيريوت، حتى كشف الأخير عن أسنانه ضاحكًا.
“أوه، إنك طبيب بارع ياونغ!”
ثم تقدّم الفارس الثالث نحو المقعد الفارغ.
وضع على الكرسي جروًا غاضب الوجه.
“غَررر… هيك!…”
“…….”
رمش الطبيب بدهشة، متحيّرًا من الموقف.
فقال الفارس الواقف بجانبه بصوت جاد.
“السيد كوكو لا يتوقف عن الفُواق.”
“……يبدو أنك بحاجة إلى طبيب بيطري.”
“ماذا تقول؟! يا لعدم كفاءتك!”
قالها الفارس غاضبًا وهو يحمل الجرو ويغادر.
وكان كوكو نفسه يزمجر مستاءً، كأنه يوافق سيده.
“غَررر! هيك! غَررررر! هيك!”
بعد ذلك استمر الفرسان بالتوافد للفحص.
لكن بسبب مشاكل التواصل، لم يتقدّم الصف أبدًا.
ومع مرور وقت طويل، لم يأتِ أحد ليستلم الجرعات بعد انتهاء فحصه.
قالت دانا وهي جالسة على الكرسي بصوت واهن.
“بهذا الشكل… لن ينتهي الأمر أبدًا.”
لاحظ إدوين ملامح التعب على وجهها.
ابتسم بهدوء ونهض من مكانه.
“هذا لا يجوز، سينباي. يجب أن تتناولي الطعام معي لاحقًا.”
ثم تقدّم بخطوات واثقة بين الفرسان.
لحقت به دانا محاولة منعه،
إذ لم تكن تعرف ما الذي قد يحدث للطيّب المسالم إدوين وسط هؤلاء الفرسان.
“إدوين، انتظر لحظة…!”
لكن ما إن شق الصفوف ووقف في الوسط، حتى خيّم الصمت المهيب على كتيبة الفرسان.
ألقى نظرة هادئة متفحصة عليهم، ثم قال بصوت رقيق.
“ما رأيكم أن نلعب لعبة؟”
“…….”
ساد السكون التام، حتى أن صوت بلع الأنفاس كان مسموعًا.
“اللعبة هي أن لا يتجاوز وقت فحص أيٍّ منكم دقيقة واحدة.”
“…….”
“وإن تجاوز أحدكم الوقت… فاللعبة التالية ستكون معي.”
“…….”
“على انفراد.”
جاءت كلماته الأخيرة في غاية العذوبة، حتى بعثت قشعريرة في النفوس.
كان أول من تحرك هو ماكس.
ومع أن ذراع دميته ميريدا كانت تتأرجح متدلية، مضى مباشرة نحو دانا بوجه شاحب.
“أعطِني الجرعة، من فضلك.”
“……تفضل، شكرًا على جهدك…”
تناولها مسرعًا وغادر على عجل.
ومن بعدها توالت “اللعبة” التي اقترحها إدوين.
صار الفرسان يمشون بسرعة وينصرفون بدقة، واحدًا تلو الآخر.
وبدأت الجرعات الغذائية بالنفاد تدريجيًا.
حتى الجرو كوكو توقف عن الفُواق من شدة الدهشة.
وبينما الأطباء في حيرة من هذا الموقف العجيب، اختفت الظلال تحت أعينهم شيئًا فشيئًا.
ومع تسارع وتيرة الفحوصات، أشرقت وجوههم بالارتياح.
“الفارس راي، هل لديك أي موضع يؤلمك؟”
“لا شيء إطلاقًا!”
وهكذا انتهت المحادثة.
وحين استلموا الجرعات في النهاية، لم يجرؤ أحد من الفرسان حتى على النظر في عيني إدوين.
وخلال أقل من ثلاثين دقيقة، انتهت جميع الفحوصات.
اقترب الأطباء من إدوين بوجوه متهللة.
“كيف فعلت ذلك حقا! لقد جعلت كتيبة الرون تنصاع!”
فأجاب ببرود.
“من يدري… ربما يحبون الألعاب.”
“آه… الألعاب!”
قال الأطباء، مومئين برؤوسهم وقد اتسعت أعينهم.
ترك إدوين إعجابهم خلفه، واتجه نحو دانا.
“أحسنتِ عملًا، سينباي.”
“لا، بل بفضلك انتهى كل شيء بسهولة.”
ابتسم بعينيه عند سماع كلماتها.
بعد أن رتّبا صناديق الجرعات قليلًا، حان وقت الغداء.
وأثناء الإقامة في القاعدة، كان عليهم تناول الطعام مع الفرسان.
“هل تشعرين بالجوع يا سينباي؟”
أمسك إدوين بيدها بقوة كي لا تنزلق على الطريق.
“لا، لقد تناولت إفطارًا غنيا.”
“يسعدني سماع هذا.”
وسرعان ما وصلا إلى القاعدة حيث يقيم الفرسان.
ثم اصطفّا في الطابور لتسلّم الخبز واللحم والخضار.
كان الطعام لا بأس به، إذ يُوزَّع من القصر بشكل منتظم.
اقتاد إدوين دانا إلى طاولة فارغة بجانب الفرسان.
ثم سحب لها الكرسي بعناية، الأمر الذي جعل أعين الفرسان تتسع بدهشة.
لقد كانت هذه أول مرة يشاهدون فيها قائدهم يتصرّف بهذا القدر من اللطف الإنساني.
جلست دانا بعده، ونادته بصوت خافت.
“إدوين…”
“نعم، سينباي.”
أجابها بابتسامته المشرقة، لكنها قالت بقلق.
“لا تتدخل مجددًا كما فعلت قبل قليل.”
“كما فعلت؟”
“حين طلبت من الفرسان تسريع الفحوصات أمام الجميع.”
“آه…” كان ذلك ذكرى رماها بعيدًا.
لكن ما المشكلة في ذلك؟
ارتسمت على وجهه ملامح الاستغراب، بينما أطلقت دانا تنهيدة.
“أنت أضعف كثيرًا بالمقارنة معهم.”
“…….”
“حتى أنك أجّلت انضمامك شهرًا كاملًا بسبب المرض… وشخصيتك رقيقة أيضًا.”
كانت تلك أول مرة في حياته يسمع أحدًا يقلق عليه.
فأشرق وجه إدوين بابتسامة.
“أأنتِ قلقة عليّ؟”
“طبعًا.”
“صحيح… أنا شخص حساس قليلًا.”
وما إن قال ذلك، حتى دوّى صوت سعال متواصل من هنا وهناك.
هل أصيبوا جميعًا بغصّة دفعة واحدة؟
وفيما دانا مذهولة، وضع إدوين قطعة خبز صغيرة في فمها بنفسه.
فنظر إليه الفرسان، وقد سُدّت شهيتهم تمامًا، فقاموا واحدًا تلو الآخر من أماكنهم.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 15"
حالة الفرسان بتحزن🤣