الفصل 14
بدأت أول “لعبة” مع أكثر فرسان الكتيبة كسلاً… ماكس.
فقد ظلّ لأيام يتهرّب من مهمة إزالة الثلج، مكتفيًا بالاختباء تحت غطائه الدافئ.
وكعادته، كان يعانق دميته الأرنب ميريدا ويغفو معها، إلى أن رفعه إدوين فجأة من ياقة عنقه.
ثم طرح جسده الضخم في الثلج بقوة، وابتسم ابتسامة مشرقة.
‘ما رأيك أن نلعب لعبة؟’
‘ل… لعبة؟’
‘إنها لعبة البلّورة الجليدية. سنتبارز لا بالسيوف، بل بالبلّورات المتدلية من السقف.’
بدا الأمر كأنه لهو طفولي.
لكن ما إن بدأ التمرين حتى انفجر ماكس بالبكاء، فقد كان أول مرة يكتشف كم يمكن أن يكون الجليد مؤلمًا.
لم يمنحه إدوين أي فرصة لالتقاط أنفاسه، بل سدّد إصابات دقيقة وسريعة إلى مواضع حساسة.
ثم أخذ يروي وكأنه يقصّ حكاية ممتعة.
‘أتدري؟ سمعت أن من يطعن خصمه بالثلج لا يترك دليلًا على الجريمة… فالسكين يذوب ويختفي.’
تلك الكلمات وحدها دفعت ماكس إلى الفرار على أربع، مذعورًا.
ومنذ ذلك اليوم، اختفت كتل الجليد من محيط القاعدة… فقد أزالها جميعًا بنفسه.
اللعبة الثانية كانت مع هاريوت الشره.
فقد كُلّف بمسؤولية المطبخ، لكنه التهم نصف كمية الخبز قبل حتى أن يبدأ وقت الغداء.
وبذلك بقي كثير من الفرسان بلا طعام كافٍ.
لم يتوقف جشعه، بل أعاد الكرة في اليوم التالي، ثم في الثالث.
وفي اليوم الثالث، دوّى صوت ارتطام عنيف… إذ فُتح باب المطبخ فجأة، ودخل إدوين بينما كان من المفترض أن يكون في التدريب.
وقبل أن يضع هاريوت الرغيف في فمه، قال له.
‘هل نلعب لعبة؟’
‘أيّ لعبة؟’
‘لعبة أكل كل هذا الخبز حتى آخره.’
أشرق وجه هاريوت، وهز رأسه موافقًا.
ابتسم إدوين ابتسامة ملائكية وهو يتأمل أرغفة الخبز المصفوفة.
‘لكن يبدو أنها لم تُخبز جيدًا.’
‘بالعكس، لقد نضجت تمامًا!’
‘لا… العجين لا يزال نيئًا.’
مد يده نحو الخبز، فإذا بلهيب يندلع من الأرغفة، متصاعدًا حتى صار حريقًا هائلًا.
شهق هاريوت مرعوبًا، فقد كانت أول مرة يشاهد فيها قوة أحد أفراد العائلة الإمبراطورية.
‘ق… قائد، إن استمر هذا فالمطبخ سيحترق!’
‘أفضل من أكل خبزٍ غير ناضج، أليس كذلك؟’
ارتفع اللهيب حتى بلغ السقف.
حاول هاريوت الفرار، لكن إدوين أمسكه من مؤخرة عنقه بقوة لا فكاك منها.
‘أ… أرجوك! دعني!’
‘لقد نضج الخبز الآن.’
التفت هاريوت، فرأى أن النار قد خمدت، مخلفّة كومة سوداء متفحمة.
‘هيا، كل.’
‘كيف آكل شيئًا محترقًا هكذا!’
‘إذن دعني أساعدك.’
جمع إدوين قطع الخبز المحترق بقبضته، ودسها في فمه بلا تردد.
‘كخ… كخ! لا أستطيع!’
‘أنا أساعدك لتفوز باللعبة.’
‘أ… أستسلم! أنت الفائز يا قائد…!’
ومنذ ذلك الحين، لم يقترب هاريوت من الخبز لعدة أشهر.
بهذا الشكل، كان إدوين يحافظ على النظام داخل كتيبة فرسان الرون عبر “ألعابه”.
لكن الحقيقة أن أحدًا منهم لم يعد يرغب أبدًا أن يكون خصمًا له.
ورغم الجوّ المثقل بالرهبة، أطلّ عليهم بابتسامة رقيقة، وعينين منحنِيَتين بود.
“خلال بقائي هنا… لنتظاهر جميعًا أننا غرباء عن بعضنا.”
“……”
لم ينبس أحد ببنت شفة، بل تبادلوا النظرات بصمت.
فأردف إدوين بشرح لطيف.
“ولا تنادوني قائدًا أو غير ذلك.”
“……”
“سيكون هذا ممتعًا، أليس كذلك؟”
ثم التقط بعض الخبز والفواكه، وغادر بخطوات هادئة.
وبقي الفرسان يحدّقون بذهول في ظهره حتى توارى.
“…..”
“…..”
عمّ الصمت قاعة الطعام… صمت لم يعرفوه منذ زمن بعيد.
***
طرقٌ خفيف على الباب.
رفعت دانا رأسها عن الكتاب الذي كانت تقرؤه على الأريكة.
“من هناك؟”
“أنا، إدوين.”
جاءها صوته العذب.
فتحت دانا الباب متسائلة عن السبب.
“جئتُ لأتناول الإفطار معكِ. هل لي بالدخول؟”
“تفضل.”
دخل إدوين بخطوات هادئة، متجهًا مباشرة نحو الطاولة.
كانت مغطاة بمفرش بلون البيج، وضع صحونا من الفاكهة الطازجة والخبز المخبوز حديثًا.
سألت بدهشة.
“من أين أتيت بكل هذا؟”
“استعرت الصحون من المسؤول على المكان.”
“والطعام؟”
“…… الأفضل أن تشرعي في الأكل.”
ثم جذب كرسيها للخلف برفق، وأخذ يقدّم لها بيده قطعة تفاح مقشّرة بعناية، حتى لامست شفتيها.
حينما انتشرت حلاوة عصير التفاح الحامض في فم دانا، أشرق وجهها بضياء رقيق.
وألقى إدوين عليها نظرة راضية ممتلئة بالسرور.
جلس قبالتها وظلّ يخدمها أثناء الفطور؛ يقطع الخبز قطعًا صغيرة ليسهل أكله، ويملأ كأسها بالماء حتى لا يفرغ.
قالت دانا متحفظة.
“كُل أنت أيضًا. ألم تقل نتشارك الطعام؟”
“نعم، سينباي.”
ثم تناول هو الآخر قطعة خبز وقضمها. وفجأة بادرها بسؤال غير متوقع.
“هل جربتِ الدخول في علاقة حب من قبل؟”
“ك… كح!”
كادت دانا تختنق بقطعة التفاح التي تبلعها.
“أوه، لا! ولماذا هذا السؤال الآن؟”
أهذا سؤال حقًا أم هجوم مباغت؟
مدّ إليها إدوين كأس الماء ببرود وهدوء.
“إذن…أنا الأول لكِ، أليس كذلك؟”
هل يمكن أن تُصاغ الأمور بهذه البساطة؟
ظلت دانا تحدّق به صامتة، فأجاب بابتسامة رقيقة.
“وأنا أيضًا، هذه أول مرة.”
“……”
“أتدرين ما أهم شيء يحرص عليه الأحبة؟”
“لا… ما هو؟”
“أن يتأكدوا من سلامة بعضهم.”
“وكأننا في حالة حرب؟”
“يسألون، هل نمت جيدًا؟ هل أكلت طعامك؟”
وتذكّرت دانا أن هذه كانت فعلًا أكثر المواضيع تداولًا بين العشاق من حولها.
أومأت برأسها موافقة، فابتسم إدوين بسعادة بالغة.
“إذن من الآن فصاعدًا، سنتناول ثلاث وجبات يوميًّا معًا.”
ما هذه النتيجة الغريبة؟
اتسعت عينا دانا دهشة.
فاستدرك إدوين الوضع.
“أريد أن أتحقق بنفسي من أنكِ بخير دائمًا.”
“أنا أعيش بخير حتى من دونك.”
“إذن… هل تسمحين أن أسألك في كل صباح وظهر ومساء إن كنت قد تناولتِ طعامك؟”
“……”
“لقد وعدتِك، أتذكرين؟ أن أنظر إليك بعين مفعمة بالمودّة.”
“وهذا ما قصدتَه؟”
“نعم. ومن الآن فصاعدًا، كل ما أمنحك إياه… عليك أن تتلقيه. أيًّا كان.”
كان بصره ثابتًا لا يتزعزع وهو يتحدث.
تذكرت دانا ماضيها…
هل سبق أن اهتم بها أحد هكذا؟
كانت وجباتها دومًا تُعد وفق ذوق شقيقها الأكبر، حتى حين مرضت وتركَت الطعام كله لم يلاحظ أحد. وحتى لو لاحظوا… ما كانوا ليقولوا شيئًا.
أدركت تلك الحقيقة، ثم قالت بصوت خافت.
“أتعلم يا إدوين…”
“تفضلي.”
“حين قلت إنني بخير حتى من دونك… لم يكن رفضًا لدفئك.”
استمع إليها بإنصات صامت.
“فقط… إنها المرة الأولى التي أختبر فيها هذه العاطفة. لذلك يصعب عليّ تقبّلها بسهولة.”
“……”
“إنها غريبة ومحرجة… لذلك ربما تخرج كلماتي ببرود أحيانًا.”
احمرّ وجهها وقالت.
“لكنني… أظل ممتنة لكَ دائمًا.”
ثم أغمضت عينيها خجلًا، وأضافت بصوت منخفض.
“من الآن فصاعدًا، سأتلقى منك كل ما تعطيني. حتى لو بدا سلوكي مرتبكًا… أرجوك أن تتفهم.”
كانت يداها تعانقان الكوب بإحكام وهي مغمضة العينين، فتدفقت في قلب إدوين موجات عنيفة.
“……”
“……”
لذلك لم يستطع أن يجيب مباشرة كما يفعل عادة.
فدانا التي تقدمت نحوه بهذه الشجاعة، والتي كشفت له صدق قلبها… بدت له غاية في الجمال والروعة.
أخيرًا، قال وهو يقمع مشاعره المتفجرة.
“شكرًا… لأنكِ صارحتني.”
رفعت دانا رأسها، ونظرت إليه.
كانت شفتاها الصغيرتان ترتجفان قليلًا، ثم انفرجتا عن ابتسامة خجولة.
وما إن رآها، حتى خفق قلب إدوين بعنف.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 14"