الفصل 11
‘ما الأمر؟ لم يتبعني هذه المرة؟’
التفتت دانا بوجه فيه شيء من الدهشة.
كان توني، مثل لايتن في طبيعته، يزهو بلا حدود أمام من هم أضعف منه.
لكن توني الآن كان جامدًا في مكانه، متصلبًا، بوجهٍ لا تخطئه عين: وجه المرتعب.
عندها جذب صوتٌ لطيف انتباه دانا.
“سينباي، كيف ستُجرى رحلة العمل؟”
“آه، صحيح… إدوين، هذه أول مرة لك.”
وبينما لا يدريان، كانا قد وصلا إلى الساحة عند النافورة، وجلسا على مقعد خشبي ليفتحا سلة الغداء.
بدأت دانا تشرح تفاصيل المهمة.
“كما سمعتَ قبل قليل، عملنا أن نزور فيالق الفرسان التابعة للإمبراطورية. أكثر الأعمال الطبية سيتكفل بها أطباء القصر، أما نحن فمهمتنا حمل الجرعات الطبية وإجراء الاستبيانات.”
ابتسمت ابتسامة خفيفة.
“إنها مجرد إجراءات شكلية.”
“سمعت أننا سنزور فيلق فرسان الرون هذه المرة، فهل سنتوجه إلى منطقة ظهور الوحوش؟”
“لن نذهب إلى ذلك الحد. سنلتقي الفرسان في القاعدة فقط. هذا ما يحدث دائمًا.”
“فهِمت.”
فكر إدوين حينها أنه سيرى الحراس أولًا.
تذكر الفرسان الذين كان يختارهم للحراسة.
كانوا جميعًا من اختياره هو.
‘على أي أساس كنت أختارهم…؟’
في الحقيقة لم يكن هناك معيار يذكر.
كل ما في الأمر أنّه كان يخشى أن يملّوا من البقاء في أماكنهم بلا حراك، فكان يختار مَن لا يتوقف عن الثرثرة.
أو من يُحادث الدمى مثلًا.
‘حتى الآن أجد أنني أحسنتُ الاختيار.’
أومأ برأسه بإعجاب بحكمه السابق.
“الشمال لا يزال باردًا.”
تذكّرت دانا ماضيها حين عملت هناك.
“على الرغم من أننا كنا في الربيع، كان الثلج يتراكم حتى الكاحل.”
“إذن ستكون الرحلة شاقة عليكِ.”
ابتسمت دانا لكلامه.
“وأنت ألن تتعب؟”
فاكتفى بابتسامة صامتة.
لقد كان معتادًا على قسوة الشمال بعد أعوام طويلة من المعارك هناك.
“إن تعبتِ من المشي، اتكئي عليّ.”
“لستُ طفلة!”
“لكنّكِ كثيرًا ما تتعثرين على الطرق الثلجية.”
‘كيف علم بذلك؟’
اتسعت عينا دانا دهشة.
ففي العاصمة نادرًا ما يُرى الثلج، ولهذا كانت تسقط مرارًا حين خدمت في الشمال.
“كيف عرفتَ ذلك… أُغم!”
دخلت قطعة خبز في فمها فجأة.
لقد دسّها إدوين بنفسه.
وظل طوال الوقت يضع لقيمات أخرى في فمها، فلا تكاد تجد وقتًا للكلام، بل تضطر أن تمضغ ما يُدخل إليها.
‘لذيذ كالعادة.’
فبعد أن اعتادت دانا على أكل طعامٍ متشابه يومًا بعد يوم، كان الطعام الذي يحضره إدوين أقصى درجات الترف.
ومع كل مرة يقرّب الشوكة إلى فمها، تتغير تعابيرها بطرائق شتى، وكان إدوين ينظر إليها مبتسمًا برضا.
‘هذا ليس اهتمامًا… بل أشبه بتربية حيوان أليف.’
فكرت دانا في نفسها، وهي تبتلع ما تبقى، شاعرةً بشيء غريب.
عندها دوّى صوت غاضب.
“انظري لهذا! كنتُ أعلم أن الأمر هكذا!”
وكان الرجل المرتجف من فرط الغيظ هو توني.
“أنتما على علاقة، أليس كذلك؟! لهذا رفضتِني!”
وقبل أن ترفع دانا رأسها، زُجّت في فمها قطعة خبز أخرى.
“دعيني أتولى الأمر. سينباي، تابعي طعامكِ.”
“أ… أنت؟”
“ينبغي لعينيكِ ألّا تريا إلا ما هو جميل.”
عندها ازداد توني هيجانًا.
“هل معنى كلامك أنني قبيح إذن؟!”
وقف إدوين بهدوء، متجهًا نحوه بخطوات ثابتة.
كان أطول منه برأسٍ كامل، وأعرض منه جسدًا، مما يكفي ليبعث في الآخر رهبةً.
وانحنت عيناه الطويلتان بابتسامة، وعلى وجهه بريق لا يُعرف إن كان من نور الشمس أم من هالة غامضة.
تجمد توني مذهولًا، ثم سرعان ما أفاق.
“هيه، دانا! لا ينبغي أن تختاري الرجال بوجوههم فقط!”
“لم يكن اختيارها بناءًا على الوجه فقط.”
قاطع إدوين كلامه.
فألقى توني عليه نظرة فاحصة.
استغرق الأمر وقتًا حتى انتقل بصره من رأسه إلى قدميه.
خطا إدوين خطوة نحو توني.
“أنتَ.”
“ماذا، أنا؟”
“كنتَ تعلم أن دانا تقضي غداءها دائمًا هنا، أليس كذلك؟”
“……”
“وتعلم أنها تكتفي بسندويشات فاسدة.”
“……فما المشكلة!”
“وكذلك كنتَ تعلم أنها تبقى لساعات إضافية في العمل كل يوم.”
“……”
“ورحلات العمل المرهقة كانت دومًا من نصيبها، بينما أنت مشغول بالتهرب.”
“و، وما شأني!”
ارتفع طرف شفة إدوين.
ذلك الوجه الذي كان لا يغادره الابتسام، بدا عليه الآن أثر القسوة.
وحين اقترب أكثر، غطى ظلُّه رأسَ توني.
“وأثناء كل ذلك العناء الذي تكبدته دانا… ماذا كنتَ تفعل؟”
“ذاك… ذاك كان اختيار دانا هي نفسها…!”
“ومن أنكر ذلك؟”
هزّ إدوين كتفيه.
“أنا فقط أطلب منك أن تفكر من منظورها.”
“……”
“بينما تتعب هي وتكدّ، كان هناك رئيس يلهث وراء التملق ليعيش في راحة، ثم فجأة، من دون مقدمات، يُلقي بطلبِ زواج.”
“……”
“ذلك هو أنت.”
وليس هناك ما يربك المرء أكثر من اعتراف مباغت، خصوصًا حين يكون من شخص لا يكنّ له أي شعور.
وجه توني الذي احمرّ، ما لبث أن اسودّ غضبًا، وهو يقول بشفاه مرتجفة:
“سأشيع الأمر بين الجميع، أنكما على علاقة. لا عمل ولا جدّ، بل لهو وغرام…”
“ذلك لا يهم.”
نقر إدوين بلسانه.
“الحقيقة أن الأمر مجرد مشاعر من طرفي. أنا وحدي معجبٌ بدانا.”
“حبٌّ من طرف واحد.”
قالها، وهو يربّت على كتف توني.
لم يكن يريد أن تُزج دانا في كلام عن اللهو والعبث فتُحرج أمام الآخرين.
“والآن اذهب. بقي لي أن أُنهي طعامي.”
قالها بصوت بارد.
لكن فجأة، دفعه توني وركض نحو دانا.
كان ذلك التصرف المفاجئ كافيًا لأن يُفقد إدوين صوابه.
امتدت يده إلى عنق توني من الخلف.
نفس اليد القاسية التي طالما فتكت بالوحوش.
تصاعدت الحرارة من أطراف أصابعه، وكاد أن يخلق منها نارًا.
لكن في تلك اللحظة جاء صوت هادئ.
“سيد توني.”
إنه صوت دانا.
توقف إدوين عن هجومه.
كاد أن يُري دانا جانبًا دنيئًا منه.
أما توني، فقد بدا مرتبكًا حين تقدمت دانا نحوه.
ثم صرخ متهكمًا:
“ما الذي ينقصني! لماذا ترفضينني!”
كان ذُلًّا ما بعده ذُل.
زفرت دانا تنهيدة، ثم قالت بلهجة واضحة.
“كفّ عن التذلل كالطفل.”
“تذلل…!”
“ثم بأي حقٍّ تفترض أن عليّ أن أقبلك؟”
“لأنّ… بالطبع…”
“أنا أمقت دناءتك. لا تتقدم إلى للتملق.”
“……”
“كرهت دائمًا سماعك تُعلّق على النساء المارات. ومقتُّ أكثر أنك تسطو على إنجازات زملائك.”
“لم أسرق شيئًا، إنما أنجزناها معًا…”
“ثم إني أريد حياة أفضل من هذه. لو تزوجتُك، لبقيت حياتي تكرر نفسها بلا طائل.”
“كفى… كفى…!”
كان توني يصغي مذهولًا، حتى سالت دموعه.
“لماذا هكذا! أنتِ فتاة طيبة ووديعة!”
“لستُ طيبة، بل كنتُ متعبة فأعرض عن مناقشتك.”
“……”
بدا وكأنه تلقى صدمة أشد مما ناله من مواجهة إدوين.
“ألهذا الحد تكرهينني…؟”
“نعم.”
“أبكيتِني…”
“فلتبكِ إذن.”
“أوووه…” فرك توني عينيه بكم قميصه، وهرع مبتعدًا.
“أكثرتُ الكلام… أنا عطشى.”
عادت دانا وجلست على المقعد، وأمسكت عصير التفاح وشربته دفعة واحدة.
كان إدوين يراقبها، ثم انفجر ضاحكًا.
“لِمَ تضحك؟”
سألت، وقد أنهت زجاجة العصير.
“لأنني أرى شيئًا جديدًا.”
ضحكته لم تتوقف.
ربما هو أيضًا كان يظن، كما ظن توني، أن دانا فتاة طيبة لا غير.
لكن اتضح أن لديها وجهًا آخر، حازمًا لا يلين.
لقد كانت مرهقة لا أكثر، لذلك لم ترد أن تدخل في مشاحنات.
إنها متعددة الوجوه.
حتى هذا الجانب الجريء بدا له محبّــبًا.
“أنا حقًا معجبٌ بكِ، سينباي.”
لم يعد اعترافه المفاجئ يدهش دانا.
آه، تذكرت!
صرخت وقد لمعت في ذهنها فكرة
“أتعرف الأداة السحرية التي حدثتك عنها آخر مرة؟ هل يمكن أن أستعيرها اليوم؟”
“بالطبع. اطلبي ما تشائين، سأحضرها لكِ.”
قالها بلطف.
أن تتمكن من استعارة أداة سحرية يصعب على علية النبلاء أنفسهم الحصول عليها… ذلك دليل على مدى قوة شبكة إدوين.
ابتسمت دانا ابتسامة مشرقة.
“إذن، أريد كرة تسجيل الصور.”
وما أن طلبت، حتى نهض إدوين فورًا.
لم يسألها حتى لِم ستستخدمها.
وبعد وقت قصير، سُلِّمت لدانا أداة سحرية نفيسة، مغلفة بعناية.
أدهشها أن الأمر تم بهذه السرعة.
“شكرًا لكَ، سأعتني بها جيدًا.”
“استخدميها كما يحلو لكِ.”
ابتسم لها برقة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"