في اليوم التالي، كان في يد إدوين المتجه إلى العمل كالمعتاد سلة طعام للنزهة.
ومعه صندوق غداء أُحيط بسحر للحفاظ على دفئه.
قبل أن يغادر غرفته، وقف أمام المرآة الكبيرة وهو يرتب شعره.
رؤيته يعتني بمظهره على غير العادة جعل الخدم يتبادلون النظرات بدهشة.
في تلك اللحظة، اقتحم غرفته شقيقاه الكبيران.
الأمير الأول يوهانس والأمير الثاني هاري.
“إدوين، سمعتَ أنك تذهب للعمل في وزارة السحر هذه الأيام؟”
“شقيقنا الصغير، ما الذي يجري؟”
عندها، حدّق إدوين فيهما بوجه جاد.
“ماذا، ما بك! لماذا تنظر هكذا؟”
ولأنه حتى في غضبه كان دائمًا يبتسم، حبس الشقيقان أنفاسهما.
فقد وُلد إدوين، وهو الأصغر، بهيبة طبيعية تسري من حوله.
وبفضل ذلك، ورغم أنهما الأكبر، لم يجرؤا يومًا على رفع صوتهما في وجهه.
يوهانس وهاري تبادلا النظرات بخوف.
‘هل جئنا في وقت خاطئ……؟’
‘لا أعلم، إنه مخيف.’
ما قطع خوفهما كان جملة إدوين.
“كيف أبدو، جميلاً؟”
“……”
“……”
الآن، ماذا قال للتو؟
أشار إدوين إلى وجهه.
“أسأل، هل أنا جميل؟ إلى درجة أن تقع أي امرأة في حبي.”
هل يطلب منا الآن أن نقيّم وجهه؟
أومأ يوهانس أولًا.
“طبعًا، أنت جميل. فمنذ زمن ووجهك وحده كان الأجمل.”
“صحيح، رغم جنونك. لكن بيننا الثلاثة، أنت الأجمل.”
الأمير الأول والثاني كانا أيضًا وسيمين بشكل لافت.
لكن جمال إدوين المتألق كان بلا شك الأسمى.
وعندما أكدا أنه الأفضل بينهم، زفر إدوين.
“طبيعي.”
“……”
“……”
“وهل هذا يحتاج إلى كلام.”
قالها بضيق.
“أسأل إن كنت أبدو أفضل من المعتاد.”
فسارع الشقيقان إلى الإيماء.
“هذا يكفي. ابتعدا.”
إدوين شق طريقه بينهما بعنف وخرج.
هاري، وهو ينظر إلى إدوين يبتعد، عقد وجهه.
“يوهانس، هل الرائحة المنبعثة من إدوين الآن…… عطر زهور؟”
“يبدو كذلك……؟”
“مجنون وزهور…….”
كان مزيجا خطيرا.
***
عند وصوله إلى وزارة السحر من القصر الإمبراطوري، سمع إدوين صوتًا مألوفًا.
كانت دانا واقفة أمام قسم إدارة الجرعات.
دانا كانت تحدّث كيرا بوجه يملؤه الاعتذار.
“آسفة يا كيرا. كنت شاردة بأفكاري، فلم ألاحظ…….”
“لا بأس. اللقاءات يمكن تعويضها بسهولة.”
“شكرًا لتفهمكِ.”
عند سماع حديثهما عن رفض الموعد، انبسط وجه إدوين.
“لكن، هل أنتِ بخير؟ لا تقصدين أنك ستعودين إلى عائلتك، أليس كذلك؟”
“لا. فقط لدي ما يجب أن أفكر فيه.”
وجه دانا احمر قليلًا وهي تقول ذلك.
فقلب إدوين بدأ ينبض بقوة.
مجرد أنها فكرت به أولًا جعله في غاية السعادة.
وأثناء انغماسه في هذا الشعور، شعر بوخز في ظهره.
“لماذا تقف هكذا متسمّرًا؟”
شخص ما كان يطعنه في ظهره.
كان لايتن.
طعن إدوين بملف أوراق ملفوف.
“صباح الخير.”
ألقى إدوين التحية ببرود.
لكن لايتن، وقد كان في مزاج سيئ بسبب العمل، لم يتقبلها.
“أي صباح خير هذا بالضبط؟”
عندها مال إدوين رأسه.
ماهذا السؤال؟
ورغم ضيقه، أجاب بجدية بصفته موظفًا جديدًا.
“على الأقل الطقس جميل. وأيضًا…….”
“من سألك هذا؟”
زمجر لايتن وهو يدخل المكتب.
فقفز توني من مقعده بسرعة، يصب له الشاي بحماس محاولًا تهدئة مزاجه.
إدوين، غير مبالٍ، جلس بجوار دانا.
“صباح الخير، سينباي.”
ابتسم برفق.
“صباح الخير.”
وانبعث من دانا عطر مبهج.
كان عبيرًا أكثر دفئا من أشعة الشمس وأزهار الحقول.
وعلى الرغم من أن العطر هو نفسه، إلا أن عبيرها كان مفرطًا في الإدمان.
حين كان إدوين غارقًا كليًا في دانا، تنهد لايتن من بعيد.
وبوجه متعب قال للجميع.
“تعرفون أن قسم إدارة الجرعات يذهب كل ثلاثة أشهر في رحلة عمل مع أطباء القصر، أليس كذلك؟”
عند ذلك تهرّب الجميع بنظراتهم.
فالأقسام المسؤولة عن العلاج كانت تذهب دوريًا للعناية بفرسان المقاطعات.
لكن بالنسبة للموظفين، لم يكن هناك سبب للترحيب برحلة عمل مرهقة بلا فائدة.
أكمل لايتن كلامه.
“يبدو أن الوجهة هذه المرة هي فرسان الرون…….”
عند سماع كلمة “رون” ارتجف بؤبؤا توني بقوة.
إنه الفيلق الأشد جنونًا في الإمبراطورية، الذي يتولاه الأمير الثالث بنفسه!
فتظاهر بالانشغال وراح يخط شيئًا بقلمه.
بالطبع، لم يكن سوى خربشات بلا معنى.
أما كيرا فانحنت تلتقط ورقة ساقطة لتختبئ تحت المكتب ولم تخرج.
وبينما كان لايتن يتفحص موظفيه بوجه ساخط، ارتسمت على شفتيه ابتسامة ملتوية.
ثم وجه نظره نحو إدوين.
“يا أيها المستجد!”
“نعم.”
“أنت ستذهب. مع مشرفتك.”
ثم قهقه وهو ينظر إلى إدوين.
“حسنًا.”
أجاب إدوين بذلك، ومن ثم–
‘هذا الرجل أفضل مما ظننت.’
بدأ إدوين يحمل في نفسه استحسانًا للايتن.
فهو كان يمنحه باستمرار وقتًا منفردًا مع دانا.
لكن عندما رأى لايتن ابتهاج إدوين الغريب، ساء مزاجه مجددًا.
‘لماذا يبتسم ذاك الآن؟’
بكل الأحوال، لم يعجبه هذا المستجد إطلاقًا.
ما المضحك في أن يشقى حتى الموت في أقصى الشمال؟
فانفجر لايتن غاضبًا.
“لا تحاول التملص! أنفق ضمن الميزانية المحددة!”
“مفهوم. هل ننطلق غدًا مباشرة؟”
عند كلام دانا أومأ لايتن برأسه.
وحين تحدد من سيذهب في رحلة العمل هذه، عاد الجميع إلى الانشغال في أعمالهم بصمت.
امتلأ المكتب الهادئ فقط باصوات أقلام الحبر.
في هذه الأثناء، كان ثمة نظرات تستفز إدوين……
‘هل أقتلع عينيه من مكانهما؟’
إنه توني، الجالس مقابل دانا.
كان يحدق بها دون أن يزيح عينيه وكأنه يريد قول شيء ما.
وكانت نظرته المليئة بالحرقة تبعث على الاشمئزاز.
وجاء وقت الغداء.
حين همّ إدوين بحمل سلة الطعام لينادي دانا.
“دانا، أيمكن أن نتحدث قليلًا؟”
وكما هو متوقع، جاء توني نحوهما.
“ما الأمر؟”
“أعطني بضع دقائق فقط.”
فأشارت دانا بعينيها لإدوين كي ينتظر قليلًا.
وخرج الموظفون جميعًا لتناول طعام الغداء، فبقي إدوين وحيدًا.
‘كم هو شعور قذر.’
أن يجرؤ أحد على سرقة دانا منه كان شعورًا مقززًا.
عندها جاءه صوت دانا من وراء الجدار.
“دعنا نتحدث هنا.”
لحسن الحظ لم يبتعدا كثيرًا.
كانا يتحادثان في الممر.
والاستماع إلى الصوت من خلف الجدار كان أمرًا سهلًا جدًا لإدوين.
قال توني بصوت مفتعل مفعم بالأسى.
“دانا، أتعرفين كم ستكون هذه الرحلة خطرة؟ الشمال لم يذب ثلجه بعد!”
“صحيح.”
“وفوق ذلك، فرسان الرون! لا يملؤهم سوى المجانين!”
“هم بشر أيضًا. يدافعون عن الناس ضد الوحوش.”
“أنا فقط قلق عليكِ……”
انظروا إليه. ابتسم إدوين بسخرية.
حين ذكروا الرحلة سابقًا، لم يجرؤ حتى أن ينظر إلى عيني لايتن، والآن يتظاهر بالقلق.
أكمل توني كلامه.
“هناك الكثير غيركِ يمكنهم الذهاب.”
“هل ستذهب بدلًا عني إذن؟”
“لا…… مثل كيرا……”
“ألست قلقًا على كيرا؟”
عند نبرة دانا الباردة، تنهد توني.
“في الواقع، لا بد أنك شعرتِ به…… هذا ليس مجرد قلق.”
“وماذا إذن؟”
وعلى ملامح دانا تساؤل، فتردد توني قليلًا ثم صقل نبرته.
“أعرف أنني أثقل عليكِ. وأعرف أنني فوق قدرك.”
“…….”
“لكنني مع ذلك معجب بكِ. جميلة وجادة كما أنتِ.”
هل هذا…… اعتراف؟
تجمد وجه دانا في لحظة.
لكن توني الغافل واصل ثرثرته.
“الزفاف يكون هذا الشهر، والأبناء خمسة يكفون.”
هل وصل بخياله حتى إلى هناك؟
قالت دانا بوجه متبرم.
“أرفض.”
“سأُسكن والدتي معنا، ثم…… ماذا؟”
حتى لو كان الزواج مسألة مستعجلة، لم يكن توني قط هو الاختيار.
فهو دائمًا يسعى لمسايرة لايتن أو تقييم النساء من مظاهرهن.
والبقاء معه لبضع لحظات كان كافيًا ليوجع الأذن.
قال توني بملامح مذهولة.
“أتفعلين هذا من شدة الخجل؟”
“لا، لست من ذوقي.”
“وما ذوقكِ إذن!”
قالتها سريعًا لترفض، لكنها حين سُئلت لم تستطع الجواب.
وفي تلك اللحظة، خطر ببالها إدوين.
لطالما كان لطيفًا، يستمع لها……
“شاب أشقر أصغر مني.”
“……ماذا؟”
سألها توني، ذو الشعر الأحمر الأكبر سنًا، مجددًا.
“أتمزحين؟”
“لا أمزح.”
أجابت دانا بحزم.
في تلك اللحظة بالذات، خرج إدوين من المكتب بابتسامة مشرقة.
“سينباي، لنذهب لنتناول الغداء.”
وأمسك يد دانا كأن توني لا وجود له أصلًا.
“أ؟ آه……”
فانساقت دانا مع إدوين في ارتباك.
وكاد توني يصرخ عليهما حين التفت إدوين للخلف.
“…….”
عيناه الحمراوان توهجتا بشدة. كانت نظرة كالصاعقة، مرعبة.
وبنية القتل المنبعثة التي يشهدها لأول مرة، لم يقدر توني على قول أي كلمة.
التعليقات