1
“الفصل الأول: نحو الجنة”
في الصباح الباكر، قبل أن يتلاشى الظلام تمامًا، نزلت فتاة لم ترتد ملابسها بعد من السرير بهدوء.
كان ضوء الفجر الذي بدأ يشرق بلطف يضيء بؤبؤ عينيها الزرقاوين.
فتحت الفتاة نافذة غرفتها قليلاً كانت أمواج الفجر الهادئة تداعب الشاطئ وتتكسر بهدوء.
بعد أن تأكدت من عربة الوحش الواقفة بعيدا عن القلعة عبر النافذة، استعدت للخروج بهدوء تام.
أكملت الفتاة استعداداتها بارتداء فستان أبيض من الكتان يصل إلى كاحليها، ثم قامت بربط الأزرار الصغيرة الموجودة في مقدمة الفستان بعناية، وأخرجت شريطا من الحرير كانت تحتفظ به وربطتهُ حول خصرها. بعد ذلك، أسدلت شعرها الغزير الذي يصل إلى خصرها وربطت رباطًا من الدانتيل.
بعد أن انتهت من التجهيز، أدارت مقبض الباب بحذر وأخرجت رأسها لتلقى نظرة على ما يحيط بها أثناء سيرها في الممر ومغادرتها القلعة، أصبحت خطوات الفتاة أسرع وأسرع.
بعد أن هرولت ونزلت من القلعة بخطوات سريعة اقتربت من الوحش الواقف على جانب الطريق.
“صباح الخير، سنكلير”
عند سماع التحية الهادئة، نهض الرجل الذي كان مستلقياً خلف الوحش ووقف كان القش ملتصقًا بشعرهِ البُني الطويل.
“آنسة ليدا، لقد أتيت حقًا.”
أجاب سنكلير وهو يفرك عينيه.
“لا تقل لي أنك بقيت هنا طوال الليل، أليس كذلك؟”
سألت ليدا وعيناها نصف مغمضتين.
“كنت خائفًا من أنني قد لا أفى بالوعد.”
“سنكلير الجو بارد في الليل. ماذا ستفعل إذا أصبت بالبرد؟”
“أفضل أن أصاب بالبرد على أن أستيقظ متأخرًا وأُلام من الآنسة.”
ضحك سنكلير بمرارة وهو يزيل القش العالق في شعره، ثم اتخذ تعبيرًا ساخرًا.
“ولكن يا آنسة، هل ستذهبين حقًا؟ إذا علمت السيدة الأم، سنقع في ورطة كبيرة.”
للحظة، كان القلق يملأ عيني سنكلير.
“سنكلير، لا تقلق. سأتظاهر بأنني لم أرك هنا أبدًا.”
” ولكن …”
“على أي حال، ألم تكن ذاهبًا في مهمة إلى ماينز؟ لقد ذهبتَ إلى هناك لهذه المهمة فقط، أما أنا كنتُ مختبئة هنا سرًا.”
قالت ليدا بابتسامة مشاكسة وهي تزم شفتيها كان سنكلير يعرف أنه لا أحد يستطيع إيقاف ليدا عندما يكون لديها هذا التعبير.
“هيا بنا، قبل أن تكتشفنا والدتي.”
تنهد سنكلير وتقدم إلى مقدمة العربة
“يستغرق الوصول إلى ماينز من هنا حوالي أربع ساعات ياآنسة قد يكون الطريق سيئًا، وقد تشعرين بعدم الارتياح.”
“لا بأس، يمكنني تحمل ذلك. إنها أربع ساعات فقط. لقد ذهبت إلى هناك من قبل أيضًا.”
“في ذلك الوقت، ذهبتِ بعربة، لذا لا يمكن مقارنته بالآن. بدلاً من ذلك، لقد فرشت لك مكانًا واسعًا بالقش لذا اجلسي عليه ياآنسة.”
“شكرا لك، سنكلير.”
جلستْ ليدا بهدوء على المكان المفروش حيث داعبتْ رائحة القش الجاف الرقيق أنفها، كان برد الصباح الباكر في بداية الصيف منعشًا لتأخذ ليدا نفسًا عميقًا.
بعد ذلك، بدأت عربة الوحش التي كان يقودها سنكلير في التحرك، وهي تهتز على الطريق الترابي المرصوف بالحصى.
“إذا رأت أمي الوسادة التي عليها ملابس النوم، فمن المحتمل أن تصاب بالإغماء. أما مربيتي، فستقوم برسم علامة الصليب مئة مرة وتتنهد بعمق.”
جلست ليدا على العربة التي كانت تهتز يمينًا ويسارًا وضحكتْ بصوتٍ عالٍ، كانت هذه هي المرة الأولى التي تغادر فيها ليدا بمفردها دون والديها أو أخيها داريوس. لذلك، نزهة اليوم بالنسبة لها مغامرة ضخمة.
ماينز ثاني أكثر الأقاليم ازدهارًا بعد العاصمة في مملكة هانوفر. حيث يحكمها دوق عائلة ماير، إذ اصبحت عائلة ماير الأكثر شهرة وغنى في هانوفر. وكان الدوق الحالي شخصًا يتمتع بمكانة كبيرة لدرجة أن الملك نفسه لم يكن يستطع التعامل معه باستخفاف.
كان معظم إقليم ماينز أرضًا خصبة. وكان يجري عبر تلك الأرض نهر رايندو الذي يتدفق بأناقة وكميات وفيرة من المياه، لذلك كان يطلق عليها “أرض البركة”.
ولهذا السبب كان سكان ماينز المزدهرون والمسالمون يستمتعون بالمهرجانات طوال الفصول الأربعة. ومن بين تلك المهرجانات، كان مهرجان ماينز الموسيقي الذي يقام في أوائل الصيف حيث يتم رعايته من قبل دوق عائلة ماير، وحجمه كان ضخمًا.
“سنكلير، هل تعلم؟ فرقة ريفرين ستأتي إلى المهرجان اليوم. قالت أمي إنها رأتهم مرةً في العاصمة، وإنهم يغنون مثل الملائكة “
قالت ليدا وهي تثرثر كعصفور صغير، كان هناك حماس لا يمكن إخفاؤه في صوتها.
اريفرين هو اسم فرقة تتكون من أولاد لم يصلوا إلى سن البلوغ بعد.
أغانيهم كانت مثل دعوة الملائكة الصغار التي نزلت من السماء، وقد نالوا الثناء عليها.
لكنهم نادرًا ما كانوا يظهرون في أماكن أخرى غير قاعة الصلاة الملكية في العاصمة رين. وكان السبب وراء تأسيس فرقة ريفرين هو أنهم يغنون فقط للملك والحاكم.
“إنها دعوة خاصة من عائلة ماير، إنه أمر يستحق الشكر حقًا.”
أومئ سنكلير برأسه بلطف موافقًا على كلامها. لكن ليدا استدارت ونظرت إليه وقالت بصوتٍ جاد
“سنكلير، عندما تكبر، ما رأيك في أن تدرس الموسيقى بجدية ؟”
“هل يمكن لشخص عادي مثلي أن يتعلم الموسيقى؟”
”الموسيقى متاحة للجميع، أليس كذلك؟”
”ولكن الكليات الموسيقية في العاصمة يمكن للنبلاء فقط الالتحاق بها. حتى لو كان شخص وضيع مثلي، فلن يستطيع الاقتراب من ذلك المكان.”
”صحيح. ولكن في إمبراطورية غريتز، يمكن حتى للعوام الالتحاق بالجامعة. قال لي داريوس ذلك، لذا أنا متأكدة. بما أنهم يقبلون العوام والأجانب، فلماذا لا يمكن للنساء الالتحاق بها؟”
زمّت ليدا فمها بخيبة أمل.
”ولكن حتى لو كان بإمكان النساء الالتحاق بها، فإن والدتي لن تسمح لي بالذهاب إلى غريتز.”
”إذن أنا أيضًا لن أذهب. أنا أفضل أن أبقى مع الآنسة.”
”حسنًا، سنكلير، لنفعل هذا. عندما نتجاوز سن العشرين، سنذهب إلى ماينز معًا في الصيف. سنذهب إلى ماينز مرة أخرى. وعندما يُقام المهرجان، سنصعد إلى المسرح ونعزف معًا. أنا سأعزف البيانو، وأنت ستعزف الكمان. ستفعل ذلك، أليس كذلك؟”
قالت ليدا بصوت حنون. نظر إليها سنكلير وأصبحت عيناه أكثر دفئًا.
“أتمنى أن يحدث ذلك. سنكلير، ستصبح أفضل عازف كمان.”
بعد كلمات ليدا التي كانت مثل البركة، أعطى سنكلير قوة إضافية لحبل اللجام في يده. وبعد مغادرة إميلين والدخول إلى إقليم ماينز، بدأت العربة تسير بسرعة أكبر.
تنهدت ليدا إعجابًا بالمناظر الطبيعية المتغيرة. كانت عيناها لا تشبعان من الجبال الخضراء التي لم تذبل في الصيف، والسماء الزرقاء، والسحب البيضاء التي كانت متناثرة بشكل جميل مثل ريش الطيور، والنجوم الساطعة. وعلى التلال المنحدرة بلطف، كانت هناك قطعان من الأغنام البيضاء ترعى العشب.
عندما أدارت عينيها قليلاً بسبب ضوء الشمس، امتدت حقول الشعير الخضراء بشكل منعش. وتبع قلب ليدا مسار حقول الشعير الخضراء المتموجة.
كان الهواء الدافئ يداعب ساقيها، وانتفخ فستانها الأبيض برفق. كررت ليدا الجلوس والاسترخاء. ثم فكت رباط شريط الدانتيل الذي كان يتدلى تحت ذقنها. لم يستطع شعرها الذهبي الرقيق مقاومة قوة الرياح، فتموج بخفة.
لقد كان يومًا مثاليًا للاستمتاع بالمهرجان حقًا.
وصلت عربة الوحش إلى ساحة في وسط مدينة ماينز قبل الظهر.
نزلت ليدا من العربة وهبطت على أرضية الساحة، ثم ربَّتت على خصرها وظهرها اللذين كانا يؤلمانها من الجلوس لفترة طويلة. كان وجهها مليئًا بالتوقعات، لا يظهر عليه أي أثر للتعب، وتألق بالنشاط.
”شكرًا لك، سنكلير! سأراك أمام برج الساعة في الساعة السادسة.”
”يا آنسة، هل أنتِ بخير حقًا؟ قد يكون الأمر خطيرًا لأن هناك الكثير من الناس.”
”أنا فقط سأتمشى في الشارع. لا تكن كثير الشكوى، يا أيها العجوز!”
ابتسمت ليدا بسعادة، ولوحت بيدها بخفة وبدأت في المشي. بمجرد أن اختفت الفتاة تمامًا في زقاق مظلم، صعد سنكلير إلى عربته.
تحت السجادة السميكة التي كانت مفروشة على العربة، كانت هناك حقيبة كمان مخبأة. وهذا كان سبب قدومه إلى ماينز اليوم بحجة أداء مهمة.
بدأ المهرجان من بعد الظهر حتى وقت متأخر من الليل. ولكن في صباح ماينز المشرق، كانت هناك حركة قليلة للسياح. استغل الناس هذا الوقت لتنظيف الشوارع التي اتسخت خلال الليل، وتزيين المسرح الجديد.
كانت صوت المكنسة وهيه تكنس الطريق، وصوت الماء وهو يتدفق على النوافذ، أشبه بالموسيقى.
وفي الساحة المركزية، كان العمال يتحركون بجدية لإعداد مسرح الأداء الجماعي.
على عكس إميلين ذات الجو البسيط والمتواضع، كانت مدينة ماينز تبدو وكأنها مكان تعيش فيه الجنيات من القصص الخيالية.
عندما كانت ليدا صغيرة، كانت تتخيل أن المباني المتراصة والمزخرفة، ذات الأسطح الملونة، هي قرية ألعاب، وكانت مرتبة بشكل أنيق.
قنوات مياه متشابكة مثل شبكة العنكبوت كانت تجري في كل أنحاء المدينة، وكانت ليدا تنصت إلى صوت المياه وهي تمشي عكس التيار لفترة طويلة. في نهاية القناة، كانت هناك بحيرة واسعة وزرقاء تدعى “مارين”. كانت الجداول المنعشة التي تتدفق من الجبال الجافة التي كانت متجمدة حتى الربيع، تجلب معها دفء أوائل الصيف. كان انعكاس ضوء الشمس على البحيرة جميلًا وشفافًا بشكل لا يصدق.
كانت ليدا تحدق في البحيرة لفترة طويلة في ذهول. كان صوت ضحكات الناس وهم يلعبون تحت أشعة الشمس يتكسر بين الأمواج، وكان الأطفال يسبحون ويغوصون. وعلى ضفة البحيرة، كانت قوارب بيضاء على شكل بجعة تتجمع وتتلقى أشعة الشمس وهي تتمايل بلطف.
“يا إلهي، ماينز جنة حقًا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 1 - نحو الجنة 2025-08-18
- 0 - المقدمة 2025-08-11
التعليقات لهذا الفصل " 1"