كانت أولى خيوط شمس الصيف تتسلل بلطف إلى الأرض، دون حرّ الظهيرة ولا وحشة الغروب. فقط دفء هادئ وحنو يغمران الطبيعة.
كان مرلين يقود حصانه بخفة، يربّت برفق على عنقه، وابتسامة مشرقة ترتسم على شفتيه، أبهى حتى من نور الشمس الذي يغمر فناء القصر.
قال: “اليوم سأعلمكم ركوب الخيل، وهي المهارة الأساسية التي لا غنى عنها لأي فارس. لا يمكن التفوق في المبارزات بدون إتقانها…”
لكن لين لم تكن تستمع لأي من هذا؛ فما شأنها بالمبارزات وركوب الخيل؟ بدا الأمر وكأنه من عالم بعيد عنها تماماً.
ركب آرثر وكاي خيولهم بتردد تحت إشراف مرلين، وقد بدا أن الأمور تسير بخير. وحين جاء دورها، حاولت لين الاقتراب من الحصان الأحمر، لكنه سرعان ما زمجر وأظهر أسنانه مهدداً، فارتدّت للوراء مرعوبة.
ضحك مرلين وقال: “حتى (آه هوا) لم تخيفك، فهل ستخيفك مجرد فرس؟”
شدّت على أسنانها وعادت بخطى ثابتة، لكن الحصان هاجمها بذيله بضيق ومنعها من الاقتراب.
قال آرثر بازدراء: “جبانة وعديمة الفائدة.”
أما كاي فشجعها بنظرة دافئة: “جربي مرة أخرى، لين!”
وهي بالفعل فعلت، لكن الحصان ركلها فجأة فسقطت وهي تعض طرف منديليها بغيظ وألم.
في اليوم التالي، ابتسم مرلين كعادته وقال: “اليوم سنتعلم مهارات السيف الأساسية. سنبدأ باستخدام السيوف غير الحادة لتقوية عضلات الذراع.”
اندفع آرثر وكاي في التدريب، وسرعان ما امتلأت جذوع الأشجار بخطوط متقنة من ضرباتهم.
لكن عندما التفت مرلين إلى لين، سألها: “لماذا لا تبدئين؟”
قالت بوجه شاحب: “إنه ثقيل جداً… لا أستطيع حمله.”
وما إن حاولت رفعه حتى سقط السيف مباشرة على قدمها، صرخت صرخة مزعجة جعلت آرثر وكاي يسرعان لتغطية أذنيهما.
ثم تتابعت الأيام… اليوم الثالث، الرابع، الخامس…
وهي لا تزال في الزاوية، تقضم منديلاً تلو آخر، ترسم دوائر حزينة على الأرض.
فهي ليست سوى طالبة عادية، فلماذا عليها أن تتعلم كل هذا؟ لماذا؟
وفي اليوم السادس…
قال مرلين بابتسامة مشرقة: “اليوم… سنكتفي بقصة عن الفرسان.”
تنفست لين الصعداء بارتياح، وأخيراً لن تُصاب بأي كدمات اليوم. وكذلك آرثر وكاي بدت على وجهيهما الراحة… فقد نجا سمعهما!
بدأ مرلين يحكي:
“كان هناك فارس يُدعى غوين. وافق على الزواج من ساحرة قبيحة من أجل إنقاذ سيده. كانت مشوهة، أحدبَة، تتنفس برائحة كريهة، وتضحك ضحكات شاذة تثير الاشمئزاز.
في ليلة الزفاف، وبينما الجميع كان منزعجاً من مظهرها، أصرّ غوين على احترامها، وأتم مراسم الزواج بكل لباقة.
لكن في ليلة الدخلة، تحوّلت تلك الساحرة فجأة إلى فتاة فاتنة الجمال.
قالت له: (سأمنحك مكافأة على لطفك واحترامك، لكن لا يمكنني الاحتفاظ بهذا الجمال سوى نصف اليوم.
لديك الخيار: هل تريدني جميلة في النهار أم في الليل؟)”
سكت مرلين، ثم ابتسم وسألهم:
“لو كنتم مكانه، ماذا ستختارون؟”
قال كاي: “سأختار الليل. لتبقى في البيت بالنهار، وسأراها جميلة ليلاً.”
أما آرثر فأجاب ببرود: “النهار. وفي الليل سننام في غرف منفصلة.”
ثم التفت كاي إلى لين وقال: “وأنتِ؟”
هز آرثر كتفيه بازدراء: “لا أظن أن لهذه الحمقاء رأياً يستحق.”
قالت لين بخفوت: “لو كنت مكانه، لتركْتُ لها حرية الاختيار. إنها صاحبة القرار الحقيقي.”
نظر مرلين إليها بإعجاب خفي، وقال: “غوين قال الشيء نفسه، وردّت عليه الساحرة قائلة: (أنت أول من فهم ما تريده المرأة حقاً… أن تملك حريتها).
فكافأته بأن بقيت جميلة طوال الوقت.
ثم أضاف:
“الفارس الحقيقي لا يُعرف فقط بقوة سيفه، بل بشجاعته، ورقّته، واحترامه للنساء وكرامتهن.”
شعرت لين أخيراً بأنها حققت انتصاراً بسيطاً، لكنها سرعان ما تلقت سهماً بارداً من آرثر قال فيه:
“حمقاء مثلك لن تستطيع يوماً أن تسيطر على حياتها.”
…
بينما كانت تحدّق في ظهورهم المنصرفة، سمعَت مرلين يناديها:
“لين، هذا سلاح أقدّمه لك.”
وما إن انتهى من كلمته، حتى ظهرت في يده قوسٌ بديع.
كان مزيناً بأحجار زرقاء صغيرة على شكل أغصان نباتية متعرجة، يتلألأ في ضوء الشمس، يشع باللون الأزرق تتخلله لمسة من بياض فضي كضوء القمر، وكأنه سحر حي ينبض بين يديها.
سألت بدهشة: “هذا… لي أنا؟”
أومأ مرلين: “اسمه قوس القمر. يحتوي على طاقة القمر، وسيمثّل سلاحك الأقوى في المستقبل. لكن الآن ستستخدمين سهاماً عادية، لأنك تحتاجين إلى رفع مستواك. كلما ارتفع مستواك، ازدادت قوته. والسهم الحقيقي منه، سهم القمر، سيحوّل أعداءه إلى نجوم.”
ناولها القوس وقال: “أما السهم… فسأحتفظ به إلى أن تكوني جاهزة.”
همست بتردد: “أنا لا أصلح لهذا الدور. آرثر كان محقاً، أنا حمقاء… كيف سأساعده؟”
نظر إليها بلين، وقال: “ألم تجيبي على سؤالي قبل قليل ببراعة؟ صدقيني، أنتِ الأنسب للوقوف بجانب الملك القادم. لن أكون مخطئاً.”
ثم أردف بابتسامة خفيفة: “قريباً، سأبدأ تعليمك بعض السحر… لكنه سيكون سرّاً بيننا.”
…
بعد نصف شهر، عادت زوجة الكونت إلى القصر. كانت كما تخيّلتها لين: سيدة راقية، ناضجة، تفيض أناقة وحناناً.
أصبحت تُعلّمهم قواعد السلوك والأتيكيت والنبلاء. وبرغم لطفها، لم تتخلَّ لين عن رغبتها في العودة.
لكن أمرًا غريبًا بدأ يلفت نظرها: لم تضع الدجاجات في القصر أي بيضة طوال هذه المدة.
أمر غريب… وكأن لا أحد هنا يأكل البيض أصلاً!
مع ذلك، لم تكن لتغادر القصر وحدها، فهذا المكان لا تزال تجهله تماماً، وخوفها على سلامتها كان أكبر من فضولها.
“لين، هل تستمعين إلي؟”
سألتها الكونتيسة بنعومة. انتبهت على الفور، وهزت رأسها معتذرة.
بدأت الكونتيسة تشرح قواعد التحية بين النبلاء، بين الرجال والنساء، على الأرض أو على ظهور الخيل. بدت التعليمات معقدة ومتعبة.
قطع كاي الحديث بسؤال بريء: “أمي، وماذا لو كنا نرتدي دروعاً؟”
أجابته بلطف الأم الحنون، وأكملت الشرح بهدوء.
رفعت لين رأسها دون اهتمام، لكنها صُدمت حين رأت آرثر يحدّق في الكونتيسة بعينين يغمرهما الحزن…
حينها تذكّرت كلام مرلين:
أم آرثر ماتت باكراً. وهذه الكونتيسة شقيقة الملكة… ربما تشبهها؟ هل ذكّرته بأمه؟
…
حلّ الليل، وخيّم السكون على القصر. تساقط ضوء القمر بهدوء على الورود والسيوف، وكأن المكان كله جزء من حلم جميل.
ذهبت لين إلى الحديقة الخلفية، وهناك، تحت شجرة كرز، رأت آرثر يجلس وحده، صامتاً، يحدق في السماء.
اقتربت وجلست خلفه. وبعد صمت طويل، سألها فجأة:
“هل ما زلتِ ترغبين في العودة إلى منزلك؟”
أجابت بصدق: “نعم… أمي قد تكون مزعجة، لكنها أمي. لم أعلم كم أفتقدها حتى جئت إلى هنا.”
قال بهدوء: “حين أدركتُ أنا أيضاً كم أفتقد أمي، كانت قد ماتت.”
ثم تابع: “ولماذا لم تعودي؟”
أجابت دون تفكير: “لأنني لا أستطيع العودة إلا إذا أكملت مهمتي.”
رفع حاجبه باستغراب: “مهمتك؟ تلك التي قال مرلين إنك ستساعدينني فيها؟”
سكتت لحظة ثم قالت بصوت متهدج:
“أنا ضعيفة… جبانة… لا أواجه أحداً… لا أدافع عن أحد… بالكاد أتحمل نفسي. لطالما تهرّبت من كل شيء…”
ثم أضافت بسخرية: “لكن ما فائدة قول هذا لطفل مثلك… لن تفهم.”
ردّ سريعاً: “أنا لست طفلاً. لكن إن بقيتِ هكذا، فلن تستطيعي مرافقتي.”
ثم وقف وقال بصلابة: “انسَي فكرة العودة. من الآن فصاعداً، اعتمدي على نفسك فقط.”
ترددت ثم سألته: “ألا تشتاق لوالديك؟”
أدار وجهه، وابتسم ابتسامة حزينة:
“منذ اللحظة التي جئت فيها إلى هذا المكان، نسيت كل شيء عن الماضي.”
وقف تحت ضوء القمر، وكأن جسده الصغير
يشعّ مهابة لا تُوصَف، وصوته، رغم رقته، حمل عزماً لا يتزعزع:
“سأكون الملك الذي يهيمن على كل شيء… لذا، اجتهدي أنتِ أيضاً.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"