كان صياح الدجاج يعمّ المكان داخل الحظيرة؛ بعضها يغطّ في نوم متقطع، وبعضها يستعرض ريشه، وآخرون يتنازعون على الديدان، بينما تفوح في الهواء رائحة نفاذة من فضلات الدجاج الجافة. سارت بحذر شديد، تتحاشى الدوس على الأرض المتسخة، تمسك أنفها بإحدى يديها بينما تبحث بعينيها بتركيز عن البيض.
“هيه، ماذا تفعلين هنا؟” جاءها صوت آرثر من خلفها وهي منغمسة تمامًا في البحث.
“أبحث عن بيض…” ردت تلقائيًا.
“بيض؟” رفع آرثر حاجبه بدهشة. “الدجاج هنا، لسببٍ ما، لم يعد يبيض مؤخرًا.”
“حقًا؟” قالت بدهشة، ثم انزلقت قدمها فجأة وسقطت فوق كومة من التبن. حاولت النهوض مستندة إلى الأرض، فإذا بيدها تقع على شيء لزج… رفعتها لترى، فارتعش وجهها بقرف-يا للمصيبة، يبدو أن يومها منحوس بالكامل… لقد التصقت بفضلات الدجاج مرة أخرى.
مرّ بريق ساخر في عيني آرثر البنفسجيتين. “يقول ميرلين إنكِ ستكونين من يساعدني في المستقبل… من الصعب تصديق ذلك.”
فاض قلبها بالضيق. من الذي يريد البقاء في هذا العالم الغريب؟ لا كتب، لا تلفاز، لا حاسوب، حتى الطعام يجب أن يُؤكل باليدين! لقد جُرّت قسرًا إلى هذا المكان، وكل ما تريده الآن هو أن تعود… أن تعود إلى ديارها.
كلما فكرت، ازداد حزنها، واغرورقت عيناها بالدموع حتى أجهشت بالبكاء. تمتمت بصوتٍ مبحوح، “أريد أن أعود… أريد أبي وأمي… لا أريد البقاء في هذا المكان البائس…”
في زاوية ذلك الحظيرة الفوضوية، جلست فتاة صغيرة متسخة تبكي وسط القش وروث الدجاج. منظرها هذا دفع آرثر لأن يبتسم بامتعاض. لكنه حين سمعها تتوسل للعودة، ظهرت على وجهه لمحة حزن غامضة.
قال فجأة: “ما الجدوى من البكاء؟ أنا أيضًا أُرسلت إلى هنا من قبل والدي. كبرتِ الآن، هل تتوقعين البقاء دائمًا بجانب والديك؟”
لم ترد عليه، واستمرت في البكاء.
“ابكي كما تشائين إذن! لكن دعيني أخبرك، أنا لا أريد بجانبي جبانة كثيرة البكاء مثلك!” قالها بنبرة ضجر.
“هل حتى البكاء لم يعد مسموحًا لي؟…” تمتمت وسط شهقاتها.
“لا، طالما أنكِ هنا، فعليكِ أن تقبلي مصيرك. حتى وإن كنتِ فتاة، فعليكِ أن تكوني شجاعة.” قالها وهو يحمل ملامح لا تتناسب مع صغر سنه.
سكتت قليلًا، ثم رفعت رأسها هامسة: “أيها الفتى… هل لديك منديل؟”
قطّب حاجبيه وقال: “لا.”
“بخيل!” تمتمت، “لو لم أكن أنا… كنت ستظل قطعة من سكاكر الفاكهة…” ولم تكمل عبارتها، حتى انطلقت نحوها قطعة من القماش الأبيض المطرز بخيوط ذهبية، رماها آرثر وهو يصيح: “لا تذكري تلك الحادثة مجددًا!”
أمسكت بالمنديل ونظرت إلى ظهره وهو يبتعد، وشعرت أن حالتها المزاجية قد تحسنت قليلًا.
بعد قليل، وتحت إشراف إحدى الخادمات، أخذت لين لينغ حمامًا دافئًا وبدلت ثيابها إلى فستان ناعم من الكتان النظيف. رغم ذلك، لم تستطع نسيان رائحة الدجاج التي شعرت أنها ما زالت تلتصق بها. همّت بالكلام مع الخادمة، لكنها وجدتها تحدق بذهول نحو النافذة.
نظرت في نفس الاتجاه، فرأت ميرلين جالسًا على العشب مسترخيًا، وعيناه مغمضتان في استراحة هادئة. بدا وجهه مسالمًا كالزنبق النائم في ظهيرة صيف، وشعره الطويل الأزرق كالسماء يتراقص مع النسيم، وكأنه شعاع قمر متساقط. وحين فتح عينيه الزرقاوين، برق النور منهما، ولمّا غمز في اتجاه النافذة، كادت الخادمة تسقط أرضًا، وشعرت لين بدوارٍ طفيف.
تساءلت في سرها: [من يكون هذا الرجل الغامض المدعو ميرلين؟]
حل وقت العشاء سريعًا.
ورغم ان عشاء النبلاء في أوروبا كان من المناسبات الفاخرة، إلا أن مأكولات تلك العصور كانت محدودة. في ظل نقص التوابل، كانت أبرز النكهات تعتمد على الملفوف، البصل، الثوم، والكرفس. أما الوجبات فكانت بسيطة: بطاطا، خبز، لحم مشوي، لحم مملّح، وخضروات مثل السبانخ والخس.
ألقت لين لينغ نظرة حولها، الجميع يأكل في صمت، حتى ميرلين كان يأكل السبانخ وهو يبتسم. لكنها لم تستطع كبح استغرابها وهي ترى هذا الوسيم يأكل السبانخ بيده.
لابد لها ان تصنع زوجًا من العيدان قريبًا! أو شوكة على الأقل! لا يمكنها مواصلة الأكل بالأصابع كل يوم!
أخذت قطعة خبز وقضمتها، ثم انتبهت فجأة لوجود أذن خنزير وقطع من الأحشاء في قدر اللحم الكبير. اتضح لها أن الأوروبيين في القرون الوسطى لم يتركوا شيئًا من الحيوان دون أن يأكلوه!
أمسكت بسكين صغيرة وبدأت بتقطيع قطعة اللحم في صحنها، وتذكّرت ما حصل صباحًا، فكانت حذرة هذه المرة.
لكن هناك قطعة أذن خنزير استعصت عليها، كانت قاسية، فاضطرت لاستخدام القوة. وفجأة، انطلقت القطعة في الهواء بصوت “بيو”! ارتعبت، وتطلعت فورًا نحو آرثر… لا شيء على وجهه، تنفست الصعداء. لكن حين رفعت نظرها مجددًا، تجمّدت في مكانها.
لم تصب القطعة وجهه، لا، لكنها علقت على… رأسه! يا للهول!
ميرلين كان يبتسم بسخرية، وكاي لم يستطع تمالك نفسه من الضحك.
أما آرثر، فمسح يديه بهدوء، ومد يده إلى رأسه، وأزال قطعة أذن الخنزير دون أن يعلّق، ثم عاد لتناول طعامه.
“أنا آسفة… لم أكن أقصد…” تمتمت.
رمقها بنظرة باردة جعلت قلبها ينقبض. ثم قال: “إن تكرر هذا للمرة الثالثة… ستندمين.”
هي تعرف، تعرف جيدًا أنها تندم الآن، وتندم أكثر على لعبها لذلك اللعبة!
انتهى العشاء أخيرًا، فهربت من القاعة، متجهة إلى الحديقة الخلفية لالتقاط أنفاسها.
كانت الحديقة بسيطة، مرصوفة بالحجر الأبيض الناعم، ومزيّنة بأزهار من كل لون. تحت ضوء القمر، فاحت رائحة زهور التوليب والورد، وفي منتصفها شجرة كرز ضخمة لا تزال تحمل بعض الثمار القرمزية. النسيم الصيفي حرك أوراقها بلطف، فصدر منها خشخشة خفيفة.
مدّت يدها لتقطف إحدى الكرزات، لكن صوت فتى جاء من خلفها فجأة: “هذه الشجرة… زرعتها والدتي.
ارتبكت، واستدارت بسرعة، فوجدت كاي، الصبي ذو الشعر البني والعينين البندقيتين، واقفًا خلفها.
“آسفة، لم أكن أعلم…”
“لا بأس، إن أردتِ قطفها فافعلي.” قالها وهو يبتسم. ثم أضاف بفضول: “أنتِ تدعى لين، صحيح؟ شكلكِ مختلف تمامًا عنا. شعرك وعيناكِ سوداوان، أول مرة أرى أحدًا مثلك.”
رأت أنه لا يزال صغيرًا، أصغر من آرثر، وبدا أكثر لطفًا، فأجابت ببساطة: “أنا من دولة أخرى.”
“دولة أخرى؟” قال بدهشة. “هل تخبرينني عن بلدك؟”
“بالطبع…” جلست بجانبه تحت الشجرة وبدأت تحكي له ببساطة عن وطنها، لكنها ما لبثت أن سمعته يصدر شخيرًا خفيفًا…
يا للحرج، هل كانت قصتها مملة إلى هذا الحد؟
“حتى أنا شعرت بالنعاس.” جاءها صوت ساخر من خلف الشجرة.
شهقت، “متى أتيت؟”
“قبل أن تصلي أنتِ.” رد وهو لا يزال متكئًا على جذع الشجرة. ثم أضاف: “وطبعًا، مثلك لا ينتبه لأمور كهذه.”
“بالمناسبة، المنديل… غسلتُه لك وسأعيده.”
“ارميه،” قال بازدراء، “لا أستخدم شيئًا استعملته فتاة باكية مثلك.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"