هبّت نسمات الصباح بهدوء، وتسلّلت أشعة الضوء المتناثرة من بين شقوق الغيوم، فبدأ كل شيء في الغابة يتضح تدريجيًا. كانت أشعة الشمس الذهبية الفاتحة تتراقص بخفة حتى استقرت أخيرًا على قمم الأشجار العالية. أوراق الأشجار الكثيفة والخضراء لم تترك فراغًا، وكأن طبقاتها المتراكمة قادرة على تقطير العصير منها.
تغريد الطيور العذب بدأ يتردد في أرجاء الغابة، ناشرًا أجواءً من السكينة والطمأنينة.
عندما أيقظها ذيل “زهرة”، شعرت لين بالذعر حين تذكّرت أنها نامت بهذا الشكل الليلة الماضية، لكنها تنفّست الصعداء عندما رأت الاسد “زهرة” بخير قربها.
عجيب! هل يعني هذا أنه لم يكن هناك “أرواح شريرة” أمس؟ أم أن هذه الأرواح الشريرة لم تكن موجودة من الأساس؟ هل خدعها ميرلين؟
وهكذا، وبفضل الطعام الذي تركه ميرلين، مرّت الأيام الثلاثة دون أن تشعر، وخلال تلك الأيام، بدأت لين تشعر بأنها لم تعد تخاف “زهرة” كما كانت سابقًا.
“لو أنني صمدت ليلة واحدة أخرى فقط… سيكون الأمر بخير”، لم تجد إلا هذا العزاء لنفسها.
وعندما أقبل الليل، عادت الغابة إلى سكونها المعتاد. قبضت لين على مضرب الذباب بقوة، وأبقت تركيزها الكامل على مراقبة محيطها. من المؤكد أن تلك الأرواح الشريرة ستظهر هذه الليلة…
في تلك اللحظة، انبعث طنين غريب من مكان غير بعيد. ارتعبت لين وانكمشت باتجاه “زهرة”، فرأت سحابة سوداء تقترب منها ببطء…
حاولت أن تدفع نظارتها كعادتها، لكنها لم تجدها. عندها أدركت بدهشة أنها طوال هذا الوقت لم تكن ترتدي نظاراتها!
“هل هذا بسبب أنني داخل لعبة؟”
بدأ “زهرة” يشعر بالقلق، وراح يصدر أنينًا منخفضًا يدل على الخوف، ومع ازدياد الطنين وارتفاعه، استطاعت لين أن ترى أخيرًا أن ما يقترب ليس إلا سربًا هائلًا من الذباب!
“يا إلهي! هل هذه هي الأرواح الشريرة؟! لا عجب أن السلاح لمواجهتهم هو مضرب الذباب!”
شعرت لين بأن توترها بدأ يتلاشى. فالإنسان لا يخاف من شيء أضعف منه، أليس كذلك؟ أمسكت بالمضرب ونهضت، وهمّت بضرب أول ذبابة ضخمة اقتربت منها…
لكن فجأة، ضحكت الذبابة ضحكة شريرة وقالت: “هاهاها!” ثم رفعت رأسها، فإذا بها تملك وجه إنسان!
تجمدت لين في مكانها من شدة الرعب، وكأن روحها انفصلت عن جسدها، ورمت بالمضرب على الأرض وهربت دون تفكير.
لم تكد تخطو بضع خطوات حتى سمعت صرخة ألم تصدر من “زهرة”! توقفت فجأة، وتذكرت أن الأرواح الشريرة لا تهاجمها، بل تهاجم “زهرة” فقط!
استدارت ببطء، لترى جموع الأرواح الشريرة وهي تنهش جسد “زهرة” بأسنانها، حتى سالت الدماء من جسده…
راودها شعور بالذنب، “آسفة، زهرة… لكني… حقًا خائفة…”، كانت ساقاها ترتجفان، ولو تركت الأمور كما هي، فسوف يموت “زهرة” بين أنيابهم…
“ما العمل؟ ماذا أفعل الآن؟”
“حتى لو مات زهرة، فهو مجرد شخصية داخل اللعبة، أليس كذلك؟ لا بأس…”
لكن “زهرة” نظر نحوها فجأة، وأطلق صوتًا خافتًا وكأنه يستغيث بها…
“زهرة…” تنفست بعمق، ثم عضّت على شفتها، وفي لحظة عزيمة، اندفعت عائدة، واتجهت نحو المضرب، ولكن عند قبضته كان يقف روح شرير بوجه بشع!
ترددت للحظة، ثم أغمضت عينيها وخطفت المضرب بسرعة.
وما إن أمسكت به، حتى انقضّ ذلك الشرير عليها وعضّ إصبعها بقسوة!
“آه! مؤلم!”، عقدت حاجبيها من شدة الألم، لكنها لم تبكِ، لم يكن هناك وقت لذلك الآن. راحت تردد: “أضرب! أضرب! أضرب!” وتلوّح بالمضرب في كل اتجاه.
ويا للمفاجأة! كل من تلامسه ضربتها، يتساقط، وتنبعث من جسده أرقام متوهجة تطير نحو جسدها! وما هي إلا لحظات، حتى أدركت بقية الأرواح أن الخطر محدق، ففرّت في ذعر!
حين رأتهم يهربون، تنفّست الصعداء، وشعرت بأن جسدها ينهار من التعب، ثم وضعت يدها على جبينها فوجدته غارقًا في العرق البارد…
لقد تمكنت من هزيمة الأرواح الشريرة! لم تصدق نفسها!
قالت وهي تربت على رأس “زهرة”: “لا بأس، الأمر انتهى…”
فأخذ “زهرة” يلعق جرحها بلطف، وهو يصدر أنينًا ناعمًا.
رغم ألم الجرح في إصبعها، لكنها شعرت براحة غريبة تغمر قلبها. للمرة الأولى في حياتها… لم تهرب.
لكن… ربما تكون الأخيرة أيضًا.
إن تكرّر الأمر مجددًا، فهي لا تضمن أنها ستفعل الشيء ذاته مرة أخرى.
“مرة واحدة تكفي… فقط مرة واحدة…” تمتمت، ثم أغلقت عينيها، “آه… أشعر بالنعاس…”
وحين نظر إلى عينيها المليئتين بالنعاس، ابتسم ابتسامة أعمق وقال: “أحسنتِ، رغم أنكِ كنتِ أضعف مما توقعت.”
قالت وهي تهتف: “ميرلين!” ثم قفزت واقفة، “الآن وقد أنهيت مهمتي، هل يمكنك أخذي إلى الملك آرثر؟”
قال مبتسمًا وهو يشير إلى الأسد: “بالطبع، جئت لأخذك، ومن الآن فصاعدًا، هذا الأسد أصبح لكِ.”
“لي؟” تجمدت قليلًا، “أسد يمشي معي؟ ألن يكون هذا مبالغًا فيه؟”
ضحك ميرلين وقال وهو ينزع بعضًا من وبر الأسد: “لا تقلقي، لن يحتاج أن يرافقك، فقط رددي اسمه ثلاث مرات، وسيظهر أمامك.”
“حقًا؟” أخذت الشعرات ووضعتها في جيبها، ثم ربّتت على رأس الأسد، وقالت: “زهرة، من اليوم أصبحتُ سيدتك!”
تشنّج وجه ميرلين وقال: “ماذا أطلقتِ عليه؟”
قالت مبتسمة: “زهرة! هو يحب هذا الاسم!”
لم يرد، لكنه واصل التشنّج بصمت.
—
استمر تدفق أشعة الشمس الذهبية فوق الغابة، وزهت الأزهار البرية برائحتها الخفيفة، وغرّدت العصافير فوق الأغصان، بينما راقبتها السناجب بفضول من بين الأشجار.
مرت غزالة مرعوبة من خلف الشجيرات، واختفت بسرعة داخل عمق الغابة. امتد العشب إلى ما لا نهاية، مغطّيًا كل الغابة بلونها الأخضر المتماوج.
لو لم تكن لين داخل لعبة، لوقفت تتأمل هذا الجمال، لكنها لم تكن في مزاج لمراقبة الطيور أو الزهور.
“يجب أن أعود وأجد البيض… البيض!” فكّرت، ولم تكن تدري من قبل أن للبيض قيمة عاطفية كهذه…
قالت: “كيف سنتعامل مع الساحرة؟”
فابتسم ميرلين قائلاً: “ستعلمين عند وصولنا. الآن لا يزال الوقت مبكرًا، علينا الانتظار حتى المساء لنجد منزل الحلوى.”
“منزل الحلوى؟ هل الملك آرثر هناك؟” سألت بلا اهتمام.
لم يرد، بل اكتفى بابتسامة غامضة.
—
ومع اقتراب الغروب، ظهر أمامهم فجأة بحيرة خلابة، تطفو على سطحها زهور اللوتس، وأوراقها الخضراء العريضة تتلامس وتتباعد.
كانت البتلات البيضاء ناعمة كأنها حرير، وعبقها النقي يملأ المكان. تناثرت بتلات اللوتس على سطح البحيرة، ثم بدأت تغوص في الماء ببطء، مولدة دوامات من الحزن الرقيق.
وقف ميرلين يتأمل سطح البحيرة بصمت، وعلى وجهه نظرة عابرة من الحزن رصدتها لين رغم أنها لم تدم طويلًا.
قالت بتردد: “هل منزل الحلوى قريب من هنا؟”
أجاب مبتسمًا: “تابعي المشي، ستصلين إليه. إنه منزل مصنوع بالكامل من الحلوى، يخصّ الساحرة ‘لينا’. كل الحلوى هناك كانت في الأصل بشرًا، والملك آرثر قد تم تحويله إلى إحدى قطع الحلوى!”
“ماذا؟ الملك أيضًا تحول إلى قطعة حلوى؟! كيف سأعرفه؟!”
قال مبتسمًا: “هذا يعتمد عليك. لكن، كلما كان الشخص ذو مكانة عالية، كانت الحلوى ألذ، وستخبئها الساحرة في مكان خاص. يمكنكِ استنتاج الأمر.”
قالت بيأس: “هل يمكنني الانسحاب؟ أنا مجرد طالبة في الثانوية… لا أستطيع…”
نظر إليها ساخرًا: “حتى قبل أن تحاولي، قررتِ أنكِ لا تستطيعين؟ هل أنت هكذا في الواقع أيضًا؟”
أطرقت برأسها وقالت: “نعم… أنا هكذا، كالقوقعة، أهرب من أي صعوبة تواجهني.”
قال: “ومن أين لكِ المعرفة إن لم تحاولي؟ ألم تواجهي الأرواح الشريرة وحدك؟ ألم تنقذي… آآ… آآه…”
تلعثم عند نطق الاسم، لكنه لم يستطع قول “آه هوا” بصوت عالٍ.
أما لين، فقد تشتت أفكارها، لكنها لم ترَ أمامها سوى طريق واحد، أن تُنقذ الأمير وتتابع حتى تصل إلى قصر الكونت. ربما هناك تجد البيض وتعود إلى عالمها الحقيقي.
“وماذا تحب الساحرة من الحلوى؟” سألت ببطء.
أجابها بابتسامة: “فكّري بنوع حلوى، وسأحوله لك.”
فكّرت قليلاً، ثم خطرت لها حلوى كانت تحبها في طفولتها، وقالت:
“لنختر هذه!”
ثم أردف محذرًا: “تذكّري، أهم شيء: لا تأكلي أي قطعة من الحلوى هناك، حتى لقمة واحدة… وإلا ستتحولين أنتِ أيضًا إلى قطعة حلوى!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"