كان ذلك المتجر الغريب يقع في زقاق ضيق بجوار المدرسة، يكاد لا يُرى من فرط خفوته. واجهته قديمة جدًا، وبضائعه مكدّسة بطريقة فوضوية تجعل من الصعب التمييز بين ما يُباع وما يُنسى.
“أهذا هو المتجر المميز الذي تحدثتِ عنه؟” سألت لين بنبرة يملؤها خيبة الأمل.
أومأت قو تينغ بعينيها وهي تبتسم، “أجل، لكن يوجد هنا الكثير من الألعاب الممتعة. بالمناسبة، هل تستخدمين الحاسوب؟”
هزّت لين رأسها قائلة: “يُسمح لي باستخدامه فقط ساعة واحدة في عطلة نهاية الأسبوع، وخارج ذلك، فالأمر ممنوع تمامًا. لو علِم والداي أنني ألعب بالألعاب الإلكترونية، سينهالان عليّ باللوم.”
قالت قو تينغ وهي تمطّ شفتيها: “كم هذا قاسٍ… لكن بعض الألعاب مسلية للغاية، والتسلية من حين لآخر لا تضر!” ثم فجأة، انتزعت قرص لعبة من على أحد الرفوف وهتفت بحماس: “انظري! إنها ‘أسطورة الممالك الثلاث’، لطالما رغبت بتجربتها!”
لكن لين بدا عليها التوتر، فقفزت واقفة وقالت: “أعتقد أنني سأعود الآن.”
وفي تلك اللحظة، علِق حزام حقيبتها بأحد الرفوف، وما لبث أن سقط كل ما عليه من أقراص محدثًا جلبة مدوّية…
“آه… حظي العاثر يلاحقني أينما ذهبت!” تمتمت بيأس.
أسرعت قو تينغ قائلة: “آسفون أيها المدير، سنرتب كل شيء فورًا!” وجثت على الأرض تسحب معها لين لتجميع الأقراص المتناثرة قبل أن يغضب صاحب المتجر.
بعد أن أكملا الترتيب، كان الوقت قد تأخر. نظرت لين إلى هاتفها، لتكتشف أنه قد نفد شحنه تمامًا.
عندما وصلت أخيرًا إلى المنزل، استقبلتها رائحة العشاء الشهية، ولكنها لم تَسلم من التحقيق المنتظر:
“لماذا تأخرتِ في العودة؟ اتصلت بكِ ولم تُجيبي!”
“كنتُ فقط في المدرسة لبعض الوقت… والهاتف انطفأ فجأة، لم يكن به شحن.”
“يجب أن تعودي فور انتهاء الدوام، لا تظني أن الأمر بسيط. ألا تعلمين أن والدتك تقلق؟”
“علمتُ… لن أكرر ذلك. بالمناسبة، ماما، ما رأيك أن نذهب لرؤية أزهار الكرز هذا الأحد؟”
لكن والدتها قاطعتها بسرعة: “ألم أخبرك أنني حدّدت لك موعدًا مع مدرّس اللغة الإنجليزية؟ على فكرة، هل تعلمين أن ابنة خالتك قُبلت في جامعة L العريقة؟ وتلك الجامعة تُعد من بين الأفضل في البلاد! وابن عمك سافر مؤخرًا للدراسة في الخارج… لو بلغتِ نصف ما حققوه، سأكون ممتنة!”
شعرت لين بخيبة أمل تتسلل إلى قلبها. كأن والدتها شعرت بذلك، فقالت بنبرة فيها شيء من الحنان:
“إن تمكنتِ من دخول جامعة مرموقة، سأأخذك لأي مكان ترغبين به. هيا، كلي من السمك، فهو مفيد للذاكرة.”
“همم…” تمتمت وهي تتناول لقمة من طبق السمك الحلو والحامض، الطبق الذي كان يومًا ما مفضلًا لديها.
لكنها شعرت أن طعمه قد تغيّر… أو ربما، هي التي تغيّرت.
منذ متى أصبحت كل أحاديثهم تدور حول الدراسة، والجامعات، والمستقبل فقط؟
حتى كلبها الصغير المحبوب “زهرة”، كان قد أُرسل بعيدًا قبل انتقالها إلى المدرسة الجديدة…
رنّ الهاتف المنزلي فجأة، فنهضت والدتها لترد، وما إن استمعت لعدة كلمات حتى تغيّر وجهها:
“حسنًا، سأذهب فورًا.”
“ماما، ما الأمر؟” سألت لين.
“جدك… أُدخل المستشفى بسبب التهاب الزائدة الدودية. سأذهب لرؤيته الآن.” أجابت الأم بينما ترتدي معطفها.
“سأذهب معك!” قالت لين، تقفز من مكانها.
لكن والدتها منعتها: “لا، هذا أمر للكبار، ليس عليكِ التدخل. سأذهب بنفسي، وأنتِ ابقي هنا وراجعي دروسك، مفهوم؟”
“لكن جدي…” حاولت الاعتراض.
“انتهى الأمر. لا تلمسي الأطباق، واذهبي للنوم بعد الانتهاء من مراجعتك.”
أُغلِق الباب بقوة، وبقيت لين لينغ جالسة، ووجهها يحمل خليطًا من الحزن والحيرة.
“أمور الكبار لا تعنيني؟ لكن… أليس جدي من عائلتي أيضًا؟ أليس من حقي القلق عليه؟”
دخلت غرفتها، أشعلت مصباح المكتب الدافئ، وجلست أمام طاولتها. فتحت حقيبتها لتخرج واجباتها، وفجأة، شعرت بجسم صلب في الجيب الجانبي.
أخرجته، فإذا به قرص لعبة!
“متى… متى دخل إلى حقيبتي؟” تساءلت.
ثم تذكّرت سقوط الأقراص في المتجر… لعلّ أحدها انزلق دون أن تدري.
على الغلاف كان مكتوبًا: “أسطورة الملك آرثر”.
“يا له من اسم قديم الطراز!” تمتمت وهي تهم بوضعه جانبًا، لكن كلمات صغيرة على ظهر الغلاف جذبت انتباهها:
[هل سئمت حياتك العادية؟
إذًا، مرحبًا بك في عالم الملك آرثر الخيالي.
عِش كما تشاء، وكن من تريد، في عالم لا يخص أحدًا سواك…]
شعرت بشيء يتحرك في قلبها. ربما هذه اللعبة… ليست مملة كما تبدو.
وبما أن والدتها خرجت، فربما لا بأس بإلقاء نظرة فقط… مجرد نظرة.
تردّدت قليلًا، ثم ضغطت زر تشغيل الحاسوب.
ومن باب الحيطة، أغلقت باب غرفتها بالمفتاح، تحسبًا لعودة والدتها فجأة.
وضعت القرص في الجهاز، وما إن بدأ الدوران، حتى خفت ضوء الغرفة فجأة، وارتجفت الستائر في مهب ريح غريبة، شعرت بقشعريرة.
التعليقات لهذا الفصل " 3"