امتدّت الغابة على مدّ البصر، وأشجارها العملاقة تشابكت تيجانها العالية تحت السماء المرصّعة بالنجوم، تعبق الأجواء بنسيمٍ عليلٍ ذي رائحة حلوة. بحرٌ من الأوراق الخضراء التي أضاءتها الشمس نهارًا، صار الآن مغمورًا بلون أزرق داكن تحت ضوء القمر الصافي. العندليب يغني، وقطرات الندى تتساقط في مكانٍ ما على الحجارة المغطاة بالطحالب، فيتناغم صوتها مع همسات الرياح العابرة بين الأشجار، كأن الطبيعة بأكملها تغنّي نشيدًا سماويًّا لا يحتاج إلى كلمات.
وسط هذا المشهد الساحر، لم تكن مشاعر “لين” سوى القلق والاضطراب. لقد مضى على انطلاق رحلتهم أكثر من عشرة أيام، و”آرثر” لا يزال محافظًا على وجهه المتجهم، وكأن أحدًا مديون له بثروة طائلة.
كلما تذكرت كلماته القاسية في ذلك اليوم، شعرت بقشعريرة في فروة رأسها. والآن، بعد أن حلّ الظلام تمامًا، بدأ الخوف يتسلل إلى قلبها من أن يتركها وحدها وسط هذه الغابة.
اقتربت منه ممتطية فرسها، وابتسمت ابتسامة متودّدة، وقالت:
“آرثر، لقد تأخر الوقت، ألا يجب أن نبحث عن مكانٍ للراحة؟”
أجابها بنبرةٍ باردة وهو يرمقها بنظرة جانبية:
“تريدين الراحة؟ حسنًا، ارتاحي هنا كما تشائين، أما أنا فسأكمل الطريق.”
“آه! لا، لا بأس، أنا أيضًا لن أرتاح!” قالتها وقد أصابها الهلع، وحثّت فرسها للحاق به بعد أن بدأ يسرّع وتيرته.
وفجأة، بدأت زخّات المطر تنهمر. شعرت “لين” بالبرد والجوع يتسللان إليها، وتمنت لو تجد منزلًا تستريح فيه. وبينما كانت تمضي قدمًا، لاح برق من الضوء بين أغصان الأشجار الكثيفة. حدّقت في الاتجاه بلهفة، ثم صاحت بفرح:
“آرثر، انظر! هناك منزل، يبدو أن فيه أحد!”
رفع “آرثر” رأسه ليرى بالفعل منزلًا حجريًّا يتوهج منه نورٌ دافئ.
قالت “لين” برجاء:
“لم لا نطلب المبيت فيه الليلة؟ أرجوك…”
“آرثر” جذب لجام فرسه، وتقدّم بضع خطوات، ثم استدار وقال:
“أيتها الغبية، هل تنتظرين دعوة؟ أسرعي.”
أجابت بحماس، وسرعان ما لحقت به.
كان المنزل الحجري مغطّىً بالطحالب ذات اللون الداكن، حتى الباب الخشبي لم يسلم منها. وتحت ضوء القمر، بدا المنزل وكأنه يشعّ بضوءٍ أخضر غريب.
تمتم “آرثر” وهو يلمس الطحالب على الباب:
“هذا البيت يبدو مريبًا.”
ردّت “لين” بضيق:
“ما المريب فيه؟ أم أنك خائف من الدخول؟”
“سخافة! أنا لا أخاف.” قالها ثم طرق الباب.
صدر صوت صرير، وفُتح الباب، لتطلّ منه امرأة شابة…
وكانت… جميلة للغاية.
ترجّل “آرثر” عن فرسه، وأدى التحية النبيلة قائلًا:
“سيدتي، نعتذر لإزعاجكم. نحن مسافرون غرباء، هل يمكننا المبيت هنا هذه الليلة؟”
بدت متفاجئة، وقد نظرت إلى سيفه المعلّق ثم إلى قوس “لين”، قبل أن تبتسم بلطف وتقول:
“إذا لم تمانعا من بساطة المكان، فتفضّلا بالدخول.”
دخل الاثنان، ليكتشفا أن الداخل أكثر بساطة مما توقعا. تجهم “آرثر” قليلًا، أما “لين” فقد شمّت رائحة غريبة في الجو، وأحسّت بعدم ارتياح غامض في المكان.
سرعان ما أحضرت لهما المرأة شوربة البازلاء الساخنة والخبز، وقالت برقة:
“يا له من شقاء… لا بد أنكما جائعان. تناولا بعض الطعام أولًا.”
شكرتها “لين” ثم بدأت بالأكل بنهم، غير مبالية بالأناقة، على عكس “آرثر” الذي ظلّ يأكل برقيٍّ يثير الغيظ، حتى تمنّت لو تحبسه وتتركه جائعًا عدة أيام لترى إن كان سيحافظ على أناقته تلك.
وبعد أن أنهيا طعامهما، لمحت المرأة تعبيرًا معقدًا على وجهها، وقالت بتردّد:
“إن انتهيتما من الأكل، أرجو أن تغادرا الآن.”
“لين” فوجئت، وكادت تختنق بقطعة الخبز في فمها. لماذا تطردهما الآن بعد أن رحّبت بهما؟
أما “آرثر” فنهض فورًا، وقال بهدوء:
“شكرًا على كرمك، لن نُطيل البقاء.”
اعتذرت المرأة بأسى:
“أعلم أن هذا تصرّف غير لائق، لكن لا يمكنني إبقاءكما هنا، الطعام سيساعدكما على استعادة بعض الطاقة، أرجوكما، غادرا بأسرع وقت… كلما ابتعدتما، كان أفضل.”
وقبل أن يُعلّقا، سُمِع صوت خطوات ثقيلة خارج الباب، اهتزّت معها جدران البيت. شحب وجه المرأة وقالت بذعر:
“سيء جدًا… لقد عاد… وكان من المفترض أن يعود غدًا!”
شعرت “لين” برعبٍ اجتاح قلبها. من يمكنه إصدار هذه الخطوات المرعبة؟ لا يبدو بشرًا على الإطلاق.
“آرثر” بدا أكثر تيقظًا، ووضع يده على سيفه.
قالت المرأة وهي تفتح فتحة خشبية في الأرض:
“لا، لن تقدروا عليه، اختبئوا في هذا القبو فورًا، وتذكّروا… مهما حدث، لا تخرجوا، ولا تصدروا صوتًا… هل فهمتم؟”
“لين” نظرت إليه مذهولة، همست:
“زوجها؟! أهذا الوحش هو زوجها؟!”
قال “آرثر” بهدوء:
“إلى الأسفل.” ثم أمسك بها وقفز بها إلى القبو، وأغلقت المرأة الفتحة بسرعة.
لم يكن القبو سوى مساحة ضيقة ممتلئة بالبطاطا، بالكاد تكفيهما، فاضطرا للجلوس متلاصقين.
“آرثر…” قالتها بصوتٍ مرتجف.
أجابها:
“لا تخافي.” ووضع يده على يدها، لينتشر دفء طمأنينته في جسدها كله.
فجأة، سُمِع صوت فتح الباب، تلاه وقع الخطوات الثقيلة، وصوتٌ أجشّ كالرعد:
“آنا! أعدّي لي العشاء!”
ثم، صوت ارتطام شيء فوق رأسيهما مباشرة. انبعثت رائحة دماء نفّاذة، وشعرت “لين” بسائل دافئ يقطر على وجهها. لمست السائل، فوجدته لزجًا… ثم شمّت رائحته… دمٌ بشري!
صرخ الوحش قائلًا:
“آنا! أشمّ رائحة بشر في الغرفة! إن وجدته، سأمزقه وألتهمه!”
ردّت المرأة بسرعة:
“حبيبي، لا يوجد أحد، لعلّها رائحة جثة الطفل الذي أحضرته معك!”
“حسنًا، حسنًا، حضّري الطعام بسرعة، لديّ أمر سأخرج من أجله لاحقًا!” صاح وهو يتأفف.
“حسنًا، سأذهب الآن.” ردّت المرأة، ويبدو أنها كانت تجرّ شيئًا عن الأرض.
تجمد الدم في عروق “لين”. ما فوق رأسيهما كان… جثة طفل.
وجبة عشاء هذا الوحش.
بدأت ترتجف بشدة، لم تعش لحظةً بهذا الرعب من قبل. لو عرفت أن هذه الليلة ستكون بهذه البشاعة، لما فكرت حتى في المبيت هنا!
شعر “آرثر” برعبها، فشدّ على يدها أكثر. لم تكن ترى ملامحه، لكنّها أحسّت بدفء عزيمته، وكأنّه ينقل إليها الشجاعة والصمود من خلال كفّيه.
وبشكلٍ غريب، بدأ رعبها يهدأ.
تبددت وحشة الظلام من حولها.
ربما… لا بأس أن يمر الإنسان ببعض الظلمة أحيانًا.
لأن الشجاعة التي تصقلها تلك اللحظات… والتقارب الذي تخلقه…
أكثر دفئًا حتى من أعذب النور.
كان دفء أنفاسه يلامس أذنها.
لم تفكّر في شيء، لم تقل شيئًا، لم تخشَ شيئًا.
كل ما شعرت به… نبض قلبها ونبض قلبه، وهما ينبضان معًا… بلطفٍ وهدوء.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات