كانت تتشبث بأمل ضئيل حين نظرت إلى ملابسها القديمة، لكنها سرعان ما خابت آمالها حين تبيّن لها أن الملابس كلها قد ألقتها في الحوض، ما يعني أنها لا تملك سوى هذه المنشفة لتستر بها جسدها.
“ماذا أفعل الآن…”، تمتمت بيأس وهي تلقي نظرة إلى الباب. لقد أمرت جميع الخدم بالمغادرة، والآن وجدت نفسها في ورطة حقيقية. هل ستضطر للبقاء في هذا الحوض طوال الليل؟
قد تتحول إلى مخلل فعلًا…
أو ربما ترتدي تلك الملابس المبللة مجددًا؟ على الأقل، أفضل من البقاء عارية تمامًا، أليس كذلك؟
وفي خضم حيرتها، دوى وقع خطوات قادم من خارج الباب. أحدهم يقترب! هل يمكن أن يكون أحد الخدم؟ من صوت الخطوات، يبدو أنه رجل. ارتفع الأمل في قلبها، لم تعد تهمها هويته، خادمًا كان أو خادمة، المهم أن يحضر لها ملابس نظيفة!
صرخت مستنجدة: “هل هذا ريك أم شاتسي بالخارج؟ من فضلك، أحضر لي ملابس بديلة!”
ساد صمت مفاجئ خلف الباب، ثم بدأ الصوت يبتعد تدريجيًا…
لكن ما لبثت أن دخلت الخادمة “آيشا” مسرعة حاملة كومة من الملابس. في نظر لين، بدت آيشا في تلك اللحظة كملاك نزل من السماء…
قالت والدموع تكاد تنهمر من عينيها: “آيشا، لقد جئتِ في الوقت المناسب تمامًا!”
ابتسمت آيشا برقة وهي تضع الملابس جانبًا، وقالت: “آنستي، هذه ملابسكِ النظيفة. سأخرج الآن.”
أومأت لين سريعًا، ثم تساءلت قبل أن تخرج الخادمة: “آيشا، كيف علمتِ أنني لم أحضر ملابس بديلة؟”
ضحكت آيشا بلطف: “لم أعلم، لكن سمو الأمير آرثر هو من طلب مني إحضارها.”
“آرثر؟” احمر وجه لين خجلًا، لم تتخيل أبدًا أن من كان خلف الباب هو… آرثر!
لم تكن تتوقع أن يمتلك هذا المتعجرف ذرة رحمة، بل كانت تظنه سيطنش كعادته، لكنه… فاجأها.
ارتدت الملابس بسرعة. كانت من الفلانيل الناعم، لامس جلدها بلطف دافئ كنسيم الربيع.
حتى قلبها، غمرته حرارة لطيفة لا تعرف لها اسمًا…
**
حل صباحٌ جديد.
تسللت أشعة الشمس الذهبية من بين ستائر النوافذ، معلقة في الهواء جزيئات غبار تسبح بكسل في خيوط الضوء. نهضت لين ببطء من فراشها، دافئة السجادة الصوفية تحت قدميها كانت تبعث في نفسها راحة لطيفة. تمددت كقطة، ثم توجهت نحو النافذة. النسيم يحرك الستائر البيضاء المطرزة بدقة، ويلامس كاحليها بنعومة.
من نافذتها، كان بإمكانها رؤية المبنى الرئيسي للقلعة والجانب الغربي منها. تمتد أمامها حديقة خضراء مقسمة بأحجار مرصوفة إلى أشكال هندسية أنيقة، حيث كانت الخادمات ينظفن الطرقات ويرششن الماء على الأعشاب.
غير بعيد، يحيط الشجر بشاطئ البحيرة. أوراق الأغصان تتدلى برقة، والزهور تتفتح بألوان زاهية. وفي وسط تلك الصورة، كانت تسبح بجمالٍ آسر بضع بجعات سوداء، إحدى رموز القصر المميزة. مناقيرها الحمراء، وريشها اللامع، وأعناقها الطويلة المنحنية تمنحها جاذبية بدائية وسحرًا نادرًا.
كان صباحًا هادئًا وجميلاً بكل معنى الكلمة.
بدّلت لين ملابسها ونزلت إلى الطابق السفلي لتغسل وجهها وتفرش أسنانها. كان الأوروبيون في تلك الحقبة يستخدمون مزيجًا من الفحم الرمادي والعسل كمعجون للأسنان، ما أذهلها حين رأته لأول مرة.
“فحم مع عسل؟ هل يمكن لهذا الشيء أن ينظف الأسنان؟” فكّرت بدهشة.
ثم تمتمت لنفسها: “لو استخدموا الملح بدلًا من العسل لكان أفضل. على الأقل أجدادنا كانوا يستخدمونه بفعالية!”
أحيانًا، تشك في أن أسنان آرثر ورفاقه ستسقط عاجلاً أم آجلاً…
بعد أن أنهت استعداداتها، جلست إلى مائدة الفطور كالمعتاد.
ابتسم “كاي” عندما رآها وجذبها للجلوس بجانبه، قائلاً بلهفة: “لين! لماذا غادرتِ دون أن تخبرينا؟ لا تكرريها مرة أخرى!”
أجابت بابتسامة محرجة: “لكنني عدت، أليس كذلك؟” ثم نظرت خلسة إلى آرثر الجالس أمامها. بدا وكأنه لا يراها، غارقًا في شرب كوب الحليب بكل أناقة.
تأملت هيئته بإعجاب. حتى طريقة شربه للحليب فيها رقيّ لا يُصدّق.
ولكن فجأة، رفع رأسه ونظر إليها بابتسامة ساخرة تحمل تلميحًا لما جرى في الليلة السابقة.
أسرعت في خفض رأسها، شعرت بإحراج شديد، فقد كان نسيانها للملابس في الحمام فضيحة لا تُغتفر، والأسوأ أن آرثر قد اكتشفها…
قطع الصمت صوت “ميرلين”:
“آرثر، بعد أيام قليلة ستنطلقون، أليس كذلك؟”
قطّب آرثر حاجبيه: “أستاذ، هل من الضروري أن نأخذها معنا؟”
ابتسم ميرلين وقال بثقة: “بالطبع، ستساعدكم كثيرًا.”
زمّ آرثر شفتيه وردّ بجفاء: “تساعد؟ هذه الغبية لا تجلب سوى المتاعب!”
نظرت إليه لين بحدة، وعضّت رغيف الخبز الذي في يدها بعصبية. وفجأة، شعرت بشيء صلب بين أسنانها، فتأوهت واضعة يدها على فمها: “آخ! في… في الخبز حجر!”
تفحصت الكونتيسة القطعة المحشورة في الخبز وهمست بدهشة: “يا إلهي، إنه قرطي!”
نظر كاي إليها بشفقة: “لين، من بين كل الأرغفة، كان لا بد أن تأكلي هذا؟! غريب…”
لكن لين لم تكن تراه غريبًا أبدًا، فهي تعرف جيدًا أنها أكثر الناس نحسًا على الإطلاق.
وفجأة، حدث ما لم تتوقعه…
ناولها آرثر كوبًا من الحليب وقال بجفاء: “اشربي هذا. حتى الخبز لا تعرفين كيف تأكلينه… يا للغرابة!”
تجمدت لين في مكانها. هل تحلم؟ هل آرثر… يشعر بالشفقة عليها؟
أخذت الكوب، تغمرها مشاعر دافئة لم تعهدها. مع أنه لا يزال فظًّا في حديثه، إلا أن هذا التصرف منه غير مسبوق…
كادت تجهش بالبكاء من التأثر.
لكنه زمجر: “هل ستشربين أم لا؟”
“نعم! حالاً!” أجابت ورفعت الكوب بشغف، وسرعان ما شربت منه جرعة كبيرة… لكنها لم تلبث أن بصقتها كلّها!
قال آرثر بانزعاج: “يا للغباء! حتى الحليب لا تعرفين كيف تشربينه؟!”
صرخت لين غاضبة: “آرثر! لماذا وضعت كل هذا الملح في الحليب؟!”
تجمد لوهلة ثم شرب من الكوب هو الآخر، وعبس فجأة. “ملح؟” تمتم متفاجئًا، “لكنني… كنت متأكدًا أنني وضعت السكر…”
جال بنظره على الطاولة، واكتشف الخطأ بسرعة. لقد خلط بين علبة السكر وعلبة الملح!
لكنه بالطبع لم يعترف بخطئه، بل زمجر ببرود: “وما المشكلة؟”
نظرت إليه لين بغيظ، لقد ظنته يشعر بالرحمة، لكنه كان… ينتقم منها!
“بسيطة!” قالت وهي تنهض، ثم أخذت الكوب وسارت نحوه، وفي لحظة، سكبت محتواه كله فوق رأسه أمام أنظار الجميع!
“هكذا يفعلون في المسلسلات! ليتعلم أن الطيبين لا يُستهان بهم!”
تجمّدت الأجواء، تبادل الكونت والكونتيسة النظرات بدهشة، وارتسمت على شفتي ميرلين ابتسامة خفية. أما كاي، فكان ينظر بذهول إلى الحليب الأبيض وهو يتسلل من رأس آرثر حتى رقبته…
لكن آرثر نفسه، المبلل بالحليب، بقي هادئًا بصورة مرعبة. التقط منشفة، مسح بها وجهه بهدوء، ثم حدّق في لين بعينين تشتعلان غضبًا وابتسم بوحشية:
“غبية! في هذه الرحلة، سأهتم بك جيدًا…”
كان في نبرة صوته من التهديد ما جعل قلبها يرتجف.
فهمت حينها حقيقة بسيطة:
الاندفاع اللحظي… قد يقود إلى الهلاك.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 25"