هبّت نسمة لطيفة، تحمل معها نكهة الأشجار الخضراء المميزة وعطر الزهور التي تنمو في المروج، داعبت وجهها برقة. وكانت أشعة الشمس الخافتة تتسلل برقة إلى كل مكان، ناشرة دفئها وكسلها الجميل على الطبيعة. في مثل هذا الطقس، لا يوجد شيء أنسب من… النوم.
لكن بالنسبة للين، بدا أن هذا الجو لا يناسبها أبداً. فمنذ أن استعادت وعيها، وزاوية فمها لا تكف عن الارتجاف، وفي قلبها لا يتوقف سيل التذمر: لماذا لم أستيقظ في قلعة الكونت آيكرون هذه المرة؟ لماذا رُميتُ في هذا المكان البائس؟!
في المرة السابقة، أعيدت إلى القلعة على متن عربة. فهل يُعقل أنها هذه المرة ستضطر للمشي على قدميها طوال الطريق؟ لمجرد تخيل الأمر، شعرت بأن ساقيها قد خانتها.
وفي خضم حيرتها، دوّى في الأفق صوت حوافر خيل مسرعة، تعقبه هبة ريح قوية حملت معها أوراق الأشجار المتساقطة، فتحولت تلك الرقعة الهادئة من الغابة إلى عالم من الأوراق الراقصة، الذهبية منها والخضراء الزاهية، تعجّ بالأصوات: صهيل الخيول، صرخات الطُلبة، وصوت الأجنحة المرتجفة للطيور المفزوعة… وكأن هذه الغابة المسالمة قد تحولت إلى سوق ضاج.
ولم تكد تستوعب ما يجري حتى لاح أمامها شبح فارس يمتطي جواده واقترب منها بسرعة مذهلة، ثم توقف فجأة، وصوته الجهوري يصمّ آذانها:
“من أنتِ؟! كيف تجرؤين على إزعاج الماركيز أثناء الصيد؟!”
رفعت لين بصرها لتواجه هذا الرجل الغاضب، وفركت أذنها المتألمة، أرجوك، كيف لي أن أعرف أن الماركيز كان يصطاد هنا؟!
ومن خلف ذلك الرجل، جاء صوت آخر هادئ ونبرته كسولة بعض الشيء، كنسيم ربيعي يتسلل من بين الأزهار:
“ماثيو، كم مرة قلت لك؟ كن رقيقًا عندما تتحدث مع الفتيات.”
أجاب الرجل المدعو ماثيو بطاعة، وتراجع إلى الجانب.
رفعت لين بفضول نظرها نحو مصدر الصوت، لتقع عيناها على شاب يمتطي جواده بوسامة لا توصف. ملابسه الراقية المصممة خصيصًا له أظهرت تناسق جسده الطويل والممشوق، وشعره الكستنائي الذهبي بدا متموجًا بشكل فوضوي ساحر، وعيناه الخضراوان اللامعتان كالمياه النقية. وكانت ابتسامته الساحرة، تلك الانحناءة الدقيقة على شفتيه، تُشع دفئًا كأشعة الشمس.
كانت هذه المرة الأولى التي ترى فيها رجلاً جميلاً إلى هذه الدرجة.
ولما وقعت عيناه عليها، لمع في نظراته بريق غريب، كما لو أنه… عثر على فريسة غير متوقعة.
قال بلطف، وابتسامته تتسع برقة:
“ما الذي تفعلينه وحدك في الغابة؟ هل ضللتِ الطريق؟”
أومأت لين برأسها، تنفست بارتياح. يبدو أن هذا الماركيز طيب القلب، ولم يشك بها أو يظن أنها جاسوسة مثلاً.
قال بنبرة ناعمة:
“بما أنكِ ضللتِ الطريق، اسمحي لي أن أوصلك.”
لم تصدق ما تسمعه. هل يعقل أن الحظ ابتسم لي أخيرًا؟! هذا الماركيز ليس فقط جميل الشكل، بل يبدو أنه يملك قلب ملاك أيضًا!
قالت وهي ممتنة:
“شكرًا… شكرًا جزيلاً…”
لكنها لم تلاحظ تلك النظرة الغريبة التي مرّت في عينيه، نظرة لم تدم سوى لحظة.
رغم شعورها ببعض التوتر لمشاركة الحصان معه، إلا أنها لم تجد خيارًا آخر، فبعد كل شيء، هي بحاجة للمساعدة… ناهيك عن أن من يساعدها هو رجل وسيم للغاية.
أوراق الخريف بدأت تتساقط من الأشجار برقة، تتمايل في الهواء وتنساب كأنها ترقص، فيما بعضها تعلق بشعرهما أو ملابسهما.
قال الماركيز وهو يزيل ورقة من شعرها، بنبرة متأنية:
“من ملامحك، يبدو أنكِ لستِ من هنا… شعرك الأسود، وعيناك السوداوان… مميزتان للغاية.”
فأجابته ببساطة:
“أنا من دولة شرقية… وأعيش حاليًا في قلعة الكونت آيكرون.”
ردد بصوت منخفض:
“الكونت آيكرون…”
ثم لوّح بسوطه فجأة وانطلق بجواده بسرعة.
مضى الوقت، وتغير لون السماء من الأزرق إلى الرمادي، وتحولت السحب البيضاء إلى زرقة باهتة، فيما بقيت شمس الغروب تحمرّ عند الأفق.
وفي اللحظة التي كادت تغفو فيها لين، ظهر فجأة حصان آخر، قاطعًا الطريق أمامهم مباشرة، مما أربك جواد الماركيز وجعله يصهل ويقف فجأة.
ارتجفت لين من المفاجأة، ولم ترَ سوى خيط من الضوء يمر أمام عينيها، وبين الضوء… ظهر شاب بوسامة لا توصف.
تحت وهج الغروب، كان شعره الذهبي يتطاير بأناقة، وبشرته البيضاء تشعّ نورًا، لدرجة أنها شعرت للحظة بأنه سيندمج مع أشعة الشمس في الأفق.
فتحت فمها لتقول شيئًا، لكنها لم تستطع النطق… آرثر…؟ كيف وصل إلى هنا؟!
ولما وقعت عينا آرثر عليها، لمع في عينيه شيء غير مفهوم، ثم نظر مباشرة إلى الماركيز وقال ببرود:
“إلى أين تنوي أخذها، سيدي الماركيز؟”
قالت لين بسرعة:
“السيد الماركيز كان فقط ينوي إيصالي إلى…”
لكن نظرة آرثر الحادة أخافتها، فتوقفت عن الكلام.
قال آرثر بنبرة باردة:
“سأتولى الأمر من هنا. وأشكرك على… مساعدتك.”
ثم رمقها بنظرة جانبية وأضاف:
“أيتها المرأة الحمقاء، إلى ماذا تنتظرين؟ تعالي الآن.”
ابتسم الماركيز ابتسامة ساحرة وقال بنبرة ساخرة:
“آه، كم أنت مزعج، يا صاحب السمو. لقد خسرت بفضلك واحدة من مجموعتي الثمينة.”
تجمدت لين في مكانها:
“مجموعة…؟ أي مجموعة؟”
رد الماركيز وهو يمرر يده على شعرها برقة مريبة:
“أنا أحب جمع الفتيات ذوات الشعر والعينين من الألوان المختلفة. لو كنتِ انضممتِ لي، لبلغتُ الفتاة رقم مئة…”
تخيلت لين فجأة عشرات الجثث المجففة مصطفة في قبو مظلم، فقفزت من على ظهر الحصان بسرعة الضوء، وركضت لتختبئ خلف آرثر.
قال الماركيز وهو يبتسم بسحر قاتل:
“اطمئني، أنا لا أقتل مجموعتي… أفضل أن تبقى حية.”
لكن ابتسامته بدت لها الآن أكثر رعبًا من أي شيء آخر، وقبل أن يغادر، قال:
“لو صرتِ جزءًا من مجموعتي، سأحقق لكِ كل ما تتمنين… فكري بالأمر جيدًا.”
رفعت لين حاجبيها وقالت بتحدٍّ خافت، بما أن آرثر بجوارها:
“أي شيء؟ كل ما أتمناه؟”
“طبعًا.” قالها بثقة لا تهتز.
“إذن، أريد تلفازًا، وهاتفًا محمولًا، وMP4، وآخر إصدار من دراما المؤدين الصوتيين، وبي إم دبليو، ومرسيدس… عندك؟”
تجمّد الماركيز في مكانه:
“ما هذه الأشياء؟!”
“كلها أشياء أريدها.” أجابت.
“لم أسمع بها من قبل…” تمتم وهو يمسح العرق عن جبينه.
“وما دام ليس عندك ولا واحدة منها، فكيف تجرؤ على القول بأنك ستحقق كل أمنيتي؟”
“……” استمر الماركيز في التعرق.
“عد إليّ عندما تحصل عليها، وقتها سأفكر في عرضك.”
“……” وفي لحظة، اختفى الماركيز مثل ومضة.
نظرت لين إلى ظهره وهو يهرب، وضحكت في سرّها. لم تكن تتوقع أنها ستنجح في التحدث بهذه اللباقة!
لكن سرعان ما تجمدت ابتسامتها.
يا إلهي… كادت تنسى…
ما زال هناك شخص خلفها…
استدارت ببطء، لتواجه وجه آرثر الذي لم يكن يحمل ذرة ودّ.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 23"