في صباح ممطر، ظلت أكاديمية “وان يه” هادئة كعادتها. كانت قطرات المطر اللامعة، أشبه بالفضة، تنساب من فوق أسطح مباني المدرسة، بينما تنعّمت أوراق النباتات المتفتحة تحت زخات المطر التي غسلتها وأضفت عليها بريقًا نديًا. حتى أزهار الأزالية التي كانت في أوج تفتحها، غرقت بالكامل تقريبًا في الماء، أما براعم العشب الصغيرة فقد بالكاد أخرجت رؤوسها، لتُبتلّ على الفور.
أولى الحصص اليوم كانت حصة اللغة الإنجليزية، وهي الحصة التي تكرهها “لين” أكثر من أي شيء. كانت تسند ذقنها بكفها وتنظر إلى الكتاب بشرود. لقد مرّ شهر على عودتها، ومنذ ذلك الحين، وهي تعيش في حالة من الحذر الشديد غير المسبوق. كل ما له علاقة بالبيض كانت تتجنبه تمامًا. وإن استمرت على هذا المنوال، فستصبح مثل “آرثر”، تصاب بنوبة جنون عند سماع كلمة “بيض”.
وفور أن خطرت صورة آرثر في بالها، لم تستطع أن تمنع نفسها من تذكّر عينيه البنفسجيتين المشتعلتين بالغضب، فخالجها شعور غريب يصعب وصفه. رغم أنها لم ترتكب أي خطأ، إلا أنها كانت تشعر دائمًا بأنها مدينة له بشيء ما… سرعان ما ذكّرت نفسها مجددًا بأن هذا كله مجرد لعبة، وأن لا شيء فيها حقيقي مهما كانت النتيجة.
ميرلين، آرثر، كاي، والكونت… كلهم… مجرد أوهام…
“حسنًا، من يترجم هذه الجملة الإنجليزية البسيطة؟” جاء صوت معلمة اللغة الإنجليزية ليوقظها من شرودها، فرفعت رأسها لترى جميع الطلاب في الصف قد رفعوا أيديهم.
تبًا، لم تسمع حتى ما قالته المعلمة! لكن بما أن الجميع رفعوا أيديهم، لن يكون من الجيد أن تبقى الوحيدة التي لم تفعل. ربما تختار المعلمة شخصًا آخر على أية حال.
فرفعت يدها ببطء، محاوِلة الاندماج مع البقية.
“حسنًا، يا لين، أنتِ من ستجيبين!” قالت المعلمة بابتسامة راضية، فهذه الطالبة الجديدة الشجاعة التي ترفع يدها لأول مرة لا بد أن تحصل على الفرصة.
تشنّجت عضلات وجه لين للحظة… كيف نسيت أنها دائمًا ما تكون من أصحاب الحظ السيئ؟ لقد وقعت في ورطة الآن، فهي لم تسمع حتى ما هو السؤال!
“أمم…” وقفت ببطء، مترددة، تهمهم بكلمات غير مفهومة. وبينما كانت تحاول التفكير في شيء تقوله، لمحت زميلتها “غو تينغ” في الصف الأمامي تكتب شيئًا بسرعة على دفترها، ثم رفعته عاليًا لتقرأه.
غو تينغ، أنتِ ملاك! كانت لين على وشك أن تعانقها من شدة امتنانها. لكن ما كتبته بدا غريبًا قليلًا… لا بأس، لا وقت للتفكير.
قالت بصوت عالٍ: “هذا… زوج مَن؟”
وفور أن أنهت عبارتها، ظهرت عَضلة على جبين المعلمة من شدة الصدمة، وساد صمت تام قبل أن ينفجر الفصل كله ضاحكًا.
“يا لين، جملة Who is this man? تعني: من هذا الرجل؟ وليس: هذا زوج مَن؟ فهمتِ؟”
تنهدت المعلمة وهي تمسح عرقها البارد.
آه… أقسمت أنها سمعت صوت غراب يحلق فوق رأسها للتو. من خلفها، طارت كرتان من المناديل باتجاه “غو تينغ”، التي أدارت رأسها سريعًا ورفعت يدها بإشارة اعتذار.
يا للإحراج…
وعندما رن جرس نهاية الحصة، جاء صوت المعلمة مرة أخرى، بنغمة لا تقل رعبًا: “بالمناسبة، لا تنسوا أن لدينا غدًا اختبار تمهيدي، استعدوا جيدًا.”
كأنها ألقت قنبلة يدوية في الفصل. فجأة تحوّلت وجوه الجميع إلى ملامح متشنّجة، ثم تتابعت صيحات التذمر من كل جهة. لكن المعلمة بدت وكأنها اعتادت على هذا المشهد، لوّحت بيدها بابتسامة وغادرت دون أن تترك أثرًا.
أسندت غو تينغ رأسها على الطاولة وهي تهمهم: “انتهى أمري… انتهى تمامًا.”
“لا تبالغي.” قالت لها لين وهي ترفع رأسها.
أجابت غو تينغ بوجه حزين: “أنا سيئة جدًا في الإنجليزي…”
ولم تشك لين في ذلك أبدًا. رغم أنها لم تكن متفوقة في الإنجليزية، إلا أنها بالتأكيد لم تصل إلى حد ترجمة Who is this man? إلى “زوج مَن؟”…
يا لها من كارثة!
لكن الأمر ازداد سوءًا. بدا وكأن كل معلمي المواد قد تواطأوا على جعل يوم الغد موعدًا لاختباراتهم التمهيدية، الواحدة تلو الأخرى، كأنهم يرمون القنابل دون توقف. وبنهاية اليوم الدراسي، لم يتبق من طلاب الصف (أ) شيء يُذكر سوى أطلالهم.
كانت ساعة الذروة في المواصلات، والمطر لم يتوقف منذ أيام، فامتلأت الحافلات حتى آخر موطئ قدم. وكان لا يزال هناك كثيرون يحاولون الصعود. شعرت لين فجأة بحنين لسحر الهواء، لو كانت تملك قوة الرياح الآن، لكانت قد بعثرت الجميع في السماء! لكنها تنهدت بمرارة. هذا ليس عالم اللعبة. وفي النهاية، اضطرت أن تزاحم بكل ما أوتيت من قوة لتصعد إلى الحافلة. سمع السائق يصيح بصوته الجهوري: “ادخلوا أكثر! الباب لا يُغلق!”
تزحزحت لين للداخل قدر الإمكان، حتى سمع صوت الباب وهو يُغلق بقوة.
نظرت بحسرة من نافذة الباب، فرأت عند بوابة المدرسة سيارة سوداء من نوع “رولز رويس”، وداخلها جلس شاب أنيق من أبناء الصفوة. دخل السيارة بحركة هادئة، أرستقراطية.
آه… ما أقسى الفروق بين البشر!
سارت الحافلة وسط الشوارع، وأعين المارة تلاحقها بدهشة، فهم يستطيعون أن يروا بوضوح ذلك الوجه الصغير المشوّه بفعل الزحام، ملتصقًا بزجاج الباب، يزداد عبوسًا وشكوى…
كالعادة، وبعد العشاء والانتهاء من الاستحمام، جلست لين حسب أوامر والدتها في غرفتها للمذاكرة.
كان المطر لا يزال يتساقط، تتناثر قطراته على الأرض كزهرات صغيرة تنبثق من الرذاذ، ورائحة الرطوبة النقية تعبق في الجو وتتسلل مع الرياح إلى داخل الغرفة.
تنفست بعمق، وجلست إلى مكتبها. لكنها لم تفتح كتاب الإنجليزية، بل سحبت من الدرج كتابًا استعارته من المكتبة قبل أيام. غلافه البني الفاتح كان ناعمًا كأنك تلمس شفتين رقيقتين تطبعان قبلة على يدك.
فتحت الكتاب برفق، وقرأت:
“في القرن السادس الميلادي، كانت الجزر البريطانية لا تزال تحت حكم الإمبراطورية الرومانية. ويُقال إن الملك آرثر ظهر في تلك الحقبة كبطل من أبطال الكلت، ليصبح ملكًا على بريطانيا ويهزم الإمبراطورية الرومانية… وقد عُدّ من أشهر الشخصيات الأسطورية في تاريخ إنجلترا في العصور الوسطى…”
كانت الحروف تنساب على الصفحة البيضاء كراقصين في الظلام، يدورون بلا صوت في صمت حزين.
تصفّحت بعض الصفحات ثم أغلقت الكتاب. لا تدري لماذا، لكنها لم تكن تجرؤ على قراءته رغم أنها من استعارته. صحيح أن آرثر الذي تعرفه هو مجرد شخصية في لعبة، لكن واقعية حبكة اللعبة وتشابهها مع التاريخ، جعلها تشعر بعدم ارتياح.
“لا بأس… لن أفكر في الأمر. على أي حال، لا أنوي العودة.”
أعادت كتاب أسطورة الملك آرثر إلى الدرج، وأخرجت الكتب التي تحتاجها للمراجعة. نظرت إلى كومة الكتب على المكتب، وشعرت وكأن رأسها انقسم إلى رأسين. كيف يمكن مراجعة هذا الكم من المواد؟
أجل! ستبدأ بتنظيم جدول مراجعة.
أسرعت تبحث عن ورقة وقلم، وبعد وقت طويل من التركيز، خرجت بنتيجة باهرة: جدول مراجعة مثالي!
بدأت تراجع كتاب الفيزياء حسب الجدول، لكنها لاحظت أن سن قلم الرصاص لا يعمل جيدًا. فقررت أن تشحذ جميع أقلامها.
ثم رأت مكتبها مليئًا بعلامات القلم، فمسحته حتى لمع.
ثم نظرت في المرآة… ويا لسوء الحظ! بثرة على أنفها! فبدأت تضغط عليها…
ثم ثم ثم…
وهكذا، ظلّت “لين” تماطل وتلهو، حتى أدركت فجأة أن الساعة تشير إلى العاشرة مساءً!
“آآآه!” صرخت. لم يتبقَ على موعد نومها، حسب أوامر والدتها، سوى ساعة واحدة! ولم تراجع حتى كلمة واحدة!
أمسكت بكتاب الإنجليزي لتبدأ، لكنها نظرت إلى سريرها… نعم، الأفضل أن تُجهز الفراش أولًا حتى تنام فورًا لاحقًا.
اليوم، كانت أمها قد بدلت الغطاء ببطانية جديدة ناعمة. تمددت عليها “لين” تتقلب باستمتاع، وبعد صراع داخلي قصير، قررت أن تنام لخمس دقائق فقط…
كانت البطانية ناعمة كأنها كومة من الريش، تدفئ الجسد وتبعث النعاس…
نعاس لذيذ يدعو للنوم العميق…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 21"