في تلك اللحظة، أدركت “لين” فجأة حقيقة لم تكن تعلمها من قبل – كل ما تراه على التلفاز من صراخ وضجيج ناتج عن الخوف محض أكاذيب، لأن الإنسان حين يصيبه الرعب الحقيقي، يصبح عاجزًا عن إصدار أي صوت.
تمامًا كما هي الآن.
ثم رأت مشهدًا أكثر رعبًا… تلك اليد التي كانت تظنها ميتة، تحركت قليلًا.
لكن الغريب، أن تلك الحركة بدّدت بعضًا من رعبها. على الأقل، لم تكن مجرد يد مقطوعة، ولا جثة هامدة… بل كانت…
أخذت نفسًا عميقًا، ولم تدرِ من أين استجمعت شجاعتها. نهضت، ورفعت الشمعة في يدها لتضيء ما أمامها.
كادت تسقط الشمعة من يدها – بجانب الجدار، كان هناك رجل مختبئ!
من زاويتها لم تستطع رؤية ملامحه كاملة، لكنها تأكدت أنه رجل، بشعر أسود طويل كالشلال يغطي وجهه.
في لحظة دهشة منها، فتح الرجل عينيه فجأة، ومد يده، وقبل أن تدرك ما حدث، عمّ الظلام المكان، وسقطت الشمعة أرضًا. وفي اللحظة التالية، شعرت ببرودة عند عنقها – سكين حاد مستقر عند حنجرتها.
قال بصوت مبحوح، متقطع، ضعيف:
“اللوم ليس عليّ… بل على حظك السيئ… إن لم أقتلك، فستكشفين مكاني…”
وقبل أن ينهي جملته، بصق دمًا وسقط مغشيًا عليه.
دفعته “لين” بعيدًا عنها بفزع، كاد يودي بحياتها، لكنه أغمي عليه في اللحظة الحاسمة.
أشعلت الشمعة مجددًا، ونظرت بعناية إلى وجهه في ضوءها المرتجف. ملامحه كانت قاسية، ولكنها جميلة بجمال قاتل، وكأن وجهه خُلق من أجل الفتنة، يحمل وسامة سامة تتسلل إلى الروح.
رغم خوفها، لم تستطع إلا أن تهمس في قلبها: “إنه أجمل رجل رأيته في حياتي…”
لكن… من يكون؟ ولماذا هو هنا؟
حين نظرت إلى صدره المكشوف، أدركت السبب – جرح عميق من سيف يمر عبر صدره. رغم أن النزيف توقف، إلا أن دمه كان قد نزف كثيرًا. كان معجزة أنه صمد حتى الآن.
ربما لم يكن رجلًا طيبًا، لكن أن تراه يموت أمامها دون أن تفعل شيئًا… هذا ما لا تستطيع احتماله.
فهي ما زالت تتذكر قاعدة الفرسان الثمانية، وآخرها: “الروح – عش وفق ضميرك، وكن نزيهًا أمام نفسك.”
حين عادت إلى غرفتها ومعها النبيذ، كان “كاي” لا يزال يتحدث بحماس، و”آرثر” قد غرق في الوسائد يغطّ في نوم خفيف.
قال “كاي” ساخرًا:
“أخذت كل هذا الوقت لإحضار النبيذ؟ ظننتك شربته وسقطت في غيبوبة!”
أجابت وهي تحاول التظاهر بالهدوء:
“آه، بحثت عنه طويلًا…” وضعت النبيذ على الطاولة، لكن قلبها ظل ينبض بعنف.
قال “آرثر” ببرود بينما فتح عينيه البنفسجيتين:
“كما هو متوقع من امرأة غبية…”
نظرت إليه بنظرة حادة:
“حسنًا، تأخر الوقت… عليكما المغادرة. هذه غرفة فتاة، هل تفهمان؟”
كانت تريد طردهم بسرعة حتى لا تُكشف. وخصوصًا أمام آرثر، فهي تخشى أن يلاحظ شيئًا.
“حسنًا، حسنًا… يا لقسوتك!” تظاهر “كاي” بالحزن، ثم التفت إلى آرثر مبتسمًا:
“لنذهب إلى غرفتي ونكمل الحديث عن عائلة الفيكونت مينت.”
لكن آرثر كان قد اختفى بالفعل…
—
حين خيّم الليل، أخذت “لين” بطانية وغادرت الغرفة بهدوء. ثم تراجعت وعادت لتحمل خنجرًا صغيرًا وضعته على خصرها. صحيح أنها تنوي مساعدته، لكنها لا تنوي أن تموت في سبيل ذلك.
سرقت بعض الحليب والخبز من المطبخ، ثم توجهت إلى القبو حيث وجدت ذلك الرجل.
وحين وصلت، وجدت الرجل ذا الشعر الأسود مستيقظًا، نظر إليها بدهشة خفيفة، لكنه لم يتكلم بسبب جراحه.
وضعت الشمعة على الأرض، وقدّمت له الطعام:
“لا تقلق، يمكنك أن تأكل بأمان. لن أخبر أحدًا عنك، فلا داعي لقتلي.”
رفع رأسه ببطء، وعندما نظرت في عينيه، صُدمت – كانت عيناه فضيتين! تشعّان كضوء القمر، تضجّان بهالة فاتنة مرعبة، حتى صوته خرج غامضًا، ساحرًا:
“وماذا لو كنتُ… شخصًا شريرًا؟”
ترددت “لين”، ثم قالت:
“أنت هددتني، وها أنت تختبئ، وعلى جسدك آثار مطاردة، فلا أظنك شخصًا طيبًا… لكن، حتى الأشرار… يملكون الحق في الحياة.”
لم يقل شيئًا، فقط ابتسم بسخرية باهتة، كضوء ينعكس على بحيرة تحت القمر، ثم قال:
“يا فتاة… ستندمين يومًا ما على ما فعلته اليوم.”
رغم ذلك، بدأ يأكل الطعام، وما إن انتهى حتى بدا أفضل حالًا.
قالت وهي تستعد للرحيل:
“سأعود غدًا في نفس الوقت ومعي طعام جديد، لذا… لا تمت قبل ذلك، مفهوم؟”
غطّته بالبطانية وهمّت بالرحيل، لكن صوته أوقفها:
“ما اسمك؟”
“لين. وأنت؟”
ابتسم ابتسامة شيطانية وقال:
“أنا… لوسيفر.”
“لوسيفر؟” بدا الاسم مألوفًا لديها، لكنها لم تهتم كثيرًا…
حتى عادت إلى غرفتها، وهنا تذكّرت – لوسيفر، أليس هو ذلك الملاك الساقط من السماء؟ أجمل الملائكة، الذي قاد تمردًا ضد الرب وسقط في الجحيم ليصبح سيد الشياطين؟
هي تعرف كل هذا من قراءتها للمانجا…
تقلبت في سريرها وقالت لنفسها:
“لا بد أنه اخترع هذا الاسم، فمن يقول اسمه الحقيقي إن كان شريرًا؟”
لكن… ماذا لو كان يشبه لوسيفر فعلًا؟ هل أخطأت حين ساعدته؟
—
في الليلة التالية، عادت إلى القبو ومعها الطعام، لكنها وجدت المكان خاليًا. لم يبقَ سوى البطانية الملطخة بالدم.
رفعتها من على الأرض، وداخلها شعور غامض لا تستطيع وصفه…
ربما لم يثق بها، فهرب فور شعوره بالتحسن.
—
ومضت الأيام، ونسيت “لين” قصة ذلك الرجل المصاب.
وقبل يومين من عودة “ميرلين” من روما، جاء ضيفان إلى قصر الكونت “إيكتور”.
“الفارس برلياس! مييتا! أنتما!”
قالت “لين” بفرح وهي تستقبلهم.
قالت “مييتا” مبتسمة:
“جئنا لنودّعكم.”
“توديع؟ أنتما راحلان؟”
تقدّم “برلياس” وقال بأدب:
“نعم، سيدتي لين، أمي أرسلت إليّ تطلب عودتي، لذا سأصطحب مييتا ونعود إلى فرنسا.”
“أأنت فرنسي؟” سألت بدهشة.
“جزئيًا. أمي ابنة عم ملك فرنسا، ووالدي اسكتلندي.”
تذكّرت “لين” ما قاله “ميرلين”، هل سيكون هذا الفارس عونًا لهم مستقبلًا فعلًا؟
“وأين الأمير آرثر؟” سألت مييتا وهي تنظر حولها.
“في قبو الأسلحة، يبحث عن شيء ما.”
قالت مييتا:
“سننتظر قليلاً حتى نودّعه، فلو لاكما، لما كنا أنا وبلاياس…”
تبادلا نظرة دافئة، وارتسمت السعادة على وجهيهما.
شعرت “لين” بالدفء في قلبها. رؤية الآخرين سعداء تمنح المرء شعورًا جميلًا.
قدّمت مييتا جرة صغيرة وقالت:
“هذه حلوى صنعتها بيدي، أتمنى أن تعجبكم.”
فتحتها “لين” وقالت بدهشة:
“بودينغ؟!”
لم تكن تعلم أن أصل البودينغ من طعام ساكسوني قديم، لذا بدا الأمر غريبًا لها.
كان يشبه عجينة حلوة أكثر من كونه بودينغ معاصر.
قالت مييتا مبتسمة:
“أضفت إليه بعض البيض.”
ارتجفت يد “لين”،
“ألم تقولي إن البيض نادر هنا؟”
“بلى، لهذا انتظرت حتى باضت دجاجتنا أخيرًا.”
بيض… البيض!
هذا ما يعيدها إلى عالمها الحقيقي!
فرحت، ثم ترددت. هل يعد هذا هروبًا؟ خيانة؟
لكن رغبتها بالعودة سيطرت على كل شيء… مدّت يدها، وأمسكت بالبودينغ…
لكن فجأة، دوى صوت غاضب:
“أيتها الحمقاء! أبهذه البساطة ترحلين؟!”
رفعت رأسها فزعة – كان آرثر واقفًا عند الباب، عينيه البنفسجيتين تتلألآن بالغضب، كأن فيهما برقًا ودمارًا.
هل سمع الحديث؟ ألم يكن حساسًا لكلمة “بيض”؟!
ابتلعت ريقها وخفضت رأسها بخجل وذنب.
حين انزلق البودينغ في حلقها، لم تشعر بطعمه، فقط قالت همسًا:
“آسفة… لكني أريد أن أعود.”
قال آرثر بصوت بارد:
“فاذهبي إذًا، ولا تعودي أبدًا… لا أريد رؤيتك مرة أخرى!”
قبل أن تفقد وعيها، سمعت كلماته تلك، وتسللت مرارة إلى شفتيها. بعد أن بدأت علاقتها به تتحسن… انتهى كل شيء.
لكن لا بأس، فهي… لن تعود مجددًا، أليس كذلك؟
—
هبت نسمة خفيفة، وحي
ن فتحت عينيها، وجدت نفسها في مطبخ بيتها، وعلى الطاولة بقايا الطعام من ذلك اليوم.
سمك حلو حامض، لحم مقلي، باذنجان مطهو، وطبق بيض مقلي بالبصل الأخضر… لا شيء تغيّر.
كأن شيئًا لم يحدث قط.
ـــــــــــــــــــــــــ
اترك تعليقاً لاستمر بالترجمة 💖
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 20"