أصبح تفقد قن الدجاج كل يوم أولى أولويات لين. غير أن خيبات الأمل المتكررة أصابتها بالإحباط العميق.
ومع ذلك، لا يسع المرء إلا الاعتراف بأن البشر هم أكثر الكائنات قدرة على التكيّف.
خلال الأيام الماضية، وبفضل مجاملاتها التي لم تتوقف، نجحت أخيرًا في امتطاء الحصان، رغم أنها ما إن تركبه حتى تُطرَح أرضًا. لكنه على الأقل يُعد تقدمًا ما. كانت تظن أن حصولها على القوس والسهم سيُغنيها عن تدريبات السيف، لكنها فوجئت أنها الآن مطالبة بتعلم كليهما، والأسوأ أن الأمر صار أكثر قسوة.
فبعد أن كادت تصيب “آرثر” و”كاي” عدة مرات بسهم طائش، صارا ينسحبان بتفاهم مدهش كلما بدأت بالتدريب على الرماية…
أما عن السحر، فحتى تُنهي كتاب “أساسيات نظرية السحر”، رفض “ميرلين” أن يُعلمها أي شيء عملي. فبالنسبة له، تعليمها سحرًا تطبيقيًا هو مخاطرة بحياته! ماذا لو حولته بالخطأ إلى ضفدع أو عنكبوت؟
قالت له ذات يوم:
“ميرلين، لماذا تعلّمني أنا وحدي السحر، ولا تعلّمه لآرثر والباقين؟”
أجاب مستلقيًا على العشب وهو يمضغ عودًا من الحشائش:
“الفارس الحقيقي لا يحتاج إلى سحر، وما أُعلّمك إياه ليس سوى أساسيات بسيطة، تنفعك في المواقف الحرجة فقط.”
ثم كأن شيئًا تذكّره فجأة، فقال:
“أوه، كدت أنسى أن أخبرك، الدجاجات في القن أُرسلت قبل قدومك.”
“آه…” ارتعشت عضلات وجهها.
أكمل مبتسمًا بخبث وهو ينهض:
“لذا لا تتعبي نفسك في البحث كل يوم، فالديوك لا تبيض يا عزيزتي.”
ثم نظر إلى وجهها المتورد خجلًا وسألها بسخرية:
“كيف عرفت؟ بسيطة… رائحة فضلات الدجاج تفوح منك. ألا تشمينها؟”
تجمد جسدها فجأة. ما أوقحه!
حين مرّت مجددًا بجانب قن الدجاج، ألقت نظرة محبطة تجاهه، لتفاجأ بـ “آرثر” قادم نحوها حاملاً شيئًا ما.
قال وهو يقطب حاجبيه:
“ما زلتِ تبحثين عن البيض هنا؟! لمَ لا تملكين هذا الإصرار في أي شيء آخر؟”
“أنا فقط… فقط… أردت أكله بشدة…” تمتمت.
تنهّد ووضع السلة التي بيده على المقعد الخشبي:
“كفى بحثًا، طلبت من الخادم أن يشتري لك بعض البيض من البلدة.”
تسمرت في مكانها، تحدق في البيض بعينين دامعتين. لم تصدق! أخيرًا… بيض! هذا يعني… يمكنها العودة أخيرًا!
“لمَ البكاء؟ يا لكِ من حمقاء!” قالها بلهجة مستاءة.
“شكرًا… شكرًا جزيلاً…” تمتمت وهي تمسك ببيضة، لا تدري ماذا تقول.
“لا تشكريني، فقط لم أعد أحتمل رائحة الدجاج العالقة بك!” وما إن أنهى جملته حتى شهق دهشة، إذ شاهدها تبتلع البيضة نيئة دفعة واحدة!
وحدث ما لم يكن في الحسبان…
وميض أبيض خاطف، ثم… اختفت من أمامه تمامًا!
—
حين استعادت لين وعيها، شعرت بقطرات العرق البارد تنساب على جلدها. لبضع دقائق، لم تكن تدري من هي أو أين تكون.
حتى لمحت الستائر الزرقاء المزينة بخنازير صغيرة، والهاتف على المكتب، وسريرها الصغير… والكمبيوتر!
لقد عادت!
أول ما فعلته أنها أمسكت بهاتفها. فقط نصف ساعة مرّت! نظرت لملابسها، لا تزال ترتدي بيجامتها الوردية برسوم الخنازير. حرّكت الفأرة، ولا تزال شاشة الكمبيوتر تعرض نفس السطور الزرقاء. ضغطت على زر تشغيل القرص، فخرج بسهولة…
ما الذي حدث بحق السماء؟ أكان كل ذلك… مجرد حلم؟
حاولت أن تتذكر مغامرتها في اللعبة. كان كل شيء غريبًا جدًا. لا بد أنها غفت، فرأت كل ذلك كحلم.
همّت بإعادة القرص إلى مكانه، لكنها سمعت صوت مفتاح يدور في الباب. فزعت، وخبأت القرص في الرف، ثم أسرعت لتفتح كتبها متظاهرة بالمذاكرة.
“لين، لقد عدت.” جاء صوت أمها من الخارج. لم تتمالك نفسها، فركضت نحوها واحتضنتها بقوة، وقالت بصوت خافت:
“أمي، اشتقت إليك!”
تفاجأت الأم، ثم ابتسمت بحنان وربّتت على شعرها:
“يا صغيرتي، لم أغب إلا لساعات قليلة فقط.”
“لكنها بدت لي كأنها دهر…” همست، وهي تعني كل كلمة.
قالت الأم مطمئنة:
“لا تقلقي، جدك بخير الآن.”
“أمي، هل يمكنني زيارته في عطلة نهاية الأسبوع؟ أعدك أنني سأذاكر جيدًا، لكنني… أريد رؤيته، لأنكم أنتم الأهم بالنسبة لي.”
تبدل تعبير الأم بين الدهشة والتأثر:
“ما الذي دهاك اليوم…؟”
“أرجوكِ، ماما…”
“حسنًا، سنذهب سويًا السبت.”
“شكرًا ماما…” همست، واكتشفت أن التعبير عن مشاعرها ليس صعبًا كما ظنت.
ربما كان كل ذلك بسبب ذلك الحلم…
—
في صباح اليوم التالي، كان الجو صافياً بلون أزرق باهت. تسللت أشعة الشمس كحبيبات ذهبية لامعة عبر أوراق الأشجار، لتنثر وهجها على لين النائمة.
“بيبيبي… صباح الخير! استيقظي! لا تتأخري!” جاء صوت مؤديها الصوتي المفضل “كوياسو تاكيهتو” من المنبّه.
أطفأت المنبه وهي تتثاءب، ونظرت إلى السقف، وأيقنت تمامًا… هذا هو منزلها.
كل ما حدث… مجرد حلم.
بينما كانت شاردة على متن الحافلة، توقفت فجأة.
“عذرًا، يبدو أن هناك عطلاً، الرجاء الانتقال للحافلة التالية.” قال السائق.
تأفف الجميع. نظرت لين إلى ساعتها. الثامنة إلا ربع! لا وقت لديها، فمدرستها قريبة، ويجب أن تركض!
ركضت بأقصى ما تملك نحو المدرسة، وما إن وصلت حتى توقفت مذهولة. سيارة رولز رويس فاخرة توقفت، وخرج منها فتى جميل الطلعة، ملامحه مهيبة وابتسامته خفيفة كزهرة على غصن.
“الامير الثالث!” صاحت الفتيات، تتطاير النجوم من أعينهن.
لوّح لهن بابتسامة، ثم التفت نحو لين ونظر إليها بابتسامة غامضة.
“ون يو، تأخرت اليوم!” قفزت فتاة جميلة كدمية نحوه، ترحّب به، ثم رمقت الفتيات الأخريات بنظرات قاتلة.
كانت “تشن يي”، الفتاة الشريرة، حين ظهرت، التزم الجميع الصمت.
رأت لين وابتسمت بمكر، اقتربت منها فجأة وسحبت حقيبتها، ثم رمتها بعيدًا. تناثرت الكتب على الأرض.
“آسفة، انزلقت يدي… الساعة تقارب الثامنة، ستتأخرين حتمًا إن التقطت كل هذا.” قالت بخبث، ثم أضافت:
“أخبري صديقتك الفضولية أن لا تتدخل مرة أخرى.”
تعابير لين ارتجفت. كانت متعمدة… عضت شفتها وكادت تبكي، لكنها انحنت تلتقط كتبها وحدها، فسمعة “تشن يي” السيئة أخافت الجميع من مساعدتها.
وفجأة، انحنى أحدهم معها، وأعطاها كتابها الإنجليزي. رفعت رأسها بدهشة، فإذا بها تقابل عينيه الصافيتين كزجاج أسود نقي.
[الامير الثالث؟!] فتحت فمها، لكنها لم تقل شيئًا.
قال بصوته الدافئ:
“سارعي في التقاط كتبك، لا نريد أن نتأخر.”
“ون يو!” صاحت “تشن يي” غاضبة، ثم حدقت في لين وذهبت غاضبة.
“شكرًا…” تمتمت لين وهي تلمّ كتبها بخجل.
بدأت الفتيات يتحدثن بانبهار:
“يا له من فتى لطيف…”
“رائع حقًا…”
أما لين، فلم تلحظ النظرة الغريبة التي ومضت في عينيه. اقترب منها وهمس بصوت خافت لا يسمعه سواها:
“من الآن فصاعدًا… ستكون أيامك هنا أصعب، يا ذات الاربع أعين.”
تجمدت. هذا الصوت… إنه هو! الفتى الحقود من ذلك اليوم!
—
عادت إلى المنزل مساءً، لتجد ورقة من أمها:
“ذهبت لرؤية جدك. الطعام في القدر.”
ذهبت إلى المطبخ. العشاء كان لذيذًا: سمك حلو وحامض، لحم مطهو، باذنجان مشوي، وخصوصًا… البيض المقلي بالبصل الأخضر.
تذوقت قطعة واحدة… لذيـــــذ…
لكن قبل أن تكمل لقمتها، شعرت بدوار مفاجئ… وكأن قوة ما تسحبها!
ثم…
صوت صياح دجاج فوضوي…
رائحة كريهة… مألوفة… فتحت عينيها مرعوبة… ألم تكن في المنزل؟! كيف عادت إلى قن الدجاج؟!
وهذا القن… يبدو مألوفًا…
“من هناك؟!” جاء صوت حاد من فوق رأسها، تلاه سيف فضي يلمع أمام عنقها.
رفعت رأسها، فتى في السابعة عشرة، وسيم، غامض، يملك ملامحًا تمزج الرجولة بالأنوثة، ونظرة متغطرسة، و… عينان بنفسجيتان!
[لا… لا يمكن!]
“أنتِ… أيتها الغبية…” قالها بدهشة.
[هذا الصوت.
.. لا يصدق…]
قالت بتردد:
“أنتَ…”
ابتسم بسخرية، وأعاد سيفه إلى غمده:
“أنا… آرثر.”
دوى صوت الرعد في رأسها…
[يا إلهي… لقد عادت مجددًا!]
[لاااا!!!]
[أنقذوني!!!]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"