كان صباحًا ربيعيًا هادئًا… لكن الضباب الخفيف بدأ يغمر المدينة في وقت مبكر.
وفي مدينة J، غطّى هذا الضباب الأبيض أكاديمية “وان يي” الشهيرة – مبنى أنيق على الطراز الأوروبي، يحيط به صفّ من أشجار البلّوط الفرنسية. ومن بين الضباب، بدأت تظهر لمسات خضراء خفيفة، حيث بدأت أوراق الأشجار بالتبرعم، ناعمة وخجولة كالأمل.
كانت أزهار الرودودندرون البيضاء تختبئ خلف الشجيرات، وعليها قطرات ندى شفافة، تُرسم بها خطوط الطبيعة الناعمة.
أمام بوابة الأكاديمية، كان الأساتذة والمشرفون يتفقدون شارات الطلاب بدقة… فالمدرسة مشهورة بانضباطها الصارم.
وعلى بُعد خطوات، كان بعض الفتيان يتحلّقون بحماسة، يتحدثون عن مباراة كرة القدم بالأمس.
“هيييه، أنتم! لماذا تمشون ببطء؟ اليوم مناوبة الملكة!”
صرخ فتى مارًا بدراجته، وما إن نُطقت كلمة “الملكة” حتى تغيّرت ملامحهم، وهرعوا كأنهم يفرّون من موتٍ قادم.
…
في حافلة مكتظة، كانت فتاة قصيرة ذات شعر قصير تدعى لين لينغ، تنظر إلى ساعتها بتوتر.
وجهها محمر، وعيناها الكبيرتان ممتلئتان بالقلق، ونظارتها العتيقة على وشك السقوط من على أنفها.
” يا للأسى… من أول يوم لي في المدرسة الجديدة، وسأتأخر؟! “
حظها السيء كان دائمًا رفيقها…
أمها وأبوها استيقظا متأخرين، المنبّه تعطل، اصطدمت بسلة قمامة، طاردها كلب “تشيواوا”، وحتى الحافلة تأخرت!
“هل يمكن أن يجتمع هذا الكم من المصائب في صباح واحد؟!”
وفجأة، لمحت يدًا تمتد إلى حقيبة سيدة أمامها… لص!
رفعت بصرها، فإذا بنظرة شرسة تحدق بها… ارتجفت وخفضت رأسها.
[لا، لا… سأتصرف وكأني لم أر شيئًا!]
عندما توقفت الحافلة أخيرًا، قفزت منها وركضت نحو المدرسة.
لكنها فوجئت بجموع من الطلاب يركضون بجنون نحو البوابة!
[ما الذي يحدث؟!]
قالت فتاة طويلة تركض بجانبها:
“أسرعي! وإلا ستتأخرين أنتِ أيضًا!”
أومأت لين وركضت معها… لكن…
انفكّ قفل الحقيبة!
وتطايرت الكتب والأوراق في الهواء، لتغطي الأرض مثل عاصفة ورقية.
[لماذا دائمًا أنا؟!]
تمتمت وهي تشد على الدمية الصغيرة المعلقة بحقيبتها.
ظهرت الفتاة الطويلة مجددًا وساعدتها في جمع كتبها.
“شكرًا… اذهبي، لا أريدك أن تتأخري بسببي.”
“لا بأس، هذه ليست المرة الأولى لي!”
ابتسمت الفتاة وقالت: “أنا اسمي غوو تينغ، وأنتِ؟”
“لين لينغ…”
قبل أن ترد، دوّى جرس المدرسة، وظهرت معلمة ممتلئة عند البوابة وهي تعد بصوت عالٍ:
“ثلاثة… اثنان… واحد!”
ثم أغلقت البوابة فجأة!
>”أنتم! جميعًا، تعالوا معي لاحقًا.”
قالت بابتسامة مخيفة.
قامت غوو تينغ بسحب لين خلف شجرة، وهمست:
“لو أمسكت بك الملكة، فأنتِ هالكة! أنتِ لا تعرفين عقوباتها العشر الشهيرة!”
لين لم تستوعب.
“الملكة؟ تعنين تلك المعلمة البدينة؟”
“بالضبط! إنها الأكثر رعبًا في المدرسة…”
قادت غوو تينغ صديقتها الجديدة إلى الجدار الخلفي وقالت:
“سنتسلّق من هنا. لا تقلقي، أنا أولًا.”
قفزت برشاقة، وتبعتها لين بعد أن رمت حقيبتها أولًا، لكن…
طَخ!
سقطت نظارتها!
“أوه لا… نظارتي!”
سمعت صوتًا رجوليًا ناعمًا:
“ماذا تفعلين هناك؟”
“أ… سقطت نظارتي، هل يمكنك مساعدتي؟”
“هل ترينني بوضوح؟”
“لا…”
“هذا ممتاز.”
صوته بدا هادئًا… لكن ما فعله لم يكن كذلك!
ركل نظارتها بعيدًا!
“عندما رميتِ حقيبتك، سقطت على كتفي… هذه هي العاقبة، يا ذات الاربع أعين!”
ومضى مبتعدًا بابتسامة شريرة.
“هيييه! عد إلى هنا أيها الحقود!”
سقطت على الأرض من شدة الغضب، وقبل أن تنهض، ظهرت أمامها… الملكة!
“هل هذه نظارتك؟”
[انتهيت…]
لكن لحسن حظها، بما أنها طالبة جديدة، اكتفت الملكة بجعلها تنسخ كتيّب الطالب عشر مرات فقط…
ومع ذلك، انتشرت قصتها كالنار في الهشيم، لتصبح “أسطورة اليوم الأول”.
[كل هذا بسبب ذلك الفتى!]
نظرت من النافذة وعضّت على قلمها…
[لو لم يركل نظارتي، لدخلت المدرسة بهدوء!]
بعد انتهاء الدوام، خرجت لين برفقة غوو تينغ، التي بقيت متمسكة بوعدها:
“اليوم أعزمك على آيس كريم، هذا أقل ما أقدمه بعد كل ما مررنا به!”
قالتها بحماس وهي تجرّ لين للخارج.
وبينما كانتا تنزلان درجات مبنى الصفوف، لاحظت لين أن هناك ازدحامًا غير عادي عند بوابة المدرسة.
فتيات يحملن الهدايا، ورود، وحتى صناديق هدايا مزيّنة بشرائط زهرية…
وكلّ واحدة منهنّ تنظر نحو بوابة المدرسة بعيون يملؤها الشغف والانتظار.
“ما الذي يحدث؟ هل هناك احتفال؟”
سألت لين باستغراب.
غمزت غوو تينغ بعينها وقالت بسرّية:
“الصبر… ستفهمين حالًا.”
وفجأة —
ساد الصمت التام.
حتى الهمسات توقفت.
وكل الأنظار التفتت نحو باب مبنى الصفوف الرئيسي.
خرج فتى طويل القامة، يرتدي زي الأكاديمية الرسمي.
كانت شمس المغيب تصبغ السماء بدرجات ذهبية دافئة، ومع كل خطوة يخطوها، بدا وكأن الضوء يُحيط به بهالة من الرقي والجمال.
وجهه وسيم بهدوء، ملامحه هادئة، شفاهه مبتسمة ابتسامة خفيفة كالنسيم، وفي عينيه سكون ناعم يخطف الأنفاس.
خطواته أنيقة، وهالته فاخرة.
“آآآه!! إنه الأمير الثالث!!”
صرخت إحدى الطالبات، وكأن شرارة كهربائية قد انتقلت في أرجاء المدرسة.
وبدأت همسات العشق تنهال من كل جانب:
“إنه رائع!”
“هل ابتسم لي للتو؟!”
“لو أنني فقط أستطيع التحدث إليه…”
“الأمير الثالث… حلم المدرسة بأكملها!”
لين كانت تراقب بصمت… بدهشة.
“هو وسيم… نعم، لكن، ما كل هذه الضجة؟”
رفعت نظارتها، وحدّقت أكثر، ثم التفتت إلى غوو تينغ:
“من هو بالضبط هذا الأمير؟”
أجابتها غوو تينغ وكأنها تُلقي سِرًّا من أسرار الدولة:
“اسمه تشي ونيو. يُقال إن في عروقه دماءً أرستقراطية. وهو الابن الثالث في عائلته، لذلك الكل يلقبه بـ’الأمير الثالث’.”
ثم أضافت بعينين تلمعان:
“هل سمعتِ بمجموعة هوانغ تينغ [ البلاط الملكي] ؟”
“طبعًا! الشركة الضخمة التي تملك الفنادق والسوبر ماركتات؟ حتى هذه المدرسة تابعة لهم، أليس كذلك؟”
أومأت غوو تينغ بسرعة:
“بالضبط! وهو الوريث الرسمي لتلك المجموعة! فتى غني، وسيم، ورقيق الطباع… باختصار: الكمال ذاته.”
وبينما كانت “غوو تينغ” تذوب في أحلامها،
كانت لين تحدّق فيه بقلق… هناك شيء غريب.
صوته… ابتسامته… تلك الطريقة التي يتصرّف بها…
[لا يمكن… لا يمكن أن يكون هو نفسه…]
وفي تلك اللحظة، توقفت أمام المدرسة سيارة رولز رويس سوداء فاخرة.
خرج منها سائق ببدلة أنيقة، وانحنى احترامًا، بينما الأمير الثالث دخلها بكل رقي وأناقة.
لكن، وقبل أن تُغلق الأبواب…
ركضت فتاة صغيرة بخجل شديد، تحمل صندوقًا صغيرًا بيديها:
“أم-أمير! هذه… صنعتها بنفسي! أرجوك تذوّقها…”
صمت الجميع. وتجمّدت الأنفاس.
رفع الأمير يده بهدوء، وأخذ قطعة من الحلوى من الصندوق، ثم تذوقها بلطف.
ابتسم. وقال:
“لذيذة جدًا. شكرًا لكِ.”
و… انفجرت الفتيات من حوله مجددًا!
“لقد تحدث معها!”
“يا لحسن حظها!”
“غدًا سأصنع له كعكة!”
“ما أرقّ قلبه…”
“غوو تينغ” كانت تمضغ منديلاً بغيظ بجانب لين وتقول:
“سأحضر له عشر قطع حلوى غدًا! من الأفضل أن أبدأ الليلة!”
لكن لين لم تكن تشاركهنّ
هذا الحماس.
كانت صامتة.
في اللحظة التي سمعته يتحدث فيها…
توقّف عقلها.
[لماذا؟ لماذا صوته مثل ذاك الصبي الحقود؟! نفس النبرة… نفس السخرية…]
هل يمكن أن يكون…
ذلك الفتى الذي ركل نظارتها؟!
التعليقات لهذا الفصل " 1"