“بكل سرور.”
ابتسم الرجل ابتسامة ماكرة طفولية، وسلّم شورت السباحة الذي كان في يده طواعية.
ضمت كلير القميص الواسع وشورت السباحة إلى صدرها بقوة، خشية أن يسرقهما أحد، وحدقت فيه بعينيها الواسعتين مستاءة.
لم تفهم لماذا يثيرها إلى هذا الحد وهو يمازحها.
“لا بأس، لستِ مضطرة لشكرِي.”
قالها وهو يبتسم بهدوء، غير مكترث بنظرة كلير التي تشبه قطةً غاضبة، ثم استدار.
“غيّري ملابسك في غرفتي ثم تعالي إلى المطبخ. سأبحث عمّا يصلح للأكل.”
واختفى الرجل بخطوات واثقة، تاركًا كلير تغلي من الغضب في مكانها.
ظلت واقفة لبرهة تتنفس بعصبية، ثم التفتت لتغيّر ملابسها، لكنها تمتمت فجأة وهي تعقد حاجبيها:
“كيف عرف أنني لم أتناول الإفطار أصلًا؟”
غيّرت كلير ملابسها وتوجهت نحو المطبخ.
كلما اقتربت، ازدادت رائحة القهوة قوة.
انحنت قليلًا لتدخل عبر المدخل الضيق المقوس الذي بلا باب، فسمعت صوت داميان وهو يسكب القهوة أمام الموقد دون أن يرفع رأسه:
“اجلسي، انتهيت تقريبًا.”
أطاعت كلير كلامه وجلست على كرسي أمام الطاولة كطفلة مطيعة.
كانت ترتدي قميص داميان، فبدت بمظهر غريب أقرب إلى فتى يافع ذي هيئة محايدة.
وحين قدّم لها داميان القهوة ورآها بملابسه، قال مبتسمًا:
“من يراكِ هكذا سيظنك أختي الصغرى.”
احمرّت كلير غضبًا، فقد كانت أصلًا محرجة من ارتداء ملابسه وتفكيرها فيه أكثر من اللازم.
رفعت رأسها محتجة:
“أنت لا تكف عن قول ما لا يليق بسيدة منذ وصولي!”
“آه، إذن صار من عادة السيدات هذه الأيام أن يجررن وحول الطين كتنورة!”
“ومنذ متى أصبح انتقاد زيّ السيدة فضيلة من فضائل الرجل النبيل، يا سيد ويلس؟!”
“إذن يبدو أنني لستُ رجلًا نبيلًا.”
أجابها بهدوء، ثم رتّب على الطاولة في لحظات: زبدة، مربى، جبن، رغيف خبز، سكاكين وشوك.
وجلس أمامها مواصلًا ببرود:
“لكن في الحقيقة، النساء اللواتي يتكلّفن المظهر التقليدي للسيدات لسن على ذوقي. الأمر ممل، بلا مفاجأة.”
ضيّقت كلير عينيها وهي تنظر إليه نظرة جانبية:
“هذا يعني أن لديك من تجارب الغرام مع السيدات ما يكفي لتتحدث عن الملل والذوق!”
“بل العكس. لم أستطع أن أخوض علاقة لأن السيدات لسن على هواي. ومن أين لي أن أجد في كوينزلاند امرأة ليست سيدة؟”
ضحكت كلير وهزت رأسها ساخرًة. حقًا، ما من كلمة إلا ويجد لها مخرجًا سلسًا.
“حسنًا. إذن، سيد ويلس المسكين، الذي لم يستطع أن يحب لأن كل النساء سيدات، ابحث عن امرأة لا تشبههن. أما أنا فسأظل سيدة كما أنا.”
قالتها بلهجة تقريرية، فابتسم داميان وهو يكتم ضحكته:
“آه، هكذا إذن. وهل يكفي أن تقولي إنك سيدة لتصبحي سيدة؟”
“إذن، هل يكفي ألا تعترف بأنك رجل نبيل، لتكف عن كونك واحدًا؟”
بادلتْه الرد دون تردد، وما إن أنهت كلامها حتى التقت نظراتهما مباشرة.
وانفجرا معًا بالضحك من غير اتفاق.
ضحكا طويلًا حتى مسحت كلير دموع عينيها بطرف إصبعها وقالت:
“لا أدري لماذا أتصرف بهذه الطفولية معك. كل هذا بسببك، يا سيد ويلس!”
“ناديني داميان.”
رمشت كلير بعينيها ونظرت إليه.
“ناديني داميان، سيكون ذلك أسهل.”
“حسنًا، داميان.”
تذكرت كلير أنه كاد يناديها باسمها بالأمس حين وقع الحادث بالسيارة.
فابتسم داميان ابتسامة محرجة وقال:
“أظنني تلفظت باسمك قبل أن أستأذنك.”
“أمنحك الإذن الآن.”
“كلير.”
نطق اسمها وكأنه كان ينتظر تلك اللحظة.
وصمت الاثنان لحظات، وكأنهما يتأملان وقع الأسماء الجديدة التي صارا يناديان بها بعضهما.
“القهوة ستبرد.”
ابتسمت كلير ورفعت الفنجان. كان قهوة ممزوجة بالسكر والقرفة، عطرة على غير العادة، وحلوة بشكل مختلف.
قال داميان بعد الإفطار وهو يرتب المكان:
“منسوب الماء ارتفع كثيرًا، لذا مدبّرة الخدم والطاهي لن يتمكنا من الحضور اليوم. في قريتهم مجرى صغير، عادةً ما يكون جدولًا، لكنه يصير نهرًا متضخمًا بمجرد أن تهطل الأمطار.”
“هذا بسبب قربه من البحر. القرى التي تحاذي المصب هكذا يحدث فيها ذلك كثيرًا.”
“كما توقعت، تعرفين جيدًا.”
أخذها بعد ذلك إلى مكتبة القصر، قائلاً إن لديه عملًا ضروريًا.
“الدوق يحتفظ بكثير من الكتب القديمة هنا. أخطرها تلك التي تفسد من الرطوبة، لذا أضعها قرب الموقد لتجف. وإلا سرعان ما ينمو عليها العفن. قليل من الإهمال يفسد الكتاب تمامًا…”
دخلت كلير خلفه إلى المكتبة، وأخذت تتفقد المكان مدهوشة.
رغم أنها رأت مكتبات ضخمة في قصر إيرل ولينغتون وفي مقر تشيكا، إلا أنها لم ترَ من قبل أرففًا مزدحمة بنُسخ نادرة إلى هذا الحد.
كانت تحب الكتب بطبيعتها، لذا أُعجبت بالمكان من الوهلة الأولى.
راح بريق عينيها يتنقل بين الأرفف، غير قادرة على إزاحة نظرها.
ابتسم ديميان وهو يفك زرًا من قميصه العالق بعرقه.
كان قد خرج باكرًا ليتفقد أماكن تسرب المطر، ثم تمرن قليلًا، ثم صادف كلير قبل أن يبدل ملابسه.
فأعطاها قميصه وظل هو بثيابه المبللة بالعرق.
“واو…”
تمتمت كلير، مأخوذة بالكتب، لم تلاحظ حتى أنه يراقبها. أخذت تسحب بعض الكتب، تتأمل أغلفتها، تفتح الصفحات وتقرأ.
كانت هناك كتب كثيرة تشد اهتمامها.
أيقظها من اندماجها صوت جناحين يصفقان عند النافذة.
انتفضت وعادت إلى وعيها، ثم نظرت إلى داميان بحرج، فوجدته واقفًا عند مكتبه متكئًا بذراعيه، ينظر إليها بثبات.
كانت قطرات الندى وعرق الصباح تبلل شعره المتدلي على جبينه، وتحتها عيناه البنيتان الدافئتان متجهتان نحوها.
أدركت أنه لم يرفع بصره عنها منذ أن دخلت المكتبة.
وشعرت بالخجل لأنها انغمست في الكتب كطفلة قروية، فتمنت لو تختفي بين الرفوف.
قال بهدوء:
“لا بأس. تابعي تصفحك وكأنني غير موجود. وأنا أيضًا أستمتع حين أنظر لما أحب أن أراه.”
كانت كلماته تحمل نبرة استفزاز خفية، فأثار ذلك عنادها.
“والآن صرتُ أتساءل، ما الذي وجدتَه ممتعًا إلى هذا الحد وأنت تحدق بي؟”
رفعت نظرها نحوه بنظرة متحدية امتزجت بالفتنة.
فجأة، فك ذراعيه المستندتين وتقدم منها بخطوات بطيئة، مثبتًا عينيه في عينيها.
تراجعت خطوة، فوجدت ظهرها يصطدم بالرف.
“لماذا…”
لم يُجب.
اقترب حتى ظلّلها بجسده الطويل، وضع يده بجانب وجهها على الرف، ورفع ذراعه الأخرى فوق رأسها.
كانت المسافة بينهما قصيرة لدرجة أنها أحست بحرارة جسده، وكأنه سيغمرها في أي لحظة.
اختلطت رائحة القهوة الثقيلة بعطر الخشب الذي أحاط بها الليلة الماضية، فغمرتها رائحته أكثر فأكثر.
لمحت صدره القوي وعضلاته عبر فتحة القميص.
وبدأ قلبها يدق كطبول بعيدة.
رفعت عينيها نحوه مرتجفة.
ابتسم وهو ينظر إلى وجهها المتوتر:
“هل أنتِ فضولية؟”
لم تستطع أن تنطق، واكتفت بالتحديق فيه، تخشى أن ينكسر صوتها إن تكلمت.
قال بخفوت:
“لو أخبرتكِ… هل أنتِ واثقة أنكِ لن تندمي؟”
بدأ وجهه يقترب ببطء شديد، كاشفًا عما ينويه.
ابتلعت كلير ريقها، وفي لحظة قصيرة غزت رأسها عشرات الأفكار.
داميان ويلس… رجل المنطقة الرمادية.
ليس هدفًا مباشرًا، لكنه أيضًا لا يمكن تجاهله.
كيف يجب أن أتعامل معك؟
لو كنتَ مثل إيان، أو دوق همنغهام، مجرد هدف في مهمة، لكان الأمر أبسط بكثير.
عادت إلى ذهنها فجأة محادثة قديمة مع زميلها “فولكي” أيام التدريب:
“أنتِ طيبة القلب أكثر مما يجب. وهذه ليست مشكلة بحد ذاتها. المشكلة أنكِ لا تدركين متى يلين قلبك.”
“…كلام كهذا يصدر منك؟ وأنت الذي لم تتحمل العمل الميداني — الكذب والخداع والقتل — وهربت إلى قسم التحليل؟”
“ليس هذا ما أعنيه. قصدي… أنتِ ضعيفة أمام النظرات الدافئة التي تخترق حقيقتك.”
“لا تتوهم.”
“حين تلتقين بعينين تعترفان بك وتفهمانك، ستسقطين بلا شك.”
“الأفضل أن تشكوني إذن! قُل إنني سأفشل في مهمتي بسبب ضعف قلبي!”
“هذا ليس قصدي…”
‘هل أنا حقًا ضعيفة أمام العطف؟’
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 8"