بعد أن أنهت الاستماع إلى حديث ضابط الاستخبارات ساشا، اجتاحت مئات الأفكار رأس كلير خلال بضع أنفاس متسارعة فقط.
لم يكن أمرًا يمكن حسمه في تلك اللحظة.
وبينما لزمت الصمت، كان الرجل على الطرف الآخر من الخط ينقل إليها بالفعل خطة الاتصال بأحد المسؤولين الداخليين في كوينزلاند. بدا وكأنه واثق من أنها ستقبل العرض.
[نحن لا نخلص للسلطة، بل نؤمن بالمساواة والحرية للشعب. نرجو أن تنضمي إلينا، رفيقة. فإذا تمكنتِ من العثور على أستاذك يوري، فليكن معك، وادخلا معًا إلى داخل كوينزلاند لتمنحانا القوة.]
لكن كلير لم تُجب الرجل، بل وضعت السماعة بهدوء.
كان الأمر خطيرًا، وكان ثمّة سبب لعدم تمريره عبر ضابطها المسؤول، فولكا.
لقد صار واضحًا أن منظمة ثالثة، لا الرئيس ولا ليونيد على علم بها، قد تسللت إلى داخل التشيكا.
ومع ذلك، ارتفع في أعماقها سؤال جديد:
إن هي رفضت التعليمات، فما السبب؟
هل لأنها خطيرة؟ أم لئلا تخون التشيكا؟
أم لئلا تخون شيئًا آخر؟ النظام؟ ليونيد؟ الرئيس؟
لأجل ماذا إذن؟
ظل صوت الرجل يتردد في أذنيها:
نحن لا نخلص للنظام، نحن نؤمن بالمساواة والحرية للشعب. نحن…
***
مع بزوغ الفجر، هطلت أمطار غزيرة.
كان الطريق من قصر الكونت إلى فيلا الدوق يستغرق نحو ساعة مشيًا.
وبما أن المطر كان قد بدأ يهطل منذ الليل، فقد ضبطت كلير ساعة منبّهها نصف ساعة أبكر كي تتمكن من النهوض باكرًا.
وبفضل استعجالها استطاعت الوصول في الوقت المحدد، لكن في الطريق داست على بركة ماء فانغمس طرف تنورتها في الوحل حتى صار منظرها فوضويًّا تمامًا.
“ما العمل الآن…؟”
حاولت كلير أن تنظف تنورتها بيديها لتبدو أقل قذارة، لكن دون جدوى.
وحين وصلت إلى الفيلا، كانت السماء قد انقشعت وصفا الجو كأن المطر لم يهطل قط، مما جعل منظرها الملطخ يبدو أسوأ.
في بيت الدوق كانت تُشترط على الوصيفات تنانير طويلة لائقة، وهو طلب لم يخطر ببال كبيرة الخدم أن يخالفه مطر غزير منذ يوم العمل الأول.
ترددت كلير قليلًا عند الباب، عاجزة عن الدخول، وإذا بجسدها فجأة يرفع عن الأرض.
شهقت مرتعبة حتى إنها لم تستطع الصراخ، وتصلبت كالصخر.
“سأساعدك لتبديل ملابسك، آنسة بينيت.”
رفعت رأسها فوجدت نفسها بين ذراعي داميان، فأفلت منها نفس ارتياح. كان يبتسم لها بمكر طفولي.
“لن يُعوّض هذا عما حدث بالأمس. ببساطة، إن جلتِ في القصر بحذاء مغطى بالطين، فلن يبقى من يتولى التنظيف غيري بعد غياب كبيرة الخدم والوصيفات. فلنقل إنه دافع خادم أخرق تجنّبًا للتنظيف.”
ليته لم يتكلم!
لم تستطع كلير منع نفسها من الضحك بصوت عالٍ، بينما ظل داميان يحملها متجهًا إلى مكان ما داخل القصر.
عند باب مغلق أمسك بالمقبض وفتحه كمن يعرفه، فإذا أمامها سرير مرتب بعناية.
اتسعت عيناها بدهشة: إنها غرفة نومه بلا شك.
سعلت بخفة لتكسر الحرج وأجابت بتماسك مصطنع:
“كنت أظننا ذاهبين إلى المغسلة أو المطبخ.”
“في المغسلة يُغسل الثوب، لا يُستبدل. أما هنا، فستجدين ما ترتدينه.”
كان كلامه صحيحًا، فلا يمكنها تبديل ملابسها في المغسلة، لكن لم يكن من المتوقع أن تجد في غرفته ما يلائمها.
أجلسها على حافة السرير، ووضع صندوقًا خشبيًّا تحت قدميها المغطاتين بالوحل.
تبعت حركته ورفعت قدميها فوقه، بينما أخذ يفتح خزانته ويختار قميصين.
“سيكونان واسعين، لكنهما يصلحان للّبس.”
“آه… شكرًا.”
أخذت القميص مرتبكة، فكان واسعًا طويلًا يكاد يصل إلى ركبتيها. لو طوت أكمامه لربما بدا مقبولًا.
لكن المشكلة الحقيقية كانت في تنورتها الملطخة، ولم تجرؤ على طلب سروال أيضًا، إذ بدت مطالبة أكثر من اللازم.
وبينما تتردّد، عاد ديميان ومعه جريدة قديمة، فجلس على ركبتيه أمامها وأمسك بكاحلها ورفعه.
صرخت مذهولة:
“مـ… ماذا تفعل؟!”
“أنظف الحذاء من الوحل.”
“دعني أفعل ذلك بنفسي!”
“ستقعين لو تحركتِ هكذا. دعيني أتولى الأمر، أسرع وأنظف.”
لم ينتظر ردها، بل خلع حذاءها بعناية وبدأ يمسح الوحل بالجريدة، ثم غسل البقع المتصلبة بماء جلبه في دلو، وأنهاها بتنشيف الحذاء.
غريب…
شعرت كلير بالحرج من هذا القرب. لم تعتد على لمسات العطف، ولم تدرك هذه الحقيقة إلا بعد أن عرفت معلمها يوري.
منذ ذلك الحين فقط اختبرت معنى اللمسة الحانية، بعدما كانت قد نسيتها منذ طفولتها البعيدة.
لذلك لم يكن صعبًا عليها التعامل مع إيان، هدفها الأول، لأنه لم يكن في مشاعره نحوها شيء من الصدق.
لكن إن لم يكن مثل إيان، إن لم تكن العلاقة واضحة الغرض…
لا يجب أن يحدث هذا. لا ينبغي أن أقترب هكذا.
فهو ليس هدفًا مباشرًا، ولا بعيدًا تمامًا عن المهام ليُهمَل. إنه شخص يتجاوز الحدود المرسومة بلا انقطاع.
هل هذا ما يربكني؟ هذا القرب الملتبس؟
بينما كانت غارقة في هذه الأفكار، رفع داميان رأسه إليها وابتسم بمرح كطفل مشاغب.
“هل أخيفك؟ اجلسي بهدوء، ساقاك متشنجتان.”
سحبت رجليها وجلست بشكل أفضل قليلًا.
لكنه كان قد نزع حذاءها، وكانت تجلس فوق سريره، ما زاد ارتباكها.
خفضت بصرها إليه، فإذا به ينصرف إلى تنظيف الحذاء، وشَعرُه البني الكثيف يتمايل مع حركته، وعنقه المشدود يفضي إلى كتفين عريضين، وعظام ترقوته تمتد كقرون غزال شامخة.
حبست أنفاسها وهي تتأمله.
“انتهيت تقريبًا.”
لم تستفق من شرودها إلا حين كلمها، فأدركت أنها كانت تحدق فيه بلا نفس.
أعاد الحذاء إلى قدميها، وأطبق كفيه على كاحليها برفق وهو يضعهما على الأرض.
“ها قد انتهينا.”
رفع نظره إليها بعينين صافيتين كعيني غزال، برغم جسده القوي المثير.
أليس هذا ظلمًا؟
أي امرأة يمكنها مقاومة مثل هذا التضاد؟
قفزت كلير واقفة فجأة حتى اهتز السرير من ورائها. رفعت ذقنها بتعمد وكأنها متعالية.
“شكرًا لك.”
احتضنت القميص بين ذراعيها، وهمّت بالهرب من تلك النظرات. لكن صوته استوقفها:
“لحظة.”
التقط شيئًا من درج وقدّمه لها.
نظرت فإذا هو سروال سباحة رجالي رقيق، يشبه سروال صيد فتيان، لكنه أخف قماشًا. عرفته حالًا، فقد كان لوري في قصر الكونت يرتديه صيفًا دائمًا.
تساءلت بعينيها عمّا يعني، فاكتفى بهز كتفيه.
“ألستِ بحاجة إليه؟ إن كنتِ ستكتفين بارتداء القميص كفستان، فهذا يسعدني أكثر.”
“أعطني إياه.”
خطفته من يده بحدّة وهي ترمقه بنظرة ساخطة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 7"