ازدادت ارتباكًا، فبدأت تتخبط بذراعيها محاولة النهوض سريعًا، لكن كلما حاولت أكثر اختل توازن جسدها أكثر.
تمسكت بما علق بأطراف أصابعها كما لو كان حبل نجاة، حتى تمكنت أخيرًا من رفع جسدها.
ولم تدرك إلا بعدما نهضت إلى منتصف الطريق أن ما أمسكت به لم يكن سوى ربطة عنق الرجل.
فزعت بشدة حتى نسيت أنها داخل السيارة، واعتدلت كالنابض بقامتها.
“آه!”
في تلك اللحظة، ارتطم جسدها محدثًا صوت “كُوُنج”، واهتزت السيارة اهتزازًا خفيفًا.
ارتطم رأس “كلير” بقوة بسقف السيارة، فخفضت رأسها وهي تُصدر أنينًا من الألم. كان الوجع شديدًا حتى كادت الدموع تترقرق في عينيها.
“آه… يؤلمني…”
برقت عيناها كأن صاعقة أصابتها.
مجرّد توقف مفاجئ للسيارة جعلها، وهي عميلة نخبة في جهاز “تشيكا”، ترتبك إلى هذا الحد!
لو رآها أستاذها الآن، لقال إنها لا تصلح حتى لتحليل المعلومات في المكتب، فضلًا عن العمل الميداني، ولما تردد في النقر بلسانه ازدراءً.
لحسن الحظ أن أستاذها غير موجود هنا. لكنّ ما حدث يظل مخزيًا بالفعل. بل شديد الخزي.
ولم يكن مفاجئًا…
“ها… هاها!”
داميان، الذي تابع كل ما جرى برباطة جأش، لم يستطع أخيرًا كبح ضحكته فانفجرت من بين شفتيه.
“هاهاها!”
رغم أن الألم جعل “كلير” تعقد ما بين حاجبيها، فإن صوت ضحكته كان منعشًا وعذبًا إلى درجة أنها التفتت نحوه تلقائيًا.
ضحكة ذكّرتها بالبحر.
ضحكة تُحاكي ما قاله أحد الشعراء: “الزبد الذي يتركه الموج يرسم بياضًا فوق سطح الماء”.
ضحكة بيضاء كالزبد.
يا للعجب! حتى ضحكة رجل يمكن أن تكون بهذا الصفاء والانتعاش.
لكن، ومهما يكن… يظل الأمر مزعجًا. مزعجًا للغاية.
ظل الرجل يضحك بلا توقف، وكأن اصطدام رأس “كلير” كان أمرًا يبعث على البهجة الشديدة.
أخذت “كلير” تربّت على الورم الذي انتفخ في رأسها، ثم رمقته بنظرة ممتعضة لطيفة، فيها شيء من العتاب.
حين التقت عيناهما، تدارك الرجل نفسه، فسعل سعالًا قصيرًا يخفي به ضحكته، ثم قال:
“أعتذر، كان علي أن أقود أفضل من ذلك. لكنني… أعني… إنني ضحكت لأنني لم أستطع فعل غير ذلك…”
قطّب أنفه قليلًا وأطلق صوتًا مترددًا مرتبكًا، ثم دارت عيناه نحوها ناظرًا باستعطاف.
“يمكنك اعتبار الأمر رد فعل انعكاسي… شيء من هذا القبيل، هل تتفهمين؟”
“في المرة القادمة التي يقع فيها شيء مشابه، سأضحك أنا أيضًا، لذا لا تتحامل عليّ حينها، والآن اضحك بقدر ما تشاء يا سيد ويلز.”
“أحقًا؟ هاهاها!”
مع أن كلامها كان ساخرًا صريحًا، إلا أن الرجل لم يُبدِ أي انزعاج.
ولم تتوقف ضحكته إلا بعدما فقدت “كلير” صبرها، وصرخت فيه غاضبة تسأله إن كان يدرك كم أصبح الورم في رأسها كبيرًا.
حتى بعد أن توقف، ظلّت ابتسامة رقيقة مرسومة على شفتيه، لكن “كلير” تغاضت عنها هذه المرة.
فهي لم تستطع إنكار أنها وجدت في أسلوب “داميان” المرح الواثق، ووسامته، ما يعجبها بحق.
حين ترجّلت من السيارة، ألقت “كلير” تحية خفيفة باتجاه “داميان” الذي كان يستند إلى المركبة.
“لقد كانت رحلة مريحة بفضلك. شكرًا لك.”
“لقد استمتعت بعد زمن طويل. وأرجو ألّا تمانعي إن أوصلتك إلى وسط المدينة بعد انتهاء دوامك كل يوم.”
“لو لم يحدث ذلك الحادث في منتصف الطريق، لكنتُ صدّقت أنك استمتعت حقًا، وربما حتى شعرت بالسرور لدرجة مربكة…”
لمست بيدها مكان الورم في رأسها.
“لكن بما أنني أعلم أنك وجدت متعة في السخرية من مظهري المضحك، فلا أجد في الأمر أي رومانسية على الإطلاق.”
أطلق الرجل ضحكة جديدة، منعشة كالتي سبقتها، ضحكة تجعل من يسمعها يشعر بالراحة.
“لا تقولين ذلك. أنا حقًا آسف لما حدث. لكنني كنت سعيدًا لمجرد أنني استطعت مرافقتك يا آنسة كلير.”
“مستحيل.”
“أرجوك امنحيني فرصة للتعويض.”
جاء صوته جادًا هذه المرة.
خلع قبعة الفيدورا السوداء التي كان يرتديها دومًا، فانحدرت خصلات شعره البني على جبهته.
وبدت عيناه الدافئتان لامعتين تحت حاجبيه الكثيفين، تتوجهان إليها بنظرة ندية.
“الأمر هو…”
وما إن همّت “كلير” بالرد، حتى باغتها عبق عطر العود، العطر ذاته الذي فاح من بين ذراعيه حين ضمّها.
وبمجرد أن لامس العطر أنفها، تتابعت الذكريات في ذهنها: صدره الصلب، فخذاه القويتان، ذراعاه الغليظتان اللتان أحاطتا برأسها بحذر، ودفء جسده.
شهيق… اختنقت الكلمات في صدرها.
كان يجب أن تجاري الموقف كمزحة، لكنها أضاعت التوقيت.
ولم يترك الرجل هذه الثغرة، فأضاف بسرعة:
“أرجوك.”
خفض عينيه في رجاء، ثم رفعهما ببطء، والتقت نظراته بنظراتها مباشرة.
كدتُ أومئ برأسي.
لا.
في لحظة حاسمة، تذكّرت “كلير” طبيعة علاقتها به.
لا يجوز. لا يمكن. هذا مستحيل.
قبضت يدها بشدة، وراحت تردّد نفيًا في سرّها.
هذا الرجل لا يصلح. ليس إلا وسيلة لأستدرجه وأستخرج منه المعلومات.
قد يفيدني التقرّب منه يومًا، لكن ليس بهذا الشكل. أبدًا.
وبصعوبة استعادت هدوءها وقالت مبتسمة:
“ما زلت غريبة عن شؤون الفيلا. لذا حتى أعتاد على الأمر، أرجو أن تساعدني كثيرًا. بهذا ستعوّضني بسرعة عن إحباط اليوم.”
كان ينتظر جوابها وهو متوتر، كتفاه مشدودتان، فلما سمع كلماتها تنفّس بعمق حتى ارتفع صدره وهبط.
وبدى على وجهه ارتياح خفيف، لكن في عينيه بريق حماسة غريبة، وهو يجيبها بنبرة مازحة مفعمة بالتحدي:
“كما تأمرين. لكن ذلك لن يكون كافيًا. ستضطرين إلى إستخدام خدماتي طويلًا جدًا.”
“أوه حقًا؟ لم أنوِ إثقالك إلى هذا الحد. فهل أعفيك الآن مباشرة إذن؟”
تدلّت حاجباه مصطنعًا ملامح حزن.
“لم أعلم أن كلمة ‘إعفاء’ يمكن أن تبدو قاسية إلى هذا الحد.”
“بل أراها حكمًا رحيمًا وعادلًا للغاية.”
“عجبًا! ظننتك صحفية فقط، فإذا بك ملمّة بالقانون أيضًا!”
“وأنا بدوري لم أكن أعلم أن لدي موهبة كهذه، حتى اليوم.”
تبادلا المزاح، والتقت عيناهما.
حاولت أن تحوّل بصرها، لكنها لم تستطع.
أعاد ارتداء الفيدورا فوق رأسه، وخطا نحوها بخطوة واحدة ليصير أمامها مباشرة.
“إذن، اليوم… كلانا…”
كان قريبًا إلى حد أن أنفاسها خشيت أن تُسمع.
حاولت أن تبدو هادئة وهي تنظر إليه.
ظلّ يُحدّق فيها طويلًا، ثم انخفض صوته فجأة إلى همس دافئ:
“اليوم هو يوم اكتشفنا فيه الكثير من الأشياء. أنا وأنت.”
مرة أخرى… قلبها يخفق. يسقط بلا حول ولا قوة، يهوي كقوسٍ في هاوية، في بحر عميق.
ارتطام! زبد! موج يتكسّر!
يتصاعد مع غرق قلبها زبد أبيض يشبه ضحكته.
ضحكة بيضاء كالزبد الذي يتلألأ فوق الأمواج.
ولم يعرف قلبها البحر إلا حين حاكى ضحكة الرجل، فانفجر الزبد الأبيض ليمنحها أنفاسًا جديدة.
“أراك غدًا.”
تمكّنت “كلير” من لفظ هذه العبارة بصعوبة.
ثم أدارت جسدها هاربة، تمشي مسرعة دون أن تلتفت.
ولم تستفق إلا بعد أن دارت حول زاويتين وقطعت الطريق ثلاث مرات، لتكتشف أنها تجاوزت وجهتها بمقدار شارعين كاملين.
وكانت الشمس قد غابت بالفعل، وأضاءت مصابيح الغاز أرجاء المدينة.
“سيدماوث” المدينة الساحلية، كانت تختلف عن شارع “كوينز رود” الصاخب. فهي صغيرة، حالمة، فاتنة بجوها الرومانسي.
في الصيف، تُصبح مقصِدًا للسيّاح الباحثين عن أجواء فريدة وهادئة، لذا كان زوّارها يعودون كل عام.
وكنتيجة، تزدحم مطاعم المدينة ومقاهيها وحاناتها، خصوصًا قرب الفنادق والمسرح الكبير، ولا سيما بعد انتهاء العروض.
عادت “كلير” سيرًا حتى وصلت غايتها، فتوقفت أمام محل للأزياء الراقية مقابل “مسرح لامون”.
كان على الباب لافتة “مغلق”. فأظهرت على وجهها ملامح أسف مصطنع.
رفعت معصمها ونظرت إلى الساعة.
الثامنة وثلاث عشرة دقيقة.
ثم وقفت تحدّق بإعجاب في ثوب الحرير المعروض على المانيكان خلف زجاج العرض.
كان فستان حورية بحر، مُرصّعًا بحبات لؤلؤ صغيرة تصطف على طول فتحة العنق.
ظلت واقفة، كأنها لا تستطيع مفارقة المشهد من شدة إعجابها.
وبينما كانت تعدّ حبات اللؤلؤ واحدة تلو الأخرى، لاحظت انعكاس جماهير تخرج من بوابة المسرح خلفها.
استدارت برشاقة.
كان هناك أشخاص يعبرون الطريق عائدين إلى فنادقهم.
فاندمجت معهم، واتخذت الاتجاه المعاكس.
ثم عبرت الطريق ودخلت الحانة الملاصقة للمسرح.
جلست مباشرة على البار، وطلبت كأس بيرة.
وصل الكأس سريعًا. ارتشفت قليلًا من رغوته البيضاء، ثم أخذت تنقر حافته بأصابعها وهي تلقي نظرات نحو المدخل.
وأخيرًا نهضت كأنها لم تعد تحتمل، واقتربت من الساقي.
“هل يمكنني استخدام الهاتف قليلًا؟”
رفع الساقي بصره إليها.
“بالطبع يا سيدتي.”
وأشار إلى كابينة هاتف في ركن القاعة.
اقتربت “كلير” وأمسكت بالسماعة، وأدارت الرقم.
وبينما كان الرنين يتردد، استدارت لتسند ظهرها إلى الجدار، تراقب وجوه الداخلين.
شابة بخجل يعلو وجنتيها، شاب يرافقها بوجه متوتر، زوجان يمسكان بأيدي بعضهما، رجل مسن أنيق يضع يديه في معطفه.
لم يكن أيٌّ منهم يبدو من سكان “سيدماوث”.
“تَك.”
ارتفع صوت رفع السماعة من الطرف الآخر. تنفست “كلير” بفرح، ورفعت صوتها قائلة:
“مرحبا، عزيزي!”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 5"