كلير رمشت بسرعة.
كانت رئيسة الخدم تنظر إليها بنظرة متسائلة. فسارعت كلير إلى تدارك ملامحها، وخفضت عينيها.
“نعم.”
لا يمكن أن يكون هو. هذا مستحيل.
الصوت الذي ناداها باسمها ليس حقيقيًا.
تحدث مثل هذه اللحظات أحيانًا. حين تطفو ذكرى مدفونة على السطح في موقف لا علاقة له بها، في شيء لا يشبهها، أو بطريقة غير متوقعة تمامًا.
وهذا ما حدث الآن. مجرد أمر عابر شائع الحدوث.
لذلك…
“أنا داميان ويلز.”
إنه ليس هو.
الرجل الذي اقترب بدا في قامته وهيئته شبيهًا بشكل مذهل بـ إيان كالابرييل.
وهذا كل شيء.
فلا صوته، ولا ملامحه، ولا لون شعره يشبهه. لم يكن بينهما أي شبه آخر.
كان مختلفًا تمامًا لدرجة أن كلير استغربت كيف خطر لها لوهلة أنه يشبهه أو كيف تذكرت صوته وهو يناديها.
مدّت كلير يدها نحو الرجل.
“كلير بينيت.”
تردد داميان قليلًا قبل أن يمد يده لمصافحتها.
لم يأخذ يدها مباشرة، بل مسح كفه بخفة على سرواله وهو يبتسم بخجل.
“كنت أتفقد المحرك قليلًا.”
صافحها بخفة، وبساطة واضحة في تصرفاته.
بدت فيه عفوية ونقاء شاب من الطبقة الوسطى المتعلمة.
“ابتداءً من الغد سترون بعضكم كثيرًا في القصر. كلاكما سيكون قريبًا من الدوق، فستكون هناك مناسبات كثيرة لترافقاه معًا.”
تدخلت رئيسة الخدم بينهما.
فأفلتت كلير وداميان أيديهما وتراجعا بشكل طبيعي. بقي إحساس لمسته عالقًا على أطراف أصابعها.
‘إنه ليس هو.’
همست كلير لنفسها كأنها تعدها.
شاب من الطبقة الوسطى، متعلم. بتلك البساطة والنقاء في كلامه وتصرفاته. رجل يمسح الزيت العالق بكفه على سرواله بعد أن تفقد محرك السيارة قبل أن يمد يده للمصافحة.
هل يُعقل أن (هو) إيان كالابرييل، ينحني ليصلح سيارة بيديه الملطختين بالزيت؟
لقد كان مجرد لقاء عابر مع رجل يشبهه في الطول والبنية، ليس إلا.
فيما كانت كلير غارقة في أفكارها، يبدو أن رئيسة الخدم قد أخبرت الرجل بأنها ستذهب إلى المدينة.
اقترب منها داميان وهو يرفع قبعته، ودعاها بأدب لتستقل السيارة.
“سأوصلكِ إلى المدينة.”
كان قريبًا جدًا… وضخمًا حقًا.
مع أنها ليست قصيرة القامة، وجدت كلير نفسها مضطرة إلى رفع رأسها كثيرًا لتنظر إليه.
طبيعي إذًا أن يخطر ببالها إيان. فمن كان يظن أنها ستقابل شخصًا بهذا الحجم ثانية في مثل هذا الريف؟
ابتسمت بلا وعي، معتبرة أن اضطراب عقلها أمر طبيعي.
ويبدو أن داميان فهم ابتسامتها على أنها موافقة.
“لحظة واحدة.”
قال ذلك ثم استدار مبتعدًا قبل أن يتسنى لها منعه.
“آه، أنا…”
لكن الرجل كان قد ابتعد بالفعل بخطواته الطويلة السريعة.
“أراكِ غدًا، آنسة بينيت.”
حتى رئيسة الخدم تركتها واقفة على نحو مرتبك وعادت إلى القصر.
وبدت راضية بأنها لم تترك الآنسة الشابة تعود سيرًا وحدها.
بقيت كلير وحيدة، ولم تستطع إخفاء ارتباكها، فراحت تركل بأطراف حذائها الجلدي البني الحجارة المصفوفة تحت قدميها.
وبعد لحظات، ومع صوت خافت للمحرك، خرجت سيارة سوداء من خلف القصر وتقدمت بسلاسة حتى توقفت أمامها.
كان انعقاد مجلس النبلاء في النصف الأول من العام قد طال على غير المعتاد. ففي مثل هذا الوقت عادة، يكون دوق هيمينغهام قد وصل إلى قصره الصيفي، لكن ارتباطاته الرسمية في العاصمة تأخرت، وبالتالي تأخرت زيارته.
“وعليه، يبدو أن الدوق سيقيم في القصر الصيفي مدة شهر تقريبًا.”
وبعد أن ذكر لمحة عن جدول الدوق، أعاد داميان تقديم نفسه.
أوضح أنه سيكون مرافقًا للدوق طوال فترة إقامته، بينما يتولى إدارة ممتلكاته في سيدماوث وما يحيط بها في غيابه.
ثم شرح لكلير طبيعة عملها:
“رئيسة الخدم متقدمة في السن. والدوق يفضل أن يقضي وقته هنا بعيدًا عن الأعين، لذا يريد أن يقلل عدد الخدم قدر المستطاع… وسيكون من الصعب عليها تدبر كل الأمور وحدها.”
“من الطبيعي أن يكون الأمر كذلك.”
“ستساعدينها في شتى المهام، وحين يأتي الدوق إلى سيدماوث سيكون دورك أن تضمني له إقامة مريحة قدر الإمكان، عبر خدمته عن قرب. والأمر…”
رفع داميان كتفيه بابتسامة وهو يلتفت إليها:
“الأمر أن الذهاب إلى محلات الأزياء أو البضائع الفاخرة مثلاً، يحتاج إلى ذوق الشابات، وليس من رجل أو عجوز، مثل رئيسة الخدم أو أنا.”
“رغم أنني لا أزعم أن لي خبرة كبيرة في هذا المجال…”
“لا بأس. لا نتوقع تمييزًا استثنائيًا.”
‘هذا ليس لطيفًا.’
لم تعرف كلير كيف تفسر كلامه في البداية، فاختارت الصمت. واصل داميان شرح مهمتهما:
“مهمتك ببساطة، أن تكوني برفقتي صديقة حديث للدوق. نحن الاثنان، أنا وأنتِ، سنكون جليسيه.”
“آه… لهذا ورد في إعلان التوظيف أن خبرة التدريس المنزلي تُعتبر ميزة إضافية.”
“هاها، في الحقيقة…”
ابتسم داميان بابتسامة محرجة.
“بالطبع خدمة الدوق تختلف عن التدريس. لكن… صدقيني، ستجدين العمل مرضيًا. الدوق رجل كريم. في كل يوم للراتب، تتأكدين من روعة شخصيته.”
أضاف كأنه يمزح، فضحكت كلير معه وهي تجلس إلى جانبه في السيارة.
حين ركبت السيارة أول مرة، بقي طيف إيان يربكها ويجعلها متوترة. لكن مع انطلاق السيارة وحديثهما، بدا واضحًا أن داميان مختلف عنه تمامًا، ليس في الشكل فحسب، بل حتى في شخصيته.
“لقد نشأت هنا، لكن لم أكن أعلم أن القصر والمزارع المحيطة ملك لعائلة الدوق.”
“أوه، إذن هذا موطنك؟”
سألها الرجل بخفة، فتفاجأت كلير. لكنها قالت ما سبق أن أفصحت به.
“نعم… منذ بلغت سن الرشد، انتقلت إلى كوينزلاند للدراسة ثم عملت في الصحافة، ولم أعد إلا بعد سنوات.”
خفضت صوتها لتجعل وقت مغادرتها كوينزلاند غامضًا.
“أفهم.”
نظرت كلير إلى ملامحه الجانبية خفية.
حاجبان بنيان عريضان، أنف مستقيم بارز، شفتان محكمتان بدت عليهما الصلابة.
كان وسيمًا.
وإن لم يكن في جمال إيان الشيطاني غير البشري…
‘ سخافة.’
أغمضت كلير عينيها بقوة ثم فتحتهما لتطرد فكرة إيان.
‘جنون. لمَ أعود لأفكر فيه كل مرة؟’
“هل درستِ في رامفورد؟”
‘رامفورد؟ لم أقترب حتى من هناك…’
إذ منذ أن بلغت سن الرشد، التقت أستاذها في كوينزلاند وانتقلت معه إلى كامشاتكا.
لكنها كانت تملك أوراقًا تثبت عكس ذلك. شهادة جامعية مزيفة من رامفورد ضمن عدة وثائق زائفة أُعدّت لتدعم هويتها. وكانت تلك الشهادة دقيقة لدرجة تكفي لاعتمادها في البرلمان.
“كيف عرفت؟”
وسّعت كلير عينيها مظهرةً الدهشة.
“عرفت أنكِ عملتِ في الصحافة.”
“لكن معظمهم يظن أنني من مدرسة سانت نيوماس للبنات.”
“خريجات سانت نيوماس غالبًا يتزوجن أو يدخلن مجال التدريس. أما الصحافة، فيصعب أن تلتحق بها امرأة ما لم تكن من كليات مرموقة كرامفورد.”
التفت إليها بقلق كأنه يخشى أن يُساء فهم كلامه.
“أنا أؤمن أن أي شخص، أيًا كانت خلفيته، لا يجب أن يُحرم من متابعة عمل يحبه. ونظرة الناس الدونية لخريجات مدارس البنات ليست خطأ الطالبات ولا المؤسسات.”
“إذن، خطأ من؟”
رغم أنها لم تدرس في رامفورد ولا في سانت نيوماس، أظهرت كلير اهتمامًا بما يقول.
نادراً ما تتاح الفرصة للاستماع إلى رجل شاب يتحدث بهذه الطريقة.
وفي الحقيقة، أرادت أن ترى إلى أي حد يستطيع المضي في حديثه.
“الخطأ… آه!”
وقبل أن يكمل، توقفت السيارة فجأة.
انحرف السائق متجنبًا شيئًا قفز أمام السيارة.
“آه!”
انطرحت كلير إلى الأمام بقوة بسبب التوقف المفاجئ، إذ كانت جالسة قرب المقعد الأمامي، مائلة بجسدها نحو السائق لتتفادى رزمة من الكتب المكدسة.
“كلير!”
خطفها داميان بسرعة إلى حضنه ليقيها الصدمة، وحما رأسها بذراعه.
اجتاحها عبق خشبي عميق يشبه رائحة الغابات.
“هل أنت بخير؟”
“آه…”
لمحت بعينيها وهي في حضنه صدره الصلب تحت القماش.
دقات قلبه القوية كالرعد ارتطمت بخدها. احمرّ خدها الملامس لياقته.
حاولت أن تنهض بسرعة، تتلمس شيئًا لتدعمه، لتدفع نفسها مبتعدة.
لكن ما لامسته يدها كان فخذ الرجل.
شُدّت عضلات فخذه بقوة تحت لمستها المفاجئة.
“آسفة، لم أقصد…”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"