مدّ لوري يده إلى جيبه وأخرج سيجارًا، فأشعله.
قال وهو ينفث الدخان، وعيناه المترنحتان من أثر الخمر تلمعان ببلادة
“الآن فهمت.”
ثم راح يهذي بكلام فارغ حاول أن يُلبسه هيئة حديث عاقل
“أهذا إذن سبب تجوالك كل يوم بحجة تلك الجريدة التافهة؟”
كان من السهل على كلير أن ترى بوضوح ما الذي يملأ رأسه الفارغ من تصورات قذرة، حتى إن الأمر بدا لها مملًا حد التثاؤب. لم يكن هناك أي سبب لتقع في فخه.
فاكتفت بابتسامة مصطنعة وقالت
“لا أفهم ما الذي تقوله.”
لكنها في تلك اللحظة أدركت أنه اتخذ قراره بالبقاء في مكانه، متشبثًا كالصخرة.
وسيارة داميان لم تتحرك بعد. ولأن لوري اعتاد التهور، فقد يفتح الباب في أي لحظة ويصرخ في وجهه. شعرت كلير بالقلق، وقررت أنّ عليها أن تبتعد ولو وحدها.
“لدي موعد عشاء مع مصدر صحفي، ويجب أن أذهب. لقد عدت للتو من مقابلة، ولا وقت لدي. إذن، أراك لاحقًا.”
استدارت كلير بخفة وهمّت بالرحيل، لكن لوري جذبها بعنف من ذراعها ليوقفها.
وحين التفتت، كان يمسكها بيده الأخرى التي لا تحمل السيجار.
قال وهو يقطر سمًّا
“أطعمتُ يتيمة من كمشاتكا، كان مآلها أن تنتهي عاهرةً تقتات على البغاء، وها أنتِ تثبتين أن الدم لا يُخفي نفسه. أترين؟ في النهاية تفعلين أفعال العاهرات! أنتِ من تظنين نفسك وريثة حقيقية لأسرة الكونت، أليس كذلك؟”
انفجر ما كان يُخفيه بالكاد داخل قصر الكونت من عقدة الدونية، فظهر عاريًا بلا قناع.
كان يضحك عليها بمرارة، راغبًا أن ترافقه في مستنقعه، أن تثور وتنهار مثله.
إنه نفس الإحساس بالهزيمة والحسد الذي كان يتملكه كلما نظر إلى كلير منذ طفولتهما.
لكنها لم تُجاره يومًا، ولا في هذه المرة.
لم يكن يثير فيها أي انفعال، غير أنها لم تستطع أن تمنع ضحكة ساخرة حين سمعته يصفها بالوريثة.
وريثة؟
وأي إرث بقي لها أصلًا، ولو فلسًا واحدًا؟
بل إن ثروتها التي جمعتها من عملها السري كعميلة كانت كفيلة بأن يُغمى على لوري من الغيظ لو علم بها.
لكنها لم تفكر أبدًا في أن تُطلعه على ذلك. فالمتعة الحقيقية في مثل هذا التفوق الخفي هي أن يبقى سرًا دفينًا.
ابتسمت ببرود
“طبعًا لا، لوري. وكيف لي أن أرث؟ ما هذا الكلام الفارغ؟”
الوريثة لا تكون إلا في عائلة لديها ما يُورَّث. وماذا لديهم ليتركونه؟ الديون؟
ردّت بابتسامة واثقة، فأربكته للحظة. لكنه ما لبث أن احمرّ وجهه وعقد حاجبيه، وقد أثار جنونه أنها لم تنفعل كما أراد.
صرخ
“يا لهذه الوقاحة! يتيمة ضائعة لا يُعرف من أين جاءت، ومع ذلك لم تتوقفي يومًا عن السخرية مني! كنتِ هكذا منذ الطفولة!”
تنهدت كلير بعمق وقالت بهدوء
“اتركني، لوري. قلت لك إنني مشغولة.”
زمجر
“مشغولة؟ هراء!”
ثم أشار بازدراء إلى سيارة داميان الواقفة خلفها وصاح
“مشغولة بلعب دور عشيقة لذلك التافه؟ هل تنخدعين بمظهر تلك السيارة اللامعة، فتلهثين وراء حديثي الثراء؟ هه! وهل يمكن أن يخفي الدم أصله؟ مثل هذه الأمور تليق بنساء لاجئات من كامشاتكا. وأنتِ؟ انظري إلى نفسك! لستِ مختلفة!”
قالها وهو يشد قبضته على ذراعها أكثر فأكثر.
اقترب منها حتى كاد أنفاسه المتخمرة بالخمر تخنقها، فلفت وجهها لتقاوم الغثيان.
قالت بصرامة
“لوري، اتركني. لا تجعلني أكرر كلامي.”
كانت تدرك أنها لا تضاهيه قوة، لكن بمهاراتها القتالية تستطيع أن تفلت وترد الضربة. غير أن العيون تراقب: لوري، وداميان أيضًا.
لكن لوري تجاهلها، وضغط أكثر وهو يزمجر بصوت خافت، وعيناه ملتصقتان بفستانها الكريمي الضيق، خصوصًا عند خط الصدر المرصع باللآلئ الفاخرة.
قال بتهكم
“شخص مثلك من أين له بثوب كهذا؟ لا بد أنه ثمن عشيقة. أليس كذلك؟”
المثير للدهشة أنها لم تغضب.
فقد جفّت في داخلها منذ زمن بعيد أي مشاعر يمكن أن يثيرها.
ببرود عقلي قاتل أخذت تفكر: لماذا لا ينبغي أن تقتله الآن؟
والإجابة لم تتأخر
أولًا، لا يجوز أن تحدث فوضى قبل إنهاء المهمة.
ثانيًا، مثل هذا الحشرة لا يستحق أن تُهدر عليه وقتها أو جهدها أو مواردها.
لكنها أيقنت: لو جاء اليوم الذي ستقتله فيه، فسيكون ذلك خطأه وحده.
قالت بلطف مصطنع
“لقد ثملت كثيرًا، لوري.”
لم يفهم مقصدها، بل زادها اختبارًا
“أتجرئين على معاملة شقيقك كسكير؟”
شقيق؟!
قبل قليل نعتها بالغريبة، والآن يستحضر صلة القرابة حين يحتاجها؟ كأن العائلة عنده زر يُطفأ ويُشغَّل حسب هواه. يا له من منطق مريح!
قالت بجدية وهدوء
“أقول هذا من باب القلق عليك. لكنني حقًا على وشك أن أغضب يا لوري.”
ولم تكن غاضبة، ولن تكون.
أما هو، فقد كان غاضبًا منذ زمن بعيد، منذ أن وصلت كلير إلى القصر.
“أنتِ!”
صرخ وهزّها بعنف وهو يجرّها إليه، حتى بدت كدمية متدلّية بخيوطها.
كانت متيقظة ألا تنفلت منها ردة فعل قتالية لا شعوريًا، فاختارت أن تُسلم جسدها بلا مقاومة.
وفي تلك اللحظة بالذات، سمعا صوتًا منخفضًا وهادئًا
“الآنسة الصحفية.”
كان داميان.
خرج من السيارة واقترب منهما.
كانت قد توقعت أنه يراقب الموقف من داخلها، وها قد ثبت حدسها. ترك الأمر أولًا ليتبين مجراه، ثم تدخل حين كاد يتفاقم.
زفرت كلير بارتياح.
لم تعرف هل كانت تريده أن يتدخل أو أن يرحل، لكنها الآن أحست بالطمأنينة.
اقترب بينهما وهو يحمل حقيبة تسوّق كبيرة، بدا حضوره مثل جدار فاصل. وبهيئته الضخمة بدا لوري الضئيل كصبي ناقص النمو.
ولسبب ما، لمعت في ذهن كلير صورة كلب دوبرمان أو شيبرد يتسلل وسط كلاب صغيرة في نزهة، وكادت تضحك، لولا أنها تماسكت سريعًا.
لحسن الحظ، كان لوري مشغولًا بالتحذّر من داميان فلم يلحظ شيئًا. ارتسمت على وجهه علامات الذعر وهو يتراجع خطوة، ويترك ذراعها.
‘أحمق…’ قالت كلير في نفسها ساخرًة.
قال داميان وهو يناولها الحقيبة
“لقد نسيتِ مواد التحقيق.”
لابد أنه سمع من داخل السيارة ما كان لوري يصرخ به عن الجريدة.
شكرت سرعة بديهته في التقاط خيط الموقف، وأخذت الحقيبة منه. كانت خفيفة جدًا، كما توقعت، لا تحمل شيئًا سوى غرض شكلي.
ابتسمت شاكرة
“شكرًا لك، كنت بحاجة ماسة إليها في موعدي القادم.”
ثم التفت نحو لوري وسأل بهدوء وهو يتوسطهما بلباقة لافتة
“وهذا السيد… من يكون؟”
كان دخوله بينهما طبيعيًا حدّ أنه بدا كما لو كان يؤدي رقصة سلسة بلا أي تكلف.
وبتلك الحركة تراجع لوري إلى الوراء تمامًا.
أما داميان، فقد أخذ يتحدث بصوت صافٍ ومنتعش، كأن شيئًا مما حدث قبل قليل لم يقع أصلًا.
كان في نبرة صوته من البساطة والاتزان ما جعل حتى كلير نفسها تكاد تنسى أنه كان معها في السيارة قبل لحظات.
وبينما تمسك حقيبة التسوق بيدها، سبقت كلير لوري بالكلام قبل أن ينبس بشيء
“إنه شقيقي. يبدو أنه قد أكثر من الشراب قليلًا، وكنت أحاول إقناعه بالعودة إلى المنزل.”
رمقها لوري بعينين متقدتين من الغضب، بالكاد تُرى خلف جسد داميان الضخم الذي يحجبها.
كان واضحًا أنه يرغب في توبيخها على معاملته وكأنه سكير.
لكن على عكس ظنه هيئة الرجل الذي كان يعتقد أنه سيجده في تلك السيارة الفاخرة، مجرد ثري أصلع متغطرس، خرج أمامه شاب أنيق الطلعة، وسيم البنية، يتحدث بلكنة أرستقراطية أصيلة. فتضاءل فجأة حماسه وتراجع صوته.
وحين تلعثم لوري محاولًا أن يتكلم ثم سكت، ابتسم له داميان بهدوء ومد يده قائلًا
“تشرفت بلقائك. أنا داميان ويلز، زميل الآنسة كلير. لم أكن أعلم أن لها شقيقًا.”
“آه… ن-نعم، صحيح.”
تردد لوري قليلًا قبل أن يمد يده بدوره ويصافحه.
وفي تلك اللحظة، جعل داميان كلير تقف خلف ظهره، وهو يواصل مصافحة لوري بابتسامة هادئة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 14"