شعرت بوجود الرجل خلف ظهرها حيث لم تتمكن من رؤيته. سمعت صوت أنفاس قصيرة متقطّعة.
حين أدار جسده نحوها وأصدر حفيفًا خافتًا، ارتجف ذراعها ووقفّ شعره.
ومع ميلان جسده باتجاهها، أحسّت بأن مركز ثقل السيارة قد تحرّك قليلًا.
أنفاسه القريبة دغدغت بشرتها المكشوفة.
انعكست على النافذة الداكنة صورة وجهه وعيناه مغمضتان.
كما وعد، كان قد أغمض عينيه بإحكام وأطبق شفتيه بقوة حتى برز فكّه.
ما إن رأت وجهه، حتى شدّت قبضتها من تلقاء نفسها.
قالت بصوت ثابت
ـ “لقد أغمضتَ عينيك.”
ـ “……نعم.”
ـ “حقًا.”
تظاهرت كلير بالتماسك وأجابت بابتسامة مصطنعة
ـ “أعرف، أصدقك. آه!”
ـ “آه… عذرًا.”
كان يبحث عن الزر فأخطأ بيده ودفع كتفها بلا قصد.
تأوّهت كلير بخفوت عندما اندفعت إلى الجانب، فارتبك الرجل واعتذر.
ـ “لا بأس.”
شعرت كلير بأنها مضطرة لمساعدته.
أرخَت قبضتها وأدارت ذراعها إلى الخلف.
وعلى عكسه، كانت عيناها مفتوحتين، فرأت انعكاس ظله في النافذة وحدّدت موقع معصمه بدقة.
ـ “انتظر قليلًا…”
أطراف أصابعها الباردة مرّت على معصمه، فارتعش كتفه وهو ما يزال مغمض العينين.
لكنّه استعاد هدوءه سريعًا، شدّ فكه، وأمسك أعصابه.
غير أن التوتر الذي استبد بجسده كان جليًّا في انعكاس الزجاج.
وهي الأخرى لم تكن أقل توترًا.
خشيت أن يسمع دقّات قلبها. اضطرت أن تعدّ في سرّها وفق تقنيات التنفّس التي تدربت عليها.
حرّكت أصابعها بلطف فوق معصمه وأطبقت عليه.
خشيت أن تُفرط في شدّ قبضتها من شدّة انفعالها، فحاولت أن تكون حركتها خفيفة قدر المستطاع.
من شدّة خفّتها لم تدرك أنها كانت تلامس معصمه كما لو كانت تداعبه.
ساد السكون داخل السيارة، ولم يُسمع سوى أنفاسهما واحتكاك ثيابهما بالمقعد الجلدي كأنه دويّ رعد.
ببطء، جذبت كلير معصمه وأرشدته إلى طرف كتفها.
تبعها الرجل بانقياد خفيف غير مُثقل.
كان قد فهم ما تريد، فاستسلم لحركتها مطمئنًا.
ـ “هنا.”
لم يجب فورًا. تنفّس، ثم أطلق زفيرًا.
وبعدها قال بنبرة خفيفة، لكن صوته كان مبحوحًا متكسّرًا
ـ “شكرًا لك.”
طرف الفستان غير المُحكم الأزرار كان يغطي كتفها بالكاد.
مدّ الرجل يديه ووضعهما بخفة على كتفيها.
ثم، شيئًا فشيئًا، أخذت أصابعه الطويلة تتلمّس الطريق نحو المنتصف.
لم يطل الوقت حتى لامست أنامله الرقيقة بشرتها العارية.
عاهدت نفسها مرارًا أن تتظاهر باللامبالاة، لكنها فشلت.
ما إن لامست أصابعه بشرتها حتى ارتجفت.
أغمضت عينيها وعضّت على شفتيها، محاوِلة كتم أنينها، غير أن خصرها ارتعش برهافة.
أدرك الرجل أنه قد مسّ ظهرها بلا قصد، فاعتذر بصوت مرتعش
ـ “آسف.”
التقطت أنفاسها وأجابت بعد لحظة متأخرة
ـ “……لا بأس، حقًا. لستَ مضطرًا للاعتذار في كل مرة.”
ـ “آه… نعم.”
أخذ نفسًا عميقًا وأغمض عينيه، ثم واصل تلمّس الطريق بأطراف أصابعه على طول ظهرها بحذر شديد.
لكن حرصه المفرط كان يزيدها لهفة.
ملامسته المترددة التي تنزلق على بشرتها بخفة، مرسومة بخطوط طويلة، كادت تفقدها توازنها.
مرت لحظة كأنها دهر حتى وجد الزر المعلّق والطرف المقابل له.
يبست شفتاها عطشًا، وراودها شعور بالبكاء.
ـ “وجدته.”
خرج منها نفس مرتاح بلا وعي.
ـ “يبدو كذلك.”
تظاهرا معًا بالهدوء.
ومن تلك اللحظة صار الأمر أسهل.
تحرّكت أصابعه بخبرة واضحة، كأن خبرته مع ألعاب الطفولة لم تكن مزحة.
وبينما يبذلان قصارى جهدهما لإخفاء ما في داخلهما، كان قد وصل إلى الزر الأخير.
وعندما أغلقه، تنفّس عميقًا وانحسر التوتر عن كتفيه، وزفر بحرارة قرب عنقها الأبيض.
كان دافئًا جدًا.
شدّت كلير قبضتها على مقبض الباب حتى أوشكت أن تحطّمه، واعتدلت بظهرها.
ساد الصمت، لكنهما كانا يعلمان أن أحدهما سيتكلم أولًا.
خفض يده عن فستانها، وأصابعه بالكاد تلمس ظهرها، وقال
ـ “انتهيت.”
شعرت وكأنها استيقظت من حلم طويل.
التفتت ببطء ونظرت إليه، فإذا به يفتح عينيه وينظر إليها مباشرة.
تلاقت عيناهما، وساد الصمت. لم تستطع الكلام، على الأقل هي.
مسحت يدها المتعرّقة على المقعد الجلدي خفية.
ـ “شكرًا لك.”
ابتسمت بابتسامة مشرقة وكأن شيئًا لم يحدث.
ـ “يليق بك كثيرًا.”
قرب المسافة بينهما بسبب الأزرار، فبدت ملامحه الصلبة والرحبة أقرب.
خفضت بصرها نحو الزجاج الأمامي كي تخفي ارتباكها.
أما هو فاستمر في التحديق بها عن قرب، قبل أن يستدير ببطء.
وأثناء تشغيله السيارة، سألها
ـ “هل أوصلك إلى نفس المكان الذي أنزلتك فيه المرة السابقة؟”
كان عليها أن تقول نعم.
لكنها لم تحتمل ما يسيطر على جسدها من رجفة وحرارة وارتباك. أرادت النزول حالًا.
لذا قالت ما لم يكن ينبغي أن تقوله
ـ “سأنزل هنا وأتابع سيرًا، تذكرت أن لدي عملًا. شكرًا على الفستان.”
قالت ذلك بسرعة قبل أن يجيب.
ـ “أراك غدًا.”
أسرعت بقولها، ثم أمسكت حقيبتها وفتحت الباب بعجلة.
ارتباك مشاعرها حال دون أن تنتبه للطريق، فاصطدم الباب بشيء.
وسُمِع صوت خافت يشبه الأنين من الخارج.
حاولت إغلاق الباب بسرعة، لكن في اللحظة نفسها جذب أحدهم المقبض وفتحه بعنف.
فاندفعت إلى الخارج مُمسكة بالمقبض، وكادت تسقط لولا أنها أسرعت إلى الرصيف.
وقف رجل وقد كاد أن يتعثر بالباب، أمسكه وراح يسبّ بغضب
ـ “أي جنون هذا…! هيه، أنتِ الآنـ…!”
لكن صوته انقطع فجأة.
اتسعت عينا كلير حين رأت وجهه.
توقف الرجل عن الكلام، فتح فمه مصدومًا، ثم شهق.
ناداها باسمها
ـ “…كلير؟”
كان لوري.
ـ “ما الذي تفعلينه هنا…؟”
دفعت كلير صدره بسرعة وأغلقت باب السيارة خلفها.
لم يكن الوقت مناسبًا لسماع هراءه، وكان عليها أن تنصرف قبل أن يبدأ.
ـ “لوري! ما أغرب أن نلتقي هنا.”
قالت ذلك بنبرة متصنّعة، فرفع حاجبه ساخرًا كأنه لا يصدق.
ومع اقترابه من السيارة، هبّت منه رائحة الخمر. كان واضحًا أنه قد شرب كثيرًا منذ الظهيرة.
خطرٌ.
لوري، الذي يجيد الثرثرة حتى دون أن يثمل، كان إذا شرب يحاول أن يتكلّم كالبشر،
لكن صوته المخمور لا يُشبه كلام الناس أصلًا.
ـ “ما الذي تخططين له الآن؟”
ـ “عليك أن تعود إلى البيت يا لوري. أنت ثمل للغاية.”
قالت وهي تدفعه بعيدًا عن الطريق، محاولة إبعاده عن السيارة.
رغم أن بقاء داميان خلفها كان يشغل بالها، إلا أن ذلك جعلها أكثر إصرارًا على مغادرة المكان.
فالمكان الذي يقفان فيه لم يكن سوى زقاق خلفي في أكثر مناطق سيدماوث ازدحامًا، حيث تنتشر أشهر الفنادق والمطاعم.
وعلى عكس الشارع الرئيسي، بدا الزقاق أكثر هدوءًا، تتوزع على طوله مداخل فنادق من الدرجة الثانية أو الثالثة، أقل شأنًا من الفنادق الفاخرة.
وأثناء تغيير كلير ملابسها داخل سيارة داميان وإحكام أزرارها، كان النهار قد أوشك على الأفول، وبدأت السماء الغربية تصطبغ بحمرة المغيب.
أضواء الشارع اشتعلت مع حلول الظلام. وتحت وهج مصابيح الغاز الخافتة وقف لوري، متبرّمًا من دفع كلير له بعيدًا، فصفع يدها جانبًا وتصلّب في مكانه.
رفع عينيه محدّقًا بها من رأسها حتى قدميها، ثم عرّج بنظره نحو السيارة السوداء المتوسطة الحجم التي ما تزال متوقفة خلف كلير.
ارتسم على عينيه خط ضيق من الشك، قبل أن يعيد بصره إليها.
تجوّل نظره ببطء من حذائها إلى جواربها الحريرية، ثم حافة فستانها، فخصرها، حتى احمرّت وجنتاها من وطأة التحديق الملحّ.
وأخيرًا، مال فمه بابتسامة ساخرة وهمس ساخرًا
ـ “آها.”
كانت نظرته نحوها تنضح بالثقة، كأنه قد اكتشف سرًا عظيمًا مخبوءًا للتو.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"