“يمكن القول إنه من الامتيازات الخاصة التي ينالها الخدم المقربين.”
أرسلت كلير إليه نظرة مريبة مليئة بالشك.
“هل تقوم خادمة مقربة بمثل هذه الأمور أيضًا؟”
“بما أن ميول الدوق دقيقة ومعقدة للغاية، فمن مهام مدير هذا القصر الصيفي أن يُعِد كل شيء حتى لا يُهدر الدوق فترة العطلة القصيرة. عندما لم يكن هناك خادمة مقربة، كنت أقوم بذلك وحدي، لكن الآن وقد وجدتُ من يساعدني، فلا أرى داعيًا للرفض.”
ورغم هذا الشرح المفصل من داميان، إلا أن كلير لم تسحب نظراتها المليئة بالريبة. عندها ابتسم هو ابتسامة عريضة وقال
“لماذا؟”
أصبحت نبرته أكثر مكرًا
“هل تظنين أنه طلب موعد نابع من رغبة شخصية؟”
رفعت كلير يديها مستسلمة بالكامل. ثم أطبقت غطاء صندوق الفستان بقوة، وأشارت بيدها نحو النافذة وهي تقول
“إلى هذا الحد يكفي. فهمت، اخرج الآن. سأبدّل ملابسي. وإن نظرت، سأقتلك.”
“يا للهول.”
أنزل الرجل طرف شفتيه متصنعًا الحزن، ثم هز كتفيه بخفة
“حياتي عزيزة، لذا لن ألتفت أبدًا.”
فتح باب السيارة وهمّ بالنزول، فصاحت كلير على عجل نحو مؤخرة رأسه
“التزم بوعودك جيدًا!”
“كما تأمرين.”
رفع داميان إصبعيه إلى جبينه ثم حرّكهما في إيماءة تأكيد.
وبعد أن طردت الرجل إلى الخارج ـ بل طردته حرفيًا ـ أسندت كلير جسدها إلى المقعد الجلدي وأغمضت عينيها قليلًا لتستعيد هدوءها.
تراخت أصابعها الموضوعة فوق صندوق الفستان.
أن تكون أول امرأة في سيدماوث ترتدي السراويل يعني أن الخبر سينتشر في كل مكان، وهذا صحيح. لكن حتى لو ارتدت هذا الفستان، فلن يكون مجرد لفت للأنظار بل أكثر من ذلك بكثير.
كانت تدرك جيدًا أن مظهرها، وهالتها، يتركان انطباعًا قويًا لدى الناس.
وكان ذلك ميزة عظيمة كجاسوسة، لكنه في الوقت ذاته عيبًا قاتلًا.
ما أنقذها أن الوقت كان موسم الاصطياف، لذا حتى لو تأنقت، فستبدو مجرد مصطافة وسط بقية النزلاء.
نظرت إلى الخارج. كان الجزء السفلي من ظهر داميان بادياً، واقفًا ووجهه للشارع خلف الزقاق.
كان طويل القامة لدرجة أن معظم جسده العلوي اختفى عن النظر وهو واقف بجوار السيارة.
خطر لها فجأة أن تفتح الباب وتهرب، لكنها أدركت أن ذلك سيكون أغرب من مجرد الإصرار على رفض ارتداء الفستان.
فتحت الصندوق وأخذت الفستان بيديها. كان ملمس الحرير المنساب بين أصابعها مذهلًا.
وحين وقعت عيناها على اللآلئ، اجتاحها شعور بالذنب من جديد.
إحدى هذه اللآلئ وحدها تكفي لإطعام عشرات الأطفال في كامشاك وجبة كاملة.
ففي كامشاك، حيث أنهكتها الحروب الأهلية والصراعات الطويلة، انهارت الصناعات الأساسية ولم يبق سوى الصناعة العسكرية، والمجاعة مستمرة منذ سنوات.
لم يكن عليها أن تعتاد مثل هذه الأشياء. كان عليها أن تبقى على مسافة من كل رفاهية وراحة ستلقاها هنا.
لقد عاشت طفولتها وشبابها في كوينزلاند، وتعلمت أن هذا البلد الذي يبدو متألقًا وجميلاً لم يكن يومًا نبيلًا أو مسالمًا.
لو كانت بالفعل ابنة حقيقية لأسرة كونت، لما عرفت أبدًا هذه الحقيقة. وكان عليها ألا تنسى أبدًا كم هي جوفاء تلك المظاهر، مطلقًا.
وبينما تفكر في ذلك، عضّت بشدة على شفتها السفلى حتى سال طعم الدم المعدني في فمها.
فهدأ قلبها المضطرب، وانتشرت راحة غريبة في الألم الصادر عن شفتها الممزقة. فتنفست بارتياح.
هذا هو الصواب.
بذهن أكثر هدوءًا، بدأت تتفقد أزرار الفستان.
كانت أزرار صغيرة مغطاة بالقماش تمتد في خط واحد من مؤخرة العنق حتى أسفل الخصر. وأدركت بدهشة أن ارتداءه بمفردها سيكون صعبًا.
خلعت السروال القصير أولًا وهي جالسة. كان ملمس الجلد البارد على بشرتها العارية يشعرها بالرجفة.
وبينما تجلس بالملابس الداخلية في سيارة رجل، أحست وكأنها ترتكب شيئًا محرمًا.
رمقت داميان الواقف في الخارج بطرف عينها، ثم بدأت بارتداء الجوارب الطويلة.
سحبتها من كاحلها حتى أعلى الفخذ وثبتتها بالرباط المتصل بملابسها الداخلية.
ثم ارتدت الفستان حتى الخصر، وأخذت نفسًا قصيرًا قبل أن تخلع قميصها.
لكن حين رفعت رأسها لترى الخارج، شهقت فجأة.
لم يكن الرجل وحيدًا.
كان داميان ما يزال واقفًا يدير ظهره للسيارة، لكن إلى جانبه ظهر رجل آخر لم يكن موجودًا قبل قليل.
وقف الاثنان جنبًا إلى جنب، يوجهان نظرهما إلى الجهة المقابلة. ومن حركاتهما، بدا كأن أحدهما يسأل والآخر يجيب عن الطريق.
كلاهما كانا يديران ظهريهما تمامًا، دون أي نية للالتفات.
ومع ذلك، تجمدت كلير، غير قادرة على خلع قميصها أو ارتداء الفستان بالكامل، مكتفية بعناق حافة الثوب وهي متصلبة كالجليد.
انحدرت حبات عرق على ظهرها من فرط التوتر المفاجئ.
منحنية بجسد نصف عارٍ، ركزت كل حواسها على الخارج.
وفجأة تحرك داميان. فارتجفت كلير وانكمشت أكثر.
لكن لحسن الحظ، لم يتجه نحو السيارة ولا ابتعد، بل حرص بجسده العريض على حجب النافذة، ووضع يديه في جيبيه، مما زاد في ستر الرؤية.
عندها فقط أدركت كلير أنه كان يتعمد جذب انتباه الرجل الغريب إلى بعيد.
وبعد وقت قصير، رحل الرجل دون أن ينظر ولو لمرة واحدة إلى اتجاه السيارة.
رغبت في التأكد أنه ابتعد تمامًا، لكن جسد داميان كان يحجب الرؤية تمامًا.
بعد أن مر وقت كافٍ، استرخت كتفاها المشدودتان، وبدأت تفك أزرار قميصها ببطء.
خلعته ورمته على المقعد الخلفي، ثم أدخلت ذراعيها في أكمام الفستان وسحبت القماش إلى كتفيها.
وما إن غطت ذراعيها حتى بدأ شعور الذنب الغريب بالجلوس شبه عارية في السيارة يتلاشى قليلًا.
مدّت يديها خلف ظهرها وبدأت بإغلاق الأزرار الصغيرة أسفل الخصر، واحدًا تلو الآخر.
لكن ما إن وصلت إلى منطقة الصدر حتى صار الأمر صعبًا للغاية.
كان الفستان ملائمًا لجسدها بدقة، بحيث لم يكن هناك أي فراغ بين الزر والعروة. ولو فوتت عروة واحدة، لانفلت كل ما سبق أن أغلقته.
حاولت مرارًا، لكن أصابعها كانت تنزلق وتفلت العروة. حتى أرهقتها عضلات كتفيها، فأخذت تدق بيدها على كتفها بتعب.
اضطرت إلى ارتداء الحذاء أولًا.
وكان الحذاء بدوره ملائمًا تمامًا لمقاسها، كأن من اشتراه يعرف مقاسها بدقة مسبقًا.
لكنها لم تلاحظ ذلك بعد، لانشغالها بالانزعاج من ظهرها العاري المكشوف.
ماذا أفعل الآن؟
لقد ارتديت الجوارب والحذاء، وأنجزت كل ما أستطيع وحدي.
كان عليها اتخاذ قرار.
بعد تفكير قصير، أبعدت الصندوق وطرقت النافذة.
طَرق طَرق.
استدار الرجل ببطء شديد.
كان لعبه بالكلمات عن كونه “نبيلًا أو غير نبيل” مجرد مزاح، فقد وفى بوعده وبقي يحرسها بإخلاص من الخارج.
غاصت كلير بمقعدها محاولة إخفاء ظهرها المكشوف، ولوّحت له بحذر.
تفحّص داميان المكان، ثم فتح باب السيارة بهدوء شديد. بدا مسترخيًا، لكن لحظة صعوده إلى السيارة كانت دقيقة وسريعة.
وبينما كان يدخل، كانت كلير تفكر بجنون كيف تشرح له مأزقها دون أن تحرج نفسها أكثر.
ليته طلب مني منذ البداية أن نذهب معًا إلى متجر الأزياء……
لكنها كانت تدرك أنها لو فعل، لما وافقت على مرافقته. ولهذا بالذات اختار أن يحضر الفستان بنفسه.
“أ… داميان.”
بدأت كلامها بصعوبة، لكنها فوجئت بحل أسرع مما توقعت.
“يليق بكِ جدًا يا كلير. ثم إنني، وأنا أقف في الخارج، تذكرت شيئًا…….”
كان يتحدث وهو يواجه الأمام دون أن يلتفت مباشرة إليها
“لقد مضى وقت طويل منذ أن عشت مع أختي، حتى أنني نسيت أن ملابس النساء، بخلاف الرجال، يصعب ارتداؤها بمفردهن. تذكرت ذلك حين استحضرت صور لعبنا بالدمى. لذلك، إن احتجتِ إلى مساعدتي فلا تقلقي وأخبِريني. لدي خبرة في إلباس دمى غريبة الصنع مئات المرات، فما بالك بفستان صممه مصمم أزياء؟ أستطيع التعامل معه وأنا مغمض العينين.”
لم يتوقف الرجل عن الكلام، يفرغ كلماته وهو يحدق فقط إلى الأمام دون أن يلتقط أنفاسه. ثم أضاف بصوت خافت، كأنه يبتلع نفسه من شدة الحرج
“ربما.”
حدّقت كلير بعينيها متسعة في دهشة، ثم انفجرت ضاحكة فجأة.
ذلك التوتر الشديد الذي كان يملأ قلبها انقلب إلى ضحك لا تستطيع كبته.
“هاهاها!”
كل تلك الكلمات التي قالها قبل قليل عن أن المرأة التي لم ترتدِ ملابسها كذا وكذا لم تكن سوى ادعاء فارغ.
أما ملامح الرجل، وهو يتفوه باستعجال بعرضه لمساعدتها في ارتداء الفستان، فقد بدت جادة حد اليأس.
ومع ضحكها المجلجل، احمرّ جانب وجه الرجل بدرجة ملحوظة. كان ذلك في غاية اللطافة.
“كم هو محرج.”
وما زاد الأمر صدقًا أنه اعترف بذلك صراحة.
رؤية جسده الضخم منكمشًا على نفسه بهذا الشكل جعل قلبها يلين.
عندها مسحت بقايا الضحك عن وجهها، وتحدثت بجدية ووقار، وكأنها تطلب معروفًا حقيقيًا
“هل تتكرم بمساعدتي، أيها السيد النبيل؟”
“بكل سرور.”
“يعني…”
لم تستطع مقاومة الرغبة في مشاغبته بكلمة إضافية
“أنت قادر إذن على إغلاق أزرار الفستان وعيناك مغمضتان، صحيح يا داميان؟”
أطلق داميان تنهيدة طويلة محمّلة بالعجز.
“رجاءً اكتفي بقول إنني أفضل من رجل يزعم أنه قادر على حلّ الأزرار مغمض العينين، يا كلير.”
“سأرى ما ستفعله أولًا.”
أبعدت كلير ظهرها عن المقعد الذي كانت ملتصقة به، واعتدلت في جلستها. ثم أدارت ظهرها العاري تدريجيًا نحو الرجل.
وفجأة، تبدّل الجو بينهما. فبينما كانا يتبادلان الضحكات والمرح قبل لحظات، سرى الآن تيار غامض لم يُظهره أي منهما علنًا.
وما إن رآها تستدير حتى أغمض الرجل عينيه على الفور.
أما كلير، فاستدارت تمامًا كاشفة ظهرها، وأسندت يديها على مقبض باب المقعد المجاور، ثم أخذت نفسًا عميقًا.
“إذن… أرجوك.”.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"