همس داميان في أذن كلير
“إنه شخص لا يكتب أبدًا ما هو خاطئ.”
ومع انتهاء كلماته، تلاشى أثر وجوده مبتعدًا.
الكلمات الأخيرة التي تركها خلفه بدت وكأنها صدى يتردد.
أرادت الخروج بسرعة من المكتبة، لكنها لم تستطع تحريك جسدها بسبب برودة مفاجئة اجتاحتها.
التقطت كلير أنفاسها وسط الظلام الساكن، ثم فجأة اندفعت راكضة إلى خارج المكتبة.
وما إن فتحت الباب بقوة حتى أوقفها صراخ أحدهم.
“يا إلهي!”
أمام الباب مباشرة، وقفت سيدة مسنّة، شاحبة الوجه وقد وضعت يدها على صدرها. كانت مدبرة الخدم، السيدة ويلسون.
“يا إلهي، الآنسة بينيت!”
لم تستطع المدبرة إخفاء ارتباكها حين تأكدت أن من اندفع خارج المكتبة لم يكن شبحًا بل إنسانة حقيقية.
“ماذا كنتِ تفعلين هناك بحق السماء؟ ولماذا تبدين بهذا الشكل…….”
تفحصت السيدة ويلسون كلير من رأسها حتى قدميها، ثم وضعت يدها على صدرها وزفرت تنهيدة طويلة.
أمام نظراتها المليئة بالتوبيخ، شعرت كلير وكأنها مراهق ارتكب حماقة.
فأطرقت رأسها بأسف، شبكت يديها أمامها، وأخذت تدير عينيها بحذر نحو ما وراء كتف السيدة ويلسون، في الاتجاه الذي سلكه داميان. لكن لم يكن له أي أثر.
إلى أين ذهب!
“هل طلبتُ منك تنظيف المكتبة؟”
بالطبع لم يحدث ذلك.
أمام سؤال المدبرة المليء باللوم، ترددت كلير.
بإمكانها ذكر اسم داميان، لكنها لم ترد أن تتذرع بشخص غير موجود في المكان.
لذا انحنت أكثر وأجابت بخضوع
“أعتذر يا سيدة ويلسون. لقد هطلت أمطار غزيرة فأردت التحقق فحسب……. أما هذه الثياب……. فقد أعطاني إياها السيد ويلز، لأن ثيابي اتسخت بالطين كثيرًا.”
“هل طلب منك السيد ويلز أن تتأكدي من حالة الكتب؟”
لحسن الحظ، بدا أن السيدة ويلسون قد أدركت ما يحدث دون أن تضطر كلير لتبرير طويل.
فأومأت كلير بسرعة وعلامات الارتياح بادية على وجهها.
“وأين هو السيد ويلز الآن؟”
حتى كلير لم تكن تعرف ذلك.
“أنا أيضًا لست متأكدة…….”
أخذت المدبرة تنظر حولها، ثم زفرت استسلامًا وكأنها تخلت عن محاولة العثور عليه، وحدّقت مجددًا في كلير.
“في المرة القادمة، حتى لو كان السيد ويلز من أعطاك التعليمات، عليك أن تأخذي إذني أولًا قبل أن تتحركي. أما بالنسبة للثياب……. فسأجهز لك غرفة خاصة لأجل مناوباتك، ونضع فيها بعض الملابس الاحتياطية.”
“حسنًا.”
“يمكنك الانصراف الآن.”
التفتت كلير على عجل لتنصرف.
لكن قبل أن تخطو بضع خطوات، نادتها المدبرة من خلفها
“انتظري، آنسة بينيت.”
“نعم؟”
استدارت، فرأت السيدة ويلسون تنظر إليها. بدت وكأنها تريد قول شيء، لكنها سرعان ما أغلقت فمها.
“لا، لا شيء. يمكنك الذهاب الآن.”
“…….”
أخفضت المدبرة عينيها وأغلقت فمها كالمحار.
شعرت كلير بشيء غريب. وأثناء انحنائها مجددًا احترامًا ثم استدارتها للرحيل، تساءلت عمّا تكون قد أغفلته.
الإحساس بعدم الارتياح جعلها قلقة.
لم تستطع التخلص من الشعور بأن في هذا القصر، وحول الدوق ومن يحيطون به، سرًّا خفيًا ما.
يبدو أن عليها طلب مزيد من المعلومات من فولك.
إن كانت هناك أمور غابت عنها، فربما سيكون عليها مراجعة الخطة منذ البداية.
وإن فشلَت العملية، فلن تخسر نفسها فقط، بل قد تفقد للأبد فرصة العثور على معلمها الذي ربما ما زال حيًّا في مكان ما.
إن كان هناك مجرد احتمال ضئيل لوجوده حيًّا، فعليها أن تكون أكثر حذرًا.
لأن ذلك هو السبيل لإنقاذه…… ولإنقاذ نفسها أيضًا.
***
في ذلك المساء.
“غيّري ملابسكِ، كلير.”
“لا أريد.”
“استمعي إليّ.”
“لن أفعل أبدًا.”
“كلير.”
“داميان.”
“أرجوكِ…….”
“حتى لو توسلتَ، لن يجدي نفعًا. ما لا يجب، لا يجب.”
“ولماذا ترفضين إذن؟!”
“ولماذا تُصرّ أن أبدّل ثيابي؟!”
تبادل الاثنان، المنفعلان، أنفاسًا سريعة وحدّقا ببعضهما بغضب.
داخل سيارة متوقفة في زقاق خالٍ من الناس، جلسا جنبًا إلى جنب. وكان داميان أول من استأنف الهجوم
“لقد قضيتُ ثلاث ساعات في غرفة الغسيل لتنظيف ثيابك الملطخة بالطين. ألا يمكنك تلبية هذا الطلب البسيط؟”
هذا غير عادل!
‘لو كنتُ أعلم أنه سيستخدم ذلك ضدي، لما صفّقتُ بإعجاب حين رأيت ملابسي تلمع وكأنها جديدة.’
ارتبكت عينا كلير، المحشورة في زاوية.
لم يترك الرجل الفرصة لها لتفلت، بل تابع ضغطه
“من أجلي على الأقل، غيّري ملابسك. ستناسبك كثيرًا، لا يمكنك التجول في سيدماوث بهذا الشكل. هذا ليس حيًا جامعيًا حيث ترتدي النساء التنورات القصيرة أو السراويل القصيرة ويمشين بحرية.”
“لم أكن أعلم أنك تعتبر النساء اللواتي يرتدين السراويل تهديدًا خطيرًا.”
ما زالت كلير ترتدي القميص والسروال القصيرين اللذين أعطاها إياهما داميان.
وبينما كانت تُخرج شفتيها باستياء وترفض أخذ صندوق الفستان الذي مدّه إليها، نقر داميان بلسانه بخفة
“محاولتك وصفي برجل متحجر بائس لا تجدي نفعًا. لستُ من هؤلاء الأغبياء. ثم إن…….”
نقر بأصابعه على غطاء الصندوق، فأصدر صوتًا رنانًا واضحًا.
وهكذا انتهى الأمر بأن صار الصندوق على ركبتيها.
بعد إنهاء عملها في القصر واستعدادها للمغادرة، ظهر داميان فجأة بعد أن كان قد اختفى، وقادها إلى غرفة الغسيل بفخر، حيث قال
“لك أن تندهشي.”
وأشار متباهياً إلى زاوية الغرفة حيث كانت ثيابها معلّقة، نظيفة تمامًا.
لم تستطع كلير إخفاء دهشتها وهي تلمس طرف تنورتها وقد اختفى كل أثر للطين.
راقبها داميان برضا، ثم أصرّ على إيصالها إلى المدينة بسيارته.
لكنه بدل أن يتوجه إلى المكان الذي أنزلها فيه بالأمس، أخذها إلى حي مزدحم، وطلب منها الانتظار قليلًا، ثم اختفى.
وعندما عاد، كان يحمل صندوقًا كبيرًا بين ذراعيه.
وما إن فتحته كلير ورأت ما بداخله، حتى تجمدت يدها للحظة وارتجفت.
هذا…
في الداخل كان فستان “حورية البحر” المرصّع باللؤلؤ، الذي كانت قد توقفت لتتأمله في واجهة أحد المتاجر.
محض…… صدفة، أليس كذلك؟
كان من الممكن أن تفهم أنه اختار الفستان نفسه الذي كانت تنظر إليه، فالمدينة لا تضم سوى عدد قليل من متاجر الملابس، على عكس العاصمة كوينزرود. ومن الطبيعي أن تكون الخيارات محدودة.
لكن بعيدًا عن ذلك، كانت كلير تدرك تمامًا كم كان هذا الثوب باهظ الثمن. ولهذا لم تستطع قبول هدية داميان بسهولة. والأسوأ أن الصندوق لم يحتوِ على الفستان فحسب، بل ضم أيضًا قبعة وقفازات وجوارب وحذاءً متكاملًا، وكأن الموظف في المتجر قد جهّز لها طقمًا كاملًا.
رفعت كلير بوجه حائر رأسها نحو داميان.
“لكن هذا…… مبالغ فيه…….”
وقبل أن تكمل رفضها، قاطعها هو موضحًا
“إياك أن تقولي إنك لا تستطيعين ارتداءه. فالمرأة الوحيدة التي تشكل تهديدًا لرجل نبيل هي امرأة من نوع واحد فقط… المرأة التي لا ترتدي لا سروالًا ولا ثوبًا ولا أي شيء.”
احمرّ وجه كلير بشدة وهي تشد على زاوية الصندوق. كيف يمكنه أن يقول مثل هذه الكلمات بوجه رصين وهادئ؟
“أنت حقًا…….”
عضّت شفتها بقهر وهي تحدجه.
“أنت لستَ نبيلًا على الإطلاق. واعلم أن انطباعي هذا لن أتراجع عنه أبدًا.”
ابتسمت ملامح داميان الجانبية بابتسامة هادئة.
ما هذا! لماذا يبتسم؟ أنا جادة فعلًا.
أثار رد فعله اللامبالي تجاه تهديدها استياءها أكثر.
اللعنة. لو كان لديّ ما يكفي من المال للعملية، لكنتُ اشتريت عشرة من هذه الفساتين في أسبوع واحد، ولما اضطررت إلى الوقوع في هذه المواقف.
“كل ما طلبته هو أن ترتدي الفستان، لكني أجد نفسي أُدان إلى الأبد بأنني لستُ رجلًا نبيلًا. هذا ظلم.”
“لست مظلوما فحسب، بل أشعر أنني أود البكاء.”
اتسعت عينا داميان بدهشة مصطنعة
“هل يُعقل…….”
“أنكِ في قرارة نفسك تتمنين ألا أكون رجلًا نبيلًا؟”
تفاجأت كلير حتى عجزت عن اغلاق فمها، واستدارت فإذا بعينيها تلتقيان بعيني داميان.
في عينيه البنيتين، اللتين بدتا وديعتين قليلًا بسبب انحناء أطرافهما، ارتسمت لمعة ابتسامة مازحة.
“وإلا، فما السبب الذي يجعلكِ تصرّين منذ اليوم على التأكيد أنني لستُ رجلًا نبيلًا؟ إن كان ظني صائبًا، فأنا على استعداد لأن أكون كذلك بكل سرور—.”
لم تكن تدري ما الذي قد يخرج من فمه بعد ذلك.
لكنها لم ترد الانجرار أكثر إلى وتيرته، فاحتضنت كلير صندوق الفستان إلى صدرها بقوة، ثم صاحت باستسلام كامل
“حسنًا! كفى، كفى! سأرتديه. أبدّل ثيابي بالفستان، أليس كذلك؟”
عندها فقط أخرج داميان من تحت ملامحه الوقورة تلك الابتسامة الشقية المخفية.
ورأت كلير من تلك الابتسامة أنها انساقت إلى استراتيجيته بالضبط، لكن الأوان كان قد فات.
فقد أطلقت الكلمات ولا سبيل للتراجع عنها.
تنهدت كلير بعمق، فيما ظل داميان مبتسمًا وهو يشير بإبهامه إلى خارج نافذة السيارة.
“بدّلي ملابسك. سأكون بالخارج. لا تقلقي، فلن يأتي أحد إلى هذه الجهة.”
كانت قد أصرّت على الرفض من قبل، عازمة على أن تصبح أول امرأة في سيدماوث ترتدي السراويل، لكنها في النهاية وقعت في فخ خطته.
وحين فتحت الغطاء، لاحت أمامها زخارف اللؤلؤ البراقة للفستان الذي لمحتْه مرة ثم أعادت وضعه.
كان جميلًا لدرجة جعلت قلبها يخفق بسرعة، حتى أنها انزعجت من ذلك.
وأثناء تحديقها في الفستان بعينين حائرتين، أساء الرجل فهم نظرتها وقال بصوت خافت
“حتى لو لم يكن على ذوقك، اقبليه. لدينا مهمة لتفقّد العروض المسرحية خلال موسم الاصطياف قبل أن يصل الدوق، فارتديه حينها.”
“عروض…، تفقد؟”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"