<سجل أنساب النبلاء في كوينزلاند>
‘في الحقيقة، ما إن وقع بصري على عنوان الكتاب حتى استبد بي الفضول.
نصف فضولي كان لمعرفة أي سلالة عريقة وعظيمة تناقلها إيان عبر الأجيال، والنصف الآخر كان لتساؤلي عمّا إذا كانت عائلة ويلينغتون، العائلة التي تبنّتني، مذكورة في ذلك الكتاب أم لا.’
‘ أما عن النصف الأخير من فضولي، فلم أكن متأكدة حتى مما أريده حقًا.
هل كنت أتمنى أن تكون عائلة والديّ بالتبنّي مشمولة في ذلك الكتاب المهيب، أم العكس؟’
“… هل يمكنني؟”
“بالطبع.”
حين تناولت كلير الكتاب بحذر، استدار داميان نحو المدفأة من جديد.
راح يزجّ قطع الحطب اليابس داخلها واحدة تلو الأخرى، وهو يتابع حديثه:
“أحيانًا، حين أضطر لقضاء الليل في القصر، أنام في سرير الدوق.”
“…ماذا؟”
ظنّت كلير أنها أساءت السمع، لكن ظهره العريض، الثابت أمامها، لم يُبدِ أي إشارة للمزاح.
قال داميان، وما زال يدير لها ظهره، وفي صوته مسحة ابتسامة مكتومة:
“لماذا تفاجئين هكذا؟ يقولون إن حتى الملكة يُغتاب اسمها حين تكون غائبة.”
أجابت كلير بنبرة متدللة:
“إياك أن تحاول زجّي في الأمر. لا أريد أن يُقبض عليّ بتهمة ازدراء المقدسات.”
“زجّك في ماذا؟ في السرير؟”
“ماذا قلت؟!”
في مزاحه الثقيل الذي نطقه بابتسامة خبيثة، لم تتمالك كلير نفسها، فتمثّلت الغضب في صوتها، وألقت نحوه التفاحة التي كانت قد قضمت منها.
ويا للمفاجأة، فقد التقطها الرجل من خلف ظهره دون أن يلتفت حتى!
كان رد فعله المدهش يليق بعملاء النخبة، فارتبكت كلير وبهت لسانها.
الرجل، بوجه مطمئن، قضم التفاحة بدوره، ثم استدار إليها يبتسم بمرح كطفل مشاكس:
“لذيذة. كان اختيارك لأجمل واحدة مجهودًا يستحق العناء. تفضلي.”
ألقى إليها التفاحة من جديد، فعضّت كلير منها وهي تتذمر بخفوت:
“يبدو أن خطة مهاجمة مؤخرة رأسك لإفقادك الوعي لن تنجح أبدًا.”
“هاهاها!”
“هل يكفي أن أبقى هكذا، أقرأ فقط؟”
كان قد طلب منها أن تكتفي بالقراءة، فجلست كما أراد، لكنها بدأت تشعر بالحرج من مجرد التفرج عليه وهو يعمل.
سألت كلير وفي سؤالها معنى خفي: أليس من واجبي أن أساعدك؟
لكن داميان هز رأسه وأجاب:
“اليوم يكفي أن تراقبي ما أفعل. هذا ما قصدته منذ البداية حين طلبت مرافقتك، اجلسي بارتياح.”
ثم ابتسم وهو يلتفت إليها:
“لكن راقبي جيدًا، فالمرة القادمة ستساعدينني.”
في كلامه شيء من الطمأنة جعلها تجلس أكثر راحة، تتناول التفاحة وتواصل قراءة الكتاب، بينما هو يتنقل في أرجاء المكتبة ينتقي المخطوطات القديمة التي تشبه بعضها.
يقلبها، يفتحها فوق الدعامات الخشبية، يتفحصها، ثم يعيدها مكانها.
ولما أغلقت كلير كتابها أخيرًا ونظرت نحو الساعة، كان الوقت قد تجاوز منتصف النهار بمدة.
وفور أن رأت عقارب الساعة، استشعرت جوعًا لم تلحظه أثناء انشغالها بالقراءة.
“أوشكت على الانتهاء. هل نكتفي ونذهب للغداء؟”
قال كما لو أنه قرأ أفكارها بالضبط.
حين التقت عيناهما، ارتسمت على وجهها ابتسامة طفولية، لم تستطع كتمانها:
“هل وجهي يبدو جائعًا إلى هذا الحد؟ كيف عرفت فقط من النظر؟ هل هي قوى خارقة؟”
“بل لأنني أنا جائع.”
ابتسم داميان بمكر.
فأطلقت كلير نظرة جانبية ضجرة، بينما اقترب منها والتقط الكتاب الذي كانت قد تركته جانبًا، رافعا كتفيه بلامبالاة:
“ومع ذلك، مسألة القوى الخارقة ليست بعيدة كليًا.”
ضحكت كلير بخفة ونهضت من مقعدها.
“لا أصدق.”
“بلى، بلى. صدقي. أصدق تمامًا.”
“هاهاها!”
استدار داميان ليعيد الكتاب إلى مكانه.
دسّه برفق في الفراغ المناسب على الرف حتى لا يخدش غلافه، ثم سألها عرضًا:
“هل وجدتِ ما كنتِ تبحثين عنه؟”
“عفوًا؟”
“أقصد، هذا الكتاب. بدا لي أنك كنت تريدين شيئًا محددًا فيه.”
مرة أخرى، كشف نيتها.
“هل هذه أيضًا قوة خارقة؟”
تظاهرت كلير باللامبالاة، متكئة على الحائط وذراعاها متشابكتان.
“يمكن قول ذلك. هل أجرب أن أخمّن؟”
واصل وهو يرتب الكتب:
“تفضلي.”
“هممم… ربما…”
مدّ الكلمة كمن يفكر مليًا:
“الدوق الأكبر كالفن؟”
ارتجفت وجنتا كلير بغتة، والابتسامة المظفرة على شفتيها تجمدت.
لحسن حظها أنه كان يدير ظهره، فلم يرَ اضطرابها.
لم يكن ممكنًا أن يكون مجرد مصادفة. لقد أصاب الهدف من المحاولة الأولى، فأصابها قشعريرة.
هل يملك فعلًا نوعًا من القوى الخفية؟
عجزت عن النطق للحظة، فيما ظهره أمامها بدا باردًا غير مبالٍ:
“على كل حال، إنه واحد من أعظم بيوت النبلاء في كوينزلاند. طبيعي أن يثير فضولك.”
ثم التفت نحوها.
أسرعت كلير باستعادة ملامحها، وهزت كتفيها وكأنها توافقه.
“ويقال إنه وسيم جدًا، ذلك الدوق الأكبر.”
هذا صحيح.
“وسيم حتى أن الرجال قد يفتنون به.”
‘أنا لست رجلًا لأحكم، لكن النساء حقًا كن يفعلن.’
“فلا عجب أن تكوني فضولية بشأنه.”
ابتلعت كلير نفسًا عميقًا دون أن يلحظ، ثم أخرجته ببطء.
“ولعلّك أيضًا كنتِ فضولية تجاه عائلة دوق هِمنغهام.”
إجابة مأمونة وبديهية، لكنها لم تخطر في بالها. فسارعت لترديدها:
“نعم، صحيح.”
استدار داميان بحركة أنيقة كراقص:
“لكن عن عائلة الدوق، لن تجدي شيئًا هنا. أنتِ بالطبع لاحظتِ.”
كادت أن تجن. لماذا لم يخطر لها أن تبحث عن همنغهام أيضًا؟
كانت واثقة من أنها تعرف نسبه عن ظهر قلب من ملفات كامشاك، فلم تر داعيًا لمراجعة إضافية.
لكن أيًا كان السبب، فقد قصّرت، وهذا في عرفها إهمال. كان لا بد أن تتدارك الموقف.
“صحيح، لم أجد شيئًا.”
“ذلك لأن عائلة الدوق من الفروع الجانبية للعائلة المالكة. يُذكرون في شجرة النسب الملكية، لا في شجرة النبلاء.”
ابتسم داميان حين لم تجب:
“ظننت أن هذا سيثير فضولك.”
“أرى ذلك الآن.”
إذن، عائلات الفروع الجانبية لا تُدرج في نسب النبلاء…
“هل هذا أيضًا يفسر غياب تفاصيل عن الدوق الأكبر كالفن؟ هل عائلته أيضًا فرع جانبي؟”
لكنها تعلم أن الأمر لم يكن كذلك. احتفظت بتساؤلها في داخلها.
فأجاب داميان بنبرة فيها بعض السرور:
“إذن كنتِ تبحثين عنه حقًا.”
“أظن أن أي شخص قد يفعل، أليس كذلك؟”
تهرّبت كلير من جواب صريح.
لكن، في الحقيقة، كان محقًا. فما إن فتحت الكتاب حتى بدأت بالبحث عن نسب إيان.
في الفصل الأخير، وجدت ذكر “الدوق الأكبر كالفن” تحت اسمه الرسمي “كالدابرييل”، لكن لم يكن هناك شيء سوى العنوان.
تحت اسم العائلة، لا كلمة، لا جملة، لا شيء. مجرد بياض.
وهكذا انتهى الكتاب.
هل عائلته أيضًا فرع جانبي من العائلة المالكة؟
لكن في ملفات كامشاك لم يكن هناك أي إشارة لذلك.
هل لدى مجتمع نبلاء كوينزلاند علمٌ بأسرار لا يعرفها سواهم؟
ثم… لو كانت عائلته فرعًا جانبيًا، لما أدرج اسمها أصلًا، حتى كعنوان! فما سبب وجود فصل بلا مضمون؟
قطع حبل أفكارها صوت داميان:
“فرع جانبي من العائلة المالكة؟ لا، لا أظن ذلك.”
أنهى ترتيب الكتب وتوجه نحو النافذة البعيدة.
أغلق النافذة التي كان قد تركها للتهوية، ثم أسدل الستائر بإحكام.
شيئًا فشيئًا، أخذت العتمة تزحف إلى أرجاء المكتبة التي كانت قبل لحظة تفيض بالضوء.
ورغم أن السماء في الخارج لا تزال ساطعة، إلا أن خطواته نحوها جلبت الظلال معه.
حتى وقف أخيرًا أمامها، محجوبًا عن الضوء، فارتفع نظرها إليه.
لم ترَ ملامحه بوضوح بسبب الضوء المرتد من خلفه، فحدقت محاولة استشفاف تعابيره.
“…وكيف تعرف ذلك؟”
كان النور والظلام يتناوبان. تراه، لكنها لا تراه.
في العتمة التي غمرته، لم تستطع تمييز نظرة عينيه، فأيقظ ذلك في قلبها خوفًا غريزيًا.
لم يجب مباشرة، واكتفى بالوقوف أمامها صامتًا.
شعرت كأن غموضًا مجهولًا يلتف حول عنقها ليخنقها. صعب عليها التنفس.
“داميان.”
نادته بصوت مرتجف، محاولة أن تتماسك. كانت مقاومتها الوحيدة لمواجهة خوفها من هذا الرجل الذي لا ترى ملامحه.
“أجبني، داميان.”
‘داميان… داميان ويلس.
رجل المنطقة الرمادية.
هل أثق به؟ هل عليّ أن أثق؟
وما الثمن الذي سأدفعه مقابل تلك الثقة؟’
ظل صامتًا.
المكتبة، التي كان دفؤها من المدفأة يبعث العرق، اكتسحتها الآن برودة غريبة.
قشعريرة سرت في عمودها الفقري. برد في أطراف أصابعها.
أغلق آخر نافذة وأسدل الستار.
ظلام.
ظلام كامل.
عضّت كلير شفتها، مستقيمة بجسد يرتجف.
في الخارج، ما زالت الطيور تزقزق، لكن أصواتها ضاعت في صمت الداخل، كأنها تاهت.
قال داميان أخيرًا، من بين الظلال:
“أنا أعرف مؤلف هذا الكتاب…”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"