1. مجدّدًا، إلى سيدمرس
لمست برودة فوهة المسدس مؤخرة عنقها.
تجمّدت كلير في مكانها، غير قادرة حتى على التنفّس.
“كلير، حبيبتي.”
داعب همسُ الرجل الذي يحمل السلاح أذنها. عضّت كلير على أسنانها لتكتم صرخةً كادت تفلت.
إنها تعرف صاحب هذا الصوت.
‘مستحيل.’
أغمضت عينيها بقوّة ثم فتحتهما. بدأ العرق البارد يتصبّب من جبينها.
‘كيف…….’
“لماذا الآن فقط؟ كنت على وشك أن أنتظر طَوال الليل.”
كان الرجل يحتضنها من الخلف بإحكام، وفي الوقت ذاته يُصوّب المسدس نحوها.
ابتلّت بلوزة كلير بالعرق حيث لامست جسده. مال برأسه قليلًا، ثم التقط توتّرها، فنقر بلسانه.
“لماذا تتعرّقين هكذا كثيرًا؟”
على عكس كلير التي تجمّدت تمامًا ولم تستطع التنفّس، كان هو مفعمًا بالهدوء. رسمت أصابعه مسارًا بطيئًا على خطّ عنقها الرفيع.
“حين تكونين متوترة إلى هذا الحد، أشعر وكأنني حقًا شرير.”
خرج أنينٌ من بين أسنان كلير المطبقة، كرد فعل على لمسة يده المستفزّة.
اقترب بفخذه أكثر من وركها حين سمع ذلك الصوت. احتضنها بذراعَيه العريضتين كأنما سيبتلعها في أية لحظة.
“أشعر بالرضا وأنا أعانقك هكذا. يذكّرني بليلتنا الأولى معًا.”
عضّت كلير على أسنانها أكثر.
‘عليّ أن أستعيد هدوئي.’
لم تحاول الهرب من بين ذراعيه، بل راحت تفكّر بيأس في ما الخطأ الذي حصل.
كيف وصل الأمر إلى هذا؟ ما الذي فاتها؟
كانت العملية كاملة. أحيانًا خطرة، لكن تستحق المخاطرة.
إذن لماذا يقف هذا الرجل هنا بدلًا من دوق هِمنغهام؟
بل وأكثر من ذلك……
“ألستِ سعيدة برؤيتي؟ كنت أظن أننا بعد لقائنا مجددًا صرنا بخير. أم أنّه كان مجرّد وَهم؟”
بابتسامةٍ في صوته، همس قرب أذنها. ومن نبرته، أدركت كلير الحقيقة.
‘كما توقّعت، كان يعرفني منذ البداية……!’
ارتجف تنفّسها من شدّة التوتر، فأطلق الرجل تنهيدة وحاول أن يديرها نحوه. عضّت كلير على شفتها وردّت بغريزة.
‘فرصة!’
أدارت كتفها بسرعة وخفّضت جسدها، محاولة التفلّت عبر إبطه لتفادي فوهة المسدس.
“حقًا يا كلير.”
لكن لا جدوى. فقد توقّع ذلك وسدّ طريقها فورًا.
رمى المسدس وأحاط خصرها النحيل بذراعه، بينما أمسك مؤخرة عنقها بالذراع الأخرى وأحكم قبضته.
اختفت كل فرصة للهروب. وراح يتحدث بصوت هادئ، كما لو كان يواسي طريدةً خائفة.
“لا تفكّري أنك ستهربين مجددًا، أليس كذلك؟ حتى لو حاولت الآن…….”
شدّ ذراعيه حولها أكثر.
“أخخ!”
“فات الأوان يا كلير. لو أردتِ الهروب، لكان عليكِ ألا تلتفتي أبدًا عندما التقينا مجددًا في روزهاوس.”
بشفاه مضغوطة، همست كلير بصوتٍ متقطّع، فيما كان عنقها مسحَقًا بين ذراعيه.
“لقد خدعتني، وهربت، وخططت لخيانتي…….”
حاولت أن تفلت ولو قليلًا، لكنه قيّد فخذيها بساقيه الطويلتين. حين صار نصف جسدها عاجزًا تمامًا، شعرت كلير بالقهر والمهانة، وكادت تبكي.
أما هو، فلم يكترث، بل ظل ينظر إليها بنظرة غارقة في الحنان، هامسًا:
“ولكني أسامحك. ها قد جئتِ برجليك إلى حضني. فلننسَ الماضي، ونبدأ من جديد.”
“اخرس أيها اللقيط!”
‘اللعنة!’
قبضت كلير يديها بشدة حتى ابيضّت مفاصلها.
ذلك الحقير الذي لا يكفّ عن البذاءات، والذي يكاد يفترسها كلما التقت عيناهما بعينيها.
نعم، دوق كالڤن الأكبر، خطيبها السابق، لم يتغيّر.
بل إنه زاد دهاءً، وهو الذي كان ينتظرها متخفّيًا.
“لقيط؟ كلامك قاسٍ جدًّا، عزيزتي.”
رفع ذقنها ليجبرها على النظر إليه. تحت الضوء المعاكس، برزت ملامحه شيئًا فشيئًا.
“أين ذهبت تلك النظرات العاطفية التي كنتِ ترمقينني بها في سيدمرس؟”
سيدمرس؟
‘ماذا يقول…….’
في تلك اللحظة، فاحت رائحة خشب عطرة.
‘هذا العطر…….’
قطبت كلير حاجبيها.
‘لماذا تفوح منه هذه الرائحة……؟’
شيء ما لم يكن صحيحًا. ارتجفت شفتاها.
“مستحيل…….”
تقاطعت أمامها كل اللحظات التي أنكرت صحتها. وكأن قطع أحجية متفرقة أخيرًا وجدت مكانها.
“أنت……، لا، هل يُعقل…….”
ارتسمت ابتسامة راضية على وجهه وهو ينظر إليها وهي تختنق بالصدمة.
“أظهرتُ لك الكثير من العلامات، ولم تدركي إلا الآن؟”
“لا……، هذا مستحيل.”
ارتعش صوت كلير. لم تستطع أن تصدّق ما يجول في عقلها، حتى شعرت أن أنفاسها تنقطع.
“ولمَ لا؟”
وقبل أن تنهي جملتها، بدأت ملامحه تتغيّر. أخذ لون شعره الأسود يتلاشى حتى كاد يصبح شفافًا، وبرزت ملامحه وهي تتحوّل تدريجيًا.
أما عيناه، فكان التغيّر فيهما مذهلًا.
فقد تلاشى البريق الأحمر الداكن الذي كان يشبه النبيذ، وخبا كالنار المنطفئة، وتحول إلى بنيّ غامق يشبه عمق الغابة.
وأخيرًا، ظهر أمامها بوجهه، بشَعره، وبعينَيه، ذاك الذي تعرفه جيدًا.
كانت تشتاق لرؤيته، حقًا. لكن ليس بهذا الشكل.
“مستحيل…….”
عندها فقط، أدركت كلير الحقيقة التي غفلت عنها.
منذ البداية لم يكن هناك مهرب.
لقد كان دومًا بجانبها.
متخفّيًا، يطوّقها كصيّاد يراقب طريدته.
“لماذا تنظرين إليّ هكذا؟”
ضحك بخفوت وهو يلتقي بنظرتها المرتعشة.
“الخيانة صدرت منكِ، ومع ذلك تبدين وكأنني أنا من خانك.”
ثم عانقها بقوة.
عنيفة، شديدة.
“وبالمناسبة، هناك شيء أريد أن أسألكِ عنه.”
أبعدها قليلًا، ثم همس برقة وهو يحدّق فيها بعاطفة.
ارتجفت كتفاها إذ أدركت ما قد يسأل. اتّسعت ابتسامته.
“أين خبّأتِه، ‘الطفل’؟”
ارتجفت وجنتا كلير. أشاحت بوجهها عنه، وحاولت بكل قوتها التملّص.
“اتركني……!”
لكن عبثًا.
“حقًا.”
تصنّع الدهشة إزاء مقاومتها، ثم داعبها كما لو كانت طفلة، ووضع إصبعه بخفّة على منتصف جبينها.
“لا بأس. لم أسألكِ على أمل أن تجيبيني.”
“ماذا……!”
أرادت أن تصرخ: ماذا ستفعل بي؟ لكن بمجرد أن لامست إصبعه جبينها، انعقد لسانها. خيّم الضباب على وعيها، وثقلت جفونها.
“لا تتعبي نفسك. عندما تستيقظين، سيكون كل شيء قد تغيّر.”
هل كان في صوته مسحة حزن؟ أم أنّه مجرّد وَهم؟
إذا راجعت كلير تسلسل الأحداث، فستدرك…… نعم.
بأفكارٍ متلاشية، فكّرت:
‘من البداية، كان كل شيء فخًا.’
وأخيرًا، أطبقت عيناها بالكامل.
وانساق وعيها إلى الوراء، إلى اليوم الذي عادت فيه إلى سيدمرس.
لم يكن في الأفق نهايةٌ لدكتاتورية رئيس اتحاد كامشاك.
ازدادت قسوته بالنهب والقمع، وغرق الشعب في مزيد من الفقر.
ازدادت الواجبات والمسؤوليات على المواطن الجمهوري، بينما ظلت الحريات والحقوق معدومة كما كانت في عهد الإمبراطورية.
كانت أصوات التغيير خافتة، لكنها واسعة الانتشار.
غير أن أحدًا لم يجرؤ على رفع صوته علنًا.
ومع ذلك، كان تماسك جهاز الاستخبارات الأول في الجمهورية، “تشيكا”، الذي تنتمي إليه كلير، متينًا.
فقد واصل إظهار الولاء غير القابل للمقارنة مع أي جهاز آخر في حكومة كامشاك.
وهذا طبيعي، إذ لم يكن مسموحًا بالانضمام إلى تشيكا إلا لمن أثبت ولاءً مطلقًا.
لكن حتى داخل تشيكا نفسها، بدأت أصوات التذمّر تظهر شيئًا فشيئًا بعد طول تأخّر في صرف نفقات النشاط.
في تلك الفترة، كانت كلير تعمل في كوينزلاند تحت اسم “آنايس”، كعميلة تابعة لتشيكا.
وفي الوقت ذاته، أُجري استفتاء شعبي لتعديل دستور اتحاد كامشاك بما يسمح بديكتاتورية أبدية للرئيس ڤلادي.
أُثيرت شبهات حول الاستفتاء، لكن النتيجة انتهت بانتصار فصيل الدكتاتور بقيادة ڤلادي.
وبعد التعديل مباشرة، اندلع صراع حاد داخل تشيكا حول اتجاه أنشطتها. وفي النهاية، انقسمت للمرة الأولى منذ تأسيسها.
لم تكن كلير في البلاد آنذاك، لذا لم تدرك التفاصيل.
فبعد انتهاء مهمتها ضد دوق كالڤن الأكبر، قضت وقتًا طويلًا في تصفية نشاطاتها بكوينزلاند.
وحين عادت إلى عاصمة اتحاد كامشاك، كان كل ما عرفته عن تشيكا قد تغيّر تمامًا.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 1"