12
“ما كل هذه الجلبة؟”
انحنى الفرسان، الذين كانوا على وشك نزع عباءة مورفي، بسرعة نحو صاحب الصوت احترامًا.
“جلالتكِ، الإمبراطورة!”
أضاء وجه إيلين المتوتر فجأة. فقد أتت بارڤانا، وكأنها تستعد للخروج، وتبعها صفٌ من الوصيفات.
“إيلين وهذا ابن عمه كانا في طريقيهما للعودة بعد زيارتي.”
“آه، فهمت…”
رغم أن الفرسان بدوا ما زالوا متشككين في مورفي الذي ظل متخفيًا تحت عباءته، إلا أنهم لم يستطيعوا الإصرار على موقفهم أمام الإمبراطورة. لم يكن أمامهم خيارٌ سوى التراجع.
“أنا متجهةٌ إلى المعبد، يمكنكما أن ترافقاني.”
“شكرًا لكِ، جلالتكِ.”
ساعد إيلين مورفي بسرعة على الصعود إلى العربة أولًا، ثم ألقى نظرةً حادةً أخيرة على الفرسان قبل أن يلحق به.
“لقد كان الأمر وشيكًا للغاية.”
“بالفعل، كذلك.”
“هل أنتما بخير؟”
سألت بارڤانا بقلق وهي تصعد إلى العربة متأخرة قليلًا. كان من حسن الحظ أنها ظهرت في الوقت المناسب تمامًا، قبل أن تُنزع عباءة مورفي، مما جنبهم أيَّ مشكلة.
“نعم، جلالتكِ. كان التوقيت مثاليًا.”
“لو لم تكوني هنا، أمي، لكنا في ورطةِ كبيرة.”
كانت قد سمحت لمورفي بالخروج، لكن القلق لم يفارقها. ثم وصلتها رسالة في الوقت المناسب من المعبد ….
نجم النبوءة كان يشع بضوءٍ غير عادي.
في كل مرةٍ كان نجم النبوءة يضيء بشكلٍ غير مألوف، كانت تُعلن نبوءةٌ عظيمة. كما حدث من قبل؛ عندما تلقت الإبنة الكبرى لعائلة سيرين نبوءةً عن الحظ السعيد، وحينما تلقى مورفي نبوءة عن الحظ السيئ.
“من حسن الحظ أن المعبد استدعاني في هذا الوقت بالذات.”
كانت الإمبراطورة دائمًا تحت مراقبة الإمبراطور، ولكن لم يكن بإمكانه التدخل في جدول أعمالها الرسمي.
ناهيك عن أن هذا كان استدعاءً رسميًا من المعبد، وهو أمرٌ لا يمكن للإمبراطور منعه.
“المعبد؟”
“نعم، قالوا إن نجم النبوءة يُشع بضوءٍ غير مألوف. لا أعلم أيُّ نبوءةٍ سيتم إعلانها هذه المرة …..”
خيّم الظلام على وجه بارڤانا، وكأنها تتذكر اليوم الذي أُعلنت فيه نبوءة مورفي.
لم تكن ترغب في شيء سوى شيءٍ واحد؛ سعادة ابنها. هذا كل ما كانت تريده. ولكن حتى ذلك بدا وكأنه أمرٌ يصعب تحقيقه بالنسبة لمورفي. فبالرغم من أنه وُلد بأرفع نسب في الإمبراطورية، كان عليه أن يرتعد خوفًا لمجرد خروجه في نزهةٍ صغيرة كهذه.
لكن مورفي، وهو ينظر من النافذة، ارتسمت على وجهه ابتسامة. خداه المتوردان كانا يعكسان مشاعره بوضوحٍ أكثر من أيِّ كلمات.
كان مورفي سعيدًا. رغم غياب والده، إلا أن مجرد خروجه كما في السابق، بصحبة والدته وإيلين، كان كافيًا ليمنحه شعورًا بالسعادة.
نظرًا لأن القصر الإمبراطوري كان قريبًا إلى حدٍ ما من قصر آل سيرين، فقد وصلت العربة بسرعة إلى بوابة القصر.
“اعتنِ بنفسك، بني.”
“نعم، أمي.”
نزل مورفي من العربة بحماسٍ واضح. وبينما كان إيلين على وشك النزول، أمسكت بارڤانا بطرف عباءته بلطف.
“إيلين.”
“نعم، جلالتكِ؟”
“أرجوكَ … تأكد من ألّا يحدث شيء.”
“بالطبع، سأحميه جيدًا. لا تقلقي.”
أومأ إيلين برأسه بتصميم، وعندها فقط أطلقت بارڤانا طرف عباءته وابتسمت برفقٍ وكأنها شعرت ببعض الارتياح.
“سنعود قريبًا.”
“عودا سالمين.”
انحنى إيلين احترامًا قبل أن يُسرع للحاق بمورفي.
“يرجى تقديم دعوة الدخول.”
“ها هي.”
أظهر مورفي بكل ثقةٍ الدعوة التي حصل عليها من إيلين. وبعد أن تحقق الفرسان منها، انحنوا قليلاً كعلامةٍ على السماح له بالدخول.
عند دخوله قصر آل سيرين، بدأ مورفي يحدق في الحديقة الجميلة المزينة بعناية. كان يراها دائمًا من الخارج، لكن الدخول إليها منحه شعورًا مختلفًا تمامًا.
“هيا بنا، سموك.”
“أوه، إيلين! أنا الآن ابن عمك، كيف لك أن تتحدث إليّ بهذه الرسمية؟”
“يمكنك أن تناديني بأخي الأكبر إذًا.”
“أوه، أنت ذكيٌ بالفعل.”
ضحك مورفي محرجًا وهو يحك رأسه، ثم خلع عباءته، لتكشف عن الزي الرسمي الفاخر الذي أعدّته له والدته خصيصًا.
كان جماله المتألق مذهلًا لدرجة أن خطوات الشابات اللواتي كنّ في طريقهنّ للدخول إلى القصر توقفت تلقائيًا.
تسارعت همسات الدهشة بينهنّ، وكأنهنّ كنّ يحدقنّ في جوهرةٍ نادرةٍ متقنة الصنع.
بدأت بعضهنّ بالفعل في الهمس حوله.
“أليس لافتًا للأنظار بشكلٍ مبالغٍ فيه؟”
“ماذا يمكنني أن أفعل؟ جمالي يسطع حتى وأنا واقف بلا حراك.”
ابتسم مورفي بثقة وسار نحو قاعة الاحتفال المجاورة للقصر.
أثناء طريقه، مرّ ببحيرة كبيرة كانت مرئيةً بوضوح من الشرفة المطلة على قاعة الاحتفال. لم يكن غريبًا على عائلةٍ تملك شركةً تجارية ضخمة أن يكون لديهم حديقةٌ حول البحيرة بجمالٍ يماثل حدائق القصر الإمبراطوري، مع الاهتمام بأدق التفاصيل.
دخل مورفي وإيلين إلى قاعة الاحتفال، وأخذ مورفي يتفحص الحضور بعناية، وكأنه يبحث عن شخص معين.
“أين جولي؟”
“الشخصية الرئيسية دائمًا ما تصل في النهاية. فقط انتظر قليلًا، وستظهر قريبًا.”
ضحك إيلين على نفاد صبر مورفي، ثم ناوله كوبًا من الكوكتيل.
“لنحتفل بأول خروجٍ غير رسمي لسموكَ.”
“أشكرك.”
تلامست أكوابهم في صوت خفيف.
كانت هذه أول مرة يتذوق فيها مورفي الكحول، لكن المذاق المرير كان مغلفًا بحلاوة العصير، فلم يشعر بأي مرارة على الإطلاق.
“هذا لذيذٌ للغاية.”
لم يستطع مورفي إخفاء حماسه وهو ينتظر جوليانا.
لم يكن متأكدًا مما إذا كان ما يجعله متحمسًا هو تأثير الشراب، أم شيءٌ آخر تمامًا.
* * *
“هل رأيتِها؟”
“ما هذه الغُرّة الغريبة؟”
في زاويةٍ من ردهة القصر، كانت بعض الشابات المتلهفات للقيل والقال يتهامسنّ فيما بينهنّ.
يبدو أنهنّ قد شاهدنّ جوليانا وهي تضع اللمسات الأخيرة على إطلالتها قبل دخول قاعة الاحتفال.
سرعان ما فحصت عيونهنّ فستانها ومجوهراتها، والتي كانت جميعها من أفخر العلامات التجارية؛ لكن بدلاً من الإعجاب بها، أثار ذلك في قلوبهنّ شعورًا بالغيرة، مما جعل الغيرة تتحول إلى همساتٍ لاذعةٍ من الحسد.
كان أساس غيرتهنّ يتضمّن أيضًا مشاعر العداء تجاه ساليتا، زهرة المجتمع الراقي الحالية. على الرغم من أنها تنتمي إلى عائلة الكونت مثلهمّ، إلا أن ساليتا كانت تمتلك جمالًا مثاليًا لا يمكن إنكاره، وكان الحظ يرافقها في كل ما تفعله. لم يكن هناك ما يمكن انتقاده فيها. لذا، أرادوا على الأقل التقليل من شأن أختها الصغرى.
“ما فائدة ارتداء فستانٍ جميل؟”
“بالضبط.”
“كيف يمكنها الظهور في حفل ظهورها الأول بهذا الشكل؟”
تحدثنّ بصوت عالٍ، وكأنهنّ يردنّ أن يسمعهنّ أحد. كان تصرفًا غير مهذبٍ تمامًا.
“هل تتحدثنّ عن أختي الصغيرة؟”
“يا إلهي! آنسة سيرين!”
سعلت الشابات بخفة، ثم وضعنّ أيديهنّ على أفواههنّ. لكن لم يكن بإمكانهنّ استرجاع الكلمات التي تفوّهن بها بالفعل. ومن الواضح أن ساليتا قد سمعت كل شيء، فقد بدا ذلك واضحًا على وجهها المتجمد.
“لـ-لم نقصد ذلك…”
خلف ساليتا، وقفت الشابات اللواتي يناصرنها، وعيونهنّ تحدق بغضبٍ في الفتيات اللواتي أطلقنّ التعليقات الجارحة. ونتيجةً للإحراج، تفرقنّ بسرعة.
لكن ساليتا ما زالت تشعر بالغضب.
“لا تهتمي لمثل هذه الكلمات. عليهنّ الاهتمام بأنفسهنّ أولًا.”
“لكن… إنه لأمرٌ مؤسف قليلًا.”
عند سماع هذه الجملة، رفعت ساليتا حاجبها واستدارت نحو المتحدثة. كانت شابةً من عائلة الكونت ميلو، معروفةً بعنايتها الفائقة بالأزياء وتسريحات الشعر.
“ماذا تقصدين؟”
أجابت ساليتا بنبرةٍ حادة دون أن تشعر. ترددت الآنسة ميلو للحظة، لكنها سرعان ما جمعت شجاعتها وتحدثت.
“إنه لأمرٌ مؤسف فحسب. الفستان والمجوهرات، سمعت أن آنسة سيرين هي من اختارتهما. لكن الغُرَّة…”
حتى دون سماع بقية الجملة، كانت ساليتا تعرف تمامًا ما كانت تحاول قوله.
بالطبع، حتى في نظرها، كانت الغُرَّة مزعجةً بعض الشيء. لهذا السبب، أخبرتها بوجوب قصّها.
لكن ذلك كان خيار جوليانا. وبمجرد أن اختارت، لم يعد لأحدٍ الحق في الحكم عليها. هذه المرة، لم تستطع ساليتا التحدث بلطفٍ كعادتها.
“وما بها الغُرَّة؟ إنها مجرد تسريحة شعر.”
“لكن…”
“إنه تمامًا كإصرار الآنسة ميلو على تزيين فستانها بعدة بروشات لمجرد أنها ترى أن واحدةً لا تكفي لتُظهر شخصيتها. أليس هذا ما تطلقين عليه ‘الموضة’؟”
أمام كلمات ساليتا اللاذعة، بدأ وجه الآنسة ميلو بالاحمرار تدريجيًا.
“هل يُعقل ….. أن ما تفعلينه أنتِ يُعتبر تعبيرًا عن الشخصية، بينما ما يفعله الآخرون يُعدّ غريبًا، صحيح؟”
لم تستطع الآنسة ميلو الرد على أيٍّ من كلماتها. ووجّهت ساليتا الضربة الأخيرة.
“أنا واثقةٌ من أن الآنسة ميلو ليست من هذا النوع من الأشخاص.”
تجاوزتها ساليتا متجهةً نحو قاعة الحفل، وتبعتها الشابات الأخريات، وهنّ ينظرن إلى الآنسة ميلو بازدراء. شعرت الأخيرة بالإحراج وسعلت قليلًا، ثم أسرعت للحاق بهنّ.
أما خلف الجميع، فقد كانت جوليانا تستمع إلى كل شيء.
رنّ في أذنيها كلمات أختها السابقة.
– هل تفكرين فقط في نفسكِ؟
– عليكِ مراعاة سُمعة العائلة. لا تفكّري في نفسكِ فقط. موقفكِ الحالي ليس برودًا، بل أنانية.
كانت تلك الكلمات تُقال دائمًا لصالحها. لكن الأهم من ذلك، أن ساليتا احترمت في النهاية اختيارها.
توقفت جوليانا، التي كانت في طريقها إلى قاعة الحفل، فجأة.
عادت أدراجها وجلست أمام مرآة زينتها.
بدت الغُرَّة التي غطّت عينيها أكثر سخفًا من أيِّ وقتٍ مضى.
وكأنها قد اتخذت قرارها، دفعت جوليانا الغُرَّة إلى الجانب.
انعكست في المرآة عيناها الزرقاوان العميقتان بوضوح.
“لا بأس.”
غادرت الغرفة مرة أخرى.
مع اختفاء الغُرَّة التي كانت تحجب رؤيتها، أصبح كل شيءٍ يبدو أوضح.
كان حفل ظهورها على وشك البدء. أسرعت بخطواتها.
كانت هذه المرة الأولى التي ترتدي فيها فستانًا فاخرًا بهذا الشكل، والمرة الأولى التي تضع فيها عقدًا مرصعًا بالأحجار الكريمة وأقراطًا متدلية.
أمامها، ظهرت أبوابٌ تؤدي من الردهة إلى قاعة الحفل.
“جولي.”
“أختي.”
كانت ساليتا تنتظرها عند الباب.
اقتربت منها، متفاجئة من تسريحة جوليانا الجديدة.
“أنتِ… غُرَّتُكِ…”
“نعم، إنه حفل ظهوري.”
رفعت جوليانا زاوية شفتيها قليلًا. لكنها كانت ترتجف قليلًا.
رأت ساليتا أن أختها بدت متوترة، فربتت على كتفها برفق.
“هل أنتِ متوترة؟”
“لا.”
“كاذبة.”
“…قليلًا.”
في النهاية، اعترفت جوليانا بصدق.
كان الوقوف أمام هذا العدد الكبير من الناس للمرة الأولى أمرًا مرعبًا بالفعل.
“لا تقلقي.”
“حسنًا.”
“لن يحدث شيء.”
هل كانت أختها تعلم بقلقها؟
في الواقع، رغم أنها قد أبعدت غُرَّتها، إلا أنها لا تزال تشعر بعدم الارتياح.
ماذا لو تغيّرت عيناها أمام الجميع؟
[ يُتبع في الفصل القادم …….]
– ترجمة خلود